من المغرب إلى سوريا.. نكبات حزب الله تثير انقسام الإسلاميين
تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT
انتهى الزمن الذي كانت فيه الحروب مع إسرائيل تشهد شبه إجماع في المنطقة، فحتى التيارات الإسلامية التي شكلت المواجهة المقدسة مع إسرائيل جزءا من وعيها الحركي وهويتها الدينية، تغيرت أولويات كثير منها بعد الربيع العربي.
ودقت الحرب الراهنة مع إسرائيل لاسيما في لبنان إسفينا حادا أحدث شروخا عميقة في أوساط الإسلاميين بكل أطيافهم، من الموسومين بالاعتدال إلى أكثرهم تشددا وأصولية.
لقد كان دوما تدخل إيران ووكلائها الإقليميين في القضية الفلسطينية موضع سجال بين الإسلاميين، فبين من يراه مجرد مناورات إيرانية لاختراق الدول والمجتمعات العربية، ومن يعده دعما جادا وفارقا في الصراع المستمر منذ عقود.
ومع انتقال تركيز الجيش الإسرائيلي نحو الجبهة الشمالية مع لبنان، وتنفيذه سلسلة من الاغتيالات الدقيقة حيدت معظم الصف القيادي الأول لحزب الله، وطالت أمينه العام حسن نصر الله، وجد الإسلاميون أنفسهم أمام مفترق طرق إزاء هذه النكبات التي حلت بالحزب، وعكست البيانات الصادرة عنهم حالة التشظي والانقسام التي باتت تعصف بهم.
كانت مواقف جماعة الإخوان المسلمين والكيانات المحسوبة عليها متباينة إلى حد كبير، ويمكن تقسيمها إلى أربعة مواقف، موقف نعى قيادات حزب الله ووصفهم بالشهداء وترحم عليهم، وهو موقف فرع الإخوان في فلسطين، والمغرب ممثلا في حزب العدالة والتنمية الذي عزى في قادة الحزب.
وموقف عبر عن سروره وابتهاجه بتصفية من وصفه بـ"المجرم الطائفي حسن نصر الله" كما جاء في البيان الذي أصدره تنظيم "الإخوان المسلمين" في سوريا، مؤكدا أن فرحهم بمقتل نصر الله "يتسق تماماً مع أدبيات الجماعة ومواقفها الممتدة منذ عقود، من البغي والعدوان الطائفي على شعبنا السوري، الذي رعاه نظام إيران طوال الفترة الماضية".
الموقف الثالث وهو الذي أدان ببرود قتل حسن نصر الله، لكن دون إسبال وصف الشهيد عليه أو الترحم عليه، وهو الموقف الذي اختارته جماعة الإخوان المسلمين في مصر بجبهتيها المتنافستين "جبهة لندن" و"جبهة إسطنبول".
أما الموقف الرابع فهو الذي اختار التزام الصمت وعدم التعليق، حتى لا يزداد الصدع اتساعا، وحتى لا يتمدد الخلاف إلى القواعد الشعبية، وينتهي بانشقاقات جماعية، وهو الموقف الذي اختارته جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وذراعها السياسية "جبهة العمل الإسلامي".
سجال الأصوليينإذا كان مقتل إسماعيل هنية قد شق صف تنظيم القاعدة إلى الدرجة التي عارض فيها قادة كبار في التنظيم مواقف قيادته العام، ولم يجد سيف العدل بدا من التزام الصمت بعد مقتل إسماعيل هنية، وهو الذي أصدر بيان تعزية في مقتل أفراد عائلته في أبريل الماضي ووصفه حينها بـ "الشيخ المجاهد الفاضل إسماعيل هنية" لأنه يدرك أن نعي هنية والترحم عليه سيؤدي حتما إلى انشقاقات عريضة في تنظيمه، وربما انفصال فروع عنه لاسيما الفرع السوري "حراس الدين" والفرع الصومالي " حركة الشباب"؛ إذا كان الموقف من الترحم على هنية قد خلف كل ذلك الجدل، فإن مقتل حسن نصر الله وقادة حزب الله قد وسع دائرة السجال لتشمل كل الأصوليين من المحسوبين على التيار الجهادي والسلفي، وأثار في صفوفهم عاصفة من الشنآن والخلافات الحادة.
