سودانايل:
2025-12-12@14:32:20 GMT

حرب السودان إلى أين؟ (٣)

تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT

أبان مخاطبة رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك جموع السودانيين في شتم هاوس بلندن مؤخرا وفي اطار جهود تنسيقية تقدم الحميدة وسعيها الحثيث لوقف الحرب وادخال المساعدات الإنسانية إلي المتضررين من الحرب في السودان ، كان قد استعار في إحدى ردوده مقولة د. منصور خالد الشهيرة "النخبة السودانية وإدمان للفشل".

رغم انني ،وربما العديد من الناس غيري، قد فهموا ضيق السيد حمدوك بانقسامات المتعلمين السودانيين وعدم توحدهم في مواجهة الحرب في السودان بكل شرورها المستطيرة، إلا انني انزعجت من التعبير اذ بدأ لي وكأنه يستخدم أدوات شعبوية popularism هي الاقرب لافكار مجتمعات الهوية والنخبة التي إرتبطت بها من اخوان مسلمين وشيوعيين ممن ظلوا يسخرون بإستمرار من النخب والصفوة تزلفا إلي القطيع.
فشل الحداثة الاولي التي دخلت السودان علي شكل يسار شمولي ماركسي وقومي عروبي كانت تقوم علي فلسفة الهوية لكنها لم تتمكن من مجاراة الإسلام السياسي الذي إتضح انه كان الحصان الرابح في هذا المضمار ليس في السودان وحده، بل في كل المنطقة،
وإرتباط فلسفات الهوية بالحداثة كانت قد بدأت بظهورها وكانها هي النموذج أو البارادايم paradigm السائد بعد أن استفادت جدا من انجازات العلم الطبيعي وصيرورته وصعوده مما جعله النموذج الكاسح والمثال الذي يجب الاقتداء به في المعرفة الإنسانية. لم تتردد الماركسية مثلا في التشبه بالعلم الطبيعي وإعتلاء صهوته والاختباء داخل قلعته بعد أن اصبحت محصنة باليقين. ولذلك فإن فلسفات الهوية تقوم علي ظاهرة سيطرة العلم الطبيعي علي موضوعه وعلي دقته المتناهية وعلي إنجازاته كذلك . ولفرنسيس بيكون مقولة شهيرة في هذا الشأن مفادها انه لابد من معرفة الطبيعة تمهيدا للسيطرة عليها. وهو ما استلفته الماركسية منه لاحقا بقولها ان "الحرية هي معرفة الضرورة". مفهوم الحرية اذن في الماركسية مفهوم فوق انه غير دقيق، فهو كذلك يعد مفهوم " غير أصيل" اذ كان قد صكه رائد العلم الطبيعي فرنسيس بيكون في بدايات تطور العلم في القرن السابع عشر.
واذا كان للإسلام السياسي ادعاءات اخلاقية كبيرة بزعم انه يمثل ما أجمعت عليه "المدونة الإسلامية"، فكذلك للشيوعيين ادعاءاتهم ، بيد إنها إدعاءات علمية تشبها بالعلوم الطبيعية. وربما يكون ذلك هو ما اغراها بسرقة انجازات العلوم الطبيعية وما كان قد نسبه فرنسيس بيكون للعلم الطبيعي ، بأن تنسبه الي نظريتها في المعرفة. وهذا ببساطة أرجو أن تكون غير مخلة، يشير بوضوح إلى المشروعية التي تحاول الفلسفة الماركسية أن تستمدها من العلم في تبريرها لمحاولات سيطرتها علي العالم وحشد الناس والطبيعة والمعرفة لانجاز اهداف التاريخ المزعومة.، إذ يبدو انها مشروعية زائفة كما نري.

