قال الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون، اليوم الثلاثاء في خطاب تحت قبة البرلمان المغربي، إنه ممتن للمغاربة الذين ساهموا في تحرير فرنسا من الاستعمار وشاركوا في « حيوية فرنسا في هذا القرن ».

وقال ماكرون، « منذ سنة 1955 بدأ عهد جديد، وأبعد المغرب وفرنسا عن شعبيهما حرب السنوات العشر، مما سمح للبلدين بتجاوز الجراح التي تعود إلى الفترة الاستعمارية »، مشيرا غلى أنه « عندما تعود فرنسا إلى ماضي العلاقات مع المملكة في الثمانينات تشعر بالامتنان ».

وأضاف ماكرون، « نحن ممتنون لكل الرجال الذين جاؤوا من المغرب إلى فرنسا لتحريرها، حيث كل قوات فرنسا الحرة انتظمت في كل مكان، دفع المواطنون المغاربة دمائهم من أجل حريتنا ».

وقال ماكرون أيضا، « كانت هناك حروبا، لكن أيضا فترة للقوى الحية من أجل السلام، حيث عشرات الآلاف من المغاربة ساهموا بعد الحرب في بناء فرنسا، وفي تكثيف نشاطها الصناعي، ومدننا شاهدة على ذلك ».

وتحدث الرئيس الفرنسي عن الجالية المغربية في بلاده، وقال، « جالية مغربية تعيش في المدن الفرنسية، وتشارك في حيوية فرنسا في هذا القرن، العديد من المنتخبين ورواد الأعمال والرياضيين والفنانين، من خلال قيمهم الروحية يمثلون ما قدمه المغرب لفرنسا حتى تصبح على ما هي عليه اليوم ».

كلمات دلالية ماكرون، البرلمان، المغرب وفرنسا

المصدر: اليوم 24

إقرأ أيضاً:

عن الذين تزبَّبُوا قبل أن يتَحصرَموا.. مأساةُ العقول التي نضجت في الوهم

في عالمٍ تتسارع فيه المعلومة، وتُقاس فيه الحكمة بعدد الإعجابات، وتُمنح فيه صكوك الاجتهاد قبل اكتمال أدوات الفهم؛ تبرز ظاهرةٌ فكريةٌ أشد خطرا من الجهل ذاته، وهي ظاهرة التزبّب قبل التحصْرُم؛ تلك الحالة التي يظنّ فيها الإنسان أنه بلغ النضج العقلي والفكري والمعرفي، بينما لم يغادر طور الطّيش المعرفي وبرزخ التّكوين الأوليّ.

و"التّحصْرُم" في جوهره لحظة فاصلة من النّضج، يُفترق فيها بين الطعم الصادق والطَعم المُتوهَّم، بين البدايات التي تبشّر والنهايات التي تُثمر، بين بواكير الغلّة ونضج قطافها، فمن تزبّب (من الزبيب) قبل أن يتحصْرِم إنما قفز فوق الزمن، ونَصّب نفسه شيخا قبل أن يُجرّب، ومجتهدا قبل أن يتعلّم، وناقدا قبل أن يتقن، ومُفتِيا قبل أن يُحصّل، ومفكّرا قبل أن يُبنى. وهي أزمة ذات طابع مزدوج؛ معرفيّ وأخلاقيّ، لأنّها تعبّر عن نقصٍ في البناء واختلال في الشعور بذات النفس وموقعها من مدارج الوعي ومسالك التكوين.

من تزبّب قبل أن يتحصْرِم إنما قفز فوق الزمن، ونَصّب نفسه شيخا قبل أن يُجرّب، ومجتهدا قبل أن يتعلّم، وناقدا قبل أن يتقن، ومُفتِيا قبل أن يُحصّل، ومفكّرا قبل أن يُبنى. وهي أزمة ذات طابع مزدوج؛ معرفيّ وأخلاقيّ، لأنّها تعبّر عن نقصٍ في البناء واختلال في الشعور بذات النفس وموقعها من مدارج الوعي ومسالك التكوين
من تجلّيات هذه العاهة الفكرية أن ترى من غاص في كتب التراث بوصفها أضرحة مغلقة يُقدَّس فيها القول لذاته، ويُحتفى بالمتون دون فقه السياقات، فتراه يغرق كما يغرق الطفل في بئرٍ بلا سلّم، يتشبّث بنصوص الماضي كأنها هواء النجاة، وليس هدفه البناء عليها بل أن يُقيم بها جدارا يحجزه عن كلّ جديد؛ فإذا التجديد عنده ضربٌ من الخيانة، والمعاصرة شكلٌ من التمرّد، والاجتهاد مزلقٌ إلى الانحلال، وكلّ ذلك ليس عن تأنّ أو تحفّظ بل لأنه استُدرج إلى فتنة النقل دون أدوات التفكيك، واغترّ بجمال العبارة دون تمحيص المقصد، فغابت عنه تحوّلات الزمان، وتغيّرت عليه خرائط المكان، وظنّ أن ما قيل بالأمس كُتب للخلود المطلق، وغفل عن المراجعة والتفعيل والامتداد؛ فراح يشهر سيف الجمود في وجوه المجتهدين، متّهما إيّاهم بالتهوّر والتّمييع؛ لأنه تزبّب قبل أن يتحصرم.