حوّل هؤلاء مواقع التواصل الاجتماعي إلى جبهة صراع حامية، تراشقوا فيها بتهم التبديع والتخوين، والجهل بالشرع والواقع.
الشيخ حسن الكتاني، وهو من منظري التيار الجهادي، لم يُخف تأييده لعمليات حزب الله ضد إسرائيل وحث أنصاره على دعمها، إلا أنه أضاف، في البيان، " أنصر أخاك ظالما أو مظلوما" في إشارة إلى مظالم حزب الله في سوريا، التي يجب التغاضي عنها في هذه الظروف حسب اعتقاده.
كلام الكتاني جر عليه وابلا من النقد والهجوم من أصدقائه ورفاقه، إذ وصفه أبو محمود الفلسطيني المقرب من أبي قتادة الفلسطيني أحد أبرز شيوخ التيار السلفي الجهادي بـ "التلبيس" واعتبر التعاون مع محور إيران بأنه " مهلكة عقدية ودنيوية".
وأضاف، في تغريدة منفصلة، "من المعيب والمقرف أن ترى من يزعمون أنهم مشايخ وطلبة علم ونخب يدلسون ويزورون التاريخ الذي نحن شهود عليه وعشناه، فقط لينظفوا يد إيران من دماء وأعراض المسلمين".
نكبات حزب الله المتتالية، والتي بدأت باغتيال القيادي فؤاد شكر مرورا بتفجير أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكية وانتهاء بمقتل أمينه العام حسن نصر الله، تفاعلت معها شريحة عريضة من السلفيين الجهاديين بالفرح والشماتة، وقد كتب أيمن هاروش المقرب من هيئة تحرير الشام عشرات المنشورات والقصائد عبر فيها عن سعادته ومباركته لمصائب الحزب المتتالية.
ورد حذيفة عزام، نجل المرشد الروحي للأفغان العرب عبد الله عزام، عليه قائلا:" يا من تبارك القصف اليوم هيئ نفسك للقصف غدا، فأنت الهدف التالي".
وذهب حذيفة عزام بعيدا في تأييده لمعارك حزب الله ضد إسرائيل، واعتبر أن أي هجوم من قوات المعارضة السورية على النظام السوري أو حزب الله في سوريا هي "حرب بالوكالة عن إسرائيل".
تصريح قابله رفاقه السابقون بالاستهجان والاستغراب، لاسيما أن حذيفة دأب على تقديم نفسه "جهاديا"، يسير على خطى والده، وقد كرس معظم وقته للدفاع عن الثورة السورية منذ انطلاقتها في 2011.
من جانبه، خصص الداعية السلفي المغربي، محمد الفيزازي، عدد من المنشورات ندد فيها بمواقف حزب العدالة والتنمية المغربي وجماعة العدل والإحسان الذين نعوا حسن نصر الله ووصفوه بـ"الشهيد". وأكد أنه "لا يجوز الترحم عليه، ولا تقديم التعازي فيه ولا في حزبه الشيطاني".
أما هاني السباعي، القيادي الإسلامي المقرب من القاعدة المقيم في لندن، فخصص جزءا من خطبته في الجمعة الماضية للرد على الإسلاميين الذين رأى أنهم بدأوا يتأثرون بالسردية الإيرانية وخص منهم كل من أحمد مولانا ومحمد إلهامي.
خلاف يتجددطالما كان الموقف من حزب الله مثار خلاف بين الإسلاميين، في حرب "تموز 2006"، انحازت معظم مكونات التيار الإسلامي المدني إلى حزب الله، وأعلنت دعمها له، بل صرح عدد من الرموز الإسلامية حينها بأن حزب الله مكون أصيل من مكونات الصحوة الإسلامية.
وكان الموقف الإيجابي من الحزب أيامها بمثابة الأرضية التي سعى فرقاء الشيعة والسنة للانطلاق منها في مشروع "التقريب بين المذاهب". وحدهم الوهابيون والقاعدة ومن يدور في فلكهم من جماعات وتيارات ظلوا متمسكين بموقفهم الرافض للتطبيع مع الحزب وإن رفع راية "الجهاد" و"المقاومة الإسلامية".
