أنقرة– "عندما كانت أسرتي تمر بأوقات عصيبة لم يكن التفكير في الدراسة ممكنا.."، بهذه الكلمات يشرح الشاب يونس أمره كرال، من مدينة إسطنبول، أسباب تركه الدراسة وهو في الـ16 من عمره.

ويقول كرال إنه عمل في العديد من الوظائف، فعمل نادلا وصانع قهوة وموظف متجر، ومارس مهنة الغناء في المقاهي والعزف في الشوارع، "وفي النهاية، اتجهت إلى التصوير الفوتوغرافي".

ويضيف "لقد منعتني الصعوبات الاقتصادية من التركيز على دراستي".

يؤكد الشاب أنه يشتاق بشدة لأيام الدراسة، والحوارات مع أصدقائه، وأنه في سعيه لتحقيق أحلامه عاد ليكمل المرحلة الثانوية بالدراسة عن بُعد، ويحلم بالالتحاق بالمعهد الموسيقي، لذا يحاول تطوير نفسه.

ويردف "بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية، لم أتمكن من مواصلة دراستي، وأصرّت عائلتي على أن أبدأ بالعمل. الآن، أسعار الآلات الموسيقية التي أحتاجها مرتفعة جدا، وهذا يجعلني قلقا بشأن مستقبلي، وأشعر أن هذه الظروف الصعبة تشكل عائقا كبيرا أمام تحقيق أحلامي".

الشاب يونس أمره كرال: لم أتمكن من مواصلة دراستي بسبب الأزمة الاقتصادية (الجزيرة) أبرز التحديات

أصبحت قضية التسرب المدرسي في تركيا واحدة من أبرز التحديات التي تواجه النظام التعليمي في السنوات الأخيرة.

وتعود هذه الظاهرة، بحسب خبراء، إلى مجموعة عوامل اقتصادية واجتماعية تدفع الأطفال والفتية إلى الخروج من مسار التعليم الرسمي والانخراط في سوق العمل أو البقاء خارج كل من التعليم والعمل.

وبينما تحاول الحكومة والمؤسسات التعليمية مواجهة هذه التحديات، تبقى الأرقام المتزايدة للمنقطعين عن التعليم مصدر قلق كبير، وتثير تساؤلات عن الحلول الممكنة لتأمين مستقبل أفضل لهؤلاء الشباب.

طوبى فتاة في الـ19 من عمرها من مدينة غازي عنتاب، اضطرت أيضا إلى ترك المدرسة عندما كانت في الـ13، إذ كان والدها يعمل سائق شاحنة، ولكن عندما تعطلت شاحنته تدهورت أوضاعهم المادية، واضطرت هي وشقيقتاها إلى ترك المدرسة والعمل لمساعدة والدها.

تقول طوبى "أشتاق كثيرا إلى المدرسة، لطالما حلمت بأن أصبح معلمة في روضة أطفال. الآن، أقوم بقراءة كل كتاب أجده، وسأكمل دراستي الثانوية عن طريق التعليم المفتوح، ثم سأدخل الجامعة، هذا هو هدفي".

وتقول السيدة أمينة، والدة طوبى، إنها بسبب مشكلتها الصحية لم تستطع العمل لمساعدة زوجها، ووقع كل العبء على ابنتها، وتؤكد أنها تشعر بالحزن لأجلها، إذ تقوم بأعمال المنزل، وتعتني بإخواتها، وتذهب إلى حقول الفستق لجمعه مقابل أجر قليل".

وتضيف والدة طوبى للجزيرة نت "لو لم أكن مريضة لما أخرجت ابنتي من المدرسة، وكنت سأعمل بدلا منها. لا يريد زوجي التحدث عن تلك الأيام لأنه لا يرغب في تذكرها".

