خطيب المسجد الحرام يحذر من الاستعجال في الأمور
تاريخ النشر: 18th, October 2024 GMT
قال الشيخ الدكتور فيصل غزاوي، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن الاستعجال في الأمور قبل أوانها ووقتها مُفسدٌ لها في الغالب.
مفسد لها في الغالبوأوضح “ غزاوي” خلال خطبة الجمعة الثالثة من ربيع الآخر من المسجد الحرام بمكة المكرمة ، أن الأناة والحلم والتُّؤدة والرفق من الصفات العظيمة التي يُحبها الله سبحانه، وإن مجاهدة النفس على الصبر والتمهل والتأني، تقي بإذن الله الوقوع في طريق الانحراف.
وأشار إلى أن الإنسان ركب على العجلة وجبل عليها؛ فالعجلة في طبعه وتكوينه، قال تعالى :«وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولࣰا» أي: مبالغا في العجلة؛ يتسرع إلى طلب كل ما يقع في قلبه ويخطر بباله؛ ولا يتأنى، بل يبادر الأشياء ويستعجل بوقوعها.
العجل له صفاتوبين أن العجل له صفات يعرف بها، قال أبو حاتم البستي رحمه الله: "إن العجل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم، ويحمد قبل أن يجرب، ويذم بعد ما يحمد، والعجل تصحبه الندامة، وتعتزله السلامة، وكانت العرب تسميها أم الندامات".
وأضاف أن العجلة المذمومة لها صور كثيرة، وأمثلة متعددة؛ فمن ذلك أن يستعجل الإنسان بسؤال الله ما يضره كما يستعجل في سؤال الخير، قال تعالى: «وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا».
وتابع: ومنها: أن يتعجل المرء في الحكم بين المتنازعين قبل التبين، ومنها: الاستعجال في نتائج الدعوة إلى الله ورؤية ثمار الجُهد والبذل، فإن رأى عدم استجابة من الناس، تذمر وتضجر وتوقف عن دعوتهم، وقد يبادر بالدعاء عليهم ويتعجل هلاكهم.
وأفاد بأن من العجلة أن يستبطئ المؤمن النصرَ ومنها أن يستبطئ المؤمن نزولَ العذابِ بالأعداء وحلولَ العقوبةِ بهم، ومنها نقل الأخبار قبل التثبت من صحتها وإذاعة الشائعات والأباطيل.
مما يدخل في هذا البابونبه إلى أن مما يدخل في هذا الباب التعجل في نسبة الأقوال لغير قائليها وعزو الكلام لغير أصحابه، وأظهر أمثلة ذلك نشر الأحاديث المكذوبة على الرسول -صلى الله عليه وسلم - ونسبة مالم يقله إليه.
واستطرد: كما من العجلة المذمومة إسراع الخطى عند الذهاب إلى المسجد لإدراك الصلاة، ولا سيما إذا كان الإمام قبيل الركوع أو أثناء ركوعه، ومنها الاستعجال في أداء الصلاة، فلا يتمُّ ركوعها ولا سجودها، ولا يطمئنُّ فيها.
وواصل: والإسراع في الصلاة إذا كان يخل بركن الطمأنينة فإنها تبطل، وقد قال صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تصلِ "كما أنه نُهي عن التشبه بفعل المنافقين في نقر الصلاة نقرًا.
ولفت إلى أنه مما يدخل في باب العجلة المُحرمة في الصلاة: مُسابقة الإمام، فإن المطلوب من المأموم أن يكون مُتابعًا لإمامه، لا يُسابقه، ولا يتأخر عنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما جُعل الإمام ليُؤْتَمَّ به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبَّر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا".
ونوه بأن منها التعجل في الاعتماد على نتائج التقنيات الحديثة ومحركات البحث الآلية وأنظمة الذكاء الاصطناعي من دون النظر إلى ما قد ينتج عنها من المعلومات الخاطئة والمضللة، وعدم الرجوع إلى المصادر الموثوقة في ذلك.
وأردف: ومنها الاستعجال في الجزم بتنزيل علامات الساعة وأحداث آخر الزمان والملاحم على الواقع، ومنها العجلة والتسرع في اتخاذ بعض القرارات التي تحتاج إلى تأن ودراسة وتأمل، ولا يغيب عن الأذهان أن الاستخارة والاستشارة ركنان أساسيان لكل قرار حكيم وموفَّق.
وأكمل: ومنها العجلة في طلاق الرجل زوجته ومخالعة المرأة زوجها لأتفه سبب وأدنى موقف، والمبادرة إلى اتخاذ قرار التفرق مِن غير تأمل ولا تَرَوٍ ولا نظر في العواقب، وكم كان لذلك من نتائج وخيمة من تدمير البيوت وتشتيت الأسر وضياع الأولاد وقطيعة الأرحام.
وأضاف: ومنها الاستعجال والسرعة في قيادة السيارات وما يترتب على ذلك من الحوادث المروعة التي كانت سبباً في إزهاق نفوس كثيرة، وأمراض خطيرة، وعاهات مزمنة وتلف للأموال، وأخطر صور العجلة المذمومة على الإنسان إيثار العاجل على الآجل والاستغراق في متع الحياة الدنيا والغفلة عن الآخرة.