للمفكر ثيودور ادورنو مساهمة قيمة حول " ديالكتيك الانوار " كان قد حاول فيها الإجابة علي التساؤل المهم: لماذا وصل جدل التنوير إلي طريق مسدود ؟
مدرسة فرانكفورت ميزتها إنها اشتغلت علي الجانب الهيجيلي من الماركسية بعد أن أدركت مدى خطورة فلسفات الهوية ومجتمعاتها، ومن المفارقات إن هذه الفلسفة لا تتردد في التضحية بالانسان من أجل الإنسان ! ولنا امثلة حية فيما حدث في عالمنا المعاصر علي أيام الثورة الثقافية في الصين وفي تجربة الخمير الحمر في كمبوديا وفي ملايين الضحايا داخل ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي، اضافة طبعا لما شهدناه في السودان من مجازر وتدمير تعاظمت وتائرها منذ استيلاء الجبهة القومية علي السلطة وحتي اليوم. ولقد كانت لجرائم النازية في المانيا ابلغ الأثر علي رواد مدرسة فرانكفورت لان اغلبهم كان من الطائفة اليهودية. وقد كان الالمانى يورغن هابرماس آخر فلاسفة هذه المدرسة، هو من بدأ يتجه باليسار إلي رحاب الديمقراطية بمعالجة أخطاء هيجيل وفلسفته التوليتارية وكان كتابه الشهير الذي صدر في ستينات القرن الماضي
The Structural Transformation of the Public Sphere
كان يمثل بدايته في السير في الإتجاه الصحيح ، وهو عبارة عن دراسة نقدية حول كيفية تشكل الرأي العام حيث حصر الدياكتيك أو الجدل في حيزه " الكانطي " المتواضع حتي لايتم تخريب المعرفة كما فعل معها جورج هيجيل بادعاءت " معرفة الشئ في ذاته" أو بعبارة أخري ادعاءات أن ما بالاذهان يقابل لما في الاعيان. واستفاد هابرماس في رحلته الفكرية من الانعطاف اللغوي linguistic turn
الذي بدأ تقريبا مع دي سوسير ثم جورج هربرت ميد بدايات القرن العشرين. بعد ان استطاع الأول ان يوضح في كتابه الشهير " علم اللغة العام" أن اللفظ أو الكلمة او الدال ليس له ارتباط مباشر بالمدلول بل إن له ابعاد أخري نفسية لاشعورية قوية مؤكدا بذلك استقلال الثقافة عن بناءات كارل ماركس الذي كان قد جعل الثقافة مجرد بناء فوقي تابع للبناء التحتي المرتبط بقوي الانتاج وعلاقات الإنتاج.
إن أهم ما حدث من تطور في الفكر الإنساني المعاصر هو تأكيد ضرورة صيانة الحريات العامة المنصوص عليها في المواثيق الدولية لأن المعرفة تتأسس علي العلاقة بين الناس وليس بين الذات وموضوعها في العالم المحيط بها، وعلى والحوار والمحاججة مع أجل التوصل إلي اجماع هو الاقرب إلي معرفة " الموضوع " المراد معرفته سواء اكان ذلك في العلوم الطبيعية أو الإنسانية، وذلك بدلا عن زعم ان ما بالاذهان يقابل ما بالأعيان، لأنها مسلمات بالية لا تقود إلي معرفة او الي تتطور والى تفتح ونمو.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان کان قد

إقرأ أيضاً:

نقيب العلاج الطبيعي: إلغاء عمل 31 دخيلا بمستشفيات جامعة عين شمس قريبا

أكد الدكتور سامي سعد، النقيب العام للعلاج الطبيعي، أن النقابة تواصل جهودها لحماية المهنة وضمان تقديم خدمات علاج طبيعي متخصصة داخل جميع المستشفيات الجامعية، مشيرا إلى أن اجتماعا موسعا عقد أمس مع الجهات المختصة أسفر عن توصيات هامة لصالح المهنة.

وأوضح النقيب أن التوصية الرئيسية تقضي بتعيين خريجي العلاج الطبيعي تكليفا مباشرا فى 142 مستشفى جامعي على مستوى الجمهورية، خاصة تلك المستشفيات التى تعانى من نقص أخصائى العلاج الطبيعي، مؤكدا أن بعض المستشفيات رصيدها من الأخصائيين "صفر".

وأشار سامي سعد إلى أن هذه الخطوة تأتي تأكيدا على أن تقديم الخدمة العلاجية يجب أن يكون على يد متخصصين مؤهلين، بما يعزز جودة الرعاية الصحية ويحمي حقوق المرضى.

وأضاف النقيب أن قريبا سيتم إلغاء عمل 31 دخيلا من خريجي التربية الرياضية الذين كانوا يمارسون العمل داخل مستشفيات جامعة عين شمس، مشيرا إلى أن هذه الخطوة تمثل انتصارا كبيرا للمهنة بعد فترة من الجهود المستمرة لمواجهة التعديات وحماية حقوق أخصائيي العلاج الطبيعي.

وأكد على أن النقابة ستواصل متابعة ملف التكليف، والعمل على دعم أعضائها في جميع المستشفيات والجهات الصحية، مشددا على أن حماية المهنة ومكتسبات أعضائها هي أولوية قصوى، وأن النقابة لن تتوانى عن اتخاذ كل الإجراءات التى تضمن ممارسة المهنة بشكل قانونى وآمن.

طباعة شارك الدكتور سامي سعد النقيب العام للعلاج الطبيعي المستشفيات الجامعية خريجي العلاج الطبيعي خريجي التربية الرياضية مستشفيات جامعة عين شمس العلاج الطبيعي أخصائيي العلاج الطبيعي ملف التكليف التكليف

مقالات مشابهة

  • نقيب العلاج الطبيعي: إلغاء عمل 31 دخيلا بمستشفيات جامعة عين شمس قريبا
  • الأرشيف والمكتبة الوطنية يستعرض رؤى وطموحات الهوية الوطنية
  • مؤتمر الترجمة الدولي يجسد التواصل الحضاري واستدامة الهوية والثقافة
  • جامعة الإسكندرية تنظّم فعاليات مميزة ضمن دورة "الهوية الدينية وقضايا الشباب" بكلية التمريض
  • التراث العربي: إدراج الكشري في قائمة اليونسكو خطوة مبهجة تعزز الهوية الثقافية المصرية
  • نهيان بن مبارك: «شتاء صندوق الوطن» نافذة للإبداع وتنمية المواهب وتعزيز قيم الهوية
  • فعاليات متنوعة لترسيخ الهوية الثقافية ضمن احتفال جامعة صحار بـ"اليوم العالمي للغة العربية"
  • هل هناك فرق بين العراف والكاهن
  • ثلاثة أسباب وراء توسع تزوير قيود الجنسية… وتحذيرات من خطر يمس الهوية الوطنية
  • خطوات الاستعلام عن تقارير الهوية الرقمية عبر منصة أبشر