سودانايل:
2025-06-10@15:00:00 GMT

لعنة «كيكل» وتقسيم السودان

تاريخ النشر: 27th, October 2024 GMT

المقال الأسبوعي في صحيفة الشرق الاوسط

فيصل محمد صالح

دخلت الحرب في السودان مرحلة جديدة من العنف والقتل على الهوية، وانتقلت لمرحلة الاستنفار القبلي والاستنفار المضاد، وتحقق ما كان يتخوف منه معارضو الحرب منذ البداية، أن تتحول حرباً أهلية شاملة بين المجموعات القبلية والإثنية المختلفة، تتخفى وراءها المطامع السياسية والسلطوية لبعض المجموعات السياسية.



فقد شهدت منطقة سهل البطانة، شرق الجزيرة، عمليات قتل وتهجير ونهب وسلب طالت معظم القرى والمدن الصغيرة في هذه المنطقة، بعد انشقاق ابن المنطقة أبو عاقلة كيكل من «قوات الدعم السريع» وإعلان انضمامه إلى الجيش. ويبدو أن كل الأطراف المتورطة في الصراع لم تحسب خطواتها جيداً، ولم تستعد لهذه الخطوة، فقط أعلن جانب الجيش انشقاق «كيكل» عن «قوات الدعم السريع» وسط هياج إعلامي كبير، ثم اتضح أن الرجل الذي كان قائداً للمنطقة قد جاء بثلاث سيارات ومجموعة من حراسه، وترك باقي المنطقة لانتقام «قوات الدعم السريع».

ما أن تم الإعلان عن ذلك ودخول قوات الجيش لمدينة «تمبول» أكبر مدن المنطقة، حتى هاجمتها «قوات الدعم السريع» وطردت قوات الجيش، ثم نكّلت بالمواطنين المدنيين الذين احتفلوا بما ظنوه انتصاراً للجيش، في حين ظل الطيران الحكومي يقصف المواطنين بلا هدف وقتل العشرات منهم، بينما تكفلت «قوات الدعم السريع» بقتل وإصابة المئات وتهجيرهم من مناطقهم.

شنَّت «قوات الدعم السريع» حملة انتقام وترويع ضد كل سكان المنطقة وقراها المتعددة رداً على انشقاق وهروب «كيكل»، وصار كل المنتمين إلى قبائل المنطقة، خصوصاً قبيلة «الشكرية» هدفاً لهجماتها التتارية، وانتظم أبناء المنطقة في استنفار قبلي مضاد للدفاع عن أهاليهم، وبدا أن الجيش يفضّل دعم هذا الحشد القبلي ومساندته بخطابات التعبئة والتهييج بدلاً من دخوله في مواجهات مباشرة مع «الدعم السريع»، وتوفير قوته لجبهة سنار والنيل الأزرق التي حقق فيها نجاحات في مدن الدندر والسوكي التي استلمها من «قوات الدعم السريع».

أسئلة كثيرة تدور في الأذهان: لماذا لم يتحسب الجيش لنتائج انشقاق «كيكل» وانعكاسات ذلك على سكان المنطقة، ولم يضع أي خطة أو تصورات لردود فعل «قوات الدعم السريع» على ذلك...؟ لماذا جاء انشقاق «كيكل» وكأنه مجرد زوبعة إعلامية لم يتغير بعدها الميزان العسكري في منطقة البطانة، في حين كان الناس يتخيلون أن «كيكل» سينشق بكل قوات منطقة الجزيرة، شرقها وغربها... باعتبار أنه كان القائد العسكري لكل المنطقة؟ هل كان العائد من انشقاق «كيكل» يساوي الثمن الفادح الذي دفعه سكان منطقة شرق الجزيرة...؟

في المقابل، هناك أسئلة أخرى تدور حول تصرفات «الدعم السريع»، فإن كان انشقاق «كيكل» محدوداً ولم يغير الميزان العسكري، فلماذا قررت «قوات الدعم السريع» أن كل سكان المنطقة وقبائلها مسؤولة عن انشقاق «كيكل»...؟ ولماذا شنّت هذه الحملة الترويعية عليهم فلم تفرّق بين رجل أو امرأة أو طفل، ولماذا تعمَّدت تهجيرهم من قراهم ومطاردتهم...؟

كلها أسئلة تبعث على الحيرة وتبحث عن إجابات، لكن ما يجمع بينها هو أن الطرفين لم يضعا حياة إنسان المنطقة في حساباتهما، فالجيش لم يدافع عن سكان المنطقة وتركهم يواجهون مصيرهم وحدهم، و«قوات الدعم السريع» يبدو أنها زهدت في وجودها في المنطقة فشنَّت حملتها الانتقامية ولا يظنن أحد أن هذه القوات ستبقى في المنطقة لفترة طويلة.

