فضائل سورة الفاتحة وأهمية قراءتها في الشريعة
تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال أحد المتابعين، الذي جاء من خلال صفحتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي، جاء مضمونه كالتالي: نسمع كثيرًا أنَّ قراءة سورة الفاتحة تعود على صاحبها بالنفع العظيم؛ فنرجو منكم بيان ما لهذه السورة الكريمة؛ من الفضائل والأسرار؟.
فضائل سورة الفاتحة
قالت دار الإفتاء قراءة الفاتحة لها فضل عظيم كما أكدت ذلك نصوص الشريعة الإسلامية؛ فالله تعالى يقول: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ المَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ الحجر: 87.
والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «﴿الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوْتِيتُه». رواه البخاري من حديث أبي سعيد بن المُعَلَّى رضي الله عنه.
ويقول لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «يَا جَابِرُ، أُخْبُرِكَ بِخَيْرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقُرْآنِ؟» قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَاتِحَةُ الْكِتَابِ»، قال راوي الحديث: وأحسبه قال: «فِيَها شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ» رواه البيهقي في "شعب الإيمان".
ومن فضائلها أنَّها أمّ القرآن، وتكفي عن غيرها ولا يكفي عنها غيرها؛ يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَيْسَ غَيْرُهَا مِنْهَا عِوَضٌ» رواه الدارقطني والحاكم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
ويقول العلَّامة ابن القيم الحنبلي رحمه الله تعالى في "زاد المعاد" (4/ 347-348، ط. مؤسسة الرسالة): [فاتحة الكتاب، وأمّ القرآن، والسبع المثاني، والشفاء التام، والدواء النافع، والرقية التامة، ومفتاح الغِنَى والفلاح، وحافظة القوة، ودافعة الهم والغم والخوف والحزن؛ لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها وأحسن تنـزيلها على دائه وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها والسر الذي لأجله كانت كذلك. ولما وقع بعضُ الصحابة على ذلك رَقى بها اللديغَ فبَرَأَ لوقته، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ».
وأوضحت دار الإفتاء أن سورة الفاتحة تشتمل على التوحيد، ومعرفة الذات والأسماء والصفات والأفعال، وإثبات الشرع والقدر والمعاد، وتجريد توحيد الربوبية والإلهية، وكمال التوكل والتفويض إلى مَن له الأمر كله وله الحمد كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله، والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين، وعَلِمَ ارتباطَ معانيها بجلب مصالحهما ودفع مفاسدهما، وأنَّ العاقبة المطلقة التامة والنعمة الكاملة منوطة بها، موقوفة على التحقق بها- أغنته عن كثير من الأدوية والرُّقَى، واستفتح بها من الخير أبوابه، ودفع بها من الشر أسبابه، وهذا أمرٌ يحتاج إلى استحداث فطرةٍ أخرى وعقلٍ آخر وإيمانٍ آخر] اهـ.
فضل سورة الفاتحة
ومن أهم الدلائل على فضلها ما روى مسلمٌ والنسائي وغيرهما عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: بينما جبريلُ قاعدٌ عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع نَقِيضًا -أي: صوتًا- مِن فوقه، فرفع رأسه فقال: «هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ»، فنزل منه مَلَكٌ فقال: «هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلَّا الْيَوْمَ»، فسَلَّم -يعني: الملَك- وقال: «أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ؛ لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الفاتحة سورة الفاتحة فضل سورة الفاتحة صلى الله علیه وآله وسلم سورة الفاتحة ال ق ر آن رضی الله
إقرأ أيضاً:
“نحن أولو قوة وأولو بأس شديد” .. البأس اليمني بين النص القرآني والتاريخ الإسلامي
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
في أزمنة التحوّلات الكبرى، يتجلّى صدقُ الأمم لا في كلماتها، بل في مواقفها؛ وفي قلب التاريخ، لا تُكتب الصفحات الخالدة بالحبر، بل بالبأس والإيمان. وبين صفحات القرآن الكريم، أشار الله تعالى إلى قوم وصفهم بأنهم “أولو قوة وأولو بأس شديد”، في سياق حديثه عن مملكة سبأ اليمنية وكأنما أراد أن يُخلِّد في كتابه ملامح أمةٍ لم تضعف عند اللقاء، ولم تخنع أمام الباطل، بل تمتّعت بقوة العزيمة وصلابة الإرادة ، ثم جاء النبي محمد صلوات الله عليه وآله ، ليُشهد العالم كله بقوله: “الإيمان يمان والحكمة يمانية” فتحوّلت القوة إلى عقيدة، والبأس إلى ولاء، وأضحى اليمنيون أنصار الرسالة، لا بالقول فقط، بل بالفعل والموقف، في نصرة الإسلام أولًا، ثم في الوفاء لأهل بيت النبوة، وأعلام الهدى من بعده، وفي ثباتهم على خط الحق مهما تكالبت عليهم العصور.
