موقع النيلين:
2025-06-22@14:39:56 GMT

خَسَائِر الإمارات مِن حَرب السودان ..!

تاريخ النشر: 24th, August 2024 GMT

خَسَائِر الإمارات مِن حَرب السُّودان..!

إذا كُنّا قد تَحَدّثنَا في المقال السّابق، عن حسابات مليشيا الدعم السريع في حربها الخَاسِرة من أجل السلطة، فماذا عن حسابات داعميها..؟!

تُعتبر دولة الإمارات العربية، الداعم الأكبر للمليشيا، والراعي الرسمي لمشروعها السُّلطوي، وبكل تأكيد ليس ذلك الدعم بلا أهداف مُحدّدة وغايات مُرتجاة.


نعم لدولة الإمارات مصالح ومخاوف ورغبات في السُّودان.
هناك أربع قراءات لتفسير دوافع دولة الإمارات في هذه الحرب الكارثيّة:
الأولى/ مصالح ذات طبيعة اقتصادية مُتعلِّقة بالذهب والموانئ والموارد الزراعية.

الثانية/ الرغبة التي تريد الإمارات تحقيقها من رعايتها للدعم السريع، هي أن تضع مثل هذه القوة المقاتلة المُتنوِّعة الانتماءات على الامتداد الأفريقي وذات القيادة المركزية الأسرية والقاعدة العسكرية الواسعة، تحت تصرفها في مُغامرات خارجية قادمة.
الثالثة/ للإمارات مخاوف ذاتيّة من مشاريع الحركات الإسلامية في المنطقة وتمدُّد نفوذها وتأثيرها.

الرابعة/ إنّ دولة الإمارات هي وكيلٌ تنفيذيٌّ للمشروع الإسرائيلي في المنطقة وفي السُّودان تحديداً.
وليس بمُستبعدٍ أن تكون القراءات الأربع في مُجملها وبغض النظر عن ترتيبها، هي التي تُشكِّل قاعدة الانطلاق في التعامل الإماراتي مع الشأن السُّوداني.

دعونا ننظر بعُمقٍ لاحتمالات تأثير مجريات الحرب وتداعياتها على مصالح ومخاوف ورغبات دولة الإمارات:
أولاً/ بافتراض صحة القراءة الأولى، بأنّ الإمارات دافعها في الأساس تحقيق مصالح اقتصادية مثل الاستحواذ على الأراضي الزراعية في الفشقة وغيرها ، والسيطرة على الموانئ أو استدامة مصالح قائمة في الأساس مثل الحصول على الذهب.

فإنّ الحرب وما صاحبها من انتهاكات وفظاعات، وما ترتّب عليها من مرارات ومشاعر سالبة، خلقت بيئة مُعادية للإمارات لن تسمح لها بالاستثمار في الأراضي السُّودانيّة أو استغلال الثروات في المدى القريب أو البعيد، فالمنطق يقول: (لا يُمكنك أن تزرع الشوك ثم تأمل أن تجني من ذلك العنب)..!

أمّا بخُصوص الاستثمار العسكري بوضع قوة الدعم السريع تحت التصرف التكتيكي والاستراتيجي لدولة الإمارات لتنفيذ مخططات معدة سلفاً أو مُحتملة.
كان لهذا السيناريو فرص أفضل للنجاح في حال وصول الدعم السريع للسُّلطة في ١٥ أبريل بعملية انقلابية سريعة وخاطفة وبتكلفة أخلاقية وسياسية زهيدة.

أما وقد فشل ذلك الانقلاب ودخلت البلاد في حرب طاحنة، وتحوّل الدعم السريع لمليشيا إرهابية ذات سُمعة سيئة على النطاق المحلي والعالمي.

فقد ارتفعت بذلك الفاتورة الأخلاقية والاقتصادية والسياسية المُترتِّبة على العلاقة بالمليشيا، لذا لم يعد من الممكن الاستفادة منها على ذلك النحو المُخطّط له قبل الحرب.
فكلما ارتفعت تكاليف الإنتاج لأيِّ سلعة أو مشروع سياسي، انخفضت في المُقابل عوائد الأرباح ربما إلى حدود الخسائر الفادحة..!

وكذلك الحرب وما تبعها من إنتهاكات وفظاعات وما ترتّب على ذلك من توثيقٍ عبر لجان ومنظمات دولية وأجهزة إعلام عالمية، سيجعل الإمارات في ورطةٍ كبيرةٍ..!
ستجد الإمارات نفسها بعد أن تضع الحرب أوزارها أو قبل ذلك، مُلاحَقَة بمُطاردات جنائية دولية، ومُطَالَبات تعويضيّة، وإدانات أخلاقية واسعة، ستظل عالقةً بتاريخها كوصمة عار لا تزيلها كريمات التجميل الإنسانية (الإعانات والإغاثات)، ومُشوّهة لصورة زاهية خلدها الشيخ المؤسس زايد بن سلطان آل نهيان.

وبخُصوص المخاوف من الإسلاميين، فحرب المليشيا العدوانية على الدولة السُّودانيّة أعادتهم للواجهة بقوة، ورفعت من أسهم شعبيتهم التي كانت في تراجع لحُدود التلاشي ما بعد ٢٠١٩.

وبذلك، أنهت الحرب عزلتهم لمشاركتهم مع غيرهم من كل فصائل المجتمع في مواجهة المشروع الغازي.

أضف إلى ذلك، فإنّ الإسلاميين بما لديهم من خبرات في الحكم وكوادر تنظيمية، سيكون لهم الدور الأكبر في تشكيل موقف مجتمعي ونفسي، سيظل عائقاً مركزياً أمام تحقيق المصالح الإماراتية في السُّودان.

وفضلاً عن خسائر الإمارات في مشروعها العسكري المُمثل في مليشيا الدعم السريع، فكذلك خَسرَت دور وتأثير حليفها المدني المطروح في السّاحة كبديلٍ للإسلاميين.
فقد وَضعَ الموقف المُخاتِل والمُراوِغ من الحرب، الحليف المدني في قائمة الاتّهام بالاشتراك السِّياسي وربّما الجنائي في جرائمها.

وإذا كانت الإمارات مُتورِّطة في صناعة هذه المأساة السُّودانيّة بالوكالة عن إسرائيل، لا أصالةً عن نفسها، فإنّ ما تمضي إليه الحرب في حالتي انتصار المليشيا أو هزيمتها لن يُحقِّق مصالح إسرائيل أيضاً، ولن ينهي مخاوفها.

فإذا انتصرت المليشيا على الجيش، فستشيع الفوضى في السُّودان، فطبيعة تكوين المليشيا وثقافة مقاتليها وعدم حكمة قيادتها لن يُمكِّنها من إدارة الدولة.

بل في الغالب ستدفع بها تداعيات الأحداث نحو الدخول في أتون تنازعات وصراعات وانقسامات داخلية عميقة.
كما أنّ الإرث الذي خلّفته الحرب وسعة القاعدة المجتمعية
المُتضرِّرة من سلوكيات المليشيا، سيكون وقوداً لحركات مقاومة شرسة من مُنطلقاتٍ مُتعدِّدةٍ.
خلاصة الأمر، فإنّ التنازعات الداخلية المُتوقّعة في مكون المليشيا والمقاومة الشعبية المُحتملة ذات الطيف الواسع، ستفتحان الباب واسعاً لسيناريو فوضى لا تبقي ولا تذر.
وعند تلك الحالة الفوضوية، ستنعدم المصالح، وتتعاظم المخاوف حين تصبح أرض السُّودان الواسعة وذات الجغرافيا المُعقّدة والمنافذ الحدودية المُتعدِّدة، الملاذ المُفضّل للحركات المتطرفة.

وبهذا سيصبح من المُرجح في سُودان الفوضى وغياب السُّلطة، أن تخرج نسخة هجين من داعش الشرق أوسطية وبوكوحرام الأفريقية.
‏‎فبدلاً من أن تكون إسرائيل والدول الغربية والإمارات في مُواجهة سُلطة حاكمة ذات نزوع براغماتي قابلة للمُساومات والمُفاضلة بين الخيارات، ستجد نفسها أمام مجموعاتٍ مُتطرِّفةٍ تتكاثر بكثافة تحت الأرض وفوقها في مناخ السُّيولة الأمنية.

وبهذه الحسابات الواضحة لكُلِّ ذي بصيرةٍ ورشدٍ، سيتّضح أنّ الإمارات كما هي جانٍ ومُعتدٍ على السُّودان، فهي كذلك ضحية لاستشارات فاسدة ومُنعدمة الصلاحية، قُدِّمَت إليها في طبقٍ من ذهبٍ مُزيّفٍ، تفتقر للمعرفة العميقة بتضاريس الخارطة السياسية السُّودانيّة وتعقيداتها العسكريّة فتحولت على إثر ذلك الأرباح المتوقعة لخسائر ماثلة ..!
وربّما بدأت الإمارات في إدراك فَدَاحَة خسائرها من حرب السُّودان.

لذا تَسَارَعت خُطاها في الفترة الأخيرة لإعادة تموضعها، وتوصيف دورها في المَشهد كوسيطٍ يسعى لتحقيق السَّلام من مقعد المُراقَبة.
بدلاً عن راعٍ ومُموِّل لأفظع حربٍ، وأكبر كارثةٍ إنسانيّةٍ يشهدها العالم في السّنوات الأخيرة..!

ضياء الدين بلال

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: دولة الإمارات الدعم السریع الإمارات فی الإمارات م ودانی ة فی الس فی الم

إقرأ أيضاً:

كاتب إسرائيلي: الانسحاب من غزة ضرورة إستراتيجية لمواجهة إيران

يدعو الكاتب الإسرائيلي بن درور يميني إلى إنهاء الحرب على قطاع غزة وإطلاق سراح الأسرى، لأنه يرى أن استمرار القتال في غزة يشكل "عبئا إستراتيجيا خطيرا" على إسرائيل، ويعيق انخراطها الكامل في المواجهة الأهم ضد إيران، ويُفقدها الفرصة لتحقيق ما أسماه "نصرا إقليميا تاريخيا".

ويعتبر يميني في مقاله بصحيفة يديعوت أحرونوت أن الحرب في غزة تحولت إلى عبء يرهق الجيش ويضر بالمكانة السياسية لإسرائيل، مشددا على أن "الحكومة الإسرائيلية من خلال أفعالها وتصريحات مسؤوليها فعلت كل ما في وسعها للوصول بإسرائيل إلى أسوأ مستوى دبلوماسي في تاريخها"، في حين أن "المعركة الحقيقية" هي تلك التي تخوضها في مواجهة إيران.

ويقول: "نعرف أنه يجب وقف القتال في غزة. لقد أصبحت مجرد مصدر إزعاج. بعد أكثر من 20 شهرا، لا يوجد نصر مطلق في الأفق، وإنما روتين قاس ومرهق. وعلى الصعيد السياسي، نحن ننهزم بأنفسنا".

تآكل الدعم الدولي

يرى الكاتب أن الدعم الغربي لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد إيران ما زال قائما، لكنه مهدد بالتآكل بفعل استمرار الحرب في غزة، والدمار الواسع الذي ألحقته بها، إضافة إلى "التصريحات المتهورة لوزراء الحكومة".

ويتحدث يميني عما أسماه بالإعلانات المتفاخرة عن الهلاك والانتقام واستخدام المصطلح التوراتي (عماليق) لتبرير إبادة الفلسطينيين والتحجج بعدم وجود أبرياء بينهم، ويقول "لم تكن الدعاية المؤيدة لحماس لتصل إلى المستويات التي وصلت إليها في الغرب لولا هذه التصريحات الغبية والعنصرية والفاشية التي أصر الوزراء وأعضاء الكنيست والشخصيات العامة والصحفيون على استخدامها، وأدت إلى تقويض الدعم الدولي لإسرائيل".

ويشير إلى أن حملة التضامن الدولي مع إسرائيل خلال الهجوم الإيراني على أراضيها أواخر أبريل/نيسان، التي تضمنت "رحلات نقل أسلحة ومساعدات غير مسبوقة من موانئ غربية، رغم خضوعها لنقابات يسارية معادية"، (على حد زعمه)، لم تكن أمرا بديهيا، وأن استمرار هذه المعونة يرتبط كثيرا بـ"الرأي العام الذي يتأثر سلبا بما يحدث في غزة".

إعلان

ويستشهد يميني بالصحفي البريطاني بيرس مورغان كمؤشر على تحول الرأي العام في الغرب، ويعتبر أن مورغان بدأ داعما لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنه "غيّر موقفه بعد التصريحات التحريضية لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي دعا إلى تدمير ما تبقى من غزة".

ويصر الكاتب على أن سبب تغيير الغرب موقفه من إسرائيل هو المجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق الغزيين، وليس فقط تصريحات الوزراء المتطرفين، ويقول: "لم يكن كافيا أن تلاحق القادة والجنود الإسرائيليين محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية بتهم جرائم الحرب، بل أصر وزراؤنا على منح خصومنا الذخيرة، وإبعاد المتعاطفين عنا".

ويضيف: "بعد الهجوم على إيران، عاد مورغان وأبدى تأييده لإسرائيل بناء على معطيات نووية وأمنية واضحة. لكن هذا الدعم مهدد، وهو السيناريو نفسه الذي حصل بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، حين فرطنا بدعم عالمي نادر بتصريحات انتقامية وغبية".

التركيز على إيران

وينتقد الكاتب بشدة تصريحات وزراء في الحكومة الحالية، مثل وزير الطاقة إيلي كوهين ووزيرة المواصلات ميري ريغيف، الذين دعوا إلى إسقاط مبان في إيران أو "تطهيرها بالكامل"، مشيرا إلى أن هذه التصريحات تعطي الانطباع أن إسرائيل في "حرب انتقامية ضد الشعب الإيراني"، لا ضد نظام يشكل تهديدا نوويا.

ويعتبر أن "مثل هذه التصريحات تُحوّل الحرب على إيران إلى نسخة من حملة غزة"، وتساعد خصوم إسرائيل على تصويرها كدولة عدوانية، وتفقدها دعم الرأي العام الغربي، مما قد يؤدي إلى نجاح حملات شعبية تقودها نقابات العمال في أوروبا وأميركا للتوقف عن شحن الأسلحة والمعدات إلى إسرائيل.

ويضيف ساخرا: "ألا يكفي أن ماكرون بدأ يطالب بوقف ضرب البنى التحتية للطاقة في إيران؟".

ويختم يميني مقاله بمناشدة صريحة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزرائه، قائلا: "إذا تبقى لديكم ذرة عقل، غادروا غزة. أطلقوا سراح الرهائن. هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يساعد إسرائيل على التركيز في الهدف الأساسي الذي هو إيران".

ويشدد على أن "إسرائيل أهم بكثير من القاعدة اليمينية المتعطشة للدماء التي يغازلها الوزراء بتصريحاتهم"، مضيفا أن التصرفات الحالية "تُقوّض الجهد العسكري والسياسي"، وقد تعيد سيناريو فقدان الدعم كما حصل في بداية الحرب على غزة.

مقالات مشابهة

  • كاتب إسرائيلي: الانسحاب من غزة ضرورة إستراتيجية لمواجهة إيران
  • انقلاب ميداني في إقليم كردفان: الجيش السوداني يعلن التقدم والسيطرة على مناطق جديدة وهروب قوات الدعم السريع
  • مساجلة دبلوماسية حامية بين السودان والإمارات بأروقة الأمم المتحدة
  • مندوب السودان الدّائم بجنيف يهاجم مندوب دولة الإمارات في الإجتماع الرفيع بشأن النزاعات والقانون الدولي الانساني
  • حكومتان وحرب واحدة
  • دمج وزارة الري في وزارات أخرى: قرار غير موفق!!
  • تركوا جثثهم وهربوا.. درموت يسرد تفاصيل معركة الجيش السوداني ضد الدعم السريع
  • إعتقال صحفي سوداني في معبر أرقين بتهمة التعاون مع الدعم السريع
  • الأمم المتحدة تحذّر من تداعيات "الأعمال العدائية المتصاعدة" في السودان
  • معركة ما بعد الحرب.. التعافي النفسي والاجتماعي في جنوب لبنان