لقد حلت لعنة «كيكل» على المنطقة؛ فالاستهداف لكل سكان المنطقة وقبائلها أدى، كما قلنا، إلى حشد قبلي وجهوي مضاد، وهو لا يزال في حالة تصاعد، ومن الممكن أن يجعل مجموعات عسكرية أخرى في المنطقة كانت تقاتل في صفوف «الدعم السريع» تراجع مواقفها وتنأى بنفسها عن القتال، أو تنضم أيضاً للجيش.

النتيجة النهائية لهذه المعارك ستكون خروج «قوات الدعم السريع» من المنطقة بعد أن فقدت أي قبول لوجودها، وثبت عدم وجود أي مشروع سياسي لها، وربما تخرج من كامل منطقة وسط السودان بما فيها ولايتا الجزيرة وسنار. وستنضم القوات المنسحبة إلى الوجود الأكبر لـ«قوات الدعم السريع» في ولايات دارفور وكردفان، فيتحقق بشكل عملي تقسيم السودان على أساس قبلي وإثني، مناطق الوسط والشمال في يد تحالف سياسي عسكري بين الجيش والميليشيات والقوى السياسية المتحالفة معه، ومناطق دارفور وكردفان في يد تحالف قبلي وإثني يقوده «الدعم السريع». وسواء قامت حكومات في هذه المناطق، أو لم يتم إعلان ذلك بشكل رسمي فإن التقسيم سيبقى أمراً واقعاً مثلما حدث في بلاد قريبة من السودان.

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع سکان المنطقة

إقرأ أيضاً:

تفاصيل وخفايا معركة العوينات : تحالفات المرتزقة والارهاب

فى الأخبار ، أن اشتباكات حدثت بين القوات المشتركة السودانية مع قوة ليبية فى منطقة (العوينات) ، وان الطرف الليبيي هو كتيبة (سبل السلام)..
قائد الكتيبة الليبية الشيخ هاشم عبدالرحمن قال (إن ما حدث مجرد سوء تفاهم ، ونتج عنه 2 من القتلى السودانيين وأسير واحد ، وثلاثة أسرى من الجانب الليبيى وجار نقاش لتبادل الأسرى ووضع آليات تفادي هذا الاشكال) ، وبينما تم ترويج الحديث بتوسع وكثافة فى ليبيا ، فقد اقتصر النقاش حوله فى السودان على منصات محدودة ومن جانب كونه (تدمير عتاد) ، والأمر أبعد من ذلك وفق بينات كثيرة..
فى اغسطس 2024م ، نشرت منصة القدرات العسكرية السودانية تقريراً عن دعم بعض الأطراف الليبية لمليشيا الدعم السريع المتمردة ، وورد بوضوح دور هذه الكتيبة ، وجاء فيه ( لواء سبل السلام متورط بشكل أساسي فى تسهيل امدادات الدعم السريع بالوقود والسيارات وزيوت محولات الكهرباء ، كما يكرس اللواء الطرق الآمنة لمرور المرتزقة الاجانب) ، ومما يعزز معلومات منصة القدرات العسكرية السودانية هو وجود اعداد كبيرة من مرتزقة قبائل التبو الليبية بالإضافة إلى مجموعات ذات توجهات (ارهابية) من منطقة شمال وغرب القارة الافريقية حيث تربط آمر الكتيبة صلات وثيقة مع هذه المجموعات..
وكشفت تحقيقات فرانس 24 ، (26 يناير 2025م) عن تورط هذه الكتيبة فى مهام تهريب المرتزقة الاجانب (كشفت تحقيقات صحفية، أجرتها قناة “فرانس 24″، عن ( تورط قوات قائد القيادة العامة، خليفة حفتر ، في تهريب أسلحة ومرتزقة إلى السودان، لصالح قوات الدعم السريع، رغم الحظر الأوروبي المفروض على تصدير السلاح إلى السودان.
ووفقا لتحقيق القناة فان ( شحنة قذائف هاون بلغارية الصنع من الإمارات إلى شرق ليبيا، قبل أن تنقل برا عبر الصحراء إلى السودان، وتولت كتيبة تعرف باسم “لواء سبل السلام”، المتمركزة قرب مدينة الكفرة، مسؤولية تأمين الطريق الذي تستخدمه القوافل المسلحة.
كما أظهرت التحقيقات أن مرتزقة كولومبيين، عبر شركات كولومبية وإماراتية، تم نقلهم من أبوظبي إلى مدينة بنغازي، كما خضعوا لتدريبات وإشراف من قبل عناصر تابعة لقوات الدعم السريع، قبل توجههم إلى السودان.
وأكد باحثون أن هناك تحالفًا غير معلن بين حفتر وقوات الدعم السريع، يعود إلى مرحلة الحرب الليبية، حيث يعتقد أن قوات الدعم السريع قدمت دعما لحفتر، وفي المقابل يرسل حفتر ذخيرة وأسـ.ـلحة ومنتجات نفطية لقوات الدعم السريع)..
بالرغم من أن تكوينها جاء من خلال تبرعات ما اسموه (الجماعات السلفية) ، إلا أن الكتيبة اصبحت تحت رئاسة القيادة العامة للقوات الليبية وتحت اشراف مباشر من صدام خليفة حفتر ، فكيف نشأت ومن هو آمرها الشيخ هاشم عبدالرحمن ؟..
من ابرز محطات الشيخ هاشم هو دوره فى كتيبة ثوار ليبيا 2012م بالجنوب ثم انخراطه في حرس الحدود ومحاربة مهربي السلاح والذخائر والمخدرات فى المثلث الحدودي..
فى العام 2014م ، وبعد تقاعده عن كتيبة ثوار ليبيا ، عاد إلى الميدان وبدأ فى جمع تبرعات من رجال الاعمال لتأمين منطقة الكفرة ، وتوسعت ادوار الكتيبة بعد تبعيتها إلى قوات حفتر واحلالها بدلاً عن كتيبة ثوار ليبيا…
وللشيخ هاشم علاقة وثيقة بالحركات والجماعات الجهادية فى الغرب الافريقي..
فى 6 مايو 2025م ، اعاد موقع “أفريكا إنتيليجنس” للأذهان دور الكتيبة وجاء فى تقريره ( إن مجموعة “سبل السلام” المسلحة التي تستقر في الكفرة وتنشط في مناطق جنوب شرق ليبيا قرب الحدود الليبية مع تشاد والسودان ومصر تثير القلق بين الحكومات الغربية.
وقال الموقع إنه منذ اندلاع الصراع في السودان، شوهدت قوافل من البنزين والأسلحة تتحرك باتجاه الحدود الليبية مع السودان في المنطقة التي يسيطر عليها أفراد “سبل السلام”، وتشير هذه التحركات إلى وجود اتصال بين الميليشيا وقوات الدعم السريع التابعة لـ”حميدتي)..
كل هذه الاشارات تؤكد ثلاث حقائق مهمة:
– أن بلادنا تخوض حرباً ومؤامرة ذات أطراف متعددة ومصالح متعددة ، وفى سبيل ذلك تم توظيف كل وسيلة للخراب والدمار والمرتزقة والسلاح والموارد ، وهذه واحدة من تلك الآليات..
– أن وصول متحرك محور الصحراء إلى المثلث الحدودي يمثل نقطة محورية فى المعركة ، حيث قطع شريان الدعم المفتوح من ليبيا واحداث خلخلة فى التحالفات الخفية ، وهذه ابعاد استراتيجية لا يدركها البعض أو حتى ليس له الوقت للنظر إليها وهو مستغرق فى قضايا والاحداث اليوم..
– وثالثاً: الخفي فى الاجندة الأجنبية أكثر وأكبر مما يبدو ، وكل يوم نستكشف أبعاداً جديدة تتجاوز قدرات المليشيا المجرمة إلى ادوار شبكات قوى دولية واستخبارات عالمية وجماعات من تجار الحروب من العابرين للحدود.
حفظ الله البلاد والعباد..
د.ابراهيم الصديق علي
7 يونيو 2025م..

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • حين يصير الموت مزدوجًا.. الكوليرا تُكمل ما بدأته الحرب في السودان
  • غرفة طوارئ معسكر أبو شوك بمدينة الفاشر: ظروف إنسانية صعبة وتحديات أمنية جراء القصف المدفعي المستمر من قبل الدعم السريع
  • هجمات بالمسيّرات وتحركات ميدانية كثيفة.. معارك ضارية بين الجيش السوداني و«الدعم» في كردفان
  • د. حسن محمد صالح: من حول الدعم السريع الي المشروع الغربي العلماني؟
  • حرب المسيّرات تغيّر قواعد اللعبة في السودان… «الدعم السريع» يوسّع سيطرته من الجو
  • كيكل: قواتنا على مشارف كردفان
  • تصاعد المعارك بين الجيش و الدعم السريع في دارفور وكردفان
  • السودان بين سيطرة الجيش وتصعيد الدعم السريع.. قصف إغاثي وحصار مستمر
  • دا أحد أثمان المشاركة الضارة في حرب السودان يا ديبي الإبن!
  • تفاصيل وخفايا معركة العوينات : تحالفات المرتزقة والارهاب