حربٌ كبرى تنتظر "الشيطان الأكبر"
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
"هذه أخطرُ حروبِ الإقليم. حربٌ كبرى وشديدةُ الخطورة. حربٌ سترسمُ نتائجُها حدودَ الأدوار والمواقعِ ومصير خرائطَ وعواصم. اغتنم بنيامين نتانياهو طوفانَ يحيى السّنوار لإطلاقِ انقلابٍ كاملٍ على نتائجِ الانقلاب الإيراني الذي تمَّ في العقودِ الماضية. ويحظَى نتانياهو بدعمٍ أمريكيّ وتفهُّمٍ غربي لتحجيمِ أذرعِ إيرانَ ومحورِها.
يشعرُ الصحافيُّ بالقلقِ حينَ يسمع كلاماً من هذا النوعِ من رجلٍ معنيٍّ بمسارِ الأحداثِ وعواقبِها.
واضحٌ أنَّ الشَّرقَ الأوسطَ يحبسُ أنفاسَه. إنَّه موعودٌ بأيامٍ أدهَى. ترابطُ عواصفِ النَّارِ ينذرُ بتحوّلها إعصاراً. لم يسبق أن عاشَ حرباً متعددةَ الخرائط على هذا النحو. حرب تفيضُ عن حدود مسارحِها وفي غياب أي شرطي دولي. يترقَّب أهل المنطقة موعدَ الضربةِ الإسرائيلية المقررة ضد إيران. وتقول طهرانُ إنَّه لن يكونَ أمامَها غير خيار الرَّد. تبادلُ الضربات العابرة للخرائط يهدّد بتوسيع الحرائق.
المشهدُ جديدٌ وبالغ الخطورة. إسرائيلُ الحالية لا تشبه تلك التي كانت قائمةً قبل انطلاق «الطوفان» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي. نجحَ نتانياهو في جعلِ الحرب «حرباً وجودية» لا تمانعُ إسرائيلُ في دفع أثمانِها بشرياً واقتصادياً.
إيرانُ اليوم هي غيرُ إيرانَ التي كانت قائمةً قبل «الطوفان». استدرجَها نتانياهو إلى الخروج من «حرب الأذرع» إلى الانخراطِ المباشر في المواجهةِ على حلبة الشرق الأوسط. وهي حربٌ لا تستطيع الولاياتُ المتحدة البقاءَ خارجها. وهو ما سعت إيرانُ طويلاً إلى تفاديه. كانت طهرانُ حريصةً على الاستمرار في نسجِ سجادةِ انقلابها الكبير في المنطقة من دون الانزلاقِ إلى خطرِ الصّدام المباشرِ مع أمريكا.
قبل «الطوفان» أرسلَ يحيى السنوار مَن أبلغَ «حزبَ الله» وإيران بأنَّ «شيئاً كبيراً قد يحدث». وطلبَ مواكبة العملية بأوسعِ دعم. حلم أن تكونَ شرارة «الطوفان» بدايةَ «الضربة الكبرى» التي كان يُهمس بها منذ أعوامٍ وتنصُّ على إغراق إسرائيلَ بمطر من الصَّواريخ والمُسيرات ينطلق من خرائطَ متعددة بينها إيران.
تلقَّى السنوار «وعداً بتوفير أكبرِ دعمٍ ممكن، لكنَّه لم يحصل على التزام بإطلاق الضربةِ الكبرى». خافَ من «أن تلتقط إسرائيلُ أنَّ شيئاً وشيكاً قيد التحضير فتسارعَ إلى توجيه ضربة استباقية». أطلق «الطوفان» ربما لاعتقاده أنَّ حلفاءَه سينخرطون ولو تردّدوا. لم تشارك إيرانُ مباشرةً واختار «حزب الله» في اليوم التالي الذهابَ إلى «جبهة الإسناد».
في السَّاعات الأولى من «الطوفان» بدت إسرائيلُ ضعيفةً وهشةً ومصابةً في هيبتها. قرَّرت المؤسسة العسكرية الثأرَ من التقصير. قرَّر نتانياهو إنزالَ نكبةٍ كاملة بقطاع غزة. لم يكتفِ بمعاقبة «حماس» بل أنزلَ العقابَ الأشدَّ بالبيئة التي تحتضنها، أي بالمدنيين. تظاهرَ في الفترة الأولى بقبولِه مواجهةً مخفوضة مع «حزب الله» تحت سقفِ «قواعد الاشتباك».