في هذا التقرير الموسّع، نكشف العلاقة العميقة بين الوصف القرآني للبأس اليماني، وبين الحديث النبوي عن الإيمان والحكمة اليمانية، ثم نتتبع كيف تجلّى ذلك البأس عبر التاريخ في نصرة الإمام علي عليه السلام، وأئمة أهل البيت وأعلام الهدى .. إنها ليست قصة قوم… بل شهادة قرآنية خالدة لأمةٍ إذا آمنت… أبدعت، وإذا والَتْ… ثبتت، وإذا قاتلت… انتصرت.
القوة والبأس في كتاب الله
ورد في سورة النمل قول الله سبحانه وتعالى على لسان ملِكة سبأ حينما تلقت رسالة النبي سليمان عليه السلام:
“قالت يا أيها الملأُ أفتوني في أمري ما كنتُ قاطعة أمرًا حتى تشهدون * قالوا نحن أُولُو قوةٍ وأُولُو بأسٍ شديدٍ والأمرُ إليكِ فانظري ماذا تأمرين” (النمل: 32–33).
هذه الآية لم تكن مجرد حكاية قرآنية عن مملكة قديمة، بل تركت إشارات دلالية مهمة تتجاوز السياق الزمني إلى دلالة رمزية وواقعية، ارتبطت بالشعب اليمني دولة سبأ عنوان القوة والبأس القرآني ، وأن أوصاف “القوة” و”البأس الشديد” تعنيان الشجاعة، والصلابة في الحرب، والقدرة التنظيمية والسياسية.
البأس اليماني في التاريخ
عُرف اليمنيون عبر التاريخ، قبل الإسلام وبعده، بأنهم أهل حضارة، وأهل بأس في القتال، وأهل حكمٍ وحكمة. تاريخهم يزخر بممالك عظيمة كسبأ وحمير ومعين وقتبان، كما أن جيوشهم كانت ذات بأسٍ مشهود. لم يكونوا قوماً تابعين، بل صناع قرار، كما أظهرت ملكة سبأ نفسها حين خاطبت الملأ ولم تُخضع نفسها لأمرهم، بل أشركتهم في الشورى.
وهذا “البأس اليماني” كان من عوامل احترام النبي سليمان عليه السلام لهم، وتعاطيه السياسي والديني المتوازن معهم، إذ لم يبعث إليهم مباشرةً بالتهديد، بل بخطاب يتضمن دعوة سلمية وتوحيدية.
ومع ظهور الإسلام، لم يتخلّ اليمنيون عن قوتهم ولا عن بأسهم، بل انتقلوا به إلى ميادين نصرة الدين الجديد، فدخلوا في الإسلام أفواجاً دون قتال، وامتزج بأسهم بالحكمة والإيمان.
وقد سجل لهم التاريخ أنهم من أوائل الشعوب الذين استجابوا للرسالة الإسلامية، بعد أن أرسل النبي (صلى الله عليه وآله) إليهم الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي أقام الحجة وأظهر المعجزة فآمنوا به ووالوه ووالوا أهل بيته من بعده.
“الإيمان يمان والحكمة يمانية”: عنوان الهوية وتوصيف نبوي خالد
في حديث متواتر، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): “الإيمان يمان والحكمة يمانية”، وهي شهادة نبوية عظيمة لشعبٍ بعينه.
هذا الحديث يكشف أن البأس الذي تحدثت عنه الآية لم يكن محصوراً في القوة المادية أو القتالية فقط، بل كان ممزوجاً بالحكمة. وهو ما يجعل من الشعب اليمني أنموذجاً فريداً يجمع بين الشجاعة والبصيرة.
وبإجماع العلماء فإن هذا الحديث دلالة على أن أهل اليمن يتميزون بإيمان راسخ وحكمة راجحة، كما أنه يحمل في طياته تهيئة نفسية وروحية لأدوار قادمة سيكون لأهل اليمن فيها شأن كبير في نصرة الدين والحق وأهل البيت.
حين وصفهم النبي صلوات الله عليه وآله : “الإيمان يمان”، لم يقل: “البأس يمان” رغم ورود ذلك في القرآن، وذلك لحكمة عميقة ’’الإيمان البأس’’ هو الجوهر والأساس هو الأداة التنفيذية يربط اليمنيين بالرسالة الإلهية، يربطهم بمواجهة أعداء الحق ، ويدل على سلامة القلب والبصيرة ويدل على شجاعة الجسد والموقف
ولذلك أراد النبي صلوات الله عليه وآله أن يبيّن أن قوة اليمنيين ليست فقط جسدية، بل روحية، وأن بأسهم ليس مجرد عنف، بل نابع من إيمان وحكمة، وهي أعلى مراتب القوة.
ولاية الإمام علي (عليه السلام) وتجليات البأس في اليمن
من أبرز تجليات الآية الكريمة وحديث النبي صلوات الله عليه وآله ، هو موقف اليمنيين من الإمام علي عليه السلام. فقد كان لهم قصب السبق في ولايته، وأظهروا محبةً واتباعًا مخلصًا له، منذ أن بعثه النبي إليهم داعية ومُعلِّمًا وحاكمًا.