وفي الجهة المقابلة من الطيف ذاته، يلوح وجه آخر لنفس المرض، وجهٌ يلبس قناع الحداثة ويختبئ خلف شعارات النقد؛ ذاك الذي قرأ طائفة من كتب الفكر المعاصر؛ فاكتفى ببعض من لغتها الثائرة، واستراح إلى خطابها المعترض، وظنّ أنه قد بلغ من العمق مبلغا يُمكّنه من تقويض البناء كله؛ فاندفع يهدم التراث ويدكّه على رؤوس أهله، ويرفع راية "التحرر" على أطلال المكتبات، ولم يدرك أنّ ما بين النّقد والهدم بَوْنا شاسعا، وأنّ التغيير لا يبدأ من المحو، بل من الاستيعاب والتمحيص، متوهّما أنّ كلّ قديم رجعي، وكلّ أصيل استبدادي، وكلّ نصّ تقليديّ هو مجرّد خطاب هيمنة مقنّع؛ وما ذلك إلا لأنه تزبّب قبل أن يتحصرم، فحسب نفسه معولا للإصلاح، وهو في جوهره مطرقة جهلٍ تضرب في جدار الذاكرة، وتشقّ في جذر الحضارة شقوقا لا ترأبها الكلمات المنمّقة.

وقد ترى من انغمس في عوالم الكتب المترجَمَة، ينهل من ظاهرها دون أن يتبيّن جذورها الفلسفية أو سياقاتها الحضارية، فإذا هو يندفع في هجاء المسلمين وتحقير تراثهم، ساخطا على العاملين في الحقل الإسلامي الشّرعي والفكري والسياسيّ، مستخفّا بتجاربهم، متّهما الأمة كلّها بالتخلّف المعرفي والضحالة الفكرية، ولم يُدرِك أنّ المعرفة المجلوبة من غير بيئتها إن لم تُهضَم وتُعاد صياغتها في ضوء الذات؛ تحوّلت إلى أداة اغترابٍ وقطيعةٍ لا نقدٍ وإصلاح، لكنه لم ينتبه لذلك، لأنه تزبّب قبل أن يتحصرم.

ويُجمع إليه من يقرأ آية في كتاب الله تعالى، وحديثا في سنّة نبيّه صلى الله عليه وسلّم، ثم يتوهم وجود التناقض بينهما، فينقضّ على الشريعة طعنا وتجريحا، وهو لم يذق بعدُ شيئا من علوم الأصول، ولم يدرس مقاصد الشريعة، ولم يعرف ترتيب الأدلة أو أنواع النسخ أو علل الاختلاف، يحكم على الشريعة من زاويةٍ ضيقة، فيقع في أعظم المفارقات؛ أن يتهم الكمال بالنقصان، والإحكام بالتناقض؛ وما فعل ذلك إلا لأنه تزبّب قبل أن يتحصرم.

وأخطرهم جميعا؛ من تضخّم ظلّه الرقمي بازدياد المتابعين، فتوهم أن صداه الافتراضي صدى للمعرفة الإلهية في الأرض، فكلما ارتفعت مؤشرات الإعجاب، ارتفع صوته في كل ميدان، من الدّين إلى السياسة، ومن العلم إلى الفن، يفتي بجهل، ويناقش بغرور، ويهدم بجهالة، مهاجما العلماء والمفكرين كأنه فوقهم مقاما، وما هو في الحقيقة إلا تلميذ في أول الصف، أُغري بالوهج لا بالجوهر، ولم يدفعه لذلك إلا أنه تزبّب قبل أن يتحصرم.

لقد انفتحت أبواب التّعبير بلا أبواب تكوين، وصار من السهل أن يصبح الإنسان محللا سياسيا بعد دورة، أو مفتِيا شرعيا بعد فيديو، أو ناقدا حضاريا بعد مقال؛ دون أن يمرّ بمراحل الشكّ المنهجي، والتربية المعرفية، وتمارين الإحاطة والتواضع، وهو ما يجعلنا في حضرة جيلٍ تحوّلت فيه المنصّات إلى منابر، والمشاهدات إلى شهادات، والإعجابات إلى إجازات!

