حزب الأمة القومي، أحد أبرز الأحزاب السياسية في السودان، يمر بأزمة متعددة الأوجه نتيجة التعقيدات الداخلية والصراعات على مستوى القيادة في ظل المشهد السوداني الحالي. هذه التعقيدات تتجلى بشكل خاص بعد وفاة الإمام الصادق المهدي، زعيم الحزب السابق، حيث ظهرت اختلافات حادة بين أبنائه وقيادات الحزب، مما يعكس تحديات بنيوية تحول دون استقرار الحزب وتوحد رؤاه حول المستقبل السياسي للسودان.


أولاً واقول الصراع على القيادة والرؤية داخل حزب الأمة
بعد رحيل الإمام الصادق المهدي، نشأ فراغ قيادي داخل الحزب، وبدأ يظهر جليًا التباين بين أبناء الإمام والقيادات الحزبية الأخرى في توجهاتهم السياسية. ويقود هذا التباين حاليًا:
عبد الرحمن الصادق المهدي - الابن الأكبر للإمام عبد الرحمن، المعروف بدوره كمساعد سابق للرئيس السابق عمر البشير، تبنى خلال السنوات الماضية توجهات تصالحية، ورغم ارتباطه بحزب الأمة، إلا أن مواقفه العملية تميل أحيانًا نحو الوسطية والتقارب مع العسكريين. تصريحات عبد الرحمن الأخيرة تعبّر عن رغبة في لعب دور وسيط ومؤثر يحاول التقريب بين الجيش والكيانات المدنية، مما يخلق حالة من الحيرة لدى مناصري الحزب حول توجهاته الحقيقية تجاه التحول الديمقراطي.
الصديق الصادق المهدي - الأخ غير الشقيق وقيادي في حزب "تقدم": الصديق يختلف في رؤيته وأسلوبه عن أخيه عبد الرحمن. حيث اتجه للعمل في إطار مستقل من خلال تأسيس حزب "تقدم"، وهو حزب ينادي بمدنية الدولة والابتعاد عن أي نوع من التحالفات مع الجيش. يُعد الصديق من القيادات التي ترغب في قطع علاقة الحزب بالجيش والبحث عن نموذج سياسي حديث يركز على الديمقراطية وحقوق الشعب السوداني. وتباعد رؤيته عن حزب الأمة الأم يشير إلى رغبة في تكوين حركة شبابية جديدة قادرة على التغيير بعيدًا عن الإرث التقليدي للأنصار.
الأنساب والقيادات الأخرى الداعمة لحزب "تقدم" عن بُعد: دعم بعض الأنساب لحزب "تقدم" يعطي إشارة واضحة إلى تعمق الانقسامات الأسرية داخل أسرة الإمام الصادق المهدي، حيث أن هؤلاء الأنساب يرون في حزب "تقدم" حركة بديلة تجسد تطلعات جديدة وأفكارًا تقدمية بعيدًا عن الانغلاق التقليدي لحزب الأمة. دعم هؤلاء لحزب "تقدم" من بعيد يعكس رغبتهم في الدفع بتغيير سياسي جوهري، إلا أن هذا الدعم عن بعد أيضًا يثير تساؤلات حول إمكانية استقرار هذا الحزب الجديد ونجاحه في ملء الفراغ الذي يعجز حزب الأمة عن ملئه بسبب صراعاته الداخلية.
ثانيًا التحديات السياسية لحزب الأمة في ظل الأزمة السودانية الحالية
التنافس على القاعدة الشعبية: يواجه حزب الأمة تحديًا في الحفاظ على قاعدته الشعبية، خاصةً وأن الصراعات العائلية والسياسية أضعفت قدرته على جذب المؤيدين، في حين تستغل أحزاب أخرى مثل "تقدم" والانشقاقات الجديدة المناخ السياسي الحالي لاستقطاب الشباب والشرائح التي فقدت الثقة في الحزب.
التوجهات المتناقضة حيال الجيش: أحد أهم القضايا التي تسببت في الخلاف الداخلي داخل الحزب هو الموقف من الجيش. إذ أن هناك جناحًا داخل الحزب، يمثله عبد الرحمن الصادق المهدي، يدعو للتقارب مع الجيش حفاظًا على الاستقرار ودرءًا للفوضى. بينما يميل الجناح الآخر، ممثلًا في الصديق الصادق المهدي وقيادات "تقدم"، إلى اتخاذ موقف حازم ضد مشاركة الجيش في السلطة، ويدعون إلى حكم مدني ديمقراطي بحت. هذا التباين يؤدي إلى حالة من عدم الاتساق في خطاب الحزب ويضعف مصداقيته أمام الناخبين.
التحديات التنظيمية والبنيوية: إضافة إلى الصراعات القيادية، يواجه حزب الأمة مشاكل بنيوية، إذ يعاني من انقسامات داخلية وغياب رؤية واضحة لمستقبل الحزب في ظل هذا التشرذم. كذلك، تتسبب غياب هيكل تنظيمي قوي في عدم القدرة على تفعيل قرارات واضحة أو تنسيق الجهود بين القيادات المختلفة، مما يعزز من حالة الفوضى والتشرذم.
التأثير العائلي والتوريث السياسي: تعد النزاعات العائلية داخل عائلة الإمام الصادق المهدي تحديًا كبيرًا أمام تماسك الحزب. هذه النزاعات تجسد مخاطر "التوريث السياسي"، حيث أصبح الحزب رهينة لصراعات العائلة الممتدة. وهذا الوضع يُبعد قطاعات واسعة من السودانيين الذين يرون في الحزب ضرورة لتجاوز المصالح العائلية والتوجه نحو حلول وطنية.
ثالثًا مستقبل حزب الأمة في ظل الصراعات الداخلية
من الصعب أن يحقق حزب الأمة استقرارًا سياسيًا في ظل هذه الصراعات ما لم يتمكن من التوصل إلى رؤية مشتركة تجمع قياداته حول مواقف واضحة ومحددة. إن استمر هذا الانقسام بين أبناء الإمام والقيادات التقليدية، فإن الحزب قد يفقد المزيد من التأييد الشعبي، مما قد يمهّد الطريق لظهور حركات جديدة (مثل "تقدم") تستقطب هذه القاعدة المتزعزعة.
الوضع الحالي داخل حزب الأمة يعكس مأزقًا سياسيًا عميقًا يتمحور حول كيفية التوفيق بين الإرث التقليدي للجماعة الأنصارية وضرورة التحديث لتلبية تطلعات الشعب السوداني في الحكم المدني الديمقراطي. ما لم يتمكن الحزب من تجاوز الخلافات العائلية والسياسية وصياغة رؤية متسقة ومستدامة، فإنه قد يجد نفسه معزولًا في مواجهة أحزاب جديدة قادرة على تمثيل الجيل الجديد وتطلعاته
نحن إذن سنكون أمام حزب جديد في المرحلة المقبلة؛ يستفيد من تجارب المرحلة الماضية ويحدد رؤية جديدة للمستقبل على ضوء المعطيات والتطورات الجارية في السودان و سوف نري الكمثير من تحالفات جديدة القوي المدنية خلال الحرب وبعدها .