وقد تجلّى هذا “البأس” بشكل بالغ الدلالة عندما ارتبط بالولاء للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، حيث تحوّل إلى بأسٍ في نصرة الحق، والثبات العقائدي، والاستعداد للتضحية في سبيل المبادئ الإلهية.
ومع أن كثيرًا من القبائل العربية الأخرى كانت لا تزال تعاني من بقايا الجاهلية والتحفظات القبلية، فإن اليمنيين سلّموا القيادة للإمام علي دون تردد، باعتباره وصي رسول الله صلوات الله عليه وآله. وباب مدينة علمه ، وسيف الله وسيف رسوله صلوات الله عليه وآله،
وهذه الولاية لم تكن شعارًا، بل موقفًا سياسيًا وعقائديًا مستمرًا، حيث ظل اليمن على مدى العصور معقلًا لمحبي وموالي أهل البيت، وظهر فيهم أعلام الهدى من آل بيت رسول من الزيدية وأنصار الثورة المحمدية في وجه الطغيان.
مما قاله الإمام عليه عليه السلام في أهل اليمن : (أما اليمن، فإنهم أبعد العرب دارًا، وأشدهم في الحرب بأسًا، ولهم في الإسلام سابقة وبلاغ) ، (نهج البلاغة – من خطبه السياسية بعد التحكيم)
نصرة أعلام الهدى من آل البيت في اليمن
لا يمكن الحديث عن البأس اليماني دون الإشارة إلى الدور الذي لعبه اليمنيون في نصرة أعلام الهدى من آل بيت رسول الله. فقد كانت اليمن ولا تزال مأوى لأحفاد النبي صلوات الله عليه وآله، واحتضنت دعواتهم، وساندتهم في الملمات.
من أبرز تلك المواقف:
احتضانهم للدعوة الزيدية، التي أسسها الإمام زيد بن علي (عليه السلام)، حفيد الإمام الحسين، بعد ثورته على الحكم الأموي الظالم، حيث قال عنهم سلام الله عليه : (خذلتني الكوفة، ولكن لي في اليمن أنصارًا لو بلغهم أمري لجاؤوني أفواجًا).
وفي دعم الأئمة لاحقًا كانت اليمن من أبرز مناصري الإمام الحسن والإمام الحسين، ووصلت الأخبار إلى اليمن عن كربلاء فأعلنت قبائل كثيرة ولاءها لخط آل البيت.
الإمام القاسم الرسي والإمام الهادي: شكّلا معالم المدرسة الزيدية في اليمن، المؤمنة بوجوب الإمامة في آل البيت.
دورهم في الثورة على الطغاة، عبر العصور، وتمسكهم بخيار المقاومة، لا سيما في العصر الحديث، حين رفعوا راية “الصرخة” في وجه الهيمنة، مستلهمين من مبدأ “نحن أولو قوة وأولو بأس شديد”، بُعدًا تحرريًا عقائديًا في مقاومة المستكبرين.
كيف اجتمع الإيمان والبأس في اليمنيين؟
اليمن دخلت الإسلام بالإقناع والحجة، لا بالسيف بعد أن أوفد إليهم النبي (صلوات الله عليه وآله) الإمام علي (عليه السلام ) فأسلمت القبائل، وولّوه عليهم، وهذا يدل على نضج روحي وسلوكي
دفاعهم عن الإمام علي عليه والسلام أولاً فكانوا القادة والجند المحبين في ولائهم وتضحياتهم وعلى رأسهم مالك الأشتر ، وآل البيت ثانياً خاصة الزيدية الذين التحقوا بركب الإمام زيد عليه السلام ودافعوا عن الحق في وجه بني أمية والعباسيين ومما قاله فيهم الإمام زيد بن علي عليه السلام : “في أهل الكوفة خذلان، وفي أهل اليمن رجاء”.
ما يزال اليمنيون حديثاً يقدمون نموذجًا يجمع بين الإيمان العقائدي والبأس المقاوم رفعوا شعار “هيهات منا الذلة”، وساروا على خطى مدرسة كربلاء
خاتمة: البأس اليماني… من القرآن إلى الميدان
إن “البأس اليماني” آية في آية قرآنية ، ومنظومة متكاملة من الشجاعة، والعقيدة، والحكمة، ظهرت في مواقف تاريخية وميدانية متكررة. وإنه ليس غريبًا أن تكون اليمن اليوم جزءًا من معادلة الصراع العالمي بين محور الحق ومحور الباطل، فالمشروع القرآني في اليمن يستند إلى إرث طويل من “البأس الشديد”، الذي وُصف به أسلافهم، و”الإيمان اليماني” الذي شهد له النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن خلال مواقف اليمن واليمنيين قديماً وحديثاً، أثبتت أنها ليست فقط أرضًا لأولو البأسٍ الشديد، بل أرضًا لأولو الوفاءٍ الشديد لأعلام الهدى من آل بيت رسول الله صلوات الله عليه وآله .