أخطر ما في التزبّب المبكّر أنه يقطع الطّريق على التَّحصرم نفسه، أي على النضج الطبيعي، والتكوين التدريجي، لأن صاحبه لا يعود يسأل، ولا يبحث، ولا يشكّ، ولا يُراجع
إن أخطر ما في التزبّب المبكّر أنه يقطع الطّريق على التَّحصرم نفسه، أي على النضج الطبيعي، والتكوين التدريجي، لأن صاحبه لا يعود يسأل، ولا يبحث، ولا يشكّ، ولا يُراجع، وقد قال عمرو بن قيس الملائي: "إذا رأيت الشّاب أول ما ينشأ مع أهل السّنة والجماعة فارجُه -أي: ارجُ خيره- وإذا رأيته مع أهل البدع فايئس منه، فإن الشاب على أول نشوئه". فكيف بمن لم ينشأ أصلا بل تخيلَ وتوهّمَ أنه نشأ؟!

الحكمة لا تُؤتى دفعة، والمعرفة لا تُرتَقى قفزا، وكلّ من استعجل النضج فقد استعجل الزلل، ومن مظاهر التكوين: التواضع للعلم، وثنيُ الركب، والوعي بحدود الذات، والشكّ المنهجي، والاعتراف بالجهل بوصفه أول مراتب الفهم، ومن غفل عن هذه السُّنن، ظنّ أن التزبّب نضج، ولم يدرك أنه مجرد تجفّف وهميّ قبل اكتمال الغَلّة.

وفي نهاية هذا المسار المتعرّج بين وهم النّضج وسراب الفهم، تتكشّف الحقيقة الجارحة؛ ليس كلّ من قرأ أفلح، ولا كلّ من نطق فهِم، ولا كلّ من ظهر على المنصّات صار أهلا للمنبر؛ فثمة بَونٌ شاسعٌ بين من تمرّس بالحكمة صبرا، وتقلّب على جمر المعنى مرابطة، وتشمّس في مدارج المعاناة حتى تَلوَّنَتْ ثمارُه بصدق التجربة وبين من قفز فوق مراحل التكوين، وتوهّم أن التزبّب صورة النضج، وأنّ الجفاف ضربٌ من الاكتمال.

إنّ النضج الحقيقي لا يُستعار من كتب، ولا يُستخرج من ضجيج الجمهور، ولا يُكتسب بمجرّد الترداد المعرفي، بل يُنتزع انتزاعا من رحم الصمت الطويل، ومن مساءلات الذّات التي لا ترحم، ومن انكسارات اليقين التي تفضح الغرور، ومن الخضوع العميق للحقيقة حين تعاكس الهوى وتحرج الرغبة.

إنه ثمرةُ طلبٍ شاقٍّ للعلم على منهاجٍ صارمٍ لا يُراوغ، وبناء فكريّ تراكميّ لا يخضع للاستعراض ولا يستعجل الثمرة، يتشكّل طبقة فوق طبقة، وحقيقة فوق حقيقة، ليس على نحوٍ مشوّه ومبتور، بل في صيرورةٍ واعيةٍ تصهر الإنسان في أتون التكوين، وتطهّره من وهم الاكتمال، حتى يصير للمعرفة لحمٌ ودم، وللحكمة جذورٌ وسند.

ومن لم يمرّ بمرارة التحصْرُم، ولم تزعجه حرارة شمس البدايات، لن يتذوّق لذّة النضج؛ فأولئك الذين استعجلوا التزبّب قبل أوانه؛ جَفّوا على الأغصان كما تجفّ الأوراق التي خانها الربيع.

x.com/muhammadkhm

مقالات مشابهة

  • عن الذين تزبَّبُوا قبل أن يتَحصرَموا.. مأساةُ العقول التي نضجت في الوهم
  • مشادة كلامية بين الرئيس ونائبه ترفع جلسة البرلمان
  • الرئيس السيسي: الحرب في غزة تجاوز تحرير الرهائن إلى تجويع الفلسطينيين وتصفية القضية
  • روسيا تعلّق على زيارة مرتقبة لمبعوث الرئيس الأميركي
  • من الاستعمار والصراعات القبلية إلى غزّة.. تاريخ التجويع كسلاح حرب
  • ماكرون يمنح بائع صحف باكستانيا وسام الاستحقاق الفرنسي
  • الخارجية: زيارة مايك جونسون إلى مستوطنة "أريئيل" انتهاك للقانون الدولي
  • آلاف المغاربة يتظاهرون بميناء طنجة ضد رسو سفن عسكرية متجهة للاحتلال (شاهد)
  • آلاف المغاربة يتظاهرون في طنجة رفضا للتجويع الإسرائيلي بغزة
  • الرئيس البرازيلي مستعد لمحادثات تجارية مع أميركا