الجديد برس:

لقد أصبح أنصار الله في اليمن، عاملاً لا يملك الغرب أي استجابة فعالة لحلها، ويؤكد أحد مراكز الأبحاث البريطانية الرائدة، تشاتام هاوس، أن أنشطة أنصار الله اليمنيون في مايو/أيار 2024 في العاصمة اليمنية صنعاء، والمتعلقة بتطهير المجال السياسي، تظل “مفلتة ” تمامًا، لأن الترسانة التقليدية للغرب عديمة الفائدة في هذه الحالة – فاليمنيون يقاتلون بشكل فعال أشكال مختلفة من “الطابور الخامس”، والأدوات العسكرية إما غير مربحة أو لا تعمل بالشكل المطلوب.

ويرى تشاتام هاوس أن اليمن لا يواجه أي صعوبات مع جيرانهم (المملكة العربية السعودية) بعد أن اتفق الجانبان في وقت سابق من هذا العام على إنهاء الأعمال العدائية المفتوحة، وما يسميه تشاتام هاوس “حدود الرد الدولي” تبين أنه غير كاف لوقف هجمات اليمنيين الصاروخية والطائرات بدون طيار على السفن المعادية المستمرة منذ عام تقريبا، وبالتالي نمت سلطة أنصار الله بشكل كبير.

أن أكثر ما يقلق تشاتام هاوس هو أن اليمنيين يشعرون بالأمان إلى حد معقول ويبدو أنهم غير مبالين بردود الفعل الدولية المحتملة – “حتى أنهم يحتجزون موظفي الأمم المتحدة ويمنحون اليمنيين العاملين مع المنظمات الدولية غير الحكومية أو السفارات الأجنبية 30 يومًا لتسليم أي معلومات أو وثائق إلى سلطات حكومة صنعاء “، كما أدى نقل التكنولوجيا التقنية من حلفاء أنصار الله، وخاصة من إيران، إلى زيادة مستوى سيطرتهم على الوضع السياسي الداخلي وعلى الجغرافيا المباشرة.

وبطبيعة الحال، فإن تشاتام هاوس لا يشير بشكل مباشر إلى الدوافع الحقيقية للغرب، مع التركيز بشكل أساسي على الحاجة إلى “مقاومة القمع”، و”التمسك بسلطة الأمم المتحدة”، والحفاظ على تدفق مساعدات المانحين لمختلف المبادرات المتعلقة بتعزيز الأمم المتحدة، فالمصالح الغربية في المنطقة تكون على شكل مساعدات إنسانية.

حالياً، يؤكد تشاتام هاوس، أن هناك وجهتي نظر بشأن السياسة المستقبلية تجاه أنصار الله: الأول، الذي تشترك فيه معظم الدول الغربية، يبدو وكأنه مزيج من المزيد من العمل العسكري وزيادة العقوبات والعزلة الدبلوماسية لليمن، والثانية، تليها عمان والمملكة العربية السعودية وعدد من ممثلي الأمم المتحدة، تتلخص في الدبلوماسية الهادئة.

ويقول محللون بريطانيون إن هاتين الاستراتيجيتين لا يمكن الدفاع عنهما، ولا يمكن لأي عمل عسكري أن يؤثر بشكل حاسم على سياسة أنصار الله، فمنذ الحرب الأولى ضد الجماعة في صعدة في عام 2004، وحتى عملية عاصفة الحزم التي قادتها السعودية في عام 2015، وعملية حارس الازدهار بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا في عام 2024، لم يغير أي قصف أو ضربات صاروخية مسار أنصار الله اليمنيون، علاوة على ذلك، فإن حالة الصراع الدائم لا تؤدي إلا إلى تعزيز ولاء الشعب اليمني، بينما تعمل في الوقت نفسه على تعزيز علاقات اليمنيين مع إيران وزيادة فعاليتها القتالية.

كما أدت المقاربات التي تهدف إلى عزل أنصار الله إلى نتائج عكسية، وفي الوقت نفسه يؤكد المحللون أن الوقت لا يعمل لصالح الغرب، لأن ممثلي أنصار الله، الذين يميلون إلى التسوية مع الغرب، يتم استبعادهم تدريجياً من الحركة.

ويقترح تشاتام هاوس إمكانية معينة في الضغط المالي على أنصار اليمن – وبشكل أكثر دقة، في الابتزاز المعبر عنه في رفض إرسال المساعدات الإنسانية إلى مناطق اليمن الخاضعة لسيطرة أنصار الله، وترى تشاتام هاوس توسيع هذه الممارسة وتشديدها.

