تباينت التحليلات حول الدلالات السياسية والعسكرية التي يمكن فهمها من أسلوب الضربة الإسرائيلية على إيران و«محدوديتها» فجر يوم السبت الماضي، لكن المؤكد أن إسرائيل ما كانت تجرؤ على أكثر مما أقدمت عليه بعد أن شاهدت ردة الفعل الماضية لإيران مطلع الشهر الجاري، ولا يبدو أن إيران سترد على الضربة الأخيرة خاصة أنها قللت من شأنها كثيرا؛ لكن هذا لا يعني أن المواجهة قد انتهت؛ فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتطلع إلى نتيجة الانتخابات الأمريكية فـي الخامس من نوفمبر القادم وفـي ضوء تلك الانتخابات يمكن أن يعود إلى استفزازاته بهدف جر إيران إلى مواجهة أكبر تدخل فـيها أمريكا طرفا أساسيا.

الواضح أن أمريكا التي حاولت كبح جماح إسرائيل من توجيه ضربة استراتيجية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية وكذلك منشآت النفط لا يمكن أن تتخلى عن دعم إسرائيل حتى لو بدت أنها ضد توجيه ضربة لإيران. وتعتمد أمريكا فـي موقفها الرافض للضربة على ثلاثة مؤشرات: الأول، أنها تعرف القدرات العسكرية الإيرانية التي لم تستخدمها بعد وتعرف بشكل دقيق المرحلة التي وصلت لها إيران فـي تخصيب اليورانيوم. أما المؤشر الثاني فإنها لا تريد تبعات اقتصادية تنعكس عليها سلبا سواء من أثر الضربة الإسرائيلية على إيران أم من ردة الفعل الإيرانية على المنشآت الحيوية فـي حوض الخليج العربي. أما السبب الثالث وهو بعيد المدى فإن أمريكا لا تريد عداء حضاريا مع الشعب الإيراني منطلقة من فكرة أن ثمة مساحة فـي التوجهات بين الإدارة الإيرانية وبين عامة الناس؛ فأمريكا ما زالت تعتقد أن يوما سيأتي ليس بعيدا تعود فـيه العلاقات الأمريكية الإيرانية إلى ما كانت عليه أيام الشاه!

أما التصعيد بين إيران وبين إسرائيل فهو ليس وليد هذه الحرب، ولكنه يعود إلى نهايات سبعينيات القرن الماضي، وهذا العداء يكشف ما يمكن تسميته «بالغباء السياسي والاستراتيجي» من الجانب الإسرائيلي؛ لأنه لا ينظر إلى الجانب التاريخي لإيران ومركزيتها الجغرافـية فـي منطقة الشرق الأوسط. وفـي الحقيقة لا تملك إسرائيل فـيما يبدو هذه النظرة فهي نفسها سياق طارئ ودخيل على المشهد الجغرافـي.

لكن نتنياهو ينفذ الآن نفس السياسة التي دأبت أمريكا على تنفـيذها منذ قرابة أربعة عقود وهي التخويف من إيران وتصويرها باعتبارها الوحش المتوثب لالتهام المنطقة بأكملها، التهامها أيديولوجيا وسياسيا وكذلك جغرافـيا؛ ولذلك توحي تحركات نتنياهو بأنه يسعى لاستغلال الخطر الإيراني كذريعة لتبرير سياساته المتطرفة، وتعزيز مكانته السياسية فـي الداخل الإسرائيلي.

لكن هذه السياسات لم تحقق سوى نتائج عكسية، حيث تسببت فـي تآكل الصورة الذهنية التي حاولت إسرائيل رسمها على مدار عقود، بوصفها قوة إقليمية مسؤولة تدافع عن مصالحها دون تجاوز الخطوط الحمراء الدولية وبوصفها الديمقراطية الوحيدة فـي الشرق الأوسط التي ترعى وتحمي حقوق الإنسان.. هذه السردية سقطت إلى الأبد. ورغم أن البعض يعتقد أن تأثير هذا السقوط ليس كبيرا بحجم الطموحات إلا أن تغيير الصورة الذهنية الجمعية فـي العالم لا تحدث فـي غمضة عين رغم حجم التغيير الحقيقي ولكن على العالم العربي وعلى الفلسطينيين بشكل خاص أن يبنوا على كل ما تحقق من أجل حلم المستقبل والمآل الوحيد للقضية الفلسطينية الذي لا بد أن يأتي ذات يوم.

لا يمكن أيضا هنا تجاوز الدور الروسي فـيما حدث فجر السبت، حيث أبدت روسيا دعما واضحا لإيران وحذرت من التفكير فـي توجيه ضربات للمنشآت النووية الإيرانية. هذا التهديد الروسي يعكس التزام موسكو بالحفاظ على إيران بصفتها لاعبا أساسيا فـي المنطقة، وهو ما يجعل من الصعب على إسرائيل تنفـيذ خططها دون مواجهة تداعيات دولية خطيرة.

علاقة روسيا بإيران تتجاوز المصالح الآنية، فهما شريكان فـي أكثر من ملف، من بينها التنسيق فـي سوريا، ومواجهة الضغوط الغربية المشتركة. لهذا، فإن أي محاولة إسرائيلية لضرب إيران تعني تهديدًا للمصالح الروسية فـي المنطقة، مما قد يدفع موسكو إلى اتخاذ خطوات مضادة تتجاوز التحذيرات الكلامية.