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الإمام الصادق المهدی عبد الرحمن حزب الأمة

إقرأ أيضاً:

ملفات إبستين تفجر عاصفة سياسية في واشنطن.. الكونجرس يتحرك لاستدعاء مسؤولين بارزين وعلى رأسهم كلينتون

في تطور جديد يعيد إلى الواجهة واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في الولايات المتحدة، تصاعد الجدل السياسي والإعلامي حول ملفات رجل الأعمال الراحل جيفري إبستين، المتهم بالاتجار الجنسي واستغلال القاصرات. صحيفة واشنطن بوست كشفت أن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب يواجه ضغوطًا متزايدة بعد قرار إدارته عدم الإفصاح عن وثائق مرتبطة بالقضية، في وقت بدأت فيه أصوات داخل الكونغرس تطالب بالتحقيق وكشف المستور.

تصويت غير مسبوق في الكونجرس.. استدعاء الإدارة والملفات

في خطوة تُعد الأولى من نوعها، صوتت لجنة فرعية في مجلس النواب الأمريكي لصالح استدعاء إدارة ترامب بهدف الحصول على ملفات مرتبطة بإبستين.

 المفارقة أن هذا التحرك لم يأت فقط من الديمقراطيين، بل حظي بدعم ثلاثة نواب جمهوريين أيضًا، ما يعكس اتساع رقعة الانقسام داخل الحزب الجمهوري.