وكإجراءات رمزية، يقترح إحالة قضايا أنصار الله إلى المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك التحقيق مع قادة أنصار الله السياسيين ومصالحهم المالية من أجل “توجيه ضربة مشروعة لهم”.

فهناك أزمة في الأفكار الغربية بشأن أنصار الله، وإذا اعتبرنا هذه الحالة بمثابة تقنيات محتملة يمكن أن تتبناها روسيا، فإن توسيع نطاق تجربة أنصار الله إلى الاتحاد الروسي ليس له معنى، ولو فقط بسبب الاختلاف القاطع في التنمية الاجتماعية والاقتصادية وطبيعة التهديدات التي تواجهها روسيا وأنصار الله.

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن أي مواجهة مع الغرب بأسلوب “قلب الطاولة” تضع الأطراف الغربية المقابلة في طريق مسدود، وهذا يعني أن الكثير يعتمد على المبادرة والقدرة على الحفاظ عليها في المواجهة الجيوسياسية.

وبما أن حركة أنصار الله، باعترافها كواحدة من أكثر مؤسسات الفكر والرأي البريطانية موثوقية، فهي عدو غير مريح للغاية بالنسبة للغرب، وقد باءت كل محاولات المزايدة عليها أو قمعها بالفشل، فإن أنصار الله تبدو كشريك واعد للعمل في المنطقة.

إن الاحتياجات الإنسانية الرئيسية لأنصار الله هي الإمدادات الغذائية، وروسيا قادرة تماماً على المساعدة في حل هذه المشكلة.

المصدر: معهد روسترات للعلاقات الدولية (RUSI) – معهد أبحاث بريطاني

المصدر: الجديد برس

كلمات دلالية: الأمم المتحدة تشاتام هاوس أنصار الله

إقرأ أيضاً:

كيف منعتنا صنعاء عن الكُفر بالعروبة؟

 

 

