سودانايل:
2025-05-14@22:02:11 GMT

الكوز شهوة السلطة وسطوة الإستبداد الشرقي

تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT

طاهر عمر

الإستبداد الشرقي نجده قد تحدث عنه أرسطو في ثقافات البلدان الأسيوية في مجافاتها للديمقراطية و مجافاة العقلانية و الحرية لذلك نجد أن في الثقافات الأسيوية التقليدية قد تسلسلت عنها النظم الإستبدادية حيث نجد الملوك المستبدين و علاقتهم مع رعية لا تتخطى أن تكون الرعية في مصاف العبيد عكس العقل الأغريقي الذي ينشد الحرية و تحدث عن الديمقراطية في أثينا لذلك ما زال العقل الغربي المعاصر يحتفي و يفتخر بأنه قد ورث عقل الإغريق و الرومان في تطوره عبر الحقب و جيل عبر جيل و كذلك نجد أن العقل الغربي يفتخر بأن المسيحية عندما جاءت من الشرق فأنها قد تروّمت أي قد صارت تتوشح عقل الرومان و ليس العكس حيث لم تتمسح روما أي لم تتمسح روما بمسيحية شرقية بل أن المسيحية قد لبست ثوب العقل الروماني.


و عليه يصبح تاريخ الفكر في أوروبا منفتح على اللا نهاية في تصحيحه لمساره السرمدي مثلا في مراحله من العقل الإغريقي ثم يمر بحقبة القوانيين الرومانية و المسيحية في روما ثم يعقبها الإصلاح الديني و عقل الأنوار ثم يأتي فلاسفة ما بعد الحداثة بالتفكيك ثم يعود العقل الغربي من جديد بعد فشل فلاسفة ما بعد الحداثة الى ألق عقل الأنوار و أفكار الحداثة.
و المضحك يظل العقل الشرقي الإستبدادي جامد و ساكن بفكر متحجر لا يبارح مكانه البتة كما نجده في فكر الكوز السوداني البائس ناظر للعالم و هو قابع داخل أسطورة الكهف لإفلاطون غير عابئ بتطور الفكر و المضحك رغم بؤس فكر الكوز إلا أنه يظن بأنه مؤهل ليقود العالم في محاكاته للغريم الغربي المتسّيد بعقله لعالم قد أصبح تاريخه واحد بعد قيام الثورة الصناعية.
بعد حديث أرسطو عن الإستبداد الشرقي نجد كذلك منتسكيو في علم إجتماعه يتحدث عن روح القوانيين و فيها أيضا يفتخر بعقلانية الحضارة الغربية و الأخلاق التي تجعل تطور الفكر الغربي منفتح على الحرية و الإبتعاد عن الإستبداد. و بالمناسبة منتسكيو محطة مهمة جدا في تاريخ الفكر الذي يخدم الإنسانية في مسيرتها نحو الحرية و الإبتعاد عن الإستبداد و هو يربط القديم من تاريخ الإنسانية بالجديد المتطور في عصرنا الراهن و منتسكيو أيضا مثل أرسطو قد تحدث عن الإستبداد الشرقي و نجده في كتابه رسائل فارسية و فيها يفرّق منتسكيو بين عقلانية الفكر الغربي و إستبداد الفكر الشرقي كما تحدث عنه في رسائل فارسية و فيها يتحدث عن الإستبداد في بلاد فارس مقارنة بتطور العقل الغربي و ولعه بالحرية.
نجد أيضا كل من ماكس فيبر و ماركس قد تحدثا عن نمط الإنتاج الأسيوي إلا أنهما على طرفي نقيض ماركس يتحدث عن نمط الإنتاج الأسيوي و تاريخه الإستبدادي موصي بأن الحل يكمن في ماركسيته في إعتمادها على البنى التحتية و لسؤ حظ ماركس أن ماركسيته لا تفتح إلا على نظام شمولي بغيض متمثل في الماركسية كنظام شمولي لا يقل بشاعة عن الإستبداد الشرقي نفسه و بالتالي إعجاب الشيوعين في البلاد العربية و نظمها التقليدية بالشيوعية كنظام شمولي لأنها تشبه روح الإستبداد الشرقي كأيديولوجية متحجرة لا تفترض عقلانية و أخلاقية الفرد كما نجده في الفكر الليبرالي.