بعد دخول الثورة السورية طور العسكرة، وتحالف الحزب مع النظام السوري لقمع الثوار، وضلوعه في مجازر كثيرة لاسيما في حمص وحلب، انهارت فكرة "التقريب بين المذاهب".
واعتذر يوسف القرضاوي عن الجهود التي بدلها في سبيل إنضاجها والدفع بها إلى أرض الواقع، واتخذ موقفا جديدا من الحزب لا يختلف كثيرا عن الموقف التقليدي لشيوخ التيار السلفي، وتبعه في ذلك معظم الجماعات المحسوبة على خط الإخوان المسلمين.
بعد هجوم السابع من أكتوبر، تصدر الحزب مجددا واجهة الأحداث، وقدم نفسه كجبهة "إسناد" لقطاع غزة، وبدا واضحا أن إعادة ترميم شرعيته التي بددها في سوريا تقع في صلب أهداف هذا "الإسناد".
والسجال الحامي حوله اليوم دليل على أن تأهليه مجددا، وتحسين صورته أمام المجتمعات السنية مهمة تكتنفها الصعوبات والتحديات، خصوصا ومجازره في سوريا لاتزال طرية في ذاكرة السوريين.
وما استجد في الجدل الراهن أنه أثار الانقسام في صفوف الجماعات الاسلامية بمختلف توجهاتها وأفكارها، من الإخوان المسلمين الذين أصدروا بيانات متضاربة بشكل صارخ، إلى الأحزاب الإسلامية التي تراوحت الأوصاف التي أسبلوها على حسن نصر الله من " المجاهد الشهيد" إلى "المجرم الهالك".
وامتد الشقاق إلى التيار الإسلامي المتشدد الذي انقسم بين شامت من فجائع حزب الله وبين من يعتبر الحزب خط دفاع حيوي عن فلسطين ويثمن جهوده "الإسنادية" لقطاع غزة.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الإخوان المسلمین حسن نصر الله حزب الله فی سوریا
إقرأ أيضاً:
لوّحت بحرب جديدة.. لماذا لم تعد إسرائيل تكترث بتهديدات حزب الله؟
بينما يُوسّع الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية بلبنان، لا يزال حزب الله يطالب الحكومة بأداء مهمتها وتحمل مسؤوليتها، ويلوّح بردود يختلف المحللون السياسيون بشأن مدى قدرة الحزب على تنفيذها.
فبعد سريان ما يسمى اتفاق وقف الأعمال العدائية بين الجانبين، عاودت إسرائيل التهديد بتوغلات جديدة ما لم تنجز حكومة بيروت مهمة نزع سلاح حزب الله الذي أعلن رفضه هذه المسألة مرارا وتكرارا، بل وأكد أمينه العام نعيم قاسم أنه يعمل على إعادة بناء قدراته دفاعا عن لبنان.
وفي حين لم يظهر هذا الحزب أي رد على الضربات الإسرائيلية التي لم تتوقف -منذ توقيع الاتفاق بين الجانبين- والتي وصلت إلى حد اغتيال رئيس أركانه هيثم الطبطبائي الأسبوع الماضي، فإن ثمة من يقول إن حزب الله قادر بل وجاهز لمواجهة أي حرب إسرائيلية جديدة.
غير أن هذه الجاهزية التي يتحدث عنها الحزب ومحللون سياسيون لبنانيون لم تثن إسرائيل عن الإفصاح عن نيتها توسيع عملياتها العسكرية في لبنان حال لم تنه حكومته مهمة نزع السلاح التي كانت محددة بعام واحد من توقيع الاتفاق.
توسيع محتمل للهجماتووفقا للقناة 13 الإسرائيلية، فقد عرض الجيش خطة لتوسيع العمليات العسكرية ضد حزب الله مع انتهاء المهلة التي حددتها واشنطن لنزع السلاح.
كما قالت هيئة البث الإسرائيلية إن إسرائيل أبلغت الحكومة اللبنانية بأنها ستوسع هجماتها، وستذهب إلى مناطق لم تصلها من قبل بسبب الضغط الأميركي.
بيد أن حزب الله مستعد لصد هذه الهجمات المحتملة بشكل حاسم دون الدخول في حرب مفتوحة، برأي أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولية علي فضل الله.
وحسب ما قاله فضل الله خلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث" فإن إخلاء منطقة جنوب نهر الليطاني من السلاح ومنصات الصواريخ على يد الجيش اللبناني "أغرت إسرائيل بالتوغل في هذه المنطقة".
ومع ذلك، فسلاح حزب الله لا يزال موجودا وجاهزا للدفاع عن لبنان، كما يقول فضل الله الذي يرى أن تلويح إسرائيل بحرب جديدة يعني أن حربها السابقة فشلت في تحقيق أهدافها.
إعلانوفي المقابل، يرى الكاتب السياسي ساطع نجم الدين أن ما تقوم به إسرائيل حاليا هو المرحلة الأولى من مخطط لا تُعرف نهايته حتى الآن لأنها تتحرك في أرض مفتوحة وبغطاء أميركي مفتوح.
فالحديث عن وجود قوة لدى حزب الله أو إعادة بناء قدراته "لا يعدو كونه دربا من الوهم" حسب نجم الدين الذي يرى أن الحزب "وقّع استسلاما في اتفاق وقف الأعمال العدائية" وأنه "لو كان يملك ردا على إسرائيل لما بقي صامتا حتى اليوم، خصوصا بعد اغتيال الطبطبائي".
فالواقع، كما يراه المتحدث، أن المنظومة الأمنية والعسكرية لحزب الله قد تفككت بشكل كبير، ولم يعد المتبقي منها قادرا على الرد، بدليل أن الاتفاق تم تجديده لأسابيع ثم شهور رغم انتهاك إسرائيل له منذ لحظته الأولى.
وبناء على ذلك، فإن المطلوب حاليا هو البحث عن صيغة جديدة لوقف خطط إسرائيل التي تقوم على منع إعادة إعمار أي منطقة متضررة في الجنوب اللبناني، لأن الاتفاق محل الحديث "لم يعد موجودا" برأى نجم الدين.
ولم يختلف الخبير بالشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى عن الرأي السابق كثيرا، بقوله إن إسرائيل تعتبر ما تقوم به في لبنان حقا لها لأنها تتعامل بمنطق المنتصر الذي يفرض رؤيته للاتفاق.
والدليل على ذلك -وفق مصطفى- أن دعوة الرئيس اللبناني جوزيف عون للتفاهم حول آلية تثبيت الاتفاق لم يتم التعاطي معها حتى على صعيد الإعلام، لأن النظرة العامة في إسرائيل أن حزب الله قد هُزم في حربه الماضية.
اختلاق منطقة عازلةوانطلاقا من هذه الرؤية، تعمل إسرائيل على ترسيخ منطقة عازلة في الجنوب اللبناني أسوة بما تحاول فعله في سوريا وقطاع غزة، بعدما أصبحت المناطق العازلة إستراتيجية أمنية لها بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كما يقول الخبير بالشؤون الإسرائيلية.
ولا يمكن الحديث عن تغيير هذا الوضع إلا في حالات معينة -برأي مصطفى- وهي: الضغط الأميركي المستبعد حدوثه، أو أن يقوم الجيش اللبناني بنزع سلاح حزب الله فعليا، أو توقيع اتفاقية سلام شاملة مع بيروت بشروط إسرائيل بعد قيام الأخيرة بتفكيك الحزب، أو حدوث تغيير سياسي جذري داخل إسرائيل يتمخض عن رؤية مغايرة لما يجب أن يكون عليه في لبنان.
وعلى هذا، يرى المتحدث أن إسرائيل ستواصل عملياتها داخل لبنان لفرض المنطقة العازلة دون أن تذهب إلى حرب شاملة.
ويبدو هذا الكلام واقعيا بالنسبة للباحث بالدراسات الإستراتيجية والأمن الدولي كينيث كاتزمان الذي يقول إن الولايات المتحدة وإسرائيل متفقتان تماما على ضرورة نزع سلاح حزب الله.
فالموقف الحالي للطرفين -حسب كاتزمان- يقوم على إنهاء قدرة حزب الله على شن حرب جديدة دون إذن الدولة اللبنانية، وعلى هذا فإن إسرائيل ستواصل عملياتها العسكرية بدعم أميركي لفرض المنطقة العازلة ما لم يحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.