للدبابة قذيفة وللجائع رغيف خبز
تاريخ النشر: 28th, November 2024 GMT
د. فايز أبو شمالة
لم يحقق جيش العدو الإسرائيلي أي انتصار على أهل غزة سوى القتل والتدمير والتهجير والتجويع. وما دون ذلك، فدبابات الجيش الإسرائيلي لم تشعر بالأمن والاستقرار في مدن ومخيمات قطاع غزة أكثر من عدة أيام، ثم تفتش عن مأوى يحول بينها وبين كمائن رجال المقاومة الفلسطينية. ولن يحقق جيش العدو الإسرائيلي أي انتصار على أهل غزة مهما طال الزمان، ومهما امتد العدوان، ومهما ظنت قيادته السياسية أن جيشها قادر، وأن المزيد من القتل والتدمير والتهجير والتجويع كفيل بأن يخضع أهل غزة.
المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ليست بحاجة إلى الكهرباء كي تستمتع ليلاً بمشاهدة الفضائيات، وليست بحاجة إلى ترف العيش كي تتمدد على الأسرة، وليست بحاجة إلى الأبنية الفاخرة والحدائق الغناء، ولا هي بحاجة إلى موفور الطعام، والشحم واللحم كي تمارس طقوس التخمة. المقاومة الفلسطينية في غزة بحاجة إلى البيوت المدمرة لتأخذها مأوى، وتستعمل فتحاتها مداخل ومخارج للعمل المقاوم. والمقاومة الفلسطينية في غزة بحاجة إلى بضع حبات من التمر، يقيت بها المقاوم نفسه، وهو يمتشق القذيفة، يرصد للدبابة الإسرائيلية، وقد امتلأ صدره بآيات الصبر، والثقة بالنصر، مع عقيدة تحفزه على المقاومة، دون أن يرد على خاطره مفردة الضعف والهزيمة والانكسار.
واقع المقاومة في قطاع غزة سيفرض على القيادة السياسية الإسرائيلية أن تراجع حساباتها، فلا مناص لها إلا الموافقة على صفقة تبادل أسرى، مع وقف إطلاق النار. ومهما طال الزمان، فإن قدرات المقاومة غير محدودة، فلا الذخائر لديها ستنضب، ولا المطارات ستتوقف عن تزويدها بالسلاح، ولا البحار ستغلق في وجهها. المقاومة واثقة بأن مواجهة العدو قد تطول، وكلما طالت، كلما دفع العدو الأثمان. حتى يصل المستوى السياسي في دولة العدو الإسرائيلي إلى القناعة التي توصل إليها المستوى العسكري، بأن النصر المطلق على غزة أوهام، وأن تصفية المقاومة أكذوبة، وأن المقاومة فكرة، وقناعة شعب برفض العبودية. وما عجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيقه بعد 14 شهراً من التدمير والقتل، سيعجز عن تحقيقه مهما طال زمن المواجهة.
ضمن هذا المشهد المبشر بطول الصبر والثقة بالنصر، يبرز المشهد القاتم لأحوال الناس في غزة، وظروفهم الصعبة، وجوعهم، ودمار بيوتهم، وعوزهم، وبحثهم عن لقمة الخبز، وعن شربة ماء، وعن حبة دواء. وهذه المعاناة الإنسانية لا تتحمل مسؤوليتها المقاومة الفلسطينية، فرجال المقاومة يخصصون مواجهات، وقتال، وكمائن، وقد تركوا مسألة الاعتناء بأحوال المجتمع للمنظمات الإنسانية، وللأنظمة العربية، وللقيادة الفلسطينية، وللدول الغربية التي تدعي الديمقراطية. هؤلاء هم المسؤولون إنسانياً وأخلاقياً وقانونياً عن وقف الإرهاب الإسرائيلي بحق المدنيين، والحيلولة دون حصارهم وتجويعهم. وهؤلاء هم المطالبون بالعمل على توفير رغيف الخبز للنازحين، وظلال خيمة تقيهم عصف الرياح وبرد الشتاء.
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: المقاومة الفلسطینیة العدو الإسرائیلی بحاجة إلى قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
العدوان الصهيوني على إيران والتحوّل الاستراتيجي في مسار المقاومة
الثورة / يحيى الربيعي
في ليلة السابع عشر من ذي الحجة، الثالث عشر من يونيو، اهتزت المنطقة على وقع عدوان صهيوني غادر استهدف الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لم يكن هذا الهجوم مجرد خرق للقانون الدولي، بل فعل إجرامي مكشوف، بلطجي بوقاحته، سعى لفرض إرادة العدو بالقوة على المنطقة، بيد أن الرد الإيراني جاء صارخاً ومدوياً، ليشكل نقطة تحول مفصلية، قد تعيد رسم خريطة الصراع في الشرق الأوسط وتؤسس لمرحلة جديدة من معادلة الردع.
سيناريو مكشوف ونوايا مفضوحة
لم يأتِ العدوان الإسرائيلي مفاجئاً تماماً إلا في تفاصيل توقيته، فقد سبقه تسلسل من المؤشرات التي كشفت عن نوايا العدو المتجبرة. ففشل “الكنيست” الإسرائيلي في حل حكومة نتنياهو، وتصريحات المقربين من رئيس حكومة العدو عن “مرحلة أمنية حساسة” و”تطورات قريبة”، كانت إشارات واضحة على قرب عدوان شامل. تزامنت هذه التحركات مع قرار واشنطن تقليص حجم بعثاتها الدبلوماسية في العراق، وتصريحات مسؤولين أمريكيين عن متابعة حثيثة للتوتر في الشرق الأوسط، ما عزز فرضية اقتراب ضربة عسكرية على إيران.
ولم تتوقف خيوط المؤامرة عند هذا الحد، بل كشفت مصادر إسرائيلية عن استعدادات لشن هجوم سريع على المنشآت النووية الإيرانية في حال انهيار المفاوضات، معتبرين أن “النافذة الزمنية المتاحة لتنفيذ ضربة ناجحة توشك على الإغلاق”، وقد تزامن كل ذلك مع إصدار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قراراً زعمت فيه أن إيران رفضت الامتثال لالتزاماتها النووية، ما وفر غطاءً سياسياً ظاهراً لعدوان مبطن. هذه الذرائع السخيفة لم تكن سوى محاولات بائسة لتبرير جريمة فظيعة لا تولي أي اعتبار لحياة البشر أو للمخاطر الإشعاعية الكارثية التي قد تنجم عن استهداف منشأة نووية.
لقد شن العدو هجومه الغادر، الذي أسفر عن استشهاد قادة عسكريين وعلماء نوويين، وعشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال. ليكشف الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني، الذي لا يتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم.
الرد الإيراني.. رسالة التحدي والوحدة
جاء الرد الإيراني، بعد ساعات معدودة من العدوان، متناسقاً مع حجم الجريمة وحتمية الردع. بست جولات من الصواريخ البالستية وطائرات مسيرة اخترقت الدفاعات الجوية الصهيونية، لتدك مقر “الكرياه” و”وزارة الأمن” وعدداً من المباني في يافا المحتلة “تل أبيب”. لم تقتصر نتائج الهجوم على الأضرار المادية الجسيمة في المراكز العسكرية الصهيونية، بل أرغمت ملايين الصهاينة على البقاء في الملاجئ تحت ضغط الرعب طوال ساعات الليل، ليختبروا طعم الخوف الذي طالما فرضوه على الشعوب المقهورة.
وعلى الصعيد الداخلي، أظهرت القيادة الإيرانية رباطة جأش قل نظيرها، فقد سارعت إلى ملء الفراغات القيادية بتعيينات جديدة في قيادة الحرس الثوري والأركان والقوة الجوفضائية، ما عكس سرعة الاستجابة ومرونة النظام.
وفي خطاب متلفز، أكد الإمام الخامنئي بحزم أن “الشعب الإيراني لن يسكت عن دماء شهدائه الأجلّاء، ولن يغضّ الطرف عن انتهاك سماء بلاده”، مشدداً على أن “قوّاتنا المسلّحة متأهّبة، ويقف خلفها مسؤولو البلاد وكلّ أبناء الشعب”. وتوعد الإمام الخامنئي العدو الصهيوني بـ”ضربات قاسية”، مؤكداً أن “الحياة ستغدو مريرة بالنسبة إليهم بلا شك”. كما شدد الرئيس الإيراني الدكتور مسعود بزشكيان على أن الرد سيكون “قوياً ويجعل إسرائيل تندم”.
وقد ساهم العدوان الإسرائيلي، وبغير قصد، في توحيد الشعب الإيراني خلف قيادته، حيث خرجت الملايين في مظاهرات حاشدة بعد صلاة الجمعة، مؤكدة حق إيران في الرد الحاسم على العدوان، ومساندة لقواتها المسلحة التي أظهرت كفاءة منقطعة النظير في التصدي للأهداف المعادية. هذه الوحدة الوطنية الشعبية والرسمية أحبطت أحد أهداف العدو، الذي كان يسعى إلى إحداث شرخ داخلي في إيران. معادلة الردع النووي والرفض الإيراني لمعادلة الاستباحة
ألقى العدوان بظلاله على المفاوضات النووية، حيث أعلنت إيران عدم مشاركتها في الجولة التي كانت مقررة اليوم في مسقط، فواشنطن، التي تزود الكيان الصهيوني بكل أدوات العدوان، لا يحق لها أن تتوقع حضور إيران إلى طاولة المفاوضات تحت ضغط الحرب. هذه المعادلة المختلة تضع المجتمع الدولي أمام حقيقة أن الغرب، بانحيازه الأعمى للعدو الإسرائيلي، يتجاهل المبادئ التي يدعي الدفاع عنها، من حقوق الإنسان والقانون الدولي. كل ما يسعى له الغرب هو احتواء الرد الإيراني، وإن لم يتمكنوا من ذلك، فتوجههم هو التعاون مع العدو في التصدي للرد الإيراني.
ولعل أخطر تداعيات هذا العدوان هي إمكانية دفع الجمهورية الإسلامية نحو تحول استراتيجي غير مسبوق: الانتقال من سياسة “التخصيب السلمي” إلى امتلاك القدرة النووية الرادعة. فإيران، التي التزمت لعقود بمبدأ الاستخدام السلمي للطاقة النووية رغم الحصار والاغتيالات والتهديدات، قد تجد نفسها اليوم مضطرة لإعادة تعريف معادلة الردع.
لقد حذر مستشار المرشد الأعلى الإيراني، علي لاريجاني، قبل أكثر من شهرين، من أن “طهران لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووي، لكن لن يكون أمامها خيار سوى القيام بذلك” في حال تعرضها لهجوم.
محور المقاومة.. الثبات في وجه الاستباحة
إن ما حدث يؤكد حقيقة ثابتة لا تقبل الجدل: الخضوع لليهود الصهاينة يعني تمكيناً لهم من كل شيء، ولن يبقى للأمة معه أمن ولا استقلال ولا كرامة. فعدو بهذا القدر من الإجرام والوقاحة لن يتوقف عن أفعاله ما لم يواجه بردع حاسم. لقد أثبت العدوان الصهيوني على إيران أنه عدوان مكشوف وبلطجي، لا يراعي أي اعتبارات، ويسعى بدعم غربي إلى إزاحة أي عائق أمامه ليحكم سيطرته على المنطقة. إن العدوان على الجمهورية الإسلامية في إيران جاء في سياق استهداف غربي يرى فيها أنموذجاً مستقلاً داعماً للقضية الفلسطينية، ويسعى لمنع أي دولة إسلامية من بناء نهضة حضارية وقوة إسلامية لا تخضع له.
في المقابل، فإن خيار المواجهة، المبني على الوعي والبصيرة والشعور بالمسؤولية، هو السبيل الوحيد للحفاظ على الحقوق والأوطان. فالجمهورية الإسلامية في إيران تغيظ الأعداء لأن موقفها متميز من بين كل هذا المحيط من التخاذل العربي والإسلامي، فهي تملك موقفاً متميزاً في نصرة الشعب الفلسطيني ودعمه.
إن موقف الدول العربية والإسلامية بإدانة العدوان الإسرائيلي على إيران هو موقف جيد وإيجابي، ويجب أن يستمر الدعم السياسي والإعلامي وكل المستويات للجمهورية الإسلامية باعتبارها معتدى عليها. على هذه الأنظمة ألا تخضع للإملاءات الأمريكية والغربية في اتخاذ موقف مغاير، لأن مصلحة الأمة تكمن في ردع العدو ومنعه من الانفلات والبلطجة ومن فرض معادلة الاستباحة. الانتصار في الرد الإيراني هو مصلحة لكل دول المنطقة، لأن العدو الإسرائيلي خطر عليها، وفي المقدمة الدول العربية. من المهم لكل دول المنطقة أن تؤيد الموقف الإيراني وأن تدرك أنه لمصلحتها جميعاً، لأن المنطقة بحاجة لردع العدو الإسرائيلي.
العدو الصهيوني يسعى، بدعم أمريكي وفرنسي وبريطاني وألماني، إلى فرض معادلة الاستباحة على هذه الأمة، أي أن تكون يده مطلقة ليفعل ما يشاء ويريد ضد أي بلد عربي ومسلم. إن أخطر شيء على المسلمين حكومات وشعوباً، هو القبول بمعادلة الاستباحة لمصلحة الإسرائيلي والأمريكي. العدو مجرم وحقود ومستهتر بالدماء، وإذا أصبحت يده مطلقة، فلن يتردد في فعل أسوأ الأشياء. لا مبرر لأن تقبل الأمة بالاستباحة أبداً، وبدون الردع لن يتوقف العدو عن الإجرام.
اليمن.. سند المقاومة وثابت على العهد
من اليمن، أعلن السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، تأييدنا الكامل للرد الإيراني، وشركاء في هذا الموقف بكل ما نستطيع. فنحن ندرك أن أي بلد إسلامي يدخل في مواجهة مع العدو الإسرائيلي، فإن المسؤولية والمصلحة الحقيقية للأمة تكمن في مساندته وتأييد موقفه. اليمن مستمر في إسناد غزة ونصرة الشعب الفلسطيني، وفي حرب مفتوحة مع العدو الإسرائيلي، وموقفه ثابت ومستمر في إطار مهامه الجهادية في سبيل الله تعالى.
إن العدو الإسرائيلي في عدوانه على الجمهورية الإسلامية في إيران يستبيح أجواء دول عربية ولا يبالي بها، بل يعتبرها ضمن مخططه الصهيوني ويسعى إلى احتلالها والسيطرة عليها. لذا، فإن الأمة بحاجة ماسة إلى استعادة معادلة الردع في مواجهة العدو الإسرائيلي، والتخلي عن القبول بمعادلة الاستباحة التي تهدد وجودها. خلاصة القول
لم تكن الضربة الصهيونية فجائية في نواياها، لكنها باغتت في توقيتها، فأخطأت الحساب وتجاهلت الحقيقة: إيران لا تؤخذ على حين غرة، وأن دماء قادتها لا تذهب هدراً. لقد ارتكب العدو جريمة كبرى، ظنّ أنه سينفذ منها دون عقاب، فجاءه الرد مدوياً من عمق الأرض، عبر صواريخ قاصمة وطائرات مسيرة صنعتها الإرادة الإيرانية، فهزّت “تل أبيب”، وشلّت مغتصباتها، وأحالت ليلها نهار رعب تتردد أصداؤه في الملاجئ تحت الأرض حيث اختبأت جرذان صهيون.
اليوم، ومع توحّد الشعب الإيراني خلف قيادته، ومع جاهزية القوات المسلحة، لم تعد المواجهة كما كانت، ولم يعد الكيان الصهيوني هو من يتحكم بتوقيت الحرب وشكلها. الرسالة وصلت، والعدو أدرك معناها: من يبدأ النار في طهران.. سينام تحتها في “تل أبيب”. لقد أثبتت الجمهورية الإسلامية أنها دولة تبني نهضة حضارية وقوة إسلامية لا تخضع لأحد، وأن انتصارها في هذه المواجهة هو لمصلحة القضية الفلسطينية أولاً، ولمصلحة كل دول المنطقة التي تنشد الأمن والاستقلال ثانياً.