يمكن فـي هذا السياق فهم التعقيدات الكبيرة التي أحاطت بالضربة الإسرائيلية على إيران والتي جاءت محدودة كما وصفتها إيران نفسها، وهي كذلك بناء على ما وضح من آثارها الميدانية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الضربة الإسرائیلیة على إیران

إقرأ أيضاً:

الضربات الإيرانية على إسرائيل تخلف دمارا ورعبا

بات يام (اسرائيل)"أ ف ب": تعرب جوليا زيلبرغولتز عن مدى صدمتها بعد ساعات من إصابة منزلها في بلدة بيت يام قرب تل أبيب الساحلية بصاروخ بالستي إيراني.

وقالت زيلبرغولتز وهي تجمع بعض مقتنياتها استعدادا لمغادرة المبنى، "أنا متوترة وفي حالة صدمة، مررت بأوقات عصيبة في حياتي لكن لم أواجه وضعا كهذا من قبل".وتوضح "كنت في المنزل، نائمة، ولم أسمع صفارات الإنذار"، لكنها استيقظت على أصوات انفجارات مدوية.

وأكدت السلطات الإسرائيلية مقتل ستة أشخاص بينهم طفلان في الضربة التي دمرت منزل زيلبيرغولتز في بات يام.

من جهتها، قالت ييفغينا دودكا التي أصيب منزلها كذلك في الضربة الصاروخية الإيرانية على بات يام "دمّر كل شيء. لم يبق شيء".

وفي ضربة أخرى على بلدة طمرة ذات الغالبية العربية في شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة، أكدت هيئات الاسعاف ومصادر طبية مقتل أربعة سيدات.

وأعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي ارتفاع حصيلة قتلى الضربات الإيرانية على إسرائيل منذ الجمعة إلى 13.

وأوضح في بيان أن إحدى القتيلات في طمرة تبلغ 13 عاما، وأن من بين القتلى في بات يام طفل وطفلة يبلغان من العمر 8 و 10 سنوات.

وبثت القنوات التلفزيونية الإسرائيلية مشاهد لدمار واسع في أربعة مواقع طالتها الصواريخ الإيرانية في ساعات الصباح الباكر الأحد. وشملت الضربات مواقع في تل أبيب وريشون لتسيون جنوب المدينة الساحلية.

وبحسب بيانات لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، طالت الضربات الإيرانية نحو 22 موقعا في مناطق عدة.

وأظهرت لقطات في طمرة منزلا من ثلاث طبقات وقد دمّر بشكل كبير جراء سقوط صاروخ تسبب أيضا بأضرار واسعة في المنازل المجاورة.

وظهر عناصر وآليات الدفاع المدني يعملون في الموقع بينما كانت الحجارة متناثرة في كل مكان وبدت المركبات محطمة.

ووفقا لوسائل إعلام إسرائيلية فإن الضحايا من عائلة عربية وهم أم وابنتيها وقريبتهم.

وفي تل أبيب، تقول ريكي كوهين "لدي شعور سيء جدا، أنا قلقة ومتعبة نفسيا، أتألم على كل القتلى والجرحى".

وتضيف كوهين، وهي كاتبة، أنها تبدي قلقها من أن "يستغل (رئيس الوزراء بنيامين) نتانياهو وحكومته الموقف ويواصلون الحرب حتى لو تم تعد ضرورية".

وفي منشور له على منصة فيسبوك، قال رئيس بلدية بات يام تسفيكا بروت إن "الصاروخ تسبب بدمار كبير وألحق أضرارا بعشرات المباني على نطاق واسع"، مشيرا الى أن أكثر من 100 شخص أصيبوا بينما تتواصل العمليات لانقاذ أشخاص عالقين تحت الأنقاض.

وأضاف رئيس البلدية "فرق الإنقاذ التابعة للجبهة الداخلية تعمل هنا منذ ساعات ولن تغادر حتى تعثر على جميع المفقودين".

أما شاحر بن صهيون الذي كان يعاين أضرار الضربة على منزله في بات يام، فقال "لم أكن راغبا بالذهاب الى الملجأ، لكن والدتي أقنعتني.. وقع انفجار واعتقدت أن المنزل انهار".وتابع "نجاتنا معجزة".

مقالات مشابهة

  • بعد الضربة الإيرانية.. إغلاق جميع مرافق التكرير لشركة بازان الإسرائيلية في حيفا
  • من التضليل إلى التسليح.. حدود التنسيق الخفي بين أمريكا وإسرائيل ضد إيران
  • لماذا لم تتمكن الدفاعات الإسرائيلية من صدّ كل الصواريخ الإيرانية؟
  • الضربات الإيرانية على إسرائيل تخلف دمارا ورعبا
  • أحمد موسى: لولا أمريكا كانت إسرائيل خلصت من زمان
  • بلدية رمات غان الإسرائيلية: صواريخ إيران خلفت دمارا لا يمكن تصوره- (صور وفيديو)
  • الضربةُ الإسرائيليةُ المُتوقَّعةُ على إيران وتداعياتُها
  • ما حجم الخسائر التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية جراء الضربات الإسرائيلية؟
  • لماذا قررت إسرائيل تغيير قواعد الحرب مع إيران؟ هل السر إيال زامير؟
  • إيران: الغارات الإسرائيلية تتسبب في أضرار محدودة في منشأة فوردو النووية