الحزب الشيوعي السوداني … مخترق ام مختطف – الحلقة الأخيرة
تاريخ النشر: 1st, October 2024 GMT
(11) رسالة إلى الرفاق
في الختام رسالة إلى الرفاق باللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني:
بعد السلام والاحترام، اسمحوا لي أن أخاطبكم مباشرة في هذا الحيز ... بعد أن أغلقت الطرق وسدت في وجهي السبل في التواصل الشرعي معكم عبر القنوات الرسمية، والتي اضطررت مجبرا إلى تجاوزها ومخاطبتكم بالصوت العالي الذي حتما سيصل إلى مسامعكم ومسامع كل الزملاء الشيوعيين وكذلك أصدقاء الحزب والمهتمين.
كما لا يفوتني أن تخوين الآخرين الذين هم في جبهة المصادمة لن يخدم قضايا الحرية والسلام والعدالة التي ينادي بها الحزب والشعب. الأمر يتطلب ما هو أكثر من أطلاق الشعارات! والنداء لبناء الجبهة الشعبية لوقف الحرب يتطلب من الحزب ليس عقد الندوات وإصدار البيانات فحسب، بل التحاور مع كل الأطراف التي لها نفس المطالب لتأسيس تلك الجبهة، ومخاطبة الأطراف المتحاربة، والمشاركة في المنابر الخارجية ومقابلة أصحاب المصلحة في وقف الحرب وتوصيل صوت الحزب لها...
أنني لا أدعو لأن يتخلى الحزب عن برنامج التغيير الجذري. فالحزب منذ تأسيسه وهو يناضل من أجل التغيير الجذري، ولكني أنادي بتوسيع الماعون وأن يجلس قادة وممثلو تحالف التغيير الجذري مع قادة تقدم والأطراف التي لها نفس المطالب، مثلما جلسوا مع قادة الحركات المسلحة، وان يتوافقوا على ما هم متفقون حوله (برنامج الحد الأدني) من ضرورة إنهاء الحرب والعودة للمسار الديمقراطي وخروج العسكر من السلطة ووضع يد الدولة على المال العام، ويشكل ذلك برنامج التحالف الجديد الذي يجمع شمل كل المطالبين بوقف الحرب وعودة الديمقراطية. وحينما يتحقق ذلك ينفض المولد وكل حزب يمارس نشاطه منفردا حسب ما يرى.
وفي ذلك نستلهم تجربة طيبي الذكر الأساتذة التجاني الطيب وفاروق أبوعيسى، تنزَّل عليهما شآبيب الرحمة، والتنازلات التي كانا يقدماها، وصبرهما وتجاوزهما لكثير من الأمور في ظل الصراع والتنافر بين القوى المتحالفة في التجمع الوطني الديمقراطي، والمنحنيات والانكسارات التي مرَّ بها التجمع.، لم ينسحبوا بالرغْم من الكثير من الأسباب الداعية للانسحاب، بل ظلا يكدان ويجتهدان، مع من معهم من الشيوعيين والديمقراطيين، ديدنهما، فيض البذل والعفة عند المغنم، من أجل المحافظة على وحدة قوى المعارضة مما أجبر النظام البائد على فتح نافذة للضوء في جدار العتمة، وسمح بهامش من الحرية أتاح للقوى السياسية أن تضمد جراحها وتنظم صفوفها وتخرج بصحفها للعلن. ولو قارنا ما بين تحالف التجمع الوطني الديمقراطي وتحالف الحرية والتغيير أو تنسيقية تقدم نجد الأخيرين أكثر مرونة، ويفوقا الأول ثورية وديمقراطية بسنوات ضوئية فما لكم كيف تحكمون؟!
بارك الله في امرئ عرف قدر نفسه، الحزب لا يمتلك الأدوات اللازمة (منفردا) لإجبار أطراف الحرب وأمرائها وتجارها والمراهنين عليها على وقفها، إذ ليس بيده سلاح أو حتى قاعدة داخلية صلبة يستند إليها كي يفرض إرادته في تطبيق شعار لا للحرب. فالشارع ما عاد هو الشارع، ولا يتمتع الحزب بعلاقات دولية، أو إقليمية، بعد انحسار الشيوعية، يوظفها للضغط على الأطراف المتحاربة لوقف الحرب. لذا فمن الأجدى له على الأقل دعم كل جهد يسعى لوقف الحرب سواء كان ذلك الجهد داخلياً أو خارجياً، على أساس أن وقف الحرب صار يشكل الأولوية القصوى. بدلاً من أن يكون معولاً بيد خصوم الديمقراطية والتحول المدني لضرب الثورة. وكما قال الراحل الأستاذ محمد سليمان عبد الرحيم في إحدى إسهاماته الفكرية الثرة "أي اصطفاف غير الاصطفاف ضد الحركة الإسلامية سيساعد على انتصار الثورة المضادة". وقال في خاتمته، ما أود أن أقوله في ختام هذا المقال هو بالتحديد أن أي اصطفاف غير الاصطفاف الواضح والكامل ضد الكيزان والحركة الإسلاموية لن يقودنا إلى تحقيق أهدافنا في إيقاف الحرب وإقامة الدولة المدنية واسترداد الثورة. تلك هي الحقيقة الناصعة فأي اصطفافات أخرى ستعمل على تقسيم صفوف القوى الشعبية والمدنية - كما هو حاصل الآن - لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد الحرب أو القبول بتسويات ضعيفة تعيد إنتاج الأزمة.
البلاد على حافة الانهيار، حيث أكثر من خمسة وعشرين مليون سوداني يتهددهم كأداء التشرد والنزوح والمرض والموت، وملايين الأطفال يتضورون جوعاً، والتلاميذ بلا مدارس. فبالله عليكم ماذا تنتظرون حتى تضعوا أياديكم مع الأيادي المنادية بوقف الحرب؟!
إن المهددات ليست فقط على السودان ووحدته الوطنية، فالمهددات أيضا تطال كذلك الحزب الذي يمر بأزمة لا مثيل لها، إن لم يرتق تنظيمياً وفكرياً بخطابه، وأدواته، وثقله السياسي إلى مستوى المسئولية، فقد يتلاشى ويصبح أثراً بعد عين ومجرد ذكرى، وبضعة كتب يعلوها الغبار بين دهاليز مكتبة منسية...
لذا أتمنى المضي قدماً حتى يعود لنا الحزب وضاءاً كالشمس في رائعة النهار، يرفرف عالياً خفاقاً مثل هامات النخيل، ونحن على مشارف العيد الثامن والسبعين لتأسيسه نصطف من جديد خلف محجوب شريف نتناجى ونغني
((حارنك نحن ودايرنك الما من شعبنا مامنك ...
عشقنا جوانا اتارنك ...
حزباً في القلب مضارنك ... للشمس حتمشي مبارنك ...
فخرا للشعب السوداني والطبقة العاملة الثورية)).
النهاية
عاطف عبدالله
atifgassim@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: التغییر الجذری لوقف الحرب
إقرأ أيضاً:
الفرصة الأخيرة للعقل.. فهذه حرب لا سقف لها
ما يجري الآن بين إسرائيل وإيران لا يمكن قراءته ضمن منطق «التصعيد العسكري» أو «الردع المتبادل». المنطقة الآن أمام مواجهة خرجت من نطاق الردع إلى نطاق الفعل المباشر، ومن حدود «قواعد الاشتباك» المحسوب بدقة إلى مشهد مفتوح على كل الاحتمالات. ولعل الأيام الأربعة الأولى من هذه الحرب تعطينا تصورا لما يمكن أن يحدث في الأيام القادمة فيما لو استمرت هذه الحرب. فحين تستهدف إسرائيل منشآت نووية في عمق إيران، وتغتال قيادات علمية وعسكرية، وتضرب مواقع حيوية ليس آخرها مبنى التلفزيون، وترد إيران بكل قوتها، فإن الأمر لا يعود مجرد تجاوز لقواعد الاشتباك، بل نزع لتلك القواعد من أساسها والدخول في قواعد الحرب التي يسعى كل طرف إلى بسط سيطرته وقوته على الطرف الآخر.
لقد اعتادت المنطقة منذ عقود على إدارة الصراعات ضمن هندسة دقيقة من «العقلنة الاستراتيجية»، حتى في أقسى لحظات المواجهة. ما يختلف اليوم هو أن هذه الهندسة أُسقطت عمدا، كما أسقط الوسطاء والأوهام، وهوى السقف المحدود لتخاض الحرب الآن بشكل مباشر ودون أدنى محاذير تذكر. ومع هذا الانزلاق، تصبح كل نقطة تماس في الإقليم عرضة للاشتعال، من الخليج إلى الشام، ومن البحر الأحمر إلى المتوسط.
وأمام هذا المشهد المحتدم، يصبح من العبث الاعتقاد بأن الحرب ستظل في نطاق جغرافي ضيق أو ضمن أهداف محددة وهي التي بدأت بسقف أهداف عال جدا. وتاريخ المنطقة لا يقدّم أي نموذج ناجح لحروب «مضبوطة»، بل إن كل تدخل عسكري كبير كان سرعان ما ينتج عنه تداعيات أبعد من مقاصده الأولى، لا بسبب نوايا المتحاربين فقط، بل لأن البنية الإقليمية نفسها متداخلة، وهشة، وقابلة للاشتعال من أطرافها.. والأمر نفسه بالنسبة للسياقات التي تتحرك ضمنها هذه «الصراعات» سواء في سياقها الديني أو السياسي.
وإذا كان الرد الإيراني قد تجاوز توقعات إسرائيل والسيناريوهات التي رسمها الغرب فإن الذي ينبغي أن يشتغل به العالم الآن هو المسار الذي يمكن أن يُخرج المنطقة من هذه الحلقة التصعيدية؟ والبحث عن كل المنافذ التي يمكن أن تعبر منها وساطات نزيهة ومقبولة كتلك التي تقوم بها سلطنة عُمان من اليوم الأول لبدء هذه الحرب.
ويسعى الحراك الدبلوماسي الكبير الذي تقوم به عُمان لمحاولة وقف إطلاق النار والبدء في حوار منطقي يوقف الدمار الكبير ويقود إلى تسويات عادلة ومنصفة، بما يكفل عودة الحياة إلى مجرياتها الطبيعية.
وكان الاتصال الذي أجراه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ذروة ذلك الحراك الدبلوماسي خاصة وأن عُمان كانت تقوم بدور الوساطة بين إيران وأمريكا وتعرف أكثر من غيرها مواطن الالتقاء والبعد بين الطرفين.
رغم هذا الحراك الذي تقوم به سلطنة عُمان وبعض الدول الأخرى في المنطقة من أجل وقف صوت الصواريخ وخطرها على استقرار المنطقة فإن هناك خطرا آخر لا يقل عنها وهو خطر الصمت الذي ما زال يسيطر على العالم. والصمت، وإن اتخذ صورة التحفّظ فإنه يرسل إشارات مقلقة بأن هناك من يمنح الغلبة لمن يفرض الوقائع بالقوة، ولو على حساب القانون الدولي. وفي هذا فراغ أخلاقي لن يملؤه سوى العنف المضاد.
والحرب بعد يومها الرابع تضع الجميع أمام خيارين لا ثالث لهما: إما استمرار الانزلاق نحو صراع إقليمي واسع الكلفة، أو العودة إلى الطاولة، لا لإنهاء الخلافات الكبرى دفعة واحدة، بل لكسر منطق الحرب، والبدء بوقف شامل لإطلاق النار.
وإذا كان من رهان حقيقي اليوم، فهو على استعادة المنطق السياسي قبل أن تُملي الحرب شروطها القاسية على الجميع. فهذه الحروب، وإن بدت للبعض حاسمة في عتباتها الأولى إلا أنها لا تصنع نصرا نهائيا، بل تعيد ترتيب الخسارة في وجوه متعددة. وكل تأخير في وقفها، يُضاعف الألم ويفاقم الثمن، لا على الأطراف المتحاربة فقط، بل على النظام الإقليمي برمته.