في زمنٍ طغى فيه الصمت الرسمي والخذلان العربي، ارتفعت من صنعاء صرخة الكرامة، لا بالشعارات وحدها، بل بالمواقف الفعلية والتحركات الميدانية.
منذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى” التي دشّنتها المقاومة الفلسطينية في أكتوبر 2023، وما تلاها من عدوان إسرائيلي غاشم، سجّلت صنعاء حضوراً عربياً نادراً، كسر قاعدة الصمت، ورسّخ معادلة جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي، عنوانها: “من اليمن يأتي الرد”.
في لحظةٍ كاد فيها اليأس أن يبتلع الوعي العربي، ويكفُر الناس بجدوى الكرامة والنضال، وينحني الجميع لـ”السيد الأمريكي”، برزت حركة أنصار الله من اليمن، كضوءٍ في آخر النفق، تثبت أن العرب لم يُخلقوا للاستسلام، وأن في الأمة نبضاً لم يمت.
لم تكن صواريخها الموجهة نحو الكيان المحتل مجرد أدوات حرب، بل رسائل إيمان: أن المقاومة ممكنة، وأن العدو ليس أسطورة عصية على الهزيمة، وأن الدم العربي لا يزال قادراً على أن يُفاجئ العالم.
لقد أعادت صنعاء تعريف ما يمكن للعربي أن يكونه؛ لا تابعاً ولا مفرّطاً، بل فاعلاً وصلباً؛ وحين اختنق البعض تحت ثقل الهزيمة، فتحت صنعاء نافذة للأمل، ومنعت أمةً بأكملها من الكفر بذاتها وقدرها.
صنعاء تُطلق الصواريخ… والخليج يستقبل ترامب
في مشهد يكشف حالة الانقسام العربي، كانت صنعاء تطلق صواريخها على “إسرائيل”، بينما كانت دول الخليج تفتح أبوابها للرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال جولته التي بدأها من الرياض بتاريخ 13 /5 /2025، إذ بدا المشهد وكأن هناك فُسطاطين عربيين: أحدهما يوقّع على الاستثمارات، وآخر يقاتل بالصواريخ.
خلال 24 ساعة، كانت المقاومة اليمنية قد أطلقت ثلاثة صواريخ باتجاه الأراضي المحتلة، مُستهدفة مواقع عسكرية بطائرات مسيّرة وصواريخ بالستية طويلة المدى، وقد أسفرت الهجمات عن تعليق لعمليات الهبوط والإقلاع في “مطار بن غوريون”، في أجواء مشحونة بالقلق والتأهب، خاصة بعدما تكررت العمليات العسكرية اليمنيّة خلال فترة زمنية قصيرة.
جرى ذلك في الوقت الذي كان يزهو فيه دونالد ترامب داخل قاعدة العديد، متباهياً بنجاحه في توقيع صفقات اقتصادية وعسكرية بمئات المليارات مع المسؤولين في السعودية والإمارات وقطر، وسط تجاهل واضح للعدوان على غزة.
في خطابه الأخير، لمناسبة ذكرى النكبة الفلسطينية، قال قائد حركة أنصار الله، السيد عبد الملك الحوثي، أن القوات المسلحة اليمنية نفّذت تسع عمليات خلال أسبوعٍ واحد، تزامن بعضها مع كلمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقد استهدفت العمليات فرض حظرٍ جوي على العدو الإسرائيلي، إذ لا تزال عشرات شركات الطيران تُعَلِّق رحلاتها إلى مطار اللد (مطار بن غوريون).
اليمنيون لم يكتفوا بتعطيل الملاحة الإسرائيلية، وحظر أي سفينة يثبُت تعاونها مع دولة الاحتلال من المرور في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، بل استطاعوا فرض حظر جوي أيضاً على الإسرائيليين، عبر صواريخهم ومسيّراتهم التي تطير بشكل دوري لأكثر من 2000 كم، وتسقط في أهم المدن الإسرائيلية، بالشكل الذي أثّر سلباً على الاقتصاد الإسرائيلي، وأبكى عيون قادة أحزاب اليمين المتطرف، وهم يرصدون ملايين الإسرائيليين يفرّون إلى الملاجئ.
لماذا تختلف صنعاء عن العواصم العربية الأخرى؟
من البداية، نظرت صنعاء إلى قضية فلسطين باعتبارها معركة وجود، وليست مجرد قضية تضامن، لذا شرعت بتنفيذ عمليات عسكرية فعليّة ضد الكيان الصهيوني، في مشهد غير مسبوق على مستوى الوطن العربي منذ عقود؛ وفي مقابل الصواريخ اليمنية، أقصى ما قدّمه كثير من العواصم العربية لم يكن أكثر من عبارات عاطفية جوفاء، تُظهر الشفقة على أهالي غزة، وتلمز في الوقت ذاته من جهة المقاومة الفلسطينية، مُحمّلة إياها –ضمنيًا أو صراحةً– مسؤولية ما آلت إليه الأمور.
لقد بدا المشهد كأن هناك من يخجل من قوة الفلسطينيين، أكثر مما يغضب من بطش المحتل!، لكن الخطاب القادم من صنعاء، دوماً ما قلب الموازين، فلم يتردد في إعلان الدعم للمقاومة الفلسطينية، والدفاع عنها، وحثّ الشعب العربي على الالتفاف حولها، منذ اندلاع الحرب، وحتى الجمعة الماضية، التي شهدت خروج ألف وسبعٍ وستين مَسِيرةً يمنيّة حاشدة ومصغَّرة، بحسب المحافظات، بدءاً من ميدان السبعين، وصولاً إلى المديريات والأرياف.