وأبان أن هناك أموراً لا تدخل في العجلة المذمومة، بل مطلوب أن يبادر المرء بفعلها ويسارع إلى اغتنامها، فمما لا يحتمل التأخيرَ أو التأجيل ومنها الإقلاع عن الذنوب والمعاصي وسرعة التوبة والإنابة إلى الله، والمبادرة إلى فعل الطاعات، وانتهاز الفرص إذا حانت، وكل ما كان تقديره وعواقبه حسنة بعد إعداد وترتيب، ذلك أن المسارعة إلى الخيرات منقبة محمودة وسمة جميع الأنبياء عليهم السلام، والأصل في عمل الآخرة المسارعة إليه والمسابقة فيه، وعدم التباطؤ عن العبادة، وعدم التأخر عن الخير.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: إمام و خطيب المسجد الحرام خطيب المسجد الحرام خطبة الجمعة من الحرم المكي الاستعجال فی
إقرأ أيضاً:
خطيب الجامع الأزهر: من علامات غضب الله على الإنسان ضياع عمره فيما لا يفيد
ألقي خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر الدكتور ربيع الغفير، أستاذ اللغويات بجامعة الأزهر، ودار موضوعها حول "إدارة الوقت وأثرها في بناء الإنسان".
قال الدكتور ربيع الغفير، إن الإسلام أولى قضية الوقت عناية فائقة، حيث شغل الحديث عن الزمان مساحة واسعة من القرآن الكريم، كما جاء الحديث عن الوقت في القرآن الكريم بصيغة القسم، وفي القسم بالزمان دليل على أهميته، كما جاء في سور العصر، الفجر، الليل، والضحى، مشيرا إلى أن الله سبحانه وتعالى جعل الزمان دليلا على خلقه وقدرته وعظمته، ومظهرا من مظاهر جبروته وسلطانه على هذا الكون، بل وأمرنا بالتدبر في ذلك، يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
خطيب الجامع الأزهر: خلق الله للزمان وتقسيمه إلى ليل ونهار مظهر من مظاهر قدرته وعظمتهنتيجة الثانوية الأزهرية برقم الجلوس.. رابط مباشر لبوابة الأزهر الإلكترونية
ربيع الغفير: موقف الأزهر ومصر تجاه فلسطين غير قابل للمزايدة
خطيب الجامع الأزهر: العبد سيسأل يوم القيامة عن عمره عامة وشبابه خاصة.. فيديو
خطيب الجامع الأزهر: الإسلام أولى الوقت والزمان عناية فائقة.. فيديو
وتابع "خلق الله للزمان وتقسيمه إلى ليل ونهار مظهر من مظاهر قدرته وعظمته، لذا يجب على الإنسان أن يولي الاهتمام بنعمة الوقت أهمية كبرى لأن الله سوف يحاسبه حسابًا دقيقًا شاملاً، يقول ﷺ: (لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟).
وبيّن فضيلته الدكتور ربيع الغفير، أن القرآن الكريم أخبرنا أن الإنسان سيندم ندمًا شديداً على تفريطه في عمره، وتضييع شبابه ووقته في غير طائل، فما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: "يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني، فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة"، وفي الحديث النبوي الشريف ما يؤكد على عظمة الوقت: (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ منَ النَّاسِ الصِّحَّةُ والفراغُ)، وكان لقمان الحكيم يقول لولده: "يا بني إنك منذ نزلت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الأخرى، فَدَارٌ أنت إليها تسير أقرب من دار أنت عنها تُبَاعِد".
وأشار خطيب الجامع الأزهر إلى أن الإنسان يبدي ندمه على تفريطه في وقته في موقفين، الأول وهو على فراش موته، تنكشف له الحقائق فيندم فيقول: ﴿رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾، ولكن يكون الجواب الإلهي: ﴿وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، والموقف الثاني حينما يتمنى أهل جهنم أن يعودوا إلى الدنيا، يقول تعالى في وصف الذين كفروا: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾.
وأضاف الدكتور ربيع الغفير أن المتأمل في حديث القرآن الكريم والسنة النبوية عن الوقت وقضية الزمن يصاب بالحزن حين يظهر مصطلح في هذه الأيام بين الشباب، وعامة الناس وهو "قتل الوقت"، قتل الوقت الذي هو الإنسان عينه، وهو رأس ماله الذي سوف يُسأل عنه يوم القيامة.
واستطرد "نحن أمة عمل وجد واجتهاد، ومن علامات غضب الله على الإنسان أن يشغله بغيره عن نفسه فيضيع وقته فيما لا يفيد، لكن يجب على الإنسان أن يقسم وقته إلى ساعات عمل وطاعة وعبادة، ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يخلو فيها لنفسه لأجل التأمل والتفكر، وألا ينشغل بغيره عن نفسه. فإن علامة المقت إضاعة الوقت".
ولفت خطيب الجامع الأزهر إلى أن كل المجتمع صار في ظل الأحداث الأخيرة منشغلا بما يجري في العالم أجمع، متأثراً بها غافلاً عن نفسه ووقته، فعليه ألا ينشغل بتلك الأحداث وينسى نفسه، يجب عليه ألا ينشغل بأشياء أعفاه الله من مسئوليتها، وعليه أن ينشغل بما هو مسئول عنه أمام الله يوم القيامة.