كُلفة الحرية السياسية
الأردن شهد تجارب سياسية حزبية سابقة كانت برعاية رسمية لم تصمُد طويلاً، على الرغم من أنها انتفخت لحظة معينة بصورة كبيرة!
الحرية السياسية لا تخيف، والمعارضة السياسية القانونية والمجتمع المدني يمثلان مساحة أمان وطمأنينة للعملية السياسية وشرعنتها.
يجب التخلص من عقلية التصنيف والتخوين خاصة في أروقة النظام السياسي، إذ طغت هذه العقلية أخيرا، فتم تصنيف الناس: وطنيين وموالين بناءً على مواقف سياسية.
التضييق على مساحة الآراء المتعدّدة والمتنوّعة وعقلية التصنيف يؤدّيان لتفريخ حالة من الاحتقان والغضب تنتهي بتأزيم الأمور وتعميق الأزمة بين الشارع والنظام السياسي.
كان مشروع قانون الجرائم الإلكترونية فرصة للأحزاب السياسية لتقديم نفسها بصورة مقنعة للشارع الأردني، وهو ما استثمرته أحزاب المعارضة كالإخوان وأحزاب يسار الوسط.
مسار السلطوية الجديدة وإغلاق المجال العام وخنق الحريات العامة وانتهاك حقوق الإنسان وتفريخ أحزاب موالية وقمع أصوات النقد مسار خطِر يؤدّي لكوارث حقيقية والتجربة أكبر برهان.
* * *
مداخلة عضو مجلس الأعيان، مصطفى حمارنة، في مناقشات مشروع قانون الجرائم الإلكترونية في مجلس الأعيان الأردني، كانت جريئة وواضحة وصريحة، واقتربت منها بدرجة كبيرة مداخلات كل من خالد رمضان وخالد الكلالدة وعلي السنيد وعبلة العماوي وجميل النمري، وشكّلت هذه المجموعة أداءً فارقاً مهماً، أعطى قوة ومصداقية وزخماً لمجلس الأعيان افتقده مرحلة طويلة.
بموازاة ذلك، كان موقف المجتمع المدني قوياً وصلباً وفاعلاً، إذ عقد "تحالف همم" مؤتمراً حضره ممثلون عن المؤسسات المدنية والدولية المعنية بالإعلام وحقوق الإنسان، فيما غاب ممثلو الحكومة المباشرون، ما أضعف رواية الحكومة، وجعلها تبدو هشّة غير قادرة على مواجهة الانتقادات الكبيرة والعميقة التي وُجهت إلى القانون.
وكما يرصد تقرير موقع عمّون الإخباري، كان مشروع القانون فرصة للأحزاب السياسية لتقديم نفسها بصورة مقنعة للشارع الأردني، وهو الأمر الذي استثمرته أحزاب المعارضة السياسية بجدارة، مثل الإخوان المسلمين ومعهم ممثلو الأحزاب، الديمقراطي الاجتماعي والمدني الديمقراطي والتحديث والتنمية، وهي أحزاب تنتمي غالباً ليسار الوسط.
على الطرف الآخر، لم تستطع الأحزاب التي تتموضع في يمين الوسط تقديم خطابٍ متماسكٍ قوي في موقفها من القانون، واكتفت بالصمت أو التأييد بلا خطاب أو النقد الخجول، وهذا لا يعني أن المطلوب منها كان موقفاً معارضاً بالضرورة، بل أن تقدّم موقفاً سياسياً يشتبك مع الشارع، ويقوم بعملية التعبئة مع هذا الاتجاه أو ذاك.
وهو ما لم يحدث، ما يعكس فجوة كبيرة ما تزال قائمة في خطاب هذه الأحزاب السياسية وسلوكها، والخشية من أنّها إن لم تمتلك الاستقلالية كاملة وتبتعد عن التدخّلات الرسمية، فلن تستطيع أن تقنع الشارع بحضورها، أيّا كان حجمها السياسي ومهما كان عدد أعضائها، لأنّ الأردن شهد تجارب سياسية حزبية سابقة كانت برعاية رسمية لم تصمُد طويلاً، على الرغم من أنها انتفخت لحظة معينة بصورة كبيرة!
في ضوء هذا المشهد، من الضروري الإشارة إلى التخلص من عقلية التصنيف والتخوين من الأطراف جميعاً، بخاصة في أروقة النظام السياسي، إذ طغت هذه العقلية أخيرا بصورة واضحة وجلية، فيتم تقسيم الناس إلى وطنيين وموالين وغير ذلك، بناءً على مواقف سياسية.
وقد تنطلق، ربما غالباً، خطابات معارضة عديدة من خندق وطني يحرص على الدولة والإصلاح والبحث عن مخارج سياسية من الأزمات. لذلك تعتبر مداخلات مجلس الأعيان ومواقفه على درجة عالية من الأهمية.
فطالما كان هنالك موقف عقلاني وموضوعي فيه، وهو الذي يذيع اسمه مجلس الملك، فلم يكن هنالك مبرّر إذن سلق القوانين والسياسات بصورة خاطفة، واستفزاز المجتمع المدني والشارع، فضلاً عن تهميش دور مجلس النواب من خلال تعزيز الصورة النمطية عبر عملية تمرير مشروع القانون بهذه السرعة!
الحرية السياسية لا تخيف، والمعارضة السياسية القانونية والمجتمع المدني يمثلان مساحة أمان وطمأنينة للعملية السياسية وشرعنتها. وعلى النقيض من ذلك، التضييق على مساحة الآراء المتعدّدة والمتنوّعة، وعقلية التصنيف هما اللذان يؤدّيان إلى تفريخ حالة من الاحتقان والغضب تنتهي إلى تأزيم الأمور، وإلى تعميق الأزمة بين الشارع والنظام السياسي وتجذيرها.
ولعلّ الدلالة الأكثر وضوحاً على ما سبق أن الغالبية العظمى من القوى السياسية والسياسيين قبلوا مخرجات اللجنة الملكية للتحديث السياسي، وما حملته من ضماناتٍ للنظام السياسي، خصوصا عبر التعديلات الدستورية، ومن صفقة ضمنية على حلول وسطى، وتحرّكت المياه الراكدة وبدأ المواطنون يستعدّون للحياة الحزبية والانتخابات القادمة.
وهو أمر كان يمكن تعزيزه بصورة كبيرة عبر مناخ من الانفتاح السياسي، ما يخفّف من وطأة الأزمة الاقتصادية والمالية، ويوسّع قاعدة النقاش العام في البلاد، وكلفة ذلك أقل بكثير من كلفة العقلية السلطوية والإقصائية التي تقوم على التهميش والتصنيف والتخوين.
سيناريو الحرية السياسية والتعدّدية الحزبية ومناقشة الشؤون العامة وعقلنة الحوار الوطني مسار آمن، بينما مسار دول عربية عديدة اليوم، والسلطوية الجديدة من إغلاق المجال العام وخنق الحريات العامة وانتهاك حقوق الإنسان وتفريخ أحزاب موالية وقمع الأصوات النقدية هو المسار الخطير الذي لا يؤدّي إلا إلى كوارث حقيقية، والتجربة أكبر برهان.
*د. محمد أبورمان باحث أكاديمي في الإصلاح السياسي، وزير أردني سابق.
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الأردن السلطوية تضييق المجال العام الحرية السياسية المجتمع المدني قانون الجرائم الإلكترونية مجلس الأعیان
إقرأ أيضاً:
أحزاب تعز: التحرير وإسقاط الإنقلاب المخرج من الأزمات التي يعاني منها الشعب
أكدت الأحزاب والتنظيمات السياسية بمحافظة تعز، الأربعاء، أن التحرير واسقاط الانقلاب واستعادة الدولة هو المخرج من كل ازمات الشعب اليمني السياسية والاقتصادية والخدمية.
وقالت أحزاب تعز السياسية، في بيان لها، إن "التحرير واسقاط الانقلاب واستعادة الدولة هو المخرج من كل ازمات الشعب اليمني السياسية والاقتصادية والخدمية وان بقاء الانقلاب يمثل تهديدا لإستقرار الشعب اليمني والإقليم ومصالح المجتمع الدولي".
ودعت الأحزاب، مجلس القيادة الرئاسي ودول التحالف لدعم الشرعية إلى الدفع بخيار التحرير عبر غرفة عملية مشتركة مشيرة إلى أن الايام أثبتت أن "الحوثي لا يؤمن بالسلم ويعتنق مبدأ العنف ويناهض قيم المساواة والدولة والاستقرار".
وشدد البيان، على وحدة الصف بين كافة الاحزاب وقوى المحافظة للحفاظ على الاستقرار ومصالح المجتمع والتخفيف من الاثار السلبية على المواطن نتيجة تدهور العملة وارتفاع الأسعار عن طريق البحث عن ما يمكن عمله من حلول اسعافية تخفف من وطأة الازمات وفي المقدمة منها ازمة المياه التي تهدد حياة الناس.
وطالبت الأحزاب، الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي إلى البحث عن حلول جذرية عبر خطط استراتيجية لأزمة المياه في تعز ومنها مشروع التحلية، داعية نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح بالاستمرار في تنفيذ مشروع المياه في وادي الضباب وطالوق الذي يعتبر واحدا من أهم المشاريع التي تحتاجها تعز على طريقة الحل الجذري لأزمة المياه، جد قول البيان.
وبحسب البيان، فإن الاحزاب والتنظيمات السياسية بمحافظة تعز أقرت التواصل مع محافظ المحافظة لمناقشة ازمة الكهرباء والمياه. والدفع بالحلول الاسعافية الممكنة للمياه التي تودي الى الاستفادة القصوى من كمية المياه المتواجدة في الابار والاحواض المتاحة والعمل على ضبط الايرادات وإيقاف الجبايات غير القانونية، ومكافحة الفساد الذي تسبب بتفاقم الاوضاع وتلافي أوجه القصور في المرافق الخدمية.