زهير عثمان
مفهوم الهامش في القاموس السياسي السوداني , هو مصطلح يُستخدم للإشارة إلى المناطق أو الجماعات التي تعرضت للتهميش السياسي، الاقتصادي، والاجتماعي على مر العقود. هذا التهميش تمثل في إهمال تنمية تلك المناطق وقضاياها، وتجاهل مشاركة سكانها في صنع القرار السياسي على مستوى الدولة. يُعد مفهوم "الهامش" أحد أبرز القضايا التي تشكل تاريخ الصراع السياسي والاجتماعي في السودان، وقد أفرز تداعيات عميقة على البنية السياسية والاجتماعية في البلاد.
التعريف الأساسي للهامش
الهامش، في السياق السوداني، يشير إلى المناطق الجغرافية الواقعة خارج العاصمة والمراكز الحضرية الكبرى، وخاصة تلك المناطق الواقعة في أطراف البلاد مثل دارفور، جنوب السودان (قبل الانفصال)، جنوب كردفان، النيل الأزرق، وشرق السودان. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يشير الهامش أيضًا إلى الفئات الاجتماعية أو الجماعات العرقية التي تعاني من التمييز والتهميش، سواء كان ذلك على أساس العرق أو الدين أو الموقع الجغرافي.
التهميش السياسي والاقتصادي
التهميش السياسي ويُقصد به عدم تمثيل سكان الهامش بشكل كافٍ في المؤسسات السياسية والحكومية. النظام السياسي في السودان منذ الاستقلال تميز بتركيز السلطة في أيدي النخبة الحضرية التي تتركز في العاصمة (الخرطوم) والمناطق المجاورة لها. هذا التهميش أدى إلى حرمان سكان الهامش من الوصول إلى مراكز صنع القرار والمشاركة الفعالة في تحديد السياسات الوطنية.
التهميش الاقتصادي المناطق الهامشية في السودان تعاني من نقص كبير في التنمية والخدمات الأساسية مثل التعليم، الصحة، البنية التحتية، والمياه. معظم الاستثمارات والمشاريع الاقتصادية الكبرى تتركز في المناطق المركزية، مما يزيد من الفجوة بين المركز والهامش ويعزز الإحساس بالإقصاء بين سكان المناطق الطرفية.
البعد التاريخي للهامش
التهميش في السودان له جذور تاريخية تعود إلى فترة ما قبل الاستعمار البريطاني، لكنه تفاقم بشكل أكبر بعد استقلال السودان في عام 1956. بعد الاستقلال، استمرت النخبة السياسية في العاصمة في التحكم في السلطة والثروة، مما أدى إلى شعور متزايد بالظلم في الأقاليم الطرفية. هذا التباين التاريخي ساهم في اندلاع العديد من النزاعات الأهلية والحروب في البلاد، من بينها الحرب في جنوب السودان (قبل انفصاله)، وحروب دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق.
الهامش والمركز
المفهوم المركزي الذي يرتبط بمفهوم الهامش هو "المركز"، وهو العاصمة الخرطوم والمناطق المتاخمة لها. "المركز" في السياق السياسي السوداني يُعتبر المهيمن على السلطة والثروة والتنمية، بينما يُعتبر "الهامش" محروماً من هذه الموارد. هذا النموذج الثنائي (المركز والهامش) أصبح جزءاً من الخطاب السياسي الذي يفسر الفوارق الاقتصادية والسياسية في السودان.
دور الحركات المسلحة والقوى السياسية
نتيجة للتهميش المستمر، ظهرت حركات مسلحة وأحزاب سياسية تُطالب بحقوق سكان الهامش، وتحاول إنهاء الفجوة بين المركز والهامش. من أبرز هذه الحركات "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، التي نشأت في جنوب السودان، و"حركة العدل والمساواة" في دارفور، وغيرهما من الجماعات التي تحمل السلاح ضد الحكومة المركزية.
تطالب هذه الحركات بالمزيد من العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وتوزيع عادل للثروات، وكذلك تمثيل سياسي أفضل لسكان المناطق الهامشية. وقد أدت هذه المطالبات إلى نزاعات وحروب أهلية طويلة الأمد، أثرت بشكل كبير على الاستقرار السياسي في السودان.
لتهميش في الخطاب السياسي المعاصر
مفهوم الهامش أصبح جزءاً من الخطاب السياسي السوداني الحديث، حيث تتبناه العديد من القوى السياسية والمدنية كوسيلة للمطالبة بالإصلاح. الخطاب حول الهامش لم يعد يقتصر على الحركات المسلحة، بل أصبح جزءاً من الجدل السياسي في الخرطوم نفسها، حيث تُطرح مطالب بالعدالة الاجتماعية وتوزيع عادل للسلطة والثروة.
أبعاد الهوية والتعددية الثقافية
الهامش في السودان يرتبط أيضاً بقضايا الهوية والتعددية الثقافية. كثير من سكان المناطق الهامشية ينتمون إلى جماعات عرقية ولغوية مختلفة عن سكان المركز، الذين يتحدثون العربية وينتمون إلى ثقافة عربية إسلامية مهيمنة. هذا البعد الثقافي أضاف تعقيداً إضافياً إلى قضية الهامش، حيث تم ربط التهميش بقضايا التمييز العرقي والثقافي.
الهامش في المستقبل السياسي السوداني
بعد الثورة السودانية في 2019 وسقوط نظام عمر البشير، تزايدت المطالب بإدراج قضايا الهامش في الأجندة الوطنية. هناك جهود مستمرة لتحقيق السلام مع الحركات المسلحة وتلبية مطالب المناطق الهامشية، ومع ذلك لا تزال التحديات كبيرة في تحقيق مصالحة شاملة وتوزيع عادل للثروات والسلطة.
مفهوم الهامش في القاموس السياسي السوداني هو تعبير عن تاريخ طويل من الإقصاء والتهميش لمناطق وفئات معينة داخل الدولة. الفجوة بين "المركز" و"الهامش" تمثل أحد أهم التحديات التي تواجه السودان منذ استقلاله، وهي سبب رئيسي في النزاعات والحروب التي عانى منها. معالجة قضايا الهامش تتطلب جهوداً سياسية جادة لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة.
خطورة خطاب التهميش في الطرح السياسي . و تكمن في قدرته على تأجيج الصراعات الاجتماعية والسياسية وتعميق الانقسامات داخل المجتمع والدولة. خطاب التهميش يبرز عندما تشعر جماعات معينة بالإقصاء السياسي، الاقتصادي، أو الاجتماعي من النظام العام. وعلى الرغم من أن هذا الخطاب يمكن أن يلعب دوراً إيجابياً إذا تم استخدامه للضغط من أجل الإصلاح والعدالة، إلا أن مخاطره تتزايد عندما يتحول إلى وسيلة للاستقطاب والتجييش، مما قد يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. فيما يلي أبرز مخاطر هذا الخطاب:
تعزيز الانقسامات الاجتماعية والسياسية
خطاب التهميش يقوم عادة على تقسيم المجتمع إلى "مركز" و"هامش"، أو إلى فئات مستفيدة وفئات مضطهدة. هذا الخطاب يعمق الانقسامات بين الفئات المجتمعية المختلفة على أساس العرق، الدين، الجغرافيا، أو الثقافة. مثل هذا الخطاب قد يؤدي إلى حالة من الاستقطاب الحاد، حيث تصبح الجماعات المختلفة أكثر انعزالاً عن بعضها البعض وأكثر تمسكاً بمواقفها ومظلومياتها، مما يعيق بناء التوافق الوطني .
تأجيج الصراعات الأهلية
عندما تتبنى الحركات السياسية أو الجماعات خطاب التهميش بشكل متطرف، فإن ذلك قد يشجع على اللجوء إلى العنف كوسيلة لتحقيق المطالب. في السودان، على سبيل المثال، أدى خطاب التهميش في مناطق مثل دارفور وجنوب السودان إلى تصاعد الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة. استخدام هذا الخطاب بشكل حاد يُشرعن أعمال العنف ضد "المركز" أو الأطراف الأخرى التي تُعتبر مسؤولة عن التهميش.
إضعاف الثقة في المؤسسات الوطنية
من أخطر آثار خطاب التهميش هو إضعاف الثقة في المؤسسات الوطنية (مثل الحكومة، البرلمان، الجيش). الجماعات التي تشعر بالتهميش ترى أن هذه المؤسسات غير شرعية أو أنها لا تمثل مصالحها. نتيجة لذلك، قد ينخفض الإقبال على المشاركة السياسية الرسمية، ويزيد الاعتماد على وسائل غير رسمية أو عنيفة لتحقيق المطالب. وهذا يضعف النظام السياسي ككل ويزيد من حالة الفوضى وعدم الاستقرار.
الإضرار بالوحدة الوطنية
عندما يسيطر خطاب التهميش على المشهد السياسي، تصبح فكرة "الوحدة الوطنية" مهددة. بدلاً من الشعور بالانتماء إلى كيان سياسي واحد، قد تبدأ الجماعات المتضررة في التفكير في حلول أخرى، بما في ذلك انفصال. كما حدث في حالة جنوب السودان، حيث أدى تفاقم التهميش إلى انفصال الجنوب وتشكيل دولة مستقلة في عام 2011.
تشويه الحركات السياسية
الحركات السياسية التي تتبنى خطاب التهميش قد تفقد تدريجياً مصداقيتها إذا لم تحقق نتائج ملموسة. التركيز المستمر على خطاب المظلومية قد يؤدي إلى حالة من الاستياء بين الجمهور المستهدف، خاصة إذا شعروا بأن الحركات التي تمثلهم لا تقدم حلولاً حقيقية أو تنجز تغييرات فعلية. كما أن استمرار هذا الخطاب قد يُنظر إليه على أنه نوع من الاستغلال السياسي.
. عرقلة التنمية والإصلاح
خطاب التهميش، إذا لم يُدر بوعي وحكمة، يمكن أن يصبح عقبة أمام تحقيق التنمية والإصلاحات الحقيقية. التركيز الشديد على التهميش قد يُلهي الحكومة والمجتمع عن معالجة القضايا الجوهرية مثل التنمية الاقتصادية، التعليم، والصحة. بدلاً من بناء نظام سياسي اقتصادي يشمل الجميع، يصبح التركيز على التهميش جزءًا من الصراع السياسي الداخلي، مما يعطل فرص التعاون والتقدم.
. استخدام التهميش كأداة سياسية
في بعض الحالات، يمكن أن يُستخدم خطاب التهميش كأداة سياسية من قبل النخب لتحقيق أهداف شخصية أو حزبية. هذا النوع من الاستغلال السياسي يزيد من الانقسام في المجتمع، لأنه يخلق تصوراً لدى الجماهير بأن القضايا الحقيقية للتهميش لا تُعالج بصدق، وإنما يتم التلاعب بها لتحقيق مكاسب سياسية مؤقتة.
. إثارة النعرات العرقية والإثنية
في بلدان متعددة الأعراق مثل السودان، يمكن لخطاب التهميش أن يثير النعرات العرقية والإثنية بشكل خطير. في السودان، على سبيل المثال، ارتبط خطاب التهميش في مناطق مثل دارفور بمظلوميات إثنية، مما أدى إلى اندلاع صراعات عرقية طويلة الأمد. استخدام خطاب التهميش بهذا الشكل يمكن أن يقود إلى تعزيز الكراهية بين الفئات المختلفة وزيادة حدة النزاعات العرقية.إضعاف الهوية الوطنية المشتركة
إحدى المخاطر الكبرى لخطاب التهميش هي تقويض فكرة الهوية الوطنية المشتركة. عندما يتم التركيز بشكل مفرط على الفوارق الجغرافية أو العرقية أو الدينية، يتلاشى الإحساس بالانتماء الوطني لصالح الهويات الجزئية. وهذا قد يؤدي إلى تعقيد عملية بناء دولة مستقرة ومتنوعة تحترم التنوع داخل إطار الوحدة الوطنية.
التطرف والانفصال
عندما يصل خطاب التهميش إلى ذروته، يمكن أن يؤدي إلى تطرف بعض الجماعات، مما يدفعها إلى المطالبة بالانفصال أو الحكم الذاتي الكامل. مثل هذه التحركات تؤدي إلى تصاعد الصراع الداخلي، وقد تُفضي إلى تفكك الدولة كما حدث في جنوب السودان.
خطاب التهميش، على الرغم من مشروعيته في بعض الأحيان كوسيلة للمطالبة بالحقوق والعدالة، يحمل مخاطر كبيرة على استقرار المجتمعات والدول إذا لم يتم توظيفه بشكل حكيم ومسؤول. التحدي الأكبر يكمن في كيفية معالجة قضايا التهميش بطريقة شاملة وعادلة دون تأجيج الصراعات أو تعزيز الانقسامات الداخلية. يتطلب ذلك قيادات سياسية رشيدة تعمل على تحقيق إصلاحات متوازنة تأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف وتضمن المشاركة العادلة في السلطة والثروة.
*هذا الطرح لعرض وجهة نظري كاملة لان مشاركتي في منتدى التبلدي كانت مربوطة زمن محدد ولكثرة المشاركين في الغرفة
مراجع وكتب يمكن الاستنارة بما فيها من اراء
قضية التهميش في السودان تُعدّ من المواضيع الرئيسية التي تم تناولها بشكل واسع في الكتابات السياسية والاجتماعية والأكاديمية. تناولت العديد من الكتب والدراسات قضية التهميش من زوايا مختلفة، بما في ذلك تاريخه، وأسبابه، وتأثيراته على الصراعات السياسية والاجتماعية في البلاد. فيما يلي بعض من الكتب والكتابات الهامة التي تتناول قضية التهميش في السودان:
1. "دارفور: تاريخ الحرب طويلة الأمد" - أليكس دي وال
هذا الكتاب يُعدّ من أهم الدراسات حول أزمة دارفور، التي تعتبر أحد أبرز أمثلة التهميش في السودان. يناقش دي وال الجذور التاريخية والسياسية للنزاع في دارفور، ويعزو جزءاً كبيراً من الأزمة إلى سياسات التهميش المتعمدة من قبل الحكومة المركزية.
2. "المركز والهامش: إعادة التفكير في الصراع السوداني" - فرانسيس دينق
فرانسيس دينق، وهو أكاديمي سوداني بارز، يناقش في هذا الكتاب التوترات بين المركز والهامش في السودان. يركز دينق على الديناميكيات الثقافية والسياسية التي أدت إلى الشعور بالتهميش لدى المناطق الطرفية، مثل جنوب السودان ودارفور، وكيفية تأثير هذا التهميش على الهوية الوطنية السودانية.
3. "السودان: دراسة في جذور النزاع" - غابرييل ريجنالد واربرج
هذا الكتاب يستعرض النزاعات السودانية من منظور تاريخي وسياسي، مسلطاً الضوء على التهميش كعامل رئيسي في اندلاع النزاعات في السودان. يناقش واربرج السياسات التي اتبعتها الحكومات السودانية تجاه المناطق الهامشية وكيفية إسهامها في تفاقم الصراعات.
4. "الحرب والسلام في السودان: الداخل والخارج" - منصور خالد
منصور خالد، السياسي والدبلوماسي السوداني، يقدم في هذا الكتاب تحليلاً شاملاً للصراعات السودانية، مسلطاً الضوء على التهميش كأحد الأسباب الرئيسية للصراع. يناقش الكتاب كيف أن سياسات التهميش الاقتصادية والاجتماعية أسهمت في تأجيج النزاعات الداخلية.
5. "السودان: النخب والصراعات الثقافية" - عبد الله علي إبراهيم
يعتبر هذا الكتاب من المراجع المهمة لفهم التوترات بين المركز والهامش في السودان. يدرس عبد الله علي إبراهيم التهميش الثقافي والعرقي الذي تعاني منه العديد من الجماعات السودانية، ويربط هذا التهميش بالصراعات السياسية والاجتماعية في البلاد.
6. "جنوب السودان: صراع الهوية والسيادة" - سلمان محمد أحمد سلمان
سلمان محمد أحمد سلمان يناقش في هذا الكتاب أزمة جنوب السودان في إطار التهميش الطويل الذي عانى منه الجنوب منذ الاستقلال. يستعرض الكتاب مراحل الصراع الذي أدى في النهاية إلى انفصال الجنوب في 2011، مع التركيز على التهميش السياسي والاقتصادي.
7. "التهميش والسلطة في السودان: دارفور كنموذج" - حسن مكي محمد أحمد
هذا الكتاب يقدم دراسة تفصيلية عن دارفور بوصفها نموذجاً للتهميش في السودان. يناقش حسن مكي السياسات الحكومية التي أسهمت في تهميش دارفور، ويربطها بالصراعات العنيفة التي شهدتها المنطقة.
8. "الهامش والمركز: قضية الوحدة والانفصال في السودان" - جيمس كوبينغ
في هذا الكتاب، يناقش جيمس كوبينغ مسألة الهوية الوطنية السودانية والصراعات بين الهامش والمركز التي أدت إلى انفصال جنوب السودان. يركز الكتاب على الأبعاد الثقافية والسياسية للتهميش وكيفية تأثيرها على الوحدة الوطنية.
9. "الصراع على الهوية في السودان: العرق، الدين والسياسة" - النور حمد
النور حمد في هذا الكتاب يستكشف كيفية تداخل العرق والدين في تشكيل الهويات السياسية في السودان، وكيف أن هذه العوامل أسهمت في تهميش مجموعات معينة داخل المجتمع السوداني.
10. "الاستعمار الجديد والتهميش في السودان" - مكي مدني
هذا الكتاب يعالج قضية التهميش من منظور نقدي للاستعمار الجديد. يناقش مكي مدني كيفية استمرار التهميش عبر سياسات النخب الحاكمة بعد الاستقلال، ويقدم تحليلاً للنظام الاقتصادي والسياسي الذي يحافظ على هذه الهياكل التهميشية.
هذه الكتب والكتابات تقدم رؤى عميقة وتحليلات متنوعة حول قضية التهميش في السودان. يغطي الأدب المتعلق بهذه القضية جوانب متعددة تشمل التاريخ، السياسة، الثقافة، والاقتصاد، مما يساعد في فهم الأبعاد المختلفة للتهميش وآثاره على السودان. تلعب هذه الدراسات دوراً هاماً في تشكيل النقاش العام والسياسات المتعلقة بكيفية معالجة قضية التهميش وتحقيق العدالة الاجتماعية في السودان
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: السیاسیة والاجتماعیة التهمیش فی السودان السیاسی السودانی الوحدة الوطنیة الهویة الوطنیة الاجتماعیة فی فی هذا الکتاب جنوب السودان هذا الکتاب ی بین المرکز هذا التهمیش على التهمیش قد یؤدی إلى هذا الخطاب العدید من الهامش فی فی البلاد سیاسیة فی یمکن أن ی التی ت
إقرأ أيضاً:
من الأميري لاي عبد الله خليل إلى كبرون.. لماذا لا يشتكي ضباط الجيش السوداني من التهميش؟
لم تواجه المؤسسة العسكرية السودانية صعوبة في تسمية وزرائها في حكومة الدكتور كامل إدريس، حيث دفعت بالفريق ركن حسن داؤود كبرون وزيرًا للدفاع، والفريق شرطة بابكر سمرة مصطفى وزيرًا للداخلية. كلاهما، وفقًا لكثير من الشهادات، جاءت به الخبرة والكفاءة لهذا الموقع، وهو تقريبًا المعيار الذي وضعه رئيس مجلس الوزراء كامل إدريس للدخول في تشكيلة حكومته التي وصفها بـ”حكومة الأمل”. لكن المثير في الأمر أن ذلك التعيين حظي بحفاوة لافتة داخل الأوساط العسكرية والاجتماعية، على حدٍ سواء، دون أن يفجر أي أزمة أو يجر الناس للحديث عن التهميش والمحاباة. فما هو السر وراء ذلك؟
القومية النبيلة
ربما لا يزال يرن في أذهان كثير من الناس صوت المساعد الراحل محمد علي عبد المجيد، المعروف بـ”شاعر الجيش”، وهو يجلجل بتلك القصيدة الشهيرة: “ما اتفاخرنا بيها قبيلة، ما فرقتنا رتب.. قائد حامية نوباوي، قائد ثاني حلفاوي، حضرة صول معلاوي. رقيب أول من الفاشر.. دمازين والمدينة عرب”. فمن النادر أن يحتج أحد الضباط، حتى من هم في المعاش، على ترقية أو نقل أو إعادة تعيين زملاءهم في مواقع حكومية، ما يشير الى معايير صارمة ومتعارف عليها داخلياً تحكم تلك القرارات.
تفنيد مزاعم دقلو
سبق أن حاول عبد الرحيم دقلو، شقيق قائد التمرد، الإيحاء بأن قادة المؤسسة العسكرية ينحدرون من منطقة واحدة، مدعيًا في مقابلة مع سكاي نيوز أن “قادة الجيش كلهم من قرية واحدة”. إلا أن الفريق أول ركن ياسر العطا فند هذا الاتهام مباشرةً، مؤكدًا في رسالة لقادة ميليشيا الدعم السريع أن المؤسسة العسكرية تمثل كل أطياف الشعب السوداني. وأضاف العطا: “رئيس هيئة الأركان الفريق أول ركن محمد عثمان الحسين من جبل أم علي شمال شندي، بعده في الأقدمية الفريق مجدي إبراهيم من قبيلة التعايشة وقد عاش وترعرع في سنار، ثم يأتي أيضًا الفريق خالد الشامي النائب عمليات من ولاية الجزيرة، كذلك النائب إدارة الفريق الداروتي من ضاحية بحري، أما النائب تدريب فهو الفريق عبد المحمود حماد من بربر العجيمية، بينما الفريق ركن رشاد عبد الحميد قائد القوات البرية فهو من ولاية كسلا، أما قائد الدفاع الجوي الفريق عبد الخير عبد الله ناصر من أبناء كادقلي”.
وأردف العطا أيضًا بأن قائد البحرية الفريق محجوب بشرى من أبناء بورتسودان، والفريق صبير رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية من العيلفون شرق النيل، والفريق محمد الغالي الأمين العام لمجلس السيادة من دارفور، ووزير الدفاع السابق يس إبراهيم من الرهد أبو دكنة. وتساءل العطا: “هل كل هؤلاء من قرية واحدة أو قريتين يا عبد الرحيم دقلو؟”.
بطل معركة الكرامة
بعد تسمية الفريق كبرون وزيرًا للدفاع، كتب مبارك أردول، رئيس التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية، على صفحته بالفيسبوك: “ألف مبروك الفريق حسن داؤود كبرون، لقد قلتها بأنك ستدافع عن السودان بدمك وروحك وأصبحت حاليًا وزيرًا للدفاع في السودان، ألف مبروك للسودان بك وزيرًا لدفاعه”. وقد رصد موقع “المحقق” تداول مقطع فيديو للفريق كبرون من مباني القيادة العامة وهو يتحدى الحصار، ووصفه البعض بأنه أحد أبطال معركة الكرامة، وقد جسد بثباته وفدائيته روح المؤسسة العسكرية التي تمثل النواة الصلبة للشعب السوداني.
من جانبه، وصف الكاتب الصحفي محمد عثمان إبراهيم وزير الداخلية الجديد الفريق شرطة بابكر سمرة بأنه “رجل محترم أتى به إلى وزارة الداخلية سجله المهني الممتاز في جميع أنحاء السودان، وهو السجل الخالي من الشبهات”، مضيفًا: “ترفع الفريق بابكر سمرة على السلطة فجاءته محمولة حملاً، وهذا درس للمتهافتين والطبالين والداخلين الخارجين من مكاتب الحكام”.
معايير قومية صارمة
في المشهد السياسي السوداني، تتصاعد غالبًا أصوات السياسيين المتذمرين من تجاوز قطار التوزير لهم، متهمين بعضهم البعض بالعمل على أساس الانتماءات القبلية أو الإقليمية. ولكن في المقابل، قلما نسمع شكاوى مماثلة من داخل المؤسسة العسكرية السودانية. فهل يعكس ذلك صورة مختلفة للجيش السوداني؟
يكمن جزء كبير من الإجابة في الطبيعة القومية المتجذرة للمؤسسة العسكرية السودانية. فمنذ تأسيسها، حرص الجيش على بناء هيكل يرتكز على الولاء للوطن أولًا وأخيرًا، بعيدًا عن الانتماءات الضيقة. تتجلى هذه القومية في مجموعة من المعايير والقوانين الصارمة التي تحكم عمليات التوظيف والترقيات وإسناد الأدوار القيادية داخل القوات المسلحة.
يؤكد اللواء ركن معاش عادل كارلوس أن المؤسسة العسكرية محكومة بمعايير قومية صارمة، مشيرًا إلى أن معايير الاختيار والتعيين في القوات المسلحة هي شروط واجبة وفرض عين لأي وصف وظيفي.
وشدد كارلوس في حديثه لـ”المحقق” على أن ضباط الجيش يكافحون للحفاظ على التقاليد العسكرية السامية، ودافعهم في أي تحرك هو حب الوطن والولاء للأرض، والدفاع عنها بالأرواح. ولذلك، “لا مجال أبدًا للحديث عن التهميش والتجاهل، فالجميع سواسية ورفاق خنادق”، حد وصفه.
أساس الترقيات
تعتمد المؤسسة العسكرية على نظام دقيق لانتقاء كوادرها، بدءًا من مراحل التجنيد وحتى اختيار الضباط، إذ يتم التركيز على الكفاءة والقدرات الفردية والولاء الوطني، بعيدًا عن أي اعتبارات جهوية أو قبلية، أو حتى سياسية، فيما تخضع عمليات الترقي في الرتب العسكرية _وفقًا لقانون القوات المسلحة_ لمعايير واضحة تعتمد على الأداء، الخبرة، الدورات التدريبية المكتملة، والقدرة على القيادة، وتضمن هذه المعايير الموحدة تكافؤ الفرص نسبيًا بين الضباط من مختلف الوحدات، مما يقلل من الشعور بالتهميش أو الظلم.
أشهر وزراء الدفاع
ثمة قائمة شهيرة لضباط تقلدوا وزارة الدفاع في السودان، ويبدو أن السمة التي تجمع بينهم هى التخرج من الكلية الحربية، مصنع الرجال وعرين الأبطال، التي صهرت معدنهم في قالب سوداني واحد، وأبرزهم الأمير لأي عبد الله خليل الذي تولى حقيبة الدفاع في الفترة ما بين العام (1956 _ 1958)، وهو من مواليد العاصمة القديمة أم درمان، وأيضاً الفريق إبراهيم عبود الذي ولد بمنطقه محمد قول على ساحل البحر الأحمر، وآدم موسي مادبو الذي عمل وزيرًا للدفاع في الفترة من ( 1967_ 1968) وهو ابن ناظر الرزيقات في دارفور. كذلك اللواء خالد حسن عباس، والفريق أول ركن عبد الماجد حامد خليل الذي شغل هذا الموقع لفترتين تقريبًا، والمشير عبد الرحمن سوار الذهب، الذي ينحدر من ولاية شمال كردفان، والفريق مهندس ركن عبد الرحيم محمد حسين، الذي ينحدر من منطقة دنقلا، والفريق جمال الدين عمر أول وزير دفاع في الحكومة الانتقالية بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، فهو من ولاية نهر النيل. وآخر الشخصيات التي تقلدت هذه الوزارة اللواء يس إبراهيم من شمال كردفان، لتنتقل الآن إلى جنوب كردفان. وقد تنقلت هذه الوزارة المهمة عبر حقب تاريخية مختلفة، وشغلها وزراء من شرق السودان إلى أقصى الغرب، ومن شماله ووسطه وجنوبه، والراجح أن هذا التوزيع الجغرافي لم يكن مقصودًا بذاته، بل غالبًا ما جاءت هذه الشخصيات إلى مناصبها بحكم التراتبية العسكرية.
مؤكد أن القوات المسلحة السودانية تحاول بطرق مختلفة تنحية كافة الانحيازات السياسية والقبلية، وحتى وإن كانت حاضرة في بعض الحقب التاريخية، فمن الواضح أن آليات وقوانين الجيش تهدف إلى التقليل منها قدر الإمكان، وفقًا لآراء خبراء عسكريين استطلعهم موقع “المحقق”، حيث تتبع منهجًا صارمًا يعتمد على الكفاءة والخبرة الطويلة والقدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة، وهذا بالضرورة يتطلب دراسة ومتابعة دقيقة لسجلات الضباط ومسيرتهم المهنية.
المحقق – عزمي عبد الرازق