وبانتظار نقلِ ثقلِ الحرب إلى جبهة لبنان وعلى توقيت الانتخابات الأمريكية، أحدث تغييراً خطراً تمثل في فتحِ فصل الاشتباكات المباشرة مع إيران. ولا مبالغة في القول إنَّ نتانياهو تصرَّف في غزةَ ولبنان كأنَّه يحاول إبعادَ إيران عن حدوده بعدما نجحت في المرابطة قربها. وجَّهت إسرائيلُ ضربةً قاسية إلى «حماس». وجَّهت ضربة مماثلة إلى «حزب الله». اغتالت حسن نصر الله ثم اغتالت بفضل الصّدفة يحيى السنوار.
تحدَّث نتانياهو عن إعادةِ الرهائن الذين تحتجزهم «حماس». تحدث أيضاً عن إعادة سكانِ الشمال الذين هجّرتهم صواريخ «حزب الله» ومسيَّراته. شعوره بتفوّق الآلة العسكرية الإسرائيلية دفعَه إلى تضخيم الأهداف. قال إنَّه يريد إحداث تغييرات جوهرية في الوضعِ الأمني المحيط بإسرائيل وبما يترك آثارَه لأجيال. وصلَ به الأمر حدَّ التحدث عن شرقِ أوسط جديد. وهذا يعني ببساطةٍ أنَّه يتطلَّع إلى شطبِ الحضور الإيراني على حدود إسرائيل. ولتحقيق ذلك يشترط خروجَ جبهات «الممانعة» في غزةَ ولبنان من النزاع عبر إنشاءِ أحزمة أمنية وفرض قيودٍ صارمة لمرحلة ما بعد وقف النار.
وسط مشاهدِ الوحشية التي تمارسُها الآلة العسكرية الإسرائيلية قصفاً وتشريداً، تبرز ملامحُ انقلابٍ عنيف على نتائج الانقلاب الذي نفَّذته إيرانُ وجعلها صاحبةَ الكلمة الأولى في بيروتَ ودمشقَ وبغدادَ وصنعاء.
معركةُ كسرِ عظامٍ وتغيير ملامحَ وتوازنات. وليس سهلاً على المرشد الإيراني علي خامنئي القبول بأن تترافقَ نهايات عهدِه مع التَّسليم بانحسار الدور الإقليمي الذي بناه على مدارِ عقود. من دون أن يقصد، دفع السنوار المحورَ إلى امتحانٍ صعب. لبنانُ غارقٌ في النار والنازحين، وسوريا تحاول أن تنأى بنفسها، والعراق يحاول تجنّبَ كأسِ الردود الإسرائيلية أو الأمريكية على مسيّرات الفصائل.
ذكَّرني حديثُ معركةِ الأدوار بما سمعته في فيينا قبل سنوات. في 2008 زارَ مديرُ الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي طهرانَ والتقى خامنئي، والرئيس محمود أحمدي نجاد، ورئيسَ البرلمان علي لاريجاني. سألت البرادعي أن يختصرَ لي الموقفَ الإيراني الذي سمعه بعبارة قصيرة، فأجاب: «نريد الاعترافَ بنا قوة إقليمية كبرى».
أوضح البرادعي أنَّ الإيرانيين يرون أنَّ «خلافهم الأساسي مع أمريكا. أحمدي نجاد يريد تصفية هذه الخلافات وهدفه وحلمه أن يكونَ صاحب هذه الصفقة الكبرى، إذ يرى أنه سيكون بطلاً وطنياً إذا حقَّق ذلك، خصوصاً أنَّ نحو 80 أو 90 في المائة من الشعب الإيراني يريد علاقاتٍ طبيعية مع أمريكا. أحمدي نجاد قالَ لي حرفيّاً في آخرِ سنة قبل مغادرتي الوكالة الذرية: أريد التفاوضَ مباشرةً مع أمريكا فقط، ولا أريد روسيا والصين».