النائب الديمقراطي سومر لي كان صاحب المبادرة، إلا أن التحرك أصبح رسميًا بعد دعمه من قبل بعض الجمهوريين، وبموجب لوائح المجلس، ينتظر الآن أن تصدر اللجنة الكاملة بقيادة الجمهوري جيمس كومر قرارات الاستدعاء خلال الأيام المقبلة.

شخصيات سياسية بارزة على قائمة التحقيقات

لم يتوقف الأمر عند استدعاء ملفات ترامب، بل صوتت اللجنة أيضًا على استدعاء جميع الاتصالات المتعلقة بإبستين بين إدارة الرئيس السابق جو بايدن ومسؤولين آخرين، بالإضافة إلى عدد كبير من الشخصيات البارزة من الإدارات الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة.

وتضم القائمة أسماء ثقيلة مثل الرئيس الأسبق بيل كلينتون وزوجته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، ومدراء مكتب التحقيقات الفيدرالي السابقين، إلى جانب وزراء عدل سابقين من إدارات مختلفة، بل حتى المدعي الخاص روبرت مولر.

شهادة ماكسويل المرتقبة.. محطة مفصلية

أصدر كومر، رئيس لجنة الرقابة، أمرًا باستدعاء جيسلين ماكسويل، الشريكة السابقة لإبستين والمدانة في قضايا جنسية، للإدلاء بشهادتها الشهر المقبل في جلسة استماع تعقد بولاية فلوريدا. شهادة ماكسويل قد تكون مفتاحًا لفك غموض ملفات إبستين، خاصة في ظل تسريبات بأن أسماءً من الوزن الثقيل قد ترد في تلك الوثائق.

انقسام جمهوري ورسائل الناخبين

واشنطن بوست رصدت انقسامًا آخذًا في التنامي داخل صفوف الجمهوريين، في وقت يستعد فيه النواب لقضاء عطلتهم البرلمانية التي تمتد لخمسة أسابيع، يستمعون خلالها إلى ناخبيهم الذين يبدون اهتمامًا كبيرًا بهذه القضية. ويبدو أن هناك مخاوف متزايدة لدى بعض الجمهوريين من أن تتوسع القضية لتشمل وجوهًا مؤثرة في الحزب.

ملفات إبستين.. عاصفة لم تهدأ

ما بين مطالبات بكشف المستور، واستدعاءات تطال رموزًا من مختلف الإدارات، يبدو أن قضية إبستين لم تُغلق بعد، بل تحولت إلى كرة نار تتدحرج في قلب المشهد السياسي الأمريكي. ومع تصدعات داخل الحزب الجمهوري وتنامي الضغوط الشعبية، قد تحمل الأسابيع القادمة تطورات مفصلية، ليس فقط في قضية إبستين، بل في مصير شخصيات كانت في قلب السلطة لعقود.

طباعة شارك الولايات المتحدة واشنطن ترامب الكونغرس دونالد ترامب إبستين

مقالات مشابهة

  • زمن خروج الإمام المهدي.. اعرف نسبه ووصفه وصفاته الشكلية والأخلاقية
  • شاهد بالفيديو.. الفنان أحمد الصادق يحظى بإستقبال أسطوري وغير مسبوق لحظة وصوله حفل زواج “البندول” بالقاهرة
  • حين يصبح العتاب جريمة.. حكاية طالب الطب والفعل الفاضح بأكتوبر
  • ناشطات وإعلاميات في حديث خاص لـ(الأسرة): الإمام زيد -عليه السلام-.. وعي وبصيرة وجهاد وثورة أوقدت ثورات
  • ملفات إبستين تفجر عاصفة سياسية في واشنطن.. الكونجرس يتحرك لاستدعاء مسؤولين بارزين وعلى رأسهم كلينتون
  • فتح الترشح لجائزة إثراء للفنون بالسعودية
  • 120 ساعة داخل الحبس .. حكاية هدير عبد الرازق من الشهرة لـ السور الحديد
  • لقاء علمائي بصعدة إحياء لذكرى استشهاد الإمام زيد
  • أمريكا.. تصريحات «ممداني» تفتح الباب للمتطرفين وحاكم بنسلفانيا يطالب بموقف صارم
  • أسمر من آل البيت ..علي جمعة يصف شكل وملامح وهيئة الإمام المهدي