عائشة قمشلي أكدت أن وزارة التربية لديها خطط سنوية للحد من الغياب المدرسي (الجزيرة) مئات آلاف المتسربين

كشف بحث مبني على إحصاءات التعليم الرسمي للعام الدراسي 2023-2024 الصادرة عن وزارة التربية التركية عن ارتفاع عدد الأطفال خارج المدرسة إلى حوالي 612 ألفا.

ويشير البحث الصادر عن مبادرة إصلاح التعليم التركية، وهي مبادرة مستقلة غير حكومية، إلى ارتفاع عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بنسبة 38.4%، وذلك يعني استبعاد قرابة 200 ألف طفل آخر كان من المفترض أن يتلقوا التعليم الإلزامي.

وبحسب التقرير، فإن حالات التسرب كانت أكثر شيوعا في مرحلة التعليم الثانوي، بمعدل 74%، وازداد عدد هؤلاء الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 14 و17 عاما بمقدار 168 ألفا مقارنة بالعام الماضي ليصل إلى 452 ألفا.

واتخذت الحكومة التركية سلسلة من الإجراءات والإستراتيجيات للحدّ من ظاهرة التسرب المدرسي، وتعزيز بقاء الطلاب في نظام التعليم.

وتؤكد عائشة قمشلي، مساعدة مدير مدرسة "الشهيد إسماعيل جان صوفطة" الإعدادية في منطقة جيليك تبه بإسطنبول، أن وزارة التربية التركية تبذل جهودا كبيرة للحد من ظاهرة تسرب الطلاب من المدارس.

وتقول قمشلي للجزيرة نت إن "الوزارة لديها خطط سنوية للحد من الغياب المدرسي، وتقوم بتحديد أسباب الغياب، وتشكيل لجان لدراسة هذه الأسباب واتخاذ الإجراءات اللازمة، وتُبلغ الإدارات المدرسية بهذه الإجراءات رسميا لتنفيذها".

وأما بخصوص الطلاب الذين يضطرون إلى العمل بسبب ظروفهم الاقتصادية الصعبة، فتنوه قمشلي إلى أن الإدارة المدرسية تقوم بالتنسيق مع السلطات المحلية بتقديم الدعم المالي للعائلات، مثل صرف مساعدات مالية أو تقديم خدمات اجتماعية.

وبيّنت أنه إذا استمر الطلاب في العمل بدلا من التعليم، تقوم وزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية بتكليف اختصاصي الخدمات الاجتماعية لرعاية هؤلاء الطلاب، حيث تتحمل الدولة نفقات تعليمهم حتى التخرج من المدرسة الثانوية، وبعدها يمكنهم الحصول على وظائف حكومية دون الحاجة لاجتياز امتحانات.

وترى قمشلي أن وصول نسبة الالتحاق بالمدارس في تركيا إلى 98% في التعليم الأساسي و91% في التعليم الثانوي، وبالنظر إلى أن تركيا دولة يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة، بما في ذلك اللاجئون، فإن هذه النسبة تعتبر إنجازا كبيرا.

الصحافية التركية زهراء كرمان: التسرب المدرسي يزداد بين أطفال الأسر ذات الدخل المنخفض (الجزيرة) مراكز تدريب مهني

تتفاقم مشكلة التسرب المدرسي بين أطفال الأسر ذات الدخل المنخفض في المناطق الريفية والأحياء الفقيرة في تركيا، وفق الصحافية التركية زهراء كرمان، إذ تواجه هذه الأسر صعوبة في إدراك أهمية التعليم، مما يدفع الأطفال إلى العمل بدلا من الدراسة، فتزداد معدلات التسرب.

وفي حديثها للجزيرة نت، ترى كرمان أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أدى إلى تعزيز أحلام الثراء السريع بين الشباب، حيث يشجع نمط حياة مشاهير هذه المنصات على التخلي عن التعليم والبحث عن طرق سريعة لكسب المال، وهذا الاتجاه يعوق قدرة الشباب على تحديد أهدافهم المستقبلية.

واستجابة لهذه الأزمة، تتحدث كرمان عن إنشاء مراكز تدريب مهني في جميع المحافظات التركية، حيث يتيح النظام للطلاب تلقي تدريب نظري يوما واحدا في الأسبوع وتدريب عملي يستمر 4 أيام.

وتوفر هذه المراكز إمكانية الحصول على تدريب مهني في 34 مجالا، وضمان نسبة توظيف تصل إلى 88% للخريجين، كما تم تبسيط المناهج الدراسية لتمكين الطلاب من متابعة تعليمهم والانخراط في سوق العمل.

وترجّح الصحفية التركية أن كثيرا من الطلاب المتسربين لا يرغبون في متابعة الدراسة النظامية ويرغبون بالانتقال إلى المدارس الثانوية المفتوحة لإكمال تعليمهم، وقد زادت هذه النسبة كثيرا خلال السنوات الخمس الماضية، مما أدى إلى فرض شروط على الانتقال إلى التعليم المفتوح.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات التسرب المدرسی

إقرأ أيضاً:

ذوبان الأنهار الجليدية في تركيا مؤشر على أزمة مناخية

يكشف ذوبان الأنهار الجليدية على جبل جيلو في تركيا عن حقيقة صارخة لتغير المناخ، حيث تؤدي درجات الحرارة المرتفعة جراء تغير المناخ، وكذلك زيادة الأنشطة البشرية بما فيها السياحة إلى تسريع فقدان الجليد، كما حصل في منطقة جبال الألب البكر الأوروبية في السابق.

وتُسرّع درجات الحرارة العالمية المرتفعة، الناتجة عن استخدام الوقود الأحفوري، ذوبان الصفائح الجليدية والأنهار الجليدية في جميع أنحاء العالم.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4الأمم المتحدة: ذوبان الأنهار الجليدية يهدد معيشة ملياري شخصlist 2 of 4تغير المناخ يسرّع ذوبان أنهار الجليد بجبال الأنديزlist 3 of 4دراسة: ذوبان الأنهار الجليدية يوقظ مئات البراكين الخاملةlist 4 of 4ذوبان الأنهار الجليدية يهدد نظما بيئية فريدةend of list

وبينما ينصب الاهتمام غالبًا على القارة القطبية الجنوبية وغرينلاند، فإن التأثير واضح في أماكن أخرى، بما في ذلك جبل جيلو الواقع في جنوب شرق تركيا والذي كانت قممه مغطاة بالأنهار الجليدية.

وتعد الأنهار الجليدية في جبل جيلو التركي، الذي يبلغ ارتفاعه 4135 مترا ويقع في محافظة هكاري على الحدود العراقية، ثاني أكبر الأنهار الجليدية في البلاد،
بعد جبل أرارات (5137 مترا) الذي يبعد 250 كيلومترا إلى الشمال، لكن تحت تأثير الاحترار المناخي، بدأت أجزاء جديدة منه كانت مغطاة بالثلوج تظهر تدريجيا سنة تلو الأخرى.

ويقول المتخصص في نظم المعلومات الجغرافية في جامعة فان يوزونجو (شرق) البروفيسور أونور ساتير، في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية إن "الذوبان أسرع من المتوقع. وبحسب أبحاثنا، خسرنا نحو 50% من الغطاء الجليدي والثلجي لجبل جيلو على مدى السنوات الـ 40 الماضية".

ويضيف أن بعض الأقسام تذوب أسرع من غيرها، مما يؤشر إلى الأجزاء التي تحتاج إلى حماية، لكن لا تتوفر وسيلة لتغطية الجليد، في وقت جرت تغطية عدد كبير من الأنهر الجليدية في جبال الألب بأغطية بيضاء خلال السنوات الأخيرة لمحاولة إبطاء ذوبانها.

وأشار ساتير إلى أن البنية التحتية الجديدة سهّلت الوصول إلى المنطقة، إذ قبل سنوات لم تكن هناك طرق، لكن مع بناء الطرق، زاد عدد الزوار والمركبات، وهو ما سرّع بدوره الذوبان قليلا، حسب تقديره.

متنزهون قرب نهر جيلو الجليدي في مقاطعة هكاري جنوب شرق تركيا في 13 يوليو/تموز 2025 (الفرنسية)عوامل التغير المناخي

وسجلت تركيا التي تشهد موجات حر وجفاف وحرائق في السنوات الأخيرة، حرارة قياسية وصلت أحيانا إلى 50.5 درجة مئوية، وخاصة في سيلوبي على بعد 200 كيلومتر من هكاري.

إعلان

ولا تعد أنهار جبل جيلو استثناء، فبحسب الأمم المتحدة، لن تصمد الأنهر الجليدية في مناطق عدة من العالم في القرن الـ21، مما يُهدد إمدادات المياه لمئات الملايين من الأشخاص.

لكن وتيرة الذوبان تختلف حسب طبيعة الجبال والأنهار، "فإذا كانت كتلة الجليد كبيرة، لن يكون الذوبان سريعا جدا. ولكن إذا قُسّمت الكتلة، فستذوب بشكل أسرع"، حسب البروفيسور ساتير.

وتعد المناظر الطبيعية المحيطة بجبل جيلو متعة للمتنزهين، الذين يتوافد عدد كبير منهم إلى الجبل، وتبشر عملية السلام الجارية مع حزب العمال الكردستاني، بتسريع عجلة السياحة في هذه المنطقة، التي أصبحت متنزها وطنيا عام 2020.

وفي سياق متصل، يشير تقرير للأمم المتحدة بشأن التصحر العالمي إلى أن 88% من أراضي تركيا مهددة بهذه الظاهرة، إذ يتوقع أن ينخفض معدل هطول الأمطار بمقدار الثلث بحلول نهاية القرن.

كما من المتوقع حسب التقديرات أن ترتفع الحرارة بمقدار 5 إلى 6 درجات مئوية مقارنة بالدرجات المتوسطة المسجلة بين عامي 1961 و1990، وهو ما يؤشر إلى تغيرات مناخية جوهرية قد تتزايد آثارها على الأنهار الجليدية.

وعلى المستوى العالمي، تعرضت الأنهار الجليدية للخسارة الأكبر على الإطلاق في كتلتها على مدى 3 سنوات بين عامي 2022 و2024، حسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO).

ويغطي أكثر من 275 ألف نهر جليدي في جميع أنحاء العالم مساحةً تبلغ 700 ألف كيلومتر مربع تقريبا. وتخزن الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية معا ما يقرب من 70% من موارد المياه العذبة في العالم.

مقالات مشابهة

  • التنسيق: المرحلة الأولى مرت بدون مشاكل أو معوقات
  • أزمة انقطاع المياه في بيروت.. سوء إدارة وفساد صامت!
  • بنسبة نجاح ٩٣.٣١٪؜ جامعة سوهاج تعلن نتيجة الفرقة الثانية لكلية الطب
  • جامعة سوهاج تعلن نتيجة الفرقة الثانية بكلية الطب البشري بنسبة نجاح 93.31%
  • وزير التعليم العالي يُعلن عدد الطلاب المتقدمين في تنسيق المرحلة الأولى 2025
  • «المدرسة السودانية» تحتفي بالطلاب المتفوقين
  • ذوبان الأنهار الجليدية في تركيا مؤشر على أزمة مناخية
  • يعزز روح التنافس ويحقق الاستقرار النفسي:النشاط الإبداعي المدرسي.. بوابة إظهار المواهب
  • كواليس أزمة انقطاع الكهرباء بالجيزة.. مصطفى بكري: 1300 عامل يشاركون في الإصلاح
  • 120 طالبًا يختتمون ملتقى مدرسة الحياة بسمد الشأن في أجواء تعليمية محفزة