و قلنا أن تفسير نمط الإنتاج الأسيوي أو الإستبداد الشرقي على طرفي نقيض بين ماركس و ماكس فيبر لأن ماكس فيبر إعتمد على البنى الفوقية و ما تعكسه من ثقافة و إرتماء ظلالها على فكرة الإقتصاد و المجتمع في كتابه الأخلاق البروتستانتية و روح الرأسمالية في هذا الكتاب لا يخفي فيه ماكس فيبر إفتخاره و إعتزازه بأن الحضارة الغربية قد أنجزت ما عجزت عنه الحضارات التقليدية كالحضارة العربية الإسلامية التقليدية و الحضارة الهندية التقليدية و الحضارة الصينية التقليدية.
و يفتخر ماكس فيبر كما إفتخر أرسطو قبله بآلاف السنيين بالفرق بين عقل الحرية الغربي و عقل الإستبداد الشرقي و كذلك كإفتخار منتسكيو بالحضارة الغربية مقابل إستبداد الحضارة الفارسيىة التقليدية في كتابه رسائل فارسية و إذا إردت أن تتأكد من صحة أفكار منتسكيو اليوم أنظر الى قيم الجمهورية في فرنسا و قارنها بإيران اليوم تحت سلطة الفقيه الولي كمستبد و كأنها لم تمضى قرون على أفكار منتسكيو.
ملاحظة لا ينبغي تفويتها و هي أن طه حسين عميد الأدب العربي في كتابه مستقبل الثقافة في مصر قد أكد بأن مصر لا يمكن أن تخرج من كسادها الفكري ما لم تستعيد عقلها الإغريقي الروماني و ثقافتها الإغريقية الرومانية و أظن أن طه حسين في هذه الجزئية يحاول تقديم حلول لمفارقة عقل الإستبداد الشرقي في مصر بعد أن ساد بسبب فقدان مصر لعقلها الإغريقي الروماني و فقدانها له بعد أن ساد عقل الإستبداد الشرقي الكامن في الحضارة العربية الإسلامية التقليدية و ها هي مصر تحت حكم السيسي الذي يؤسس لنظام حكم تسلطي في مصر ليؤكد على فكرة الإستبداد الشرقي.
ماكس فيبر في دراسته لأخلاق العمل البروتستانتية و خاصة في أفكار كالفن و كان كالفن يرى أن النجاح على الصعيد المادي علامة نعمة إلهية و هذا ما جعل ظهور الرأسمالية ممكن في وسط بروتستانتي طهراني تقشفي ينتج عبر ساعات عمل طويلة و متقشف في إستهلاكه و هذا ما أدى الى ظهور الرأسمالية في وسط البروتستانت في أوروبا.
و الغريب دراسة ماكس فيبر للوسط الإسلامي التقليدي لاحظ ماكس فيبر غياب الطهرانية وسط أفكار رجال الدين الإسلامي التقليدي مقارنة بالبروتستانت و خاصة أتباع كالفن بل وصفهم أي رجال الدين المسلميين التقليديين بأنهم شهوانيين فيما يتعلق بالمال و النساء و ليس لهم أي مقدار من الطهرانية التي يتصف بها البروتستانت و خاصة أتباع كالفن.
و هذا هو الوصف نفسه الذي وصف به الدكتور حسن الترابي كيزان السودان و قد تطابقت أفكاره مع ماكس فيبر في وصفهما لشهوة السلطة و روح الإستبداد عند الكيزان و بسبب شهوة السلطة و شهوتهم للمال قد إستشراء الفساد و الإستبداد الكيزاني كإنعكاس للإستبداد الشرقي.
و قد رأى السودانيين فساد و إستبداد الكيزان و قد وصفهم الدكتور حسن الترابي نفسه بأنهم فاسديين و قد أفسدتهم شراهتم للسلطة ليؤكد أي حسن الترابي على ما قاله ماكس فيبر عن شهوانية رجال الدين التقليديين في ايمانهم التقليدي الكيزاني مقارنة بطهرانية البروتستانت و إتقانهم للعمل و في نفس الوقت الزهد و التقشف الذي أدى لظهور الرأسمالية و إتصافها بالعقلانية.
