أ مات ( السيد) .. ؟ نعم .. ولكن أية ميتة مات ؟
تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT
بقلم : فالح حسون الدراجي ..
وأخيراً، وبعدما (أتعبهم) في ميادين الجهاد والكفاح والثورة .. ترجّل الفارس المقدام، وسيد المقاومة حسن نصر الله .. ترجّل عن جواده بطلاً صنديداً، واقفاً وثابتاً مثل جبل شاهق أشم.. لكنه وللأسف مضى مُكرهاً، مظلوماً، مغدوراً بكل ما في دنيا اليوم من غدر وخيانات وخسة..
لقد سقط (السيد)، مضرجاً بدمائه الشريفة، مثخناً بجراح الإباء والعزة والطهر والنبوة.
الحياة منذ مساء الجمعة وحتى مساء السبت متوقفة بكل تفاصيلها، والأنفاس لأربع وعشرين ساعة محبوسة في الصدور، تنتظر من يكذب لها أنباء الصهاينة..!
ولا أبالغ لو قلت، إن نبأ استشهاد السيد، صدم العالم بشرقه وغربه، بل وأوقف العالم على قدم واحدة، خوفاً ورعباً وألماً، وترقباً لما سيحدث غداً.. وبصراحة ودون مبالغة أقول: إن مقتل هذا الرجل الشرقي العربي المسلم المعمم البسيط، القادم من أقصى أقاصي لبنان، قد هزّ الكرة الأرضية برمتها، وهي التي لم تهتز من قبل بموت كبار الزعماء والقادة والملوك والسلاطين والأباطرة في العالم، بل ولم تكترث حتى لموت البابوات الفخام، ورحيل آيات الله الكرام، وكبار العلماء العظام.. فلماذا يهتم العالم اليوم كل هذا الاهتمام بمقتل الفتى حسن نصر الله، ولماذا يحاول (العالم) ويتمنى تكذيب خبر استشهاده، وكأنه لا يريد تصديق ذلك.. وقد يتساءل الكثير من الناس عن سبب عدم تصديق الشرق والغرب نبأ مقتل السيد، أليس السيد حسن بشراً مثل غيره: يولد ويعيش ويموت أيضاً، أليس هو (فرداً) مثلنا، ينام ويصحو ويتنفس وياكل ويشرب، ويمرض ويُشفى، ويُقتل كما يُقتل أي محارب عنيد في ميدان الجهاد ؟
ألم يقل الشاعر الشعبي العراقي من قبل: ” كل حي بالدنيا أعليه موته ..”؟
فلماذا يختلف الأمر مع (هذا السيد)..؟!
والجواب باختصار شديد: إن حسن نصر الله لم يكن ( فرداً ) مثلنا، إنما هو (مجموعة أفراد وقدرات ومواهب) مجتمعة في كيان بشري واحد، حاله حال الأولياء والأوصياء والثوار الأفذاذ، والمفكرين والمخترعين والأشخاص المنتجين الاستثنائيين في التاريخ.. اولئك الأشخاص الذين غيروا حركة ومسرى الكون، فجعلوا من اللاشيء شيئاً عظيماً، ومن اللا وجود وجوداً فاعلاً، وأحالوا الظلام نوراً، والسراب ماءً، والحجر غصناً زاهراً وردياً..
ويقيناً أن نصر الله لا يقل عن الثوار الذين مضوا إلى أبديتهم، لكنهم تركوا أثراً كبيراً في التاريخ، بدءاً من أبي ذر الغفاري، مروراً بجيفارا، وليس انتهاءً بمانديلا.. وانا حين اتحدث عن حسن نصر الله، فأنا اتحدث عنه باعتباره ثائراً كونياً وأحد قادة المقاومة العالمية، بعيداً عن انتمائه الديني أو الطائفي الضيق.
نعم اتحدث عن نصر الله الثورة، والقائد الذي أذلّ الصهاينة و(كسر خشم) المغرور (نتنياهو)، وأتحدث عن (نصر الله) الذي استلم قيادة حزب الله قبل اكثر من ثلاثة عقود، في وقت عصيب لم يكن فيه الحزب سوى اسمٍ مجهول، وكيان صغير، لا يضم غير عدد قليل من الأعضاء، إلا أن ( السيد) جعل منه حزباً كبيراً، وجيشاً مرعباً للكيان الصهيوني، وثورة مسلحة قوية أقضت مضاجع الطغاة والسفاحين..
قد أختلف، وربما يختلف معي أيضاً الكثير حول متبنيات وطروحات حزب الله الفكرية والعقائدية، لكني أتفق معه في ثوريته وتحديه وجهاده وصبره الطويل، وأقف إلى جانبه بكل قوة في تصديه للمشروع الصهيوني، والتضحيات الغالية التي دفعها، واسانده وهو يواجه بصمود إعجازي جرائم إسرائيل ومعها كل جيوش الثورة المضادة..
ولا غرابة في أن يكون حسن نصر الله اليوم رمزاً وطنياً واقليمياً وعالمياً من رموز الثورة والصمود والتحدي والمواجهة مع قوى الاستكبار والاستغلال العالمي، بعد ان نجح في تحرير أرضه المحتلة، وتمكن من قيادة الجياع والمظلومين في لبنان نحو بوابات العزة والكرامة والحرية..
لذلك وقطعاً، كان نبأ مقتله صدمة عنيفة ومدهشة ومحيرة أيضاً، بحيث لم يستطع العالم استيعابها وتصديقها حتى هذه اللحظة، رغم أن حزب الله أكد بنفسه صحة نبأ استشهاد زعيمه.
ويبدو أننا جميعاً لم نكن نصدق ولا نريد أن نصدق ذلك، رغم يقيننا أن السيد إنسان، و( بشر )، مثلنا، معرض للموت والقتل، ناهيك من أن المجرم نتنياهو وكل عصابات الصهاينة كانوا يخططون ليل نهار لقتل هذا (المعمم) الذي دمر (تفوقهم) التقني والعسكري والاستخباري المعروفين به ..!
وأخيراً : هل مات السيد ؟
نعم، مات (السيد)، ولكن أيَّة ميتة باهرة ومشرفة وعظيمة مات أبو هادي.. ثم من يضمن أن بيئة حسن نصر الله الباسلة، لم تهيء (سيداً) آخر يكمل المسيرة ويقود الجياع اللبنانيين نحو تحقيق هدف الثورة؟!.
userالمصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات حسن نصر الله
إقرأ أيضاً:
فراشات ولكن من نوع آخر
يقول مؤسس علم الإجتماع ابن خلدون “الإنسان كائن إجتماعي بطبعه”
فالصداقة من أسمى الروابط التي تجمع البشر، لكنها قد تكون سيفًا ذا حدين إن اختلطت بالمكر والخداع.
الصداقة، ذلك الرباط الإنساني النبيل، قد تتحول في بعض من الأحيان إلى سلاح ذي حدين! أحدهما يُعانق روحك، والآخر يُطعن في ظهرك.
فما أكثر الذين دخلوا حياتنا بإسم الصداقة، لكنهم حملوا في قلوبهم ما لا تُبديه وجوههم.
من أخطر أنواع الأصدقاء، أولئك الذين يمارسون ما أُسميه بـ”تقنية الفراشة”، لا يستقرون على ولاء، ولا يثبتون على موقف.
تراهم يتنقلون بين الناس، ينشرون السُمّ في هيئة نصيحة، ويغرسون الشك بينك وبين من حولك.
يشتمون هذا، ويُعيبون ذاك، ويحرضونك على الجميع حتى ترى العالم من خلال نظارتهم السوداء، ثم يفاجئونك لاحقًا بمدّ جسور المودة مع من حرّضوك ضدهم، وكأنهم لم يزرعوا يومًا بذور الفرقة.
هذا الصنف من الأصدقاء أشد فتكًا من الأعداء.
فهو لا يهاجمك علنًا، بل يتقرب إليك ليدسّ لك السمّ في العسل.
لا تجاريه، ولا تلوث قلبك بالنميمة التي يحملها إليك، فالنمّام لا ينقل لك الكلام حبًا، بل ليراقب اشتعال الفتنة وهو يبتسم من بعيد.
أما العدو؟ فرغم شره وحقده، يبقى واضحًا في عداوته.
لا يلبس الأقنعة، ولا يزعم المودة.
هو حاقد، حاسد، متربّص، ينتظر زلتك ليصطادك، لكنه على الأقل لا يخدعك.
وصديق اليوم قد يصبح عدو الغد، لا لأن شيئًا قد تغيّر، بل لأنه في الأصل لم يكن صديقًا قط.
كان عدوًا متخفيًا، يرتدي قناع المودة، ويتقن دور الصديق حتى تأتي لحظة السقوط.
بالنسبة لي، العدو الظاهر بوجهه العابس وصراحته المؤذية أشرف بمئات المرات من “الصديق العدو”، الذي يغرس خنجره باسم الوفاء.
نحن لا نخاف الأعداء كما نخاف الأصدقاء المزورين، لأن الطعنة من الظهر لا تأتي إلا ممن وقف خلفك بثقة.
همسة
ليس كل من إقترب منك يريد بك خيرًا، فبعض القلوب تبتسم لتخفي سُمها، وبعض الأيدي تُصافح لتغرس الخنجر في الغفلة…