حربُ أدوارٍ وحدود وأحجام. وحده «الشيطان الأكبر» قادرٌ على التَّدخّلِ «لوقف الانقلاب الإسرائيلي بعد كبحِ أذرع الانقلاب الإيراني». ولكن ماذا تفعل الخرائطُ المرتجفة بانتظار تبلور ساعةِ التدخل الأمريكي الحاسم؟ وماذا لو التفتت إيران إلى البيت الأبيض ووجدت فيه رجلاً اسمُه دونالد ترمب يذكِّرها بأوجاعٍ كثيرة؟
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل إسرائيل وحزب الله إيران وإسرائيل مع أمریکا حزب الله
إقرأ أيضاً:
إذا فشلت مفاوضات النووي .. كيف تستعد إسرائيل لشن ضربة ضد إيران؟
كشفت مصادر إسرائيلية مطلعة لموقع "أكسيوس" أن إسرائيل تستعد لتوجيه ضربة عسكرية سريعة ضد المنشآت النووية الإيرانية في حال فشل المحادثات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران.
وأوضحت المصادر أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية غيّرت تقييمها للوضع، فبعد أن كانت تعتقد بأن التوصل إلى اتفاق نووي وشيك، أصبحت ترى أن المفاوضات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.
وأشار أحد المصدرين إلى أن الجيش الإسرائيلي يعتبر أن "نافذة الفرصة" لتنفيذ ضربة ناجحة ضد البرنامج النووي الإيراني تقترب من الإغلاق، ولذلك فإن أي فشل في المحادثات سيستلزم تحركًا فوريًا، دون أن يكشف المصدر عن الأسباب التي تجعل فعالية الضربة المحتملة تقل بمرور الوقت.
وأكد المصدران تقارير سابقة بثتها شبكة "سي إن إن" الأميركية حول تكثيف الجيش الإسرائيلي لتدريباته العسكرية استعدادًا لشن هجوم محتمل على إيران. وأشار أحدهما إلى أن "الجيش الأميركي يتابع بدقة هذه الاستعدادات، وهو على علم بأن إسرائيل تمضي قدمًا في تحضيراتها".
كما نقل أحد المصادر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يترقّب انهيار المحادثات النووية، إضافة إلى لحظة "خيبة أمل" الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من المفاوضات، باعتبارها اللحظة المناسبة لإعطاء الضوء الأخضر للعملية العسكرية.
وفي المقابل، أعرب مسؤول أمريكي لموقع "أكسيوس" عن قلق إدارة ترامب من إمكانية إقدام إسرائيل على شن الضربة دون تنسيق مسبق أو موافقة رسمية من واشنطن، وهو ما قد يعقّد الموقف الدبلوماسي والعسكري الأمريكي في المنطقة.
من المقرر أن تُعقد الجولة الخامسة من المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران يوم الجمعة في العاصمة الإيطالية روما، حيث كان هناك خلال الجولات السابقة قدر من التفاؤل، خصوصًا بعد أن سلّم المبعوث الأمريكي إلى البيت الأبيض، ستيف ويتكوف، نظيره الإيراني اقتراحًا مكتوبًا.
لكن المحادثات اصطدمت بعقبة كبيرة تتعلق بحق إيران في امتلاك قدرة محلية لتخصيب اليورانيوم. وفي مقابلة مع قناة "أيه.بي.سي"، شدد ويتكوف على أن "الولايات المتحدة لديها خط أحمر واضح جداً، وهو التخصيب"، مؤكدًا أن واشنطن "لا يمكنها القبول حتى بنسبة 1% من قدرة على التخصيب". غير أن المسؤولين الإيرانيين تمسّكوا بموقفهم الرافض لأي اتفاق لا يعترف بحقهم في ذلك.
كشف المصدران الإسرائيليان أن أي عملية عسكرية ضد إيران لن تقتصر على ضربة واحدة، بل ستكون "حملة عسكرية تستمر على الأقل لأسبوع"، ما يشير إلى حجم وتعقيد التحرك المنتظر. وقد أعربت العديد من دول المنطقة عن مخاوفها من أن تؤدي مثل هذه الضربة إلى كارثة إشعاعية واسعة النطاق، إلى جانب خطر اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط.
وفي أول مؤتمر صحفي له منذ ستة أشهر، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الإثنين الماضي، إن التنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن إيران "كامل"، موضحًا أن "مصالح الطرفين متطابقة تقريبًا". وأضاف نتنياهو أنه يحترم أي اتفاق يمنع إيران من تطوير قدرات نووية عسكرية، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن إسرائيل "تحتفظ بحق الدفاع عن نفسها في وجه نظام يهدد بإبادتها".