رفضت صنعاء التطبيع، مؤكدة أن كرامة الأمة لا تُباع مقابل صفقات أو تحالفات سياسية، وأن الاعتراف بـ”إسرائيل”، هو خيانة كبرى، وارتداد كامل عن نصرة القضية الفلسطينية العادلة، كما فضحت الدور الأمريكي، عبر التأكيد أن علاقة واشنطن بالأنظمة العربية قائمة على الابتزاز، وأن الإسرائيلي هو شريكٌ في كل المكاسب الأمريكية سواء كانت مالية أم سياسية.
في المحصّلة، يمكن اختصار رسالة صنعاء التي حملتها طوال العامين الماضيين، بما يلي:
1. تعريف جديد للدعم العربي لفلسطين
لم تكتفِ صنعاء بالبيانات والتعاطف الإعلامي، بل انتقلت إلى فعلٍ ميداني مباشر، فأطلقت الصواريخ، وهددت مصالح العدو، مؤكدة أن الدعم الحقيقي يُقاس بالأفعال لا بالكلمات.
2. ترسيخ معادلة ردع إقليمية
أظهرت أن الاعتداء على الفلسطينيين لن يمر من دون تكلفة، وأن أي استهداف لفلسطين يعني اضطراباً في الممرات الدولية ومواجهة مفتوحة مع مناصري المقاومة.
3. كشف ازدواجية المواقف العربية
أظهرت المفارقة الحادة بين من يطبّع ويهادن، وبين من يقاوم ويدفع الثمن، ما جعل مواقف الخضوع والتطبيع تبدو عارية من أي مبرر أخلاقي أو استراتيجي.
4. إسقاط أسطورة التفوق الإسرائيلي
من خلال الصواريخ والطائرات المسيّرة، والقدرة على تعطيل الملاحة، أثبتت صنعاء أن الردّ العربي ممكن، وأنّ الردع لا يزال في متناول اليد بشرط توافر الإرادة.
5. القدرة على تحدي الولايات المتحدة
صمدت صنعاء في وجه الجيش الأمريكي الذي أبحرت حاملات طائراته حتى مضيق باب المندب لقصف أبناء اليمن، ولم تنجح القوات الأمريكية في إجبار القيادة اليمنية على التخلي عن واجبها في معركة إسناد فلسطين، وما كان من دونالد ترامب إلا أن أعلن، في نهاية المطاف، وقف عدوانه، منسحباً من المنطقة… لكن قبل ذلك، كان مجبراً على وصف أبناء حركة أنصار الله بالمقاتلين الأشداء.
6. تجسيد العروبة كهوية نضالية
قدّمت صنعاء النموذج الصحيح للعروبة: عروبة تُقاوم لا تساوم، تقف مع فلسطين لا ضدها، وتنحاز للمظلوم لا للمحتل. هذا النموذج أعاد إحياء شعور الانتماء في أمة كادت أن تفقد الثقة بنفسها.
صنعاء.. حين أيقظت أمة نائمة
اليوم تتجسد الكرامة العربية من صنعاء، لا من عواصم الرفاه. وبينما فُرِش السجّاد الأحمر منذ أيامٍ لرئيسٍ زوّد الاحتلال كل أسباب القتل والبطش، كانت صنعاء تردّ بالصواريخ والمواقف الصلبة. هناك، وُقّعت الصفقات، وهنا، كُتبت الرسالة بمداد النار: أن العروبة ليست زينةً للخطاب، بل مسؤولية تُحمَل حين تشتدّ المحنة.
في هذا السياق، يبرز قادة حركة أنصار الله كشموسٍ في سماء محور المقاومة، يخاطبون الأمة من صنعاء، بلغة العزيمة والبصيرة، تماماً كما كان يفعل السيد حسن نصر الله من بيروت، قبل ارتقائه شهيداً. جميعهم يُشكّلون أصواتاً عقائدية مقاومة، تنطلق من أرض مُحاصرة لتخاطب أمة محاصَرة بالتخاذل.
وبينما يُفتقد حضور كثير من الزعماء العرب على منابر الكرامة، يرى أنصار المقاومة في أبناء صنعاء عزاءً وتوازناً، وامتدادًا لخطّ السيد نصر الله في الصدق والبصيرة والارتباط العضوي بفلسطين، وفي وجه الردّة الجماعية، بات هذا الصوت مرجعًا للمقهورين، ولمن لم ينسَ بعدُ أن العروبة الحقّة لا تصافح اليد التي تلطّخت بدماء أطفال غزة.
كاتب مصري

مقالات مشابهة

  • كيف منعتنا صنعاء عن الكُفر بالعروبة؟
  • أنصار الله.. معادلة الهيمنة الاستراتيجية في البحر الأحمر
  • ذا هيل: هل تهاوت واشنطن في مواجهةٍ مُتكافئة مع خصمٍ صغير كالحوثيين في اليمن؟ (ترجمة خاصة)
  • اليمن.. «أنصار الله» تفرض حظراً بحرياً على ميناء حيفا الإسرائيلي وتحذر شركات الشحن
  • تقرير بريطاني: اليمن يفرض معادلاته ويعيد تشكيل الأمن البحري في المنطقة
  • اليمن يعلن "حظرًا بحريًا" على ميناء حيفا الإسرائيلي
  • موقع بريطاني: الفشل الامريكي في اليمن صارخ واستراتيجي
  • إدارة ترامب تعتزم إغلاق مركز أبحاث شهير تابع لوكالة ناسا في نيويورك
  • "أنصار الله": استهدفنا مطار بن غورين بصاروخين باليستيين
  • هكذا تواجه روسيا الغرب المنقسم