و إلتقاء وصف ماكس فيبر مع وصف الدكتور حسن الترابي لشهوانية الكيزان للسلطة و المال لا يدل على أن الترابي كان محب للحرية و العقلانية و لكنه كان أي حسن الترابي نفسه مستبد بعقل شرقي و هو نفسه من قضى عمره كله يظن أن الفكر الإسلامي التقليدي يمكن أن يؤسس للحكم إلا أن أفكاره قد فتحت على نظام حكم إستبدادي و كان هو أول ضحايا تلاميذه الكيزان و بعدها قد تحدث عن شهوة السلطة التي أفسدت الكيزان و لم يدر الترابي بأن الإستبداد الشرقي كامن في فكره الإسلامي التقليدي المعادي للحرية و العقلانية.
الكل يتذكر أذهب للقصر رئيس و سأذهب للسجن حبيس و كانت كل حيل الترابي تدل على شئ واحد بأنه لم يكن عقلاني و لا أخلاقي لأن العقلاني و الأخلاقي يؤمن بحرية الآخريين و يتأكد من العدالة قد تحققت للكل و معروف أن خطاب حسن الترابي الكيزاني كان خطاب ديني منغلق لا يحمل في طياته حتى القليل من التسامح لأنك لا يمكن أن تتحدث عن التسامح و أنت منطلق من خطاب ديني أي دين كما يقول جون لوك.
و قد قال جون لوك مؤكد بأنه إذا كان هناك مطلق واحد يجب الايمان به ينبغي أن يكون فكرة فصل الدين عن الدولة و الترابي كان مهوس بفكرة الدولة الدينية و قد فتح بفكره البغيض أبواب الجحيم على الشعب السوداني و ما الحرب العبثية إلا ثمرة مرة من حديقة أفكار الكيزان مع صنيعتهم الدعم السريع و قد أوصلهم الترابي الى حيث تمكنوا من ممارسة الإستبداد الشرقي.
في ختام هذا المقال نقول للكيزان قبل قرنيين من الزمان كان الكاثوليك في فرنسا يظنون بفكرهم الديني الطائفي يمكنهم تحقيق ديمقراطية و قد تصدى لهم توكفيل مؤكد بأن زمن الخطاب الديني قد ولى بلا رجعة و قد صدقت نبؤة توكفيل فيما يتعلق بإندثار أوهام الكاثوليك بتحقيق ديمقراطية.
و هذا ما ينتظر الكيزان يمكنكم أن تحرقوا السودان كله و تقتلوا كل ما فيه من بشر و لكن لا يمكنكم التعايش مع عصر أصبحت فيه العقلانية و الأخلاق هي صفة الإنسانية التاريخية كل حروبكم العبثية و جنونكم الناتج من شهوة السلطة لا يفتح إلا على سلم اليأس الذي يقودكم الى طريق الخروج من التاريخ كأي مستبد شرقي.
نضرب لكم مثل أيران تحت ولاية الفقية كمستبد شرقي ها هي الآن بعد دمار حزب الله كزراع لها في لبنان و دمار حماس كزراع لها في فلسطيين قد أصبحت في مواجهة لا تستطيع أن تصمد فيها في مواجهة أسرائيل المدعومة من أمريكا لأن عقلها أي ايران عقل تقليدي و قد رأينا نتاج هجومها على إسرائيل بصواوريخ لا تشبه غير الألعاب النارية مقارنة بعقل إسرائيل و سلاحها و خلفها أمريكا و هي تمثل قمة ما وصل إليه عقل البشرية اليوم فيا كيزان يمكنكم أن تستبدوا على الضعفاء من أطياف الشعب السوداني و لكن مصيركم الإندثار و كل حروبكم العبثية في السودان تدل على أنكم في طريقكم للخروج من التاريخ عاجلا ام آجل كما رأينا كيف تلاشت حماس و تلاشى قبلها حزب الله أسرع من لمح البصر.

taheromer86@yahoo.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: ماکس فیبر فی کتابه قد تحدث تحدث عن

إقرأ أيضاً:

فخ لخنق المقاومة

عبر تاريخ النضال ضد الاستعمار، سعت القوى المهيمنة إلى استخدام إستراتيجيات متعددة لضبط المقاومة والحد من تأثيرها. لم تقتصر هذه الإستراتيجيات على القمع المباشر أو البطش العسكري، بل امتدت لتشمل محاولات أكثر تعقيدًا تستهدف الوعي والإرادة الجماعية للشعوب المناضلة. ضمن هذا الإطار، يظهر مفهوم "سد الذرائع" كأداة سياسية يُراد منها كبح الفعل المقاوم؛ بحجة الحفاظ على الاستقرار أو تجنب التصعيد.

في السياق الفلسطيني، تأخذ هذه السياسات بُعدًا خاصًا نظرًا لتداخل العوامل السياسية والاجتماعية في ظل واقع استعماري طويل الأمد. يتجلى مفهوم "سد الذرائع" هنا كآلية لضبط الفعل النضالي، حيث يتحوّل من وسيلة لحماية المجتمع إلى ذريعة لتجميد أي تحرك يهدد الاحتلال.

وبينما نجحت حركات تحررية في العالم – كجنوب أفريقيا والجزائر – في كسر هذه الإستراتيجيات عبر خطاب تحرري يعيد تشكيل الوعي، لا يزال التحدي في الحالة الفلسطينية قائمًا: كيف يمكن تجاوز سياسات ضبط المقاومة بكافة أشكالها، وبناء إرادة شعبية تتحدى الاحتلال بفاعلية.

سد الذرائع في السياق الاستعماري

رغم أن المصطلح لم يستخدم حرفيًا في العديد من دراسات ما بعد الاستعمار، فإن السلطات الاستعمارية كثيرًا ما مارست سياسة "سد الذرائع" لمنع نشوء مقاومة أو وعي وطني، عبر مجموعة من الإجراءات، مثل منع التعليم الوطني أو تعليم لغة السكان الأصليين:
بحجة أن نشر لغات السكان الأصليين يُمكن أن يُستخدم لنشر أفكار استقلالية، وكالرقابة على الصحافة والمطبوعات، لوأد تشكيل وعي جمعي نحو الاستعمار، أو من خلال محاربة الرموز الثقافية أو الدينية أو التاريخية للسكان الأصليين؛ لأنها تعبر عن الهوية الجمعية للمجتمعات المستعمَرة.

إعلان

‎أدبيات ما بعد الاستعمار تنتقد بشدة هذا النوع من "المنع الوقائي" بوصفه شكلًا من المراقبة والسيطرة الأيديولوجية.
فإدوارد سعيد دعا لتعزيز القدرة الشخصية والجماعية في مواجهة الأفكار المعدّة مسبقًا من قبل الاستعمار، وأيضًا ما أشار إليه فرانز فانون حول آليات الاستعمار، الذي يتجاوز السيطرة الجسدية ليصل إلى السيطرة على الوعي، حيث يستبطن المستعمَر مفاهيم وديناميات الهيمنة ويعيد إنتاجها داخل مجتمعه، حيث يتحول النضال والفعل الثوري إلى فعل يثير الخوف والارتباك بدلًا من أن يكون تعبيرًا عن إرادة التحرر.

يمكن أيضًا النظر إلى "سد الذرائع" في تجارب الحركات التحررية، كما في تجربة جنوب أفريقيا، والجزائر، والهند. ففي جنوب أفريقيا، استخدم نظام الفصل العنصري ذرائع قانونية للحفاظ على النظام والقمع السياسي ضد السود.

فيما في الجزائر كانت ممارسات الاستعمار الفرنسي تستخدم ذرائع مثل "الحفاظ على النظام"؛ لتبرير قمع جبهة التحرير الوطني. وفي الهند، استخدمت بريطانيا ذرائع مشابهة لتصوير المقاومة كقوى "رجعية".

في كل هذه الحركات، كان كسر "سد الذرائع" يتطلب بناء خطاب تحرري متماسك يعارض السرديات الاستعمارية، ويُعيد بناء الشرعية التحررية على أسس شعبية ودولية.

إعادة التأطير لسياسة "سد الذرائع" من منظور تحرّري

لا يوجد لدى حركات التحرر في العالم إشكالية في فكرة "سد الذرائع"، ففي تجربة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا، كان هناك ميل في بعض الفترات إلى تهدئة الفعل النضالي؛ بحجة عدم إعطاء ذريعة للنظام العنصري لتكثيف القمع.

وكذلك في تجارب أخرى، ولكن كان ذلك في سياق تبني إستراتيجية نضالية شاملة تقوم على دمج الفعل الدبلوماسي مع المقاومة الشعبية والكفاح المسلح، لا أن تترك فراغًا يستغله الاستعمار في إعادة ترتيب أجندته.

تكمن المعضلة الأساسية في الجمع بين "سد الذرائع" والعمل التحرري في الاستخدام المزدوج لهذا المفهوم. فمن جهة، تُقدَّم فكرة "سد الذرائع" كإجراء وقائي يهدف إلى منع التصعيد، أو إثارة ردود فعل عنيفة من قبل المحتل.

إعلان

ومن جهة أخرى، يمكن أن يتحول هذا المفهوم إلى أداة تقييدية تعمل على شلّ الحركة النضالية، وتحويل الفعل التحرري إلى مجرد ردود فعل محكومة بشروط الاحتلال.

فعندما تُتبنى سياسة "سد الذرائع" بشكل مطلق وغير مرن، تتحول إلى قيد دائم على الفعل التحرري. ومن هنا، يأتي التحدي في إعادة صياغة المفهوم ليتحول من كونه مجرد إجراء يُعنى بتفادي ردود الفعل القمعية، إلى أداة إستراتيجية واعية تُعنى بتوقيت الفعل ومكانه وتضمن أكبر قدر من التأثير بأقل تكلفة سياسية أو اجتماعية.

الاستخدام المطلق لسياسة "سد الذرائع" يحيد الفعل النضالي، ويضعه في خانة الفعل المؤجل؛ بحجة الحفاظ على الاستقرار أو تفادي التصعيد، لذلك، من الضروري إعادة تأطير المفهوم ليصبح جزءًا من إستراتيجية نضالية شاملة، فالثورات المناهضة للاستعمار انطلقت من إرادة تحريرية جذرية، وليس من منطق التكيف مع شروط المستعمِر.

فمحاولة التفاوض أو التماهي مع منطق السلطة الاستعمارية تضعف الفعل النضالي التحرري، لأن الاحتلال يتبنى مفهوم الهيمنة، وما يسعى إليه المُحتلون هو كسره. لكن التحول الأصعب هو أن تتحول سياسة "سد الذرائع" لأيدولوجيا وبرنامج سياسي، يستعدي كل فعل مناضل وتحرري مهما كان نوعه، ويصبح فلسفة قمع لا فلسفة ضبط.

سد الذرائع الفلسطينية: حواجز في وجه الثورة الشعبية

تطورت سياسة "سد الذرائع" في السياق الفلسطيني لتتجاوز مجرد التهدئة وضبط الفعل المقاوم، أو ضبط الإيقاع بين السياسي والنضالي، لتصبح نهجًا وإستراتيجية شاملة ومركبة قيدت العمل النضالي في عدة اتجاهات أبرزها ما يلي:

الأول: استخدام سياسة "سد الذرائع" كآلية لتقييد الفعل النضالي الجماهيري والشعبي، تحت ذرائع "الحفاظ على الأمن"، أو "تجنب التصعيد"، وفرض قيود قسرية على الحراكات الجماهيرية، فمن منظور تحليلي، يمكن القول إن سياسة "سد الذرائع" في الضفة الغربية تُعزز مناخًا سياسيًا ينزع عن المقاومة بكافة أنواعها مشروعيتها من جهة، بينما يُفسح المجال أمام المستوطنين لمواصلة تمددهم بدعم كامل من حكومة الاحتلال. إعلان

يشير ذلك إلى أن الاحتلال لا يحتاج فعليًا إلى ذرائع لتوسيع استيطانه، بل يعتبر ذلك جزءًا من إستراتيجيته بعيدة المدى لضم الأرض وتهويدها.

فالاحتلال دائمًا في حالة إنتاج لذرائعه الخاصة لتبرير الإبادة، إذ لا يمكن لسياسات ضبط الحراك الجماهيري أن توقف مشروعًا استيطانيًا يتغذى على منطق الإبادة والإحلال.

بالتالي، فإن استمرار التمسك بسياسة "سد الذرائع" يعكس قراءة غير دقيقة للواقع، ويضعف القدرة على حشد مقاومة شعبية فاعلة قادرة على مواجهة الاستيطان كخطر وجودي، والتجارب التاريخية أثبتت أن الانتفاضات الشعبية كانت عامل ضغط على الاحتلال لتقييد أنشطته وليس العكس. وبدليل أنه لولا الانتفاضة الأولى لما كان هناك "سلطة وطنية فلسطينية".

الاتجاه الثاني: الامتناع عن اتخاذ إجراءات كان من شأنها أن تُقيّد الاحتلال وتحدّ من قدرته على الإبادة. فقد تحوّل هذا المفهوم إلى ذريعة لعدم اتباع السبل الممكنة لتقييد الاحتلال ومحاسبته على جرائمه، خشية ردة فعل الاحتلال.

فعلى مدى سنوات ما قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لم تُحسن القيادة الفلسطينية استثمار أدواتها السياسية والقانونية، في وقت كانت فيه بحاجة ملحّة إلى خلق رافعة دولية تقوّي موقفها وتُقيد حركة الاحتلال.

ورغم امتلاكها ملفات مهمة قابلة للتدويل مثل قضية اغتيال الشهيد ياسر عرفات، أو المجازر المتكررة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن السلطة لم تبادر إلى تحريكها بجدّية على الساحة الدولية.

تلك الملفات كان يمكن أن تشكل نقاط تحول رمزية وقانونية تحمل الاحتلال المسؤولية، وتؤسس لـ"ردع أخلاقي وقانوني" يُضعف منطق الإفلات من العقاب.

الاتجاه الثالث: بالإضافة للأسباب المركبة لموقف السلطة السلبي تجاه ترتيب البيت الفلسطيني والتقارب مع حركة حماس، إلا أن أحد هذه الأسباب هو تبني إستراتيجية "سد ذرائع" الاحتلال، وسكون السلطة بتخوّفات الخشية من ردة فعل الاحتلال تجاه السلطة نفسها. الاتجاه الرابع: سياسة "سد الذرائع" أثرت أيضًا على بناء التحالفات الدولية. في كثير من الأحيان، يتم تجنب الانخراط في شراكات مع حركات تحرر أو دول داعمة للمقاومة خشية "إثارة غضب" الدول الغربية أو التعرض لضغوط سياسية واقتصادية. هذه الإستراتيجية أدت إلى عزلة نسبية، خاصة في المحافل الدولية حيث تُقدّم القضية الفلسطينية أحيانًا ضمن خطاب "إنساني" بحت يتجنب تسليط الضوء على البعد التحرري، مما أضعف التحالفات مع الحركات المناهضة للاستعمار في الجنوب العالمي. إعلان

في الختام، فـ"سد الذريعة" لا يكون بتبنّي مبررات خطاب الاحتلال في الإبادة، أو تهميش الفعل الشعبي، أو الصمت على الجرائم، بل ببناء مشروع سياسي تحرري، وسياسات توحيدية، ومبادرات قانونية ودبلوماسية تُحرج الاحتلال وتُقيده أمام العالم.

أما حين تغيب تلك السياسات، فإن الفراغ الذي تتركه السلطة يتحول إلى ساحة مفتوحة يتحرك فيها الاحتلال بلا رادع، وتصبح السلطة – ولو ضمنيًا – طرفًا يُسهّل العدوان لا من يضع حدًا له.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • هل يحق للزوجة أن تطلب من زوجها تعديل ببعض الأمور في شكله.. أمين الفتوى يجيب
  • راشد الشرقي يفتتح المبنى الجديد لـ «مدينة الإبداع»
  • من المنصة إلى القفص
  • فخ لخنق المقاومة
  • وزير الخارجية السوري: الدبلوماسية السعودية أثبتت أنها صوت العقل والحكمة
  • وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني: الدبلوماسية السعودية أثبتت مجدداً أنها صوت العقل والحكمة في محيطنا العربي، مساهمتكم الفاعلة في رفع العقوبات عن سوريا تعكس حرصاً حقيقياً على وحدة سوريا واستقرارها وعودة دورها الفاعل في الإقليم. (تغريدة عبر X)
  • صندوق الاستثمار السعودي: المملكة تعتزم شراء 30 طائرة بوينج طراز737 ماكس
  • مسابقة العقل الذهبي للمحافظات الحدودية ضمن فعاليات البرنامج الرئاسي " أهل مصر بمطروح "
  • محافظ الأقصر يزف بشرى لأهالي نجع الترعة الشرقي بالمنشأة العماري
  • محافظ بنى سويف يتفقد سير العمل بمشروع المرسى السياحى على الساحل الشرقي لنهر النيل