عند التلال الواقعة شمال مدينة نابلس، تقف بلدة سبسطية شاهدة على تعاقب حضارات امتدت من العصر البرونزي حتى الحقبة الإسلامية.. حجارتها الضخمة وساحاتها الرومانية وضريح النبي يحيى، تحكي قصة مدينة كانت يوما عاصمة سياسية وإدارية لحقب تاريخية متعاقبة.

لكن هذه الشواهد باتت اليوم في قلب معركة استيطانية شرسة، تحاول إسرائيل من خلالها إعادة صياغة تاريخ المنطقة، واقتطاع ثلث مساحتها تحت ستار "الحفاظ على التراث اليهودي" المزعوم.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف حاول نتنياهو طمس معالم تجويع غزة؟list 2 of 2حملة إسرائيلية لتبرئة وتلميع قاتل الناشط عودة الهذالينend of list

لم تولد الرواية الإسرائيلية حول سبسطية في لحظة عابرة، ولم تكن وليدة أحداث الأمس أو اليوم، بل هي ثمرة خطة ممتدة لسنوات، نسجت خيوطها بعناية لإقناع العالم بأن هذه الأرض وما تحويه من آثار وحجارة وأبنية إرث يهودي خالص يحق لإسرائيل امتلاكه.

خلف واجهة البحث الأكاديمي والتنقيب الأثري، موّلت تل أبيب عشرات الحفريات في وضح النهار وفي عتمة الليل، بحثا عمّا يدعم روايتها التوراتية.

ولم تكتفِ بذلك، بل حشدت لأجلها أبواقا سياسية وإعلامية وتاريخية، تتحدث بلسان واحد لتثبيت هذه القصة على أنها "الحقيقة الوحيدة" أمام الرأي العام العالمي، في تجاهل صريح للقوانين الدولية التي تجرّم الاستيلاء على التراث في الأراضي المحتلة أو تغيير هويته.

في هذا التقرير يوثق فريق "الجزيرة تحقق" كيف تمضي إسرائيل في مسعى ممنهج لإعادة صياغة تاريخ سبسطية، وتحويل إرثها المتنوع إلى رواية توراتية أحادية تزعم أنها ملك حصري لها، ومنح الغطاء القانوني لعملية سلب وانتهاك تتناقض مع كل المواثيق الدولية.

رواية توراتية

في السادس من أغسطس/آب 2025، فوجئ أهالي سبسطية بقرار إسرائيلي يقضي بتحويل نحو 1775 دونما -أي قