صالح الحارثي **

 

لم يشهد عصرنا الحديث، قضية مؤلمة ونازفة كالقضية الفلسطينية؛ فهي قضية المفارقات والتناقضات في الثوابت والمبادئ، قضية الشرق الأوسط الأولى؛ بل والعالم برمته.. قضية تقاطع المصالح وتلاقيها.. قضية الاحتلال الغاشم الذي بسببه ومن أجله اشتعلت المنطقة وانشغل العالم بها.. قضية الجرح العربي النازف الذي يأبى أن يندمل.

. قضية فلسطين التي أُصيبت في مقتل واليهود الذين طغوا واستبدوا "وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِّنْهُمْ ۚ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ" (المائدة: 71).

على مدى نصف قرن وأكثر من الصراع العربي الإسرائيلي المرير، كان موقف سلطنة عُمان واضحًا منذ البداية تجاه نصرة القضية الفلسطينية، وسخَّرت لها كافة جهودها الدبلوماسية وطار وزير خارجيتها معالي السيد بدر بن حمود البوسعيدي، إلى أكثر الدول تاثيرًا في مجريات هذه القضية، ونادى في منابر جامعاتها ومنتدياتها، موضحًا مخاطر الاحتلال والأعمال العسكرية الإسرائيلية على أمن الشرق الأوسط وامتداد انعكاساتها على العالم. ولم يُبالغ في تصريحاته ضد الاحتلال، فكًل كلمة قالها كانت  موزونة وفي مكانها الصحيح، ولم يزايد أبدًا في قضية خاسرة وهو يتحدث إلى العالم عن "السياسة المألوفة المتمثلة فى الدفاع عن إسرائيل مهما كانت النتائج وأنها لن تحل المشكلة؛ بل يتعين بدلًا من ذلك معالجة السبب الحقيقي للأزمة الحالية"؛ وهي "إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني لفلسطين... باعتباره السبيل الوحيد لاستعاد السلام إلى المنطقة".

لم يتصلب وزير الخارجية العُماني في مواقفه، كما بدا للبعض ذلك، عندما ساند جنوب أفريقيا في طلبها محاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب، ولم يغالي في وصف واقع حاصل تقف فيه بعض الحكومات مكتوفة الأيدي تجاه ما يحصل في فلسطين ولبنان وتُدين التصرفات الإيرانية، في حين تمتنع عن فعل الشيء نفسه مع إسرائيل؛ بل وتمُدُّها بالسلاح في صورة فاضحة لازدواجية المعايير.

إنَّ نتائج ما اشتغلت عليه سلطنة عُمان حول هذه القضية بجانب عدد من شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية والدول المُحبة للسلام، بدأت تؤتي ثمارها الآن، وذلك من خلال ازدياد عدد الدول الأجنبية التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، والمشهد السياسي العالمي الرسمي والشعبي الذي يقف الآن بجانب الشعب الفلسطيني، والذي أصبح يُصيب إسرائيل بالجنون، على عكس ما كان في بداية "طوفان الأقصى" الذي استغلته الأخيرة وطوّعته لصالحها تحت زريعة "مكافحة الإرهاب"!

لقد ركبت عُمان منذ البداية المركب الصعب، وقالت كلمة الحق، واعتمدت في ذلك على علاقاتها القوية والمتميزة مع الدول المُحبة للسلام، ولم تخش من لمس الخطوط الحمراء التي رسمها الكيان الصهيوني على كل من يحاول الاقتراب منها، وبَنَتْ قرارها ذلك من باب الثوابت في سياستها، والمقاصد النبيلة في إنسانيتها، إيمانًا منها بأن القضية الفلسطينية قضية حق وقضية عدالة وقضية شعب، يعيش وطأة الضيم والظلم والقهر؛ فالتضامن مع الشعب الفلسطيني ليس اختيارًا؛ بل مطلب وواجب تُحتِّمه علينا العروبة، وتقتضيه فينا الشرائع الدينية، ويُمليه علينا الضمير الإنساني.

ومع ذلك نحن لا نكره اليهود- كأصحاب ديانة- لكن نُنكر عليهم أفعالهم الوحشية والمروعة وأياديهم المُلطَّخة بدماء شعب أعزل.. نكره جرائم الإبادة التي ارتكبوها.. نكره رفضهم للحلول السلمية والتفافهم على القوانين الدولية.. نكره فيهم الكذب والإسفاف والمراوغة، فقد جرَّبناهم في أكثر من مرة.. جرَّبناهم في "مؤتمر مدريد" و"اتفاقات أوسلو" و"كامب ديفيد" و"مبادرة السلام العربية".. استقبلنا زعمائهم ظنًا مِنَّا أن مَدَّ يد السلام سوف ينفع، لكن كمن ينفخ في الهواء.. ومع ذلك ستظل آيادينا مدودة للسلام.. السلام الذي سيوفر الأمن للجميع، ولا يتأتى هذا إلّا بالإعلان عن إقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وغير ذلك فهو "إما أنه مخدوع أو ساذج أو يُحاول عمدًا تجنُّب الحقيقة".

** سفير سابق

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

آخر الأوضاع بالقطاع| طيران الاحتلال يقصف المناطق الغربية لرفح الفلسطينية.. نتنياهو يرفض إقامة دولة فلسطينية

مناطق عدة في خان يونس تتعرض لقصف مدفعي مكثف، في إطار ما يصفه الاحتلال بتوسيع "الخط الأصفر"، مضيفا أن هذا التوسع ينعكس بشكل واضح على الأرض من خلال عمليات توغل جديدة وإعادة رسم للحدود الميدانية.

نتنياهو يرفض إقامة دولة فلسطينية ويصف المرحلة الثانية من اتفاق غزة بالصعبة.. تفاصيل

قالت دانا أبو شمسية، مراسلة قناة القاهرة الإخبارية من القدس المحتلة، إن المؤتمر الصحفي المشترك بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والمستشار الألماني فريدريش ميرتس حمل عدداً من النقاط اللافتة.

وأضافت خلال مداخلة مع الإعلامية رغدة أبو ليلة، على قناة "القاهرة الإخبارية"، أن زيارة المستشار الألماني تأتي بمناسبة مرور 60 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وألمانيا، وهي زيارته الأولى إلى تل أبيب منذ توليه منصبه، وقد استهل زيارته بلقاء الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج، الذي تطرّق إلى انتقادات ألمانية لأداء الحكومة والجيش الإسرائيلي خلال الحرب، لكنه أكد في الوقت نفسه متانة العلاقات بين البلدين ودعم برلين "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".

وفي ما يخص المرحلة الثانية من اتفاق غزة، أوضحت أن هذا الملف شكّل محور جدل بين الطرفين، إذ حاول نتنياهو التأكيد على أن الانتقال إليها "قد يكون صعباً مثل المرحلة الأولى أو أكثر"، نظراً لارتباطها بـ "نزع سلاح حركة حماس"، كما تحدث عن مرحلة ثالثة تتعلق بـ "نزع الأفكار العدوانية" داخل غزة، مشبهاً ذلك بما جرى في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، في إشارة واضحة إلى أحداث المحرقة، خصوصاً مع زيارة المستشار الألماني لمتحف "ياد فاشيم".

وأشارت إلى أن نتنياهو رهن المضي في المرحلة الثانية بعودة آخر جثمان إسرائيلي محتجز لدى حماس، مؤكداً رفضه إقامة "دولة تهدد الدولة اليهودية"، وقد جاء ذلك رداً على تصريح المستشار الألماني الذي جدّد دعم برلين لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.

طيران الاحتلال يقصف المناطق الغربية لرفح الفلسطينية.. مراسلنا يرصد آخر المستجدات

قال بشير جبر، مراسل قناة القاهرة الإخبارية من دير البلح، إن  طائرات الاحتلال الحربية شنت، قبل دقائق، ثلاث غارات على المناطق الغربية لمدينة رفح الفلسطينية جنوب قطاع غزة، داخل ما يعرف بالمناطق الصفراء، التي تتعرض منذ صباح اليوم لقصف مدفعي متواصل وإطلاق نار كثيف من الآليات العسكرية الإسرائيلية، وقد أدى إطلاق النار والقصف إلى إصابة خيام النازحين في منطقة المواصي، ما أسفر عن استشهاد طفلة فلسطينية وإصابة أخرى بجروح متفاوتة الخطورة.

وأشار المراسل إلى أن المشهد ذاته يتكرر في المناطق الشرقية لجنوب القطاع، حيث تتواصل الغارات على الأطراف الشرقية لمدينة خان يونس، إلى جانب عمليات النسف المتكررة التي تنفذها قوات الاحتلال في تلك المناطق.

وفي المنطقة الوسطى، ذكر جبر أن الآليات العسكرية الإسرائيلية توغلت صباح اليوم داخل المناطق الصفراء في دير البلح، وقامت بتوسيع نطاقها بمئات الأمتار، ووضع مكعبات إسمنتية صفراء لتحديد المنطقة الجديدة التي تم التقدم داخلها وضمّها إلى نطاق "اللون الأصفر" الذي تسيطر عليه قوات الاحتلال.

حمد رفيق عوض: إسرائيل تتذرع بالجثث المحتجزة لعرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية

قال أحمد رفيق عوض مدير مركز المتوسط للدراسات الإقليمية، إنّ التوسع الإسرائيلي الأخير في منطقة الخط الأصفر يمكن فهمه في إطار سعي إسرائيل إلى ترسيخ واقع ميداني جديد داخل قطاع غزة.

وأضاف في مداخلة مع الإعلامي محمد عبيد عبر قناة "القاهرة الإخبارية"، أن نشر ما يقرب من 20 موقعًا عسكريًا متقدمًا مزوّدًا بسواتر وحساسات إلكترونية وكاميرات مراقبة، يشير إلى محاولة إسرائيل تثبيت الخط بوصفه خط احتلال دائم، يُمكّنها من مراقبة القطاع والسيطرة على محيطه بالنيران، في خطوة يرى أنها تتجاوز مجرد ترتيبات أمنية مؤقتة.

وتابع، أن إسرائيل لا ترغب في الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، والتي تتضمن انسحابات عسكرية من غزة، مؤكدًا أن تل أبيب تتعامل مع المرحلة الأولى باعتبارها الأساس الذي تحاول تكريسه وتوسيعه.

وأشار إلى أن الضغوط الدولية، خصوصًا الأميركية، لا تغيّر من حقيقة أن إسرائيل تبحث عن ذرائع لتجنب الالتزام ببنود المرحلة التالية، حيث تعتبر أن الانتقال إليها يقلّص من حضورها العسكري داخل القطاع.

وفي ما يتعلق باحتمال تسليم الفصائل الفلسطينية الجثة المتبقية لأحد المحتجزين الإسرائيليين، قال عوض إن ذلك لن يدفع إسرائيل إلى تنفيذ المرحلة الثانية كما هو منصوص عليه في اتفاق شرم الشيخ، رغم أن الجثة تشكّل الذريعة الأساسية التي تطرحها تل أبيب لعدم التقدّم في تنفيذ الاتفاق.

وذكر، أن إسرائيل ستجد مبررات إضافية لإبقاء الوضع على ما هو عليه، مشددًا على أن المرحلة الأولى هي، من وجهة نظرها، المرحلة الأهم التي تسعى إلى ترسيخها دون المضي قدماً في الالتزامات اللاحقة.

طباعة شارك خان يونس الاحتلال الأرض فريدريش ميرتس القدس المحتلة

مقالات مشابهة

  • لبنان: كيف نمارس المقاومة الدبلوماسية بموازاة المقاومة الميدانية؟
  • طيران الاحتلال يقصف المناطق الغربية لرفح الفلسطينية
  • "الصحة الفلسطينية": الأرصدة الصفرية من الأدوية تتخطى مستويات كارثية
  • آخر الأوضاع بالقطاع| طيران الاحتلال يقصف المناطق الغربية لرفح الفلسطينية.. نتنياهو يرفض إقامة دولة فلسطينية
  • ميرز: ألمانيا لا تعترف بالدولة الفلسطينية والمرحلة الثانية من خطة السلام تثير الشكوك
  • عضو بالشيوخ : مصر كانت وستظل السند الحقيقي للقضية الفلسطينية
  • الرئاسة الفلسطينية: البرغوثي يتعرّض لاعتداءات انتقامية خطيرة داخل سجون الاحتلال
  • الرئاسة الفلسطينية: خطر داهم يهدد حياة الأسرى في سجون الاحتلال
  • الرئاسة الفلسطينية تصدر بياناً بشأن الأسرى وخاصةً مروان البرغوثي
  • أبرز عناوين الصحف الفلسطينية الصادرة اليوم الجمعة