العمال المغاربة الموسميون بأوروبا.. أحلام تقود لمتاهة الاتجار بالبشر
تاريخ النشر: 21st, November 2024 GMT
"كنت أفكر في العودة إلى العمل بإسبانيا من أجل قوت أولادي ولكن الظروف قاسية هناك، ولو كان زوجي يشتغل وذا إمكانيات لما وطأت قدماي تلك البلاد منذ المرة الأولى"، بهذه العبارة تحكي الأم المغربية الزهرة الفتوح، عن تجربتها كعاملة موسمية بإسبانيا خلال العام الماضي.
تعيش الزهرة (46 سنة) في دوار الدشريين ببلدية صدية بإقليم تطوان شمال المغرب (حوالي 270 كلم عن الرباط)، وتروي لموقع "الحرة" عن اضطرارها لقبول فرصة العمل الموسمية بمزارع إسبانية بعد أن فقدت الأمل في إيجاد مصدر دخل مستقر في بلدها، ووجدت نفسها أمام خيارات صعبة من أجل تأمين حياة أفضل لأبنائها.
بدأت رحلة الزهرة بالتسجيل لدى الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل (أنابيك) بمدينة فاس، وعند وصولها إلى الحقول الإسبانية وجدت نفسها في بيئة عمل قاسية، حيث كانت أيامها طويلة وشاقة، تبدأ قبل بزوغ الفجر ولا تنتهي إلا عند غروب الشمس.
تشير الزهرة وهي أم لثلاثة أبناء، إلى أنها تحملت أوضاعا قاسية أثناء فترة عملها (ثلاثة أشهر)، إذ كان عليها تسلق سلالم عالية وحمل أكياس وصناديق ثقيلة من البرتقال في ظروف تتسم بالإرهاق والخطر الجسدي. تقول الزهرة "انكسرت شوكة شجرة البرتقال في رأسي وبدأ الدم ينزف على وجهي، أذرفت الدموع وعانيت كثيرا".
Sorry, but your browser cannot support embedded video of this type, you can download this video to view it offline.
ورغم ذلك، ظلت تعمل الزهرة بصمت، متشبثة بحلم إعالة أسرتها في المغرب، لكن القصة لم تقتصر على العمل المضني، فقد واجهت معاملة تمييزية من المشرفين جعلت كل يوم عمل أشبه بمعركة جديدة من الإذلال والانتهاكات التي تحملتها بألم وحسرة مما جعل الغربة أكثر مرارة.
شهادة الزهرة تعكس واقعا مريرا يعيشه العديد من العمال الموسميين المغاربة في أوروبا، الذين يجدون أنفسهم عالقين بين أحلام تحسين المعيشة وكابوس الاستغلال الذي يصل إلى حد الاتجار بالبشر.
"وسطاء وشبكات غير قانونية"
وفي هذا السياق، أكد الفاعل الجمعوي المغربي بفرنسا، جمال بوسيف، عن "استمرار استغلال العمال المغاربة الموسميين في أوروبا خاصة في المناطق الفلاحية جنوب فرنسا وإسبانيا، إذ يتم استقدامهم عبر وسطاء وشبكات غير قانونية".
وقال بوسيف في حديث مع "الحرة" إن هؤلاء العمال يعيشون ظروفا قاسية ما يجعلهم عرضة للاستغلال والاتجار بالبشر، وهو ما تم توثيقه مؤخرا في قضية بمحكمة فرنسية أصدرت حكما ضد مغربي ونجله تورطا في استغلال عمال موسميين.
وأوضح بوسيف أن "استقدام العمال الموسميين في المناطق الفلاحية يتم غالبا عبر شبكات تستغل حاجة هؤلاء الأشخاص لتحسين أوضاعهم الاقتصادية، مقابل مبالغ مالية غير قانونية يدفعونها مسبقا".
وأضاف أن "العديد من هؤلاء العمال يصدمون عند وصولهم بالواقع المرير، حيث يجدون أنفسهم في بيئة عمل صعبة ومنافسة غير عادلة مع عمال محليين يتمتعون بامتيازات قانونية، مما يضع العمال المغاربة في ظروف عمل غير آدمية".
ودعا بوسيف لزيادة التوعية بين الشباب المغاربة عبر منصات التواصل الاجتماعي، لتجنب الوقوع ضحايا لهذه الشبكات، مؤكدا أن الحل يكمن في تمكين هؤلاء العمال من التواصل المباشر مع المشغلين دون وساطة، ما يضمن حصولهم على فرص عمل حقيقية وآمنة.
كما دعا الجهات المسؤولة في المغرب وأوروبا لاتخاذ إجراءات صارمة لحماية هؤلاء العمال من الاستغلال، سواء عبر تنظيم الحملات التوعوية أو توفير وسائل قانونية لاستقدام العمال.
"استغلال وتحرش جنسي"
وقال رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، عبد الإله الخضري، إن "استقدام العمال المغاربة الموسميين للعمل في الحقول الأوروبية يتم غالبا عبر وسطاء وسماسرة غير شرعيين ينشطون في المناطق النائية بالمغرب، حيث يستغلون هشاشة وظروف السكان الاقتصادية والاجتماعية، ويروجون لمعلومات مغلوطة حول ظروف العمل والأجور المرتفعة في الخارج، ويقومون بابتزاز النساء المرشحات للهجرة عن طريق طلب رشاوى للتسجيل في اللوائح أو حتى استغلالهن جنسيا قبل مغادرتهن البلاد.
وذكر الخضري في تصريح لـ"الحرة"، أن "انتشار شبكات الاتجار بالبشر يعود بالأساس إلى غياب وسطاء قانونيين ومؤسساتيين يعملون وفق إطار قانوني"، مضيفا أن "الطلب المرتفع على اليد العاملة الموسمية في دول مثل إسبانيا وفرنسا وإيطاليا خلق سوقا سوداء تزدهر فيها شبكات التهجير غير القانوني التي تمتلك قدرة الوصول إلى أبعد المناطق القروية، مستهدفة النساء اللاتي يعانين من الفقر أو المسؤوليات الأسرية الثقيلة، مما يدفعهن لقبول الهجرة رغم المخاطر".
Sorry, but your browser cannot support embedded video of this type, you can download this video to view it offline.
وبشأن ظروف العمل بالخارج، أوضح الخضري أن العمال المغاربة يعانون من أوضاع قاسية تشمل السكن غير اللائق، ساعات العمل الطويلة التي قد تتجاوز 12 ساعة يوميا، والأجور التي تحتجز أحيانا في حسابات بنكية أوروبية دون ضمان صرفها بالكامل، مشيرا إلى أن "العديد من العاملات يتعرضن للاستغلال والتحرش الجنسي خاصة في الحقول الزراعية البعيدة عن الرقابة القانونية أو الحضرية".
وشدد الناشط الحقوقي على أهمية وضع حلول جذرية لهذه المعضلة، بما في ذلك تحسين ظروف العمل بالمغرب للحد من الهجرة القسرية، وتوفير آليات مؤسساتية لمواكبة العمال الموسميين قبل وأثناء الهجرة، داعيا إلى تعزيز الإشراف القانوني على العقود ومراقبة ظروف العمل في الخارج وإنشاء مكاتب تابعة للمؤسسات المغربية في دول المهجر لضمان حماية حقوق العمال وحل أي نزاعات قد تواجههم.
"ظواهر مشابهة بالخليج"
ومن جانبها، أفادت نائبة رئيس المجلس الوطني لاندماج ومشاركة كفاءات مغاربة العالم، زينبة بن حمو، بأن مسألة العمال الموسميين المغاربة في أوروبا أصبحت معروفة بشكل واسع، خاصة في المجال الفلاحي في دول مثل إسبانيا وجنوب فرنسا، مشيرة إلى أن هذه الأخيرة أبرمت اتفاقيات رسمية كالاتفاقية التي تم توقيعها مع الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل في المغرب في أغسطس الماضي، لاستقدام 800 ألف عامل مغربي للعمل بعقود موسمية في القطاع الفلاحي.
وتابعت بن حمو حديثها لـ"الحرة"، بأن المغاربة كانوا من بين الأكثر استفادة من تصاريح العمل الموسمية بأوروبا خلال سنة 2023، حيث بلغ عدد التصاريح الممنوحة لهم 58 ألفا و547 تصريحا، مسجلة أن العقود الموسمية الرسمية تضمن حقوق الطرفين سواء العمال أو الجهة المشغلة، لكن بعض العمال لا يلتزمون بشروط هذه العقود، حيث يقوم البعض "بالحريك" أي البقاء في أوروبا بشكل غير قانوني بعد انتهاء مدة عملهم، مما يعرضهم لصعوبات قانونية ومطاردات أمنية.
واعتبرت بن حمو أن "المسؤولية تقع جزئيا على هؤلاء الأفراد الذين يدخلون أحيانا في اتفاقيات غير رسمية مع وسطاء غير قانونيين، ويدفعون مبالغ مالية مقابل وعود عمل لا تضمن حقوقهم، مما يفتح الباب أمام استغلالهم أو حتى الاتجار بهم".
وأوضحت المتحدثة أن الاتجار بالبشر لا يقتصر على العمال الموسميين في أوروبا فقط، بل يشمل أيضا ظواهر مشابهة في دول الخليج، حيث يتم استقدام شابات مغربيات للعمل تحت وعود زائفة، ليجدن أنفسهن في أعمال غير مشروعة وغير شريفة.
وشددت بن حمو على "ضرورة توعية العمال المغاربة بمخاطر الهجرة غير القانونية، وتشجيعهم على البحث عن فرص العمل عبر قنوات رسمية واتفاقيات دولية مضمونة".
"ارتفاع عدد المتابعات والإدانات"
ولمواجهة التحديات المرتبطة باستغلال العمال المغاربة الموسميين في أوروبا وظاهرة الاتجار بالبشر، تعمل السلطات المغربية على تعزيز جهودها لحماية مواطنيها داخل وخارج البلاد، إذ اعتمد المغرب قانون مكافحة الاتجار بالبشر عام 2016، كما أحدث اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر.
وعلى المستوى التنفيذي، سجلت المملكة خلال عام 2023 أكثر من 100 متابعة قضائية لجرائم مرتبطة بالاتجار بالبشر، إلى جانب إطلاق منصة رقمية "إبلاغ" للتبليغ عن الجرائم المتعلقة بهذا المجال.
ورغم هذه الجهود، أشار تقرير وزارة الخارجية الأميركية لعام 2024 إلى أن المغرب لا يزال في المستوى الثاني ضمن قائمة الدول التي تبذل جهودا دون أن تلتزم بالحد الأدنى في محاربة ظاهرة الاتجار بالبشر.
المصدر: الحرة
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: العمال الموسمیین العمال المغاربة الاتجار بالبشر هؤلاء العمال ظروف العمل فی أوروبا إلى أن فی دول
إقرأ أيضاً:
بليز ميتروويلي أول امرأة تقود جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني
بليز ميتروويلي ضابطة استخبارات بريطانية ولدت عام 1977 في لندن. استهلت مسيرتها المهنية ضابطة ميدانية لدى جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني "إم آي 6" عام 1999.
انتقلت إلى جهاز الاستخبارات الداخلية "إم آي 5" عام 2004 ثم عادت إلى جهاز الاستخبارات الخارجية بحلول 2006. عينت مديرة للتكنولوجيا والابتكار عام 2021.
نصبتها الحكومة البريطانية في يونيو/حزيران 2025 رئيسة للجهاز، وهي أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ الجهاز منذ تأسيسه عام 1909.
المولد والنشأةولدت بليز فلورنس ميتروويلي في 30 يوليو/تموز 1977 بالعاصمة البريطانية لندن، ونشأت في كنف عائلة مثقفة وميسورة الحال من أصول تعود إلى جورجيا.
كان والدها كوستانتين ديفيد ميتروويلي طبيبا استشاريا متخصصا في الأشعة وعمل في الجيش البريطاني، ثم عين رئيسا لقسم التصوير الشعاعي التشخيصي في هيئة التدريس لكلية الطب بجامعة هونغ كونغ في الصين.
أظهرت منذ صغرها تفوقا أكاديميا خاصة في مجالي العلوم واللغات، وتأثرت بخلفية والدها العلمية والثقافية، إضافة إلى الانضباط الذي كان يميز حياة العائلة.
تلقت تعليمها الابتدائي والثانوي في مدرسة ويستمنستر، إحدى أبرز وأعرق المدارس في لندن. وأحرزت تفوقا في دراستها واتسمت بالهدوء وسرعة البديهة والقدرة على تحليل المواقف.
وبحكم عمل والدها في آسيا، أمضت فلورنس جزءا من طفولتها هناك، وهو ما نمّى لديها حب السفر، وساعدها في تكوين شخصية مستقلة وطموحة.
وقالت إنها كانت تحب قراءة كتب "فن التجسس"، كما أنها شاركت في ألعاب "التسليم الخفي" مع أصدقائها، مضيفة أن أخاها الأكبر كان مصدر إلهام لها في هذا المجال.
المسار التعليمي والأكاديميبعد إتمامها مراحل التعليم الابتدائي والثانوي، تابعت مسارها الأكاديمي والتحقت بكلية بليمبورك بجامعة كامبردج البريطانية، وتخصصت في الأنثروبولوجيا وسلوكيات الإنسان، ولم يكن اختيارها لهذا التخصص صدفة.
فقد أكسبتها تجربة العيش بين أوروبا وآسيا ثقافة ووعيا كبيرين بالشعوب، مما ساعدها على فهم النظم الاجتماعية وأنماط السلوك البشري، وتميزت في تلك الفترة بتفوقها الأكاديمي وانضباطها. كما دفعتها رغبتها في فهم الشرق الأوسط من منظور ثقافي وسياسي إلى دراسة وتعلم اللغة العربية، كما أظهرت في المرحلة الجامعية قدرة على التفكير النقدي والتحليلي.
إعلانوذكرت صحيفة "تايمز" البريطانية أن فلورنس كانت معروفة في الوسط الجامعي بكونها شخصية متحفظة بعيدة عن الأضواء، وتقضي جل وقتها بين الكتب وإعداد البحوث، وتخرجت عام 1998.
المسار الاستخباراتيشرعت في مسارها المهني وانضمت بعد تخرجها إلى جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني "إم آي 6" عام 1999 وعملت ضابطة ميدانية مكلفة بتجنيد العملاء خارج بريطانيا.
كلفت بين عامي 2000 و2004 بمهمتها الاستخباراتية الأولى في دبي بالإمارات العربية المتحدة، وبُعثت بصفتها سكرتيرة ثانية مسؤولة عن الشؤون الاقتصادية لوزارة الخارجية البريطانية وشؤون الكومنولث.
وتزامن وجودها هناك مع أحداث الغزو الأميركي للعراق، وشاركت في أعمال استخباراتية وملفات حساسة عدة، ما عزز خبرتها في التعامل مع الأزمات والتحديات الأمنية المعقدة في الشرق الأوسط.
وبعد استكمال مهمتها عادت إلى لندن نهاية عام 2004، لتنتقل إلى العمل في جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني الذي يعرف بـ"إم آي 5″ في إطار تبادل وظيفي مع جاهز الاستخبارات الخارجي.
شغلت منصب رئيسة المديرية "كاي"، التي تعنى بجمع المعلومات الاستخباراتية الخارجية لفهم التهديدات القادمة من دول مثل روسيا والصين وإيران، وتولت ملفات متعلقة بمكافحة الإرهاب في الفترة الممتدة من 2004 إلى 2006.
وفي أواخر 2006 استأنفت عملها ضمن جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني "إم آي 6″، وترقت في المناصب وأصبحت في 2021 مديرة عامة للتكنولوجيا والابتكار، وهو المنصب الذي يشار إليه داخل الجهاز بحرف "كيو"، في إشارة إلى الشخصية التكنولوجية في سلسلة "جيمس بوند" البوليسية المشهورة.
وكانت أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ جهاز الاستخبارات البريطانية، واهتمت أثناء عملها بملفات الهجمات السيبرانية وعمليات التجسس التقني، وطورت أدوات تقنية واستخباراتية متقدمة تستخدم في التجسس.
وفي يونيو/حزيران 2025 أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر تعيينها رئيسة للجهاز الاستخباراتي البريطاني، لتكون بذلك أول امرأة تتقلد هذا المنصب في تاريخ الجهاز منذ تأسيسه عام 1909.
وقال ستارمر إنها أول رئيس للجهاز يكشَف عن اسمه علنا، ووصف هذا التعيين بـ"التاريخي"، مشيرا إلى أهمية الاستخبارات والأمن السيبراني بالنسبة لبلاده في مواجهة التهديدات الخارجية.
الأوسمةحصلت في يونيو/حزيران 2024على وسام القديس ميخائيل والقديس جورج، وهو من أعلى الأوسمة البريطانية للسياسيين والدبلوماسيين.
وقد مُنحت هذا الوسام تقديرا لجهودها وخدماتها في وزارة الخارجية البريطانية والأجهزة الاستخباراتية في حفل عيد ميلاد الملك تشارلز الثالث.