عبيدلي العبيدلي **

 

عند الحديث عن المفاهيم الاقتصادية يفاجأ الباحث بالكثير من اللبس وعدم الدقة عند تعريف المفاهيم. حيث يكتشف الاستخدام غير الدقيق لأحدها. تبرز هذه المسألة بوضوح شديد عند محاولة الحديث عن تعريفات محددة لمفاهيم مهنية مثل الأبداع والابتكار وحتى الاختراع في سياق تحديد علاقة كل منها في إطار الاقتصاد البرتقالي 4.

0.

ويلاحظ اعتماد العديد ممن يكتبون عن الاقتصاد البرتقالي بشكل كبير، ومتبادل، على مفاهيم مثل الإبداع والابتكار والاختراع، والتي غالبًا ما تُستخدم في الأدبيات رغم اختلافها الجوهري من حيث الوظيفة والدور في "الاقتصاد البرتقالي 4.0".

المشترك بين الإبداع، الابتكار، والاختراع في إطار "الاقتصاد البرتقالي 4.0".

الاعتماد على المعرفة: جميع المفاهيم الثلاثة ترتبط باقتصاد قائم على المعرفة، حيث تُنتج القيمة من الأفكار والخيال والقدرة على توليد شيء جديد. القيمة غير الملموسة: يشكل الثلاثة أنشطة غير مادية في جوهرها، وتقوم على توليد أفكار أو منتجات أو حلول جديدة يمكن تحويلها إلى قيمة اقتصادية. الدور في توليد القيمة الاقتصادية: كل من الإبداع، الابتكار، والاختراع يساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في خلق فرص اقتصادية ضمن قطاعات الاقتصاد البرتقالي كالفنون، التصميم، الإعلام الرقمي، الألعاب، وغيرها. محرك للنمو والتجديد الثقافي: الثلاثة عناصر تساهم في تجديد واستدامة الصناعات الثقافية والإبداعية عبر تقديم محتوى أو خدمات جديدة أو تطوير العمليات.

المختلِف بين الإبداع، الابتكار، والاختراع عند ربط كل منهم بمكونات الاقتصاد البرتقالي 4.0

على نحو مواز يمكن تشخيص عناصر الاختلاف بين تلك المكونات الثلاثة في الجدول أدناه"

مثال تطبيقي

الدور المحدد في الاقتصاد البرتقالي

التعريف

المفهوم

تأليف رواية، إنتاج لوحة، تصميم رقصة فلكلورية

يمثل الركيزة الثقافية والفنية التي تغذي جميع مكونات الاقتصاد البرتقالي بالمحتوى والرمزية

القدرة على توليد أفكار جديدة، فنية أو فكرية أو ثقافية، قد لا تكون بالضرورة قابلة للتطبيق التجاري مباشرة

الإبداع

تطوير تطبيق موسيقي جديد يعتمد على الذكاء الاصطناعي

يربط الإبداع بالأسواق ويحول المحتوى إلى قيمة اقتصادية قابلة للتداول والاستثمار

تحويل الأفكار إلى حلول أو منتجات أو نماذج عمل قابلة للتطبيق التجاري

الابتكار

اختراع أداة جديدة لتوليد الصور الحركية ثلاثية الأبعاد

يشكل البنية التحتية التكنولوجية التي تُمكّن من نشوء أدوات جديدة لخدمة الاقتصاد البرتقالي

إنتاج شيء جديد كليًا لم يكن موجودًا من قبل، غالبًا ما يكون تقنيًا علميًا.

الاختراع

         

التطور التاريخي

 ولفهم العلاقة على نحو أفضل، لا بد من تحديد تعريف محدد لكل منها في إطار تطوره التاريخي:

الإبداع  Creativity

ظهر الإبداع كمفهوم منذ فجر الحضارة، لكنه لم يُدرس كمصطلح علمي إلا في القرن العشرين. في المجتمعات القديمة، كان يُنظر إلى الإبداع على أنه هبة من الآلهة أو مصدر إلهام روحي، كما في الثقافة اليونانية والرومانية. لم يصبح موضوعًا أكاديميًا إلا بعد الحرب العالمية الثانية، عندما بدأ علماء النفس في دراسته ضمن سياقات التفكير وحل المشكلات.

هنا اكتسب الإبداع مفهوم القدرة على توليد أفكار أو مفاهيم جديدة، أو إيجاد روابط غير معتادة بين عناصر مألوفة. لا يشترط أن يكون قابلًا للتطبيق التجاري. وبدأ يكتسب دوره المميز في سلسلة القيمة الاقتصادية ويتحقق ذلك من تغذيته قطاعات مثل الفنون البصرية، الموسيقى، الأدب، الموضة، والمسرح. وأصبح المادة الخام الرمزية التي يُبنى عليها المنتج الثقافي، الذي تكرسه، وتضمن استمراريته من خلال، الصناعات الفنية والإبداعية، والمحتوى الإعلامي والترفيهي.

الابتكار Innovation

على نحو مواز تبلور مفهوم الابتكار بشكل منهجي في الدراسات الاقتصادية مع جوزيف شومبيتر في مطلع القرن العشرين، حيث ربطه بديناميكية الرأسمالية والتدمير الخلاق. قبل ذلك، لم يكن "الابتكار" يلقى التقدير نفسه، بل كان يُنظر إليه أحيانًا كتهديد للاستقرار الاجتماعي والسياسي، خاصة في أوروبا في القرون الوسطى.

وبفضل ذلك أصبح الابتكار هو التطبيق المباشر الخلاق لفكرة أو معرفة جديدة في مجال معين بحيث تؤدي إلى قيمة مضافة أو تحسين في المنتجات أو العمليات أو النماذج التنظيمية.

وعلى هذا الأساس مارس الابتكار في الاقتصاد البرتقالي4.0 عن طريق تجسير الهوة بين الإبداع والسوق، من خلال خلق بعدًا اقتصاديًا للأفكار الثقافية والفنية. وظهر كل ذلك في نماذج الأعمال الجديدة مثل: التسويق الرقمي للموسيقى، التجارة الإلكترونية للمنتجات الحرفية. وتبلورت المكونات التي يتغذى عليها الاقتصاد البرتقالي، فازدهرت الصناعات الثقافية الرقمي، وتطورت التكنولوجيا الإبداعيةCreativeTech))، وانطلقت مسيرة ريادة الأعمال الثقافية.

الاختراع Invention

اكتسب الاختراع دوره السوقي منذ العصور القديمة، بدءًا من العجلة والنار، مرورًا بالبوصلة والطباعة، وصولًا إلى الكهرباء والحاسوب. وارتبط عبر التاريخ بالنهضة الصناعية والثورة التكنولوجية، حيث شكل العمود الفقري للابتكارات اللاحقة وتحول، بفضل ذلك، إلى عملية إنشاء شيء جديد كليًا لم يكن موجودًا من قبل، وغالبًا ما يتضمن عنصرًا تقنيًا أو علميًا. يمكن ألا يجد طريقه مباشرة إلى السوق، لكنه يشكل أساسًا لتطبيقات مستقبلية.

واحتل الاختراع دوره في الاقتصاد البرتقالي، من خلال قدرته على تزويد الابتكار والإبداع بأدوات جديدة، وقدرته على توفير وسائط جديدة للتعبير الفني أو منصات جديدة للتوزيع، واختراع تقنية الواقع الافتراضي، التي تمكّن الفنانين من تقديم عروض غامرة. وتغذى الاختراع كي يكتسب لونه "البرتقالي" على تقنيات الواقع المعزز والافتراضي في المتاحف والمعارض، والبث الرقم، والأدوات الذكية المستخدمة في الفنون.

خلاصة مقارنة العلاقة مع الاقتصاد البرتقالي:

الإبداع هو المصدر الأصلي للفكرة أو التعبير الثقافي. الابتكار هو الجسر الذي ينقل الإبداع إلى السوق. الاختراع هو المحرك الذي يوفر الوسائل أو الأدوات التي يمكن أن تدعم عمليتي الإبداع والابتكار.

** خبير إعلامي

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ما لا تعرفه عن برنامج الابتكار لسامسونج العالمية

يُعد برنامج الابتكار الذي أطلقته شركة سامسونج إحدى المبادرات الرائدة التي أحدثت تأثيرًا كبيرًا في مجال التعليم الرقمي وتمكين الشباب على مستوى العالم، وخصوصًا في القارة الأفريقية. يهدف البرنامج إلى تطوير مهارات الشباب التقنية وإعدادهم لمتطلبات سوق العمل الرقمي في المستقبل، من خلال تقديم تدريبات متخصصة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والبيانات الضخمة، والبرمجة، والترميز.

منذ انطلاق البرنامج في عام 2019، أحدث تأثيرًا ملموسًا في مصر وعدد من الدول الأفريقية الأخرى، حيث استفاد منه أكثر من 1,700 شاب وشابة. يركز البرنامج على بناء قدرات الجيل القادم من المتخصصين في التكنولوجيا، بما يتماشى مع رؤية الشركة لتطوير مجتمع رقمي مؤهل وشامل.

أبرز ما يميز برنامج الابتكار طبقا لموسى جورج مسئول ملف المسؤولية المجتمعية لسامسونج  هو تركيزه على سد الفجوات الرقمية وتعزيز الشمولية في التعليم التقني. خلال قمة الذكاء الاصطناعي في أفريقيا 2025، التي عُقدت في أوغندا، تم تكريم الشركة بجائزة تقديرًا لجهودها في تنفيذ هذا البرنامج، مما يعكس نجاحها في تمكين الشباب وتعزيز الابتكار في القارة.

بالإضافة إلى ذلك، يساهم البرنامج في تعزيز التنمية المستدامة عبر تمكين الشباب من امتلاك أدوات التكنولوجيا المتقدمة، بما يتماشى مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. كما يشمل البرنامج شراكات تعليمية مع مؤسسات محلية ودولية لضمان تحقيق أثر طويل الأمد.

برنامج الابتكار للشركة ليس مجرد مبادرة تعليمية، بل هو رؤية استراتيجية تهدف إلى بناء مستقبل أفضل وأكثر شمولًا، وتأكيد التزامها بتطوير الكفاءات التقنية العالمية لتكون جزءًا من الثورة الرقمية.

طباعة شارك سامسونج تطوير ابتكار

مقالات مشابهة

  • الدويري: 4 مرتكزات جديدة للرد الإيراني خلال الساعات الـ48 الأخيرة
  • بنعلي: خطة الاقتصاد الدائري التي يجري إعدادها سلاح استراتيجي لتحقيق السيادة البيئية
  • "الحارثي": الإعلام السعودي قادر على القيادة والابتكار
  • النفط والطاقة في صدارة منتدى بطرسبورغ 2025.. تحالفات جديدة ورسائل استراتيجية
  • الدين المعرفي.. هل يتحول الذكاء الاصطناعي إلى عكاز يعيق الإبداع الفردي؟
  • ما لا تعرفه عن برنامج الابتكار لسامسونج العالمية
  • رئيس الوزراء: جهود دؤوبة للكوادر الوطنية للاستثمار في التكنولوجيا والعلوم ومواكبة التطور والابتكار
  • وزير التعليم العالي: مليار جنيه لإطلاق مسابقة تعزز البحث العلمي والابتكار
  • المملكة تؤكد التزامها بدعم الابتكار في ثاني اجتماعات مجموعة عمل G20 للبحث والابتكار