كاتبة مصرية موهوبة، تتميز بأسلوبها السردى الجذاب وقدرتها على نسج قصص تلامس القلوب، اهتمامها بتفاصيل الشخصيات والأحداث يجعل القارئ يشعر وكأنه يعيش بينهم، وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة كتارا برواية «حكاية السيدة التى سقطت فى الحفرة».

حصلت إيناس حليم على درجة البكالوريوس فى الهندسة، إلا أن شغفها بالأدب دفعها إلى عالم الكتابة، عن أعمالها وأحلامها وآمالها كان لنا هذا الحوار:

بعد وصولها إلى القائمة القصيرة لـ«كتارا».

. الكاتبة لـ«الوطن»: الجوائز الأدبية هدية تُسعدنى لكن شغفى بالكتابة أعمق

بعد وصولها إلى القائمة القصيرة لـ«كتارا».. ما حكاية السيدة التى سقطت فى الحفرة؟

- السيدة التى سقطت فى الحفرة -ظاهرياً- هى بطلة الحكاية المشهورة التى تداولها سكان الإسكندرية فيما بينهم فى مطلع السبعينات عندما انشقت الأرض وابتلعتها أثناء سيرها بجوار زوجها فى شارع النبى دانيال، وشكَّل اختفاؤها لغزاً يصعب تصديقه أو تفسيره، فكانت حكايتها نواة هذه الرواية وبداية رحلة البحث عن تفاصيل الحادثة وأصل الحكاية، لكن ضمنياً فى النص السيدة التى سقطت فى الحفرة هى كل سيدة سقطت فى حفرة معاناتها، والسقوط هنا يمتد إلى رمزية الثقل الذى يُصيب الأشخاص فيسقطون جرّاءه، الثقل الناتج عن أشكال مختلفة من المعاناة قد تكون وحدة، خيانة، هجر، حب مبتور، أو حلم مُجهض، والاختفاء هنا مجازى، تنعكس فكرته لتصبح محوراً للرواية تمتد منه محاور أخرى تمس جميع شخوصها.

أهل الإسكندرية ما زالوا يحتفظون في ذاكرتهم بالصورة الجميلة للمدينة ويرفضون نسيانها

ماذا تمثل لك الجوائز الأدبية؟

- الجوائز الأدبية تمثل لى ببساطة هدية، إذا مُنحت لى سيكون شيئاً مبهجاً وسعيداً بالطبع، وإذا لم أحصل عليها فلن يكون ذلك سبباً للتوقف عن الكتابة، لأنها حتى ولو كانت تمثل فكرة الانتقائية التى أحبها وأقدرها كثيراً، بغضِّ النظر عن اسم الجائزة أو قيمتها المادية، فإن تلك الانتقائية تخضع فى النهاية إلى ذائقة لجنة التحكيم التى تختلف من جائزة لأخرى ومن سنة لسنة. لكن بشكل عام لا نستطيع أن ننكر أن تلك الانتقائية تُسلط الضوء على العمل الأدبى وتساعد على انتشاره وزيادة مقروئيته، كما تُساعد على الالتفات إلى الأعمال الأخرى للكاتب التى ربما لم يكن لها حظ فى القراءة قبل ترشحه لجائزة.

كيف تتداخل حكاية البطلة الشخصية مع حكايات سكان المدينة الآخرين؟.. وما العلاقة بينها؟

- البطلة، كأحد ساكنى المدينة، شاهدة على ما يشهده جميع سكانها من أحداث وتغيرات تحدث كل يوم، التغيرات التى تطال المدينة كحيز مكانى أو زمانى أو تخص طبيعة الحياة فيها، لكنها أيضاً تملك حكايتها الخاصة التى تتقاطع فى النهاية مع محيطها من العائلة والجيران والأصدقاء، فتُكوِّن مع ذلك المحيط صورة مصغرة لكل بيت فى المدينة، وربما شادن نفسها هى صورة مصغرة لفتيات كثيرات يبحثن عن بوصلتهن فى الحياة.

كيف ساهمت حادثة الاختفاء فى الكشف عن جوانب خفية من مدينة الإسكندرية وتاريخها؟

- الحادثة حدثت سنة 1973 التى كانت سنة حرجة فى تاريخ مصر السياسى، خاصةً أنها حدثت فى مارس أى قبل حرب أكتوبر بعدة أشهر، فى فترة كان الشعب فيها يضغط على الحكومة كى تُقرر الحرب، والحكومة بدورها تحاول أن تُلهى الشعب عن فكرة الحرب، غير أن الظروف الاقتصادية فى ذلك الوقت كانت متأزمة وكانت هناك تفاصيل حياتية مضطربة تم ذكرها ضمن سياق الرواية مثل نقص ألبان الأطفال وظهور ظاهرة خلوّ الرِّجل وظاهرة الدروس الخصوصية وغيرها من الظواهر التى خلقت أزمات اقتصادية واجتماعية مؤثرة، وهى ليست جوانب خفية فى التاريخ، بل مذكورة فى الأرشيف الصحفى المؤرخ لتلك الفترة، لكن ربما كانت الرواية بمثابة تذكرة لبعض التفاصيل السياسية والاجتماعية الخاصة بتلك الفترة. أما الزمن الحاضر فى الرواية فهو فترة التسعينات وبداية الألفينات، حيث يرسم النص تفاصيل تلك المرحلة عن طريق تصوير شكل الشوارع والكورنيش، وعرض تفاصيل شارع النبى دانيال العريق والإشارة إلى الأضرحة المنتشرة فى الإسكندرية، بالإضافة إلى الإشارة من بعيد إلى ظاهرة سفر الشباب إلى الخليج وإغلاق مصانع المحلة وغيرها.

ما الرسالة التى تسعى الرواية إلى إيصالها للقارئ من خلال هذا اللغز الغامض والرحلة التى تخوضها البطلة؟

إيناس حليم: موروثنا الشعبي مصدر لا ينضب وملهم لأي كاتب.. وعلينا استكشاف أعماقه والكشف عن كنوزه

- الرواية لا تمنح رسائل، الرواية تطرح أسئلة وسيناريوهات مختلفة وتمنح القارئ فرصة التفكير فى تأويلات الأحداث وطبيعة الشخصيات وأبعادها النفسية، كما تمنحه مرآة يرى فيها جزءاً من ذاته وذلك عن طريق الرحلة التى خاضتها البطلة والتى هى فى الأساس رحلة للغوص فى ذاتها وذوات من حولها، كما هى رحلة لتأمل ماضى المدينة وحاضرها، واللغز بحد ذاته لغز مفتوح لا أحد يملك حله، ولم يكن الهدف من البداية حل اللغز بل البحث عنه، وإنصاف سيرة صاحبته التى اختفت. والرواية بشكل عام ليست نصاً الهدف منه تصدير درس أو حكمة، الرواية بالنسبة لى نص يشاركه الكاتب مع القارئ، الكاتب بكتابته والقارئ بتأويله والحالة الشعورية به واستخراج الأسئلة والأفكار والمشاعر الناتجة فى الأساس من تجربته الشخصية.

أى كاتب يكتب فى كتاباته عن جزء من نفسه.. إلى أى مدى نرى ذلك فى السيدة التى سقطت فى الحفرة؟

- يقول أورهان باموق «الأدب هو موهبة أن نحكى حكايتنا الخاصة كما لو كانت تخص الآخرين، وأن نحكى حكايات الآخرين كما لو كانت حكايتنا الخاصة»، وامتداداً لتلك المقولة تتماس حياتى وحياة «شادن» بطلة الرواية فى أن كلتينا من الإسكندرية، وكلتينا خاضت رحلة البحث عن عروس النبى دانيال كى نكتب الحكاية، لكن كل منّا حملت تفاصيل مختلفة لتلك الرحلة، فالخطوات التى مشتها شادن بعضها مررتُ به فعلياً كباحثة وكاتبة للنص وبعضها اختلقته. أمّا فيما يخص محيط شادن وتفاصيل بيتها وأسرتها وتاريخ الجدود والجدات والبيت الكبير وكل الشخصيات المحيطة، فكلها تفاصيل وشخصيات من خيالى وبعيدة عنى تماماً. هذا فيما يخص الخط الواضح لحياة شادن، أما بخصوص ما يشارك اللاوعى فى كتابته داخل السرد الروائى من أفكار ومشاعر وصفات، فأعتقد أننى أتماس بشكل أو بآخر مع كل شخصية من شخصيات الرواية.

كيف ترى إيناس حليم الجانب السحرى فى الحكايات والوقائع؟.. وما تأثير ذلك على كتاباتها؟

- مثال: تخيل أن يحكى لك أحدهم حلماً بأن صقراً كبيراً دخل بيته وخطف أحد أفراد عائلته ثم استيقظ ليجد هذا الشخص قد فقد حياته، فى خيالى أرى ذلك يحدث بالفعل، أستطيع أن أصدق أن الصقر دخل بيتاً وخطف شخصاً وطار به بعيداً.

مثال آخر: تخيل معى أنك تنظر إلى عقارب ساعة فتتحول أمامك إلى عقارب حقيقية تتحرك وتكسر زجاج الساعة لتخرج منها.. الأمر بهذه البساطة، وبعيداً طبعاً عن النظرة السطحية للمشهد؛ خيال ينسلخ من واقع بسبب حالة أو شعور أو تجربة أو رؤية تخص كاتبها، خيال يجعلك ترى فى الأشياء أشياء أخرى لا يراها غيرك وتربطها بشكل أو بآخر بالواقع المحيط فتكتب نصاً يُعبر عنه لكن من زاوية سحرية، وعلى عكس ما يعتقد البعض فإن تلك الزاوية لا تجعل المعنى ضبابياً، بل تُعمقه.

رؤيتنا الخاصة للأحلام والأساطير تجعلنا نسقط جانبها الساحر على الواقع.. ويجب على الكاتب أن يبحث عن صوته وأسلوبه الخاص طوال الوقت

وإذا عكسنا الأمر، فإن رؤيتنا الخاصة للأحلام والأساطير وحكايات الموروث الشعبى تجعلنا نُسقط الجانب الساحر لتلك الحكايات الخيالية على الواقع، فنكتب نصاً يحكى الواقع لكن من زاوية تحمل غرائبية ما.. أحب عمل تلك الضفيرة فى الكتابة وأعتبرها لعبة ممتعة وشكلاً من أشكال التجريب. وعلى نحو آخر، يتمثل السحر أحياناً فى الصيغ التى نختارها فى الكتابة تعبيراً عن الواقع وليس فى الواقع نفسه.

ما أهمية الحكايات الشعبية فى تشكيل خيال الكاتب وإلهامه؟

- الموروث الشعبى باعتباره حكايات بقيت فى الذاكرة الإنسانية بعد أن ظلت تُروى شفهياً وتنتقل من زمن إلى زمن ومن مكان إلى مكان حتى تخلصت من زمنها ومكانها وتبقَّى منها أصل الحكاية أو جوهرها أو الحكمة المستقاة منها، هو مصدر ملهم لأى كاتب، أولاً لأنه يمنحه فرصة استخدام تلك الحكمة وصياغتها وتشكيلها داخل حكاية أخرى تخصه وتخص رؤيته، وثانياً لأن الخيال المصاحب لتلك الحكايات يُعتبر مادة خصبة للكاتب يستطيع الاستعانة بها فى نصه سواء اعتمد على البنية الحكائية فى السرد الشعبى أم لا.

هل تسهم الروايات التى تستند إلى حكايات شعبية فى الحفاظ على التراث الثقافى؟

- نعم، أعتقد أن نقل الحكايات عموماً وإعادة روايتها بأشكال مختلفة يُسهم فى الحفاظ عليها بل وتوريثها عبر الأجيال، خاصةً أن الحكايات الشعبية لديها قالب قصصى مشوق يجعل من استخدامها وإعادة تشكيلها فى النص أمراً ممتعاً للكاتب والقارئ على حد سواء.

كيف تتفاعل إيناس حليم مع التناقض بين واقع الإسكندرية كمدينة حية.. والصورة الأسطورية التى تحملها فى ذهنها؟

- أعتقد أننى مثلى مثل الكثيرين من أهل الإسكندرية الذين ما زالوا يحتفظون فى ذاكرتهم بالصورة الجميلة للمدينة، ويرفضون بشكل ربما لا إرادى نسيانها؛ بعد التغييرات التى طالت شكل المدينة التى أحببناها ولم تعد كالسابق. أما عن التناقض الذى ذكرته، فنعم أنا أدركه تماماً لكننى أرفض ذلك الإدراك، وأحاول التمسك فى ذهنى بالصورة القديمة للمدينة، ويساعدنى فى ذلك أننى أغيب عنها سنة كاملة حتى أعود لها مشتاقة ورافضة لتصديق أى مظهر للتشوه.

«أحبنى لتعرف من أنا» كانت كتابة مشتركة.. ما تقييمك لهذه التجربة بعد سنوات طويلة على نشرها؟

- لقد مرّ على تلك التجربة 16 عاماً، ودائماً ما رأيتها تجربة جميلة وطازجة وكانت عتبة مهمة ومشجعة لى فى مشوار النشر، وحظيتْ وقتها بالكثير من استحسان القراء.

أيمكن أن نرى تجربة مماثلة للبورتريهات العامية مثل «تحت السرير»؟

- لم لا؟ هذا المشروع كان من أغلى التجارب على قلبى، وأنا عكس الكثيرين الذين يرفضون الكتابة بالعامية ويعتبرونها نقلاً لحكايات الشارع بلغة الشارع، على العكس أحترمها ولا أُقلل منها وأُدرك أن النص بالعامية له إيقاعه وأدواته ليكون منضبطاً، غير أنه فى أحيان كثيرة يكون مؤثراً ومعبراً عن المعنى أكثر من نصوص بالفصحى، وهذا لا علاقة له ببساطة اللغة ولكن بكيفية كتابة النص وصياغته.

توظيف الرموز في السرد يمنحه قوة.. ويفتح فضاءات على تفسيرات مختلفة للنص

كيف تمكنت قصص «يحدث صباحاً» من مزج العناصر الغرائبية بالواقعية بشكل متناغم؟

- «يحدث صباحاً» باختصار كانت تجربة أحاول فيها النظر إلى الواقع الذى نعيشه بشكل مختلف، بمحاولة تفكيكه واللعب بالكتابة لسرده بشكل مكثف ومشوق فى آن واحد، مستخدمةً الفانتازيا والرموز وبناء مدن خيالية وغيرها.. ففى بعض القصص كانت الأفكار واقعية تماماً وجزءاً من حياتنا اليومية لكن الزمان والمكان لهما بعد غرائبى، بينما القصص الأخرى اتكأت على أفكار وأحداث فانتازية تحدث فى شوارع وأماكن حقيقية ومألوفة.

بعد كتابة القصة والرواية.. إلى أى مدرسة تنتمين الإدريسية أم المحفوظية؟

- لا أنتمى إلى أى منهما، وأعتقد أنه لا يجب على الكاتب أن ينتمى إلى أى مدرسة فى الكتابة، بل يجب عليه طوال الوقت أن يبحث عن صوته وأسلوبه الخاص.

تعتمدين على استخدام رموز ودلالات متنوعة خلال كتاباتك.. إلى أى مدى استطاعت إيصال ما تريدين إلى القارئ؟

- أرى أن توظيف الرموز فى السرد يمنحه قوة باعتبارها شفرات يضعها الكاتب ليحاول القارئ حلها، أو قطع بازل يجمعها ليُكمل اللوحة مما يجعله مشتركاً بشكل أو بآخر فى كتابة النص لأنها تمنحه فرصة محاولة تفكيك وتفسير تلك الرموز والدلالات وتأويلها.. وهذا ما حاولت عمله فى الرواية من خلال وضع الرموز كعتبات للنص مثل السبع هدايا فى الصندوق الذى أعطته الأم لابنتها فى عيد ميلادها، أو الأغراض فى صندوق الجدة أو الحجر الكريم الذى أعطته مارتينا لماما مارى، وغيرها من الرموز المذكورة ضمن فصول الرواية والتى وُضع كل منها ضمن نسيج السرد ليعكس فكرة ما أو يكشف ملمحاً لشخصية أو يكون عتبة لحدث. الرمزية فى الكتابة تفتح فضاءات على تفسيرات مختلفة للنص، وبشكل عام أعتبر النص المفتوح الذى يحتمل عدة تأويلات نصاً ناجحاً.

ما الدور الذى تلعبه «الهندسة» فى حياة الأديبة إيناس حليم؟

- دائماً ما أفكر فى هذا السؤال وأحلله، وكل مرة أصل إلى تحليل مختلف، ربما لأن الأثر الذى تخلقه الهندسة فى حياة من درسها -فى اعتقادى- ينقسم إلى شقين، الأول خاص بتكوين الشخصية التى تعرضت فجأة إلى دراسة صعبة ومعقدة تحتاج إلى الالتزام والمسئولية بشكل كبير، فتجد نفسك تنكب على الدراسة لساعات كى تحصل فى النهاية على نتيجة مُرضية بالكاد أو ربما متواضعة بعد كل المجهود الذى بذلته، على مدار سنوات الدراسة تجد نفسك تُضاعف من مجهودك تلقائياً فيتعود ذهنك على بذله فى أبسط تفاصيل حياتك، وتعتاد شخصيتك على تحمل المسئولية والالتزام الذى ينعكس على تصرفاتك وحياتك بشكل عام، وتجد نفسك تسعى إلى المثالية فى كل شىء، وهذا ما يحدث معى عند كتابة أى نص. أما الشق الآخر فله علاقة بمنطقية التفكير وشكله، فالمهندس اعتاد عقله على منطقة الأشياء وعلى وضع خطة وخطة بديلة ليجد حلولاً لأى مسألة، كما اعتاد على شكل تراتبى فى التفكير، بالإضافة إلى أن دروس الرسم والمناظير الرأسية والجانبية والأفقية التى درستها جعلتنى أستطيع تخيل المبانى -وكل شىء بالتبعية- من أكثر من جانب.. أعتقد أن هذه كلها أشياء تبقى فى عقلية دارس الهندسة حتى ولو لم يكمل ذلك الطريق.

بداية كتابة العامية

لم تكن بدايتى فى الكتابة بالعامية، كتبتُ المجموعة القصصية المشتركة بالفصحى، ثم مجموعة «يحدث صباحاً» بالفصحى، ثم كتاب «تحت السرير» الذى صدر كمشروع مقروء ومسموع عبارة عن مجموعة بورتريهات مكتوبة بالعامية ومسجلة فى أسطوانة مع خلفية موسيقية، وهو المشروع الذى حصل على منحة المورد الثقافى، فلا تستطيع أن تقول إنها كانت قفزات تخص شكل الكتابة بقدر ما هى انتقالات سلسة من مشروع صغير لمشروع آخر، وكل ما كنت أفكر فيه حينها هو الإخلاص لتلك المشاريع الصغيرة حتى تصدر بأفضل شكل تحت مظلة مشروع كبير.

 

 

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: كاتبة مصرية الحياة الأدبية إلى القائمة القصیرة فى الکتابة بشکل عام إلى أى

إقرأ أيضاً:

جلال برجس: الرواية الحقيقية تذهب إلى العتمة لتضيئها ولا تمتدح البهجة أو الفرح الزائف

حوار ـ  فيصل بن سعيد العلوي -

خرج من فضاء الميكانيكا العسكرية ليحلق في فضاء اللغة والسرد... حاملا في داخله ذلك التوتر الخفي بين الواقع والخيال، بين المهنة والكتابة وبين الطفولة في القرية والوعي في المدينة.... حديثه لا يذهب نحو الزخارف اللفظية بل نحو الجوهر، نحو الأسئلة التي لا تكف عن توليد أسئلة أخرى، فهو يرى الكتابة فعلا للبحث لا للأجوبة، ومسارا للتشافي لا للزينة، ويؤمن أن الكاتب يولد من جرح لا يعرف متى انفتح ولا كيف تشكل، لكنه يظل يعيد اكتشافه عبر كل رواية... من خلال «دفاتر الوراق» و«سيدات الحواس الخمس» و«نشيج الدودوك» وأصواته المتعددة... في هذا الحوار يتأمل الروائي الأردني جلال برجس طبيعة الكتابة ومرجعياتها، يوازن بين الوثيقة والخيال، ويصغي إلى ما يسميه الميزان الروائي الذي يضمن بقاء النص نابضا بالحياة، بينما يرفض أن يتحول الكاتب إلى آلة تنتج روايات من أجل الجوائز أو المقارنات، مؤكدا أن الكتابة ليست سلما بل رغبة في الفهم والانعتاق، كما يكشف «برجس» عن رؤيته للغة كأنها بطل لا يقل عن الشخصيات، وعن المكان كأنه كائن يتنفس ويتحول، وعن الجوائز التي يراها سيفا ذا حدين، وعن الكثير من الأسئلة الوجودية التي لم تبرحه بعد.

ولدت في بيئة بسيطة وبدأت من مجال بعيد عن الأدب هو هندسة الطيران، كيف تحول المسار من الميكانيكي إلى الجمالي؟ وما الذي بقي من الطيران في خيال الكاتب؟

المسألة بالنسبة لي كانت مسألة مهنة في المقام الأول، فقد عملت في قطاع هندسة الطيران في سلاح الجو الملكي الأردني لمدة ثماني عشرة سنة، وكانت مرحلة مهنية وعسكرية تحكمها القوانين التي كانت تمنع النشر وممارسة الكتابة، لذلك لم يكن متاحا لي أن أنشر أو أكتب علنا، ومع عام 2007 غادرت هذه المهنة وبدأت مرحلة جديدة فتحت لي المجال لممارسة نشاطي الثقافي، ثم انتقلت إلى عمل قريب من مجالي السابق لكنه لا يشبهه تماما، ومع هذا الانتقال بدأت اكتشف الجانب الجمالي الذي كنت أحمله منذ الطفولة، فقد نشأت في قرية ما زالت تمثل بالنسبة لي الأصل الجمالي الذي انطلقت منه، البيئة التي تحدث عنها غاستون باشلار في مفهومه عن المكان العش والمكان الحميمي والمكان المرتبط بأحلام اليقظة والخيالات الأولى للإنسان، كانت القرية بالنسبة لي فضاء بكرا يمتلئ بالمشاهد البصرية اليومية منذ الصباح حتى المساء، وهذا ما جعلها تمدني بتلك الرؤية الجمالية التي ترافقني حتى الآن، ومع الزمن انتقلت من القرية إلى البلدة ثم إلى المدينة، فبدأ يتغير السياق الإنساني من دفء القرية إلى برودة المدينة، ولم يتبق من المكان الأول سوى الصورة الراسخة في الذاكرة، أما العلاقة بين الميكانيكي والجمالي فلم يحدث فيها تقاطع، فقد كنت أفصل تماما بين عملي في النهار كموظف يعتمد على القوانين الفيزيائية والهندسية، وبين حياتي بعد الخامسة مساء حين أعود إلى نفسي ككاتب، كنت أقول دائما أنني موظف في النهار وكاتب في المساء، فالكاتب داخلي كان موجودا طوال الوقت يراقب ويرصد ويقارب ويتابع، لكنه لا ينطق إلا في لحظة العزلة، لحظة الجلوس إلى الطاولة التي يبدأ عندها الكلام السردي.

كثيرا ما تبدو الكتابة في تجربتك محاولة للنجاة من واقع ضاغط هل الكتابة عندك شكل من أشكال العلاج أم فعل مقاومة ضد هشاشة العالم؟

أنا أؤمن أن الكاتب أي كاتب هو نتاج جرح في الوجدان ولا أحد يعرف متى حدث هذا الجرح أو كيف تشكل، لكن ما يمكن قوله إن كل ما يكتبه الكاتب وكل ما ينجزه عبر مساره الحياتي هو في جوهره محاولة لترميم ذلك الجرح، هذا الجرح قد يكون ذاتيا أو موضوعيا وقد يتخذ أكثر من شكل، والكتابة بالنسبة لي هي محاولة لتجاوز هذا الألم ومحاولة للتشافي، ومن هذا المنطلق يظهر سؤال طبيعي لماذا ننشر إذا كانت الكتابة فعلا ذاتيا؟ والجواب أن الأزمات تتشابه، ولهذا السبب يتمسك كثير من القراء بنوع معين من الكتب أو الروايات، لأن القارئ يجد أزمته في هذا النص ويجد نفسه في شخصية ما، وربما يجد ما يفكر به أو ما لم يستطع قوله في كلمات النص السردي، ولذلك يمكن القول إن الكتابة بالنسبة لي فعل تشاف وتجاوز للمرحلة، بعيدا عن فكرة طرح الحلول، فالكاتب وتحديدا كاتب الرواية لا يقدم حلولا، بل يطرح أسئلة فقط، لا أكثر ولا أقل.

في «دفاتر الوراق» جعلت من البطل كاتبا يختبئ في ظلال الكتب ليواجه واقعه، إلى أي مدى تمثل هذه الشخصية مرآة لذاتك الكاتبة؟

أنا أؤمن ولا أتوانى عن القول إن كل روائي موجود في نصه بدرجة ما، لكن الروائي الذكي هو من يتقن فن الاختباء، ليس بالضرورة أن يكون الكاتب هو الشخصية الرئيسية، ربما يكون حاضرا في ظلال العمل، في نسيجه العام، في شخصية هامشية أو ثانوية، أو في تفصيلة صغيرة لا ينتبه إليها أحد، أنا لست إبراهيم الوراق ولا أختبئ وراء هذه الشخصية، لكني أشعر أني موجود في ظلال العمل، لأن الرواية في النهاية نتاج خبرة حياتية، وأنت عندما تكتب تستنطق الشخصيات بما تؤمن به أنت، غير أن هذا لا يتعارض مع إيماني بضرورة الابتعاد عن ديكتاتورية الروائي داخل نصه، ومنح الشخصيات حرية التعبير عن ذواتها كي تتحقق ديمقراطية السرد، أنا لا أفرض كل أفكاري على شخصياتي، لكن من الطبيعي أن تتسرب قناعاتي وميولاتي من خلال شخصية ما، ومع ذلك أحرص على أن أظهر الوجه الآخر لكل شخصية، فحين تتناول شخصية مجرم على سبيل المثال، عليك أن تكشف جانبه اللين، إذ لا يوجد كائن مجرم بشكل مطلق، وهنا تكمن أهمية بناء الشخصية ذات الأبعاد الثلاثة، وهو ما أسعى إليه في معظم رواياتي.

تتنقل أعمالك بين الواقعي والمتخيل، بين السيرة والتاريخ، كيف تضبط المسافة بين الوثيقة والخيال حتى لا تتحول الرواية إلى تقرير أو إلى حلم هائم؟

أنا في كل رواياتي أذهب إلى الواقع بأدوات الخيال، لأن نقل الواقع كما هو يجعل الكاتب مجرد كاميرا تنقل ما تراه دون إضاءة أو روح، بينما الكتابة في جوهرها خروج على الواقع، تعبير عن عدم الرضا، سواء عن الذات أو عن العالم المحيط، لذلك لا أميل إلى التسجيلية ولا إلى الحلمية المنفلتة، بل أحاول دائما أن أجد توازنا دقيقا بين الواقع والخيال، وبين التوثيق والتاريخ والتأريخ، وأنا اسمي هذا التوازن الميزان الروائي، وهو ما يحدد قدرة الكاتب على وزن العناصر كلها مع بعضها البعض بحيث ينتج نصا يحدث الأثر المطلوب في القارئ، فالخيال عندي ليس هروبا من الواقع بل وسيلة لفهمه وتجاوزه، والواقع ليس مادة جامدة بل طاقة تستدعي التأمل وإعادة الصياغة، وهنا يكمن سر الرواية التي تنجح في الجمع بين الصدق الفني والحرارة الإنسانية.

تشتغل على الهامش أكثر من المتن في سردك وتمنح المهمشين صوتا مركزيا هل ترى أن الرواية العربية المعاصرة وجدت في الهامش خلاصها الجمالي؟

المسألة بالنسبة لي خلاصة جمالية تتعلق بالزاوية التي يمكن أن تذهب إليها الرواية، فالرواية كما أراها شمس، وعلى هذه الشمس أن تذهب إلى المناطق المعتمة والرطبة لتضيئها، وليس هناك رواية تمتدح البهجة أو الفرح في العالم السردي أو في العالم الواقعي، فالرواية دائما تذهب إلى العتمة لتكشفها وتعيد النظر فيها، وهذا يعني أن الكتابة ليست فعلا من الترف بل من الحاجة، ولهذا أرى أن جزءا كبيرا من الرواية العربية ينتصر للهامش، لأن الهامش في جوهره اكثر صدقا وحياة وامتلاء بالتفاصيل الإنسانية، فهناك تتكشف الأزمات الحقيقية وتظهر ملامح الصراع الداخلي والاجتماعي، والرواية التي تتجاهل الهامش تفقد جزءا من روحها، لذلك أميل دائما إلى الذهاب نحو تلك المناطق المنسية التي تحتاج من يضيئها لا من يمر عليها مرورا عابرا.

اللغة في رواياتك ليست وسيلة نقل .. كيف تنظر إلى علاقتك باللغة ككائن يكتبك بقدر ما تكتبه؟

اللغة عندي بطل حقيقي في الرواية، تماما كما هي الشخصيات والموضوع والحدث، فهي ليست مجرد ناقل لما يجري داخل النص، ولا وسيلة لحمل الأفكار أو المحاور المعرفية، بل هي في قناعتي الجوهر الذي يتشكل منه العالم الروائي، اللغة هي المعرفة ذاتها وهي الكائن الذي يمتلك القدرة على اختراق الظلمة، هي الصوت الحقيقي القادر على اجتياز العقبات وكشف المناطق الخفية من النفس والإنسان، ولذلك لا أتعامل مع اللغة كأداة بل كشريك في الخلق، فهي تكتبني بقدر ما أكتبها، وتوجه مسار السرد أحيانا بما تمتلكه من طاقة وإيقاع ووعي داخلي، ومن هنا أقول إن الرواية بلا لغة حية تصبح عملا خاويا، بينما اللغة التي تنبض بالحياة قادرة على أن تمنح النص روحه وأن تجعله قادرا على البقاء.

المكان في سردك من «مادبا» إلى «عمّان» ليس جغرافيا فحسب بل ذاكرة ووجدان كيف تتعامل مع المكان كعنصر كاشف للهوية وليس مجرد خلفية للأحداث؟

بطبيعة الحال علاقتي بعمان تشكلت في مرحلة مبكرة من الشباب، كنت أسمع عن العاصمة وما يجري فيها من حياة نابضة وصخب ثقافي فكان لدي شغف كبير برؤيتها، وحين زرتها للمرة الأولى برفقة والدي اكتشفت هذا العالم المختلف الذي أسرني منذ اللحظة الأولى، أكشاك الكتب على الأرصفة والمقاهي وحركة الناس في وسط البلد، تلك الصورة رسخت في ذاكرتي وأصبحت جزءا من تكويني، وأنا القادم من قرية كانت في ذلك الوقت تفقد ملامحها الريفية وتبدأ بالتصاقها بالمدينة، لذلك يمكن القول إنني جئت من جهتين ثقافيتين متمايزتين هما مزاج القرية ومزاج المدينة، ومن امتزاجهما تكونت رؤيتي للمكان وللكتابة معا، فأنا أرى المدينة بعين ابن القرية، ولكنني أفهمها جيدا وأفهم تقلباتها وتعقيدها الاجتماعي والثقافي والسياسي، المكان بالنسبة لي ليس مجرد إطار للأحداث بل كائن حي يتنفس ويؤثر في الشخصيات ويشكل وعيها، وهو أيضا مرآة للهوية التي تبقى واحدة سواء كنت في القرية أو في المدينة، لكنها تتجلى بطرق مختلفة بحسب طبيعة التجربة الإنسانية في كل فضاء.

قلت في أحد الحوارات «أنك تكتب لتتعافى من وجع الحياة»... هل يمكن أن تكتب يوما وأنت في حالة تصالح كامل مع ذاتك والعالم؟

نعم أكتب حتى في لحظات البهجة والسعادة، ولكن الكتابة في تلك الحالة تكون مختلفة، فهي لا تصدر عن الحاجة إلى التشافي بقدر ما هي امتداد للحظة الراهنة واحتفاء بها، حين اكون في حالة فرح تصبح الكتابة أشبه بإنشاد داخلي، لها إيقاع خاص وربما نغمة مغايرة لتلك التي تولد من الألم، لكنها في النهاية فعل وعي واستمرار للحياة، فالكتابة بالنسبة لي لا تنفصل عن الوجود الإنساني بكل تحولاته، هي سعي دائم نحو فضاءات اكثر بهاء، سواء جاءت من رحم الجرح أو من لحظة رضا نادرة، في الحالتين تبقى الكتابة طريقة للقول والنجاة وتأكيد الحضور.

الجوائز الكبرى مثل البوكر وكتارا منحتك حضورا عربيا واسعا لكنها ربما وضعتك في مواجهة توقعات متزايدة كيف تحافظ على صوتك الداخلي وسط ضجيج التتويج؟

الجوائز باختصار هي طريق إلى القراءة وتوسيع قاعدة القراء في العالم العربي، لكنها في الوقت نفسه وجه مزدوج، فحين يستغرق الكاتب كثيرا في ما تفرزه الجوائز من أضواء وشهرة ومقابلات إعلامية ودعوات، فإنه يرهق نصه ويخسر صفاء الكتابة، لأن لكل جائزة لعنتها، فهي تقيد الكاتب وتضعه في رهان دائم مع نفسه، يسعى فيه لإنجاز نص يوازي على الأقل النص الذي فاز واعجب القراء، وأنا اعتقد أن المسألة هنا تتعلق بالكاتب وبقدرته على الموازنة، لذلك لدي ما أسميه تكتيكا ثقافيا يجعلني أعود دائما إلى المنطقة الأولى التي انطلقت منها نحو الكتابة، تلك المنطقة البكر التي تشكلت في القرية، حيث الأحلام الأولى والرؤى والتصورات التي انبثقت منها رغبتي في الكتابة وإيماني بالكلمة، هذه المنطقة يجب أن تبقى نقية وأن لا تتشوه، فالتشوهات كثيرة، منها استسهال الكتابة بعد الفوز بجائزة أو الاعتقاد بان كل ما سيكتبه الكاتب بعد التتويج سيكون مقبولا، وهذا فخ كبير يقع فيه البعض، كذلك الارتهان لعمل سابق والتفكير المستمر في تجاوزه قد يقيد الإبداع، لذلك أرى أن النص الذي صدر وأصبح ملكا للقارئ يجب أن يتجاوزه الكاتب ويواصل، ليس إيمانا بفكرة موت المؤلف، فأنا لا أؤمن بها إطلاقا، بل لأن المؤلف حتى لو مات بيولوجيا يبقى حاضرا في نصه، ومن الخطأ الكبير فصل الكاتب عن نصه، ولهذا أسعى دائما إلى الحفاظ على تلك المنطقة الفطرية الأولى التي أؤمن أنها سر الاستمرار والصدق في الكتابة، وهي التي جعلت كثيرا من الكتاب الكبار يحافظون على مكانتهم في عقول وقلوب القراء.

هناك من يرى أن بعض الكتاب بعد نيلهم الجوائز لا يسعون لتجاوز ذواتهم إبداعيا بقدر ما يسعون لكتابة نصوص جديدة قد تقودهم إلى جوائز أخرى هل ترى في هذا السعي حافزا مشروعا أم فخا يهدد صدق التجربة الابداعية ويضع الكاتب في دائرة المقارنة؟

ربما يفكر بعض الكتاب بهذه الطريقة، لكن برأيي من يسعى وراء هذه الفكرة يكون قد وضع قدمه على الطريق الأول نحو الاندثار الثقافي، فالكاتب ليس آلة ميكانيكية تنتج رواية جيدة ثم أخرى أفضل ثم ثالثة أكثر تفوقا، الكتابة ليست سلما تصعده درجة بعد أخرى، بل هي فعل وجداني مرتبط برؤية الذات والكون، وكل عمل أدبي يولد من منطقة غامضة في داخل الكاتب لا يمكن قياسها بمعايير كمية، لذلك لا يمكن اختزال الكتابة في منطق التنافس أو في رؤية تجارية كما تفعل بعض دور النشر، التي تتعامل مع كل نص بوصفه سلعة يجب أن تتفوق على ما قبلها، أنا لا أؤمن بهذا المنطق أبدا، فحين يذكر ماركيز مثلا تذكر مائة عام من العزلة رغم أن له أعمالا أخرى بالغة التأثير، ومع ذلك لم يقس أحد أعماله اللاحقة بمستوى تلك الرواية، أنا أكتب وفقط، لا افكر إن كان هذا العمل يشبه الذي سبقه أو يفوقه أو يقل عنه، فلكل عمل قراؤه المختلفون الذين يتفاعلون معه بطريقة خاصة، قراء دفاتر الوراق ليسوا قراء المعزوفة ليوم السابع ولا قراء سيدات الحواس الخمس، فالرواية ليست ألبوما غنائيا يكرر اللحن والإيقاع نفسه، بل هي تجربة متجددة تتبع الوجدان لا السوق، والكاتب الحقيقي يظل يبحث عن صدقه الداخلي لا عن تجاوزه الشكلي.

بعد هذا المسار من «أفاعي النار» إلى «نشيج الدودوك» ما السؤال الذي ما زال يلاحقك ككاتب وتشعر أنك تكتب لتقترب منه دون أن تجيب عليه؟

الكتابة في جوهرها قائمة على الأسئلة، ولو انتفى السؤال لانتفت الكتابة نفسها، فأنا حين أكتب أحاول أن أجيب على تلك الأسئلة التي تعيش في داخلي، ومع كل رواية أعتقد أنني أقتربت من الإجابة، لكن ما يحدث هو العكس تماما، إذ تتوالد أسئلة جديدة تقود إلى أخرى، وهكذا تستمر الكتابة بوصفها بحثا متصلا عن نص اللؤلؤة، النص الذي يمكن أن يجيب عن كل شيء، النص الذي يقول الكاتب عبره كل ما في داخله فيرتاح ويتجاوز الحاجة إلى الكتابة، لكن هذا النص لا يأتي، لذلك أظل أكتب مدفوعا بما لم أقله بعد، وما زال السؤال الأكبر الذي يلاحقني هو سؤال الوجود، من أنا؟ وهل أقف في المكان المناسب على وجه هذه البسيطة؟ وهل هذا الوقوف حقيقي أم أن هناك مكانا آخر أكثر صدقا ينبغي أن أقف فيه؟ هذه الأسئلة هي التي تبقيني يقظا وتدفعني إلى الاستمرار في الكتابة، لأنها ببساطة لم تجد جوابها بعد.

مقالات مشابهة

  • «المستشارة التى أرادت أن تصبح السيدة الأولى».. قصة لونا الشبل مع النظام السورى بعد فيديوهات مسربة مع بشار
  • مصر تعاملت مع القضية الفلسطينية والتهجير بحنكة سياسية
  • مأساة الحارة رقم 7!!
  • قلب المجتمع!!
  • هاجر حليم تنضم إلى شبكة MBC مصر.. وتشارك في تقديم "صباحك مصري"
  • يوسف.. إهمال مع سبق الإصرار؟
  • تفاصيل صغيرة
  • أيام.. "إيديكس"
  • الاحتلال يستهدف مركبة بقلقيلية ويمنع الإسعاف من وصولها
  • جلال برجس: الرواية الحقيقية تذهب إلى العتمة لتضيئها ولا تمتدح البهجة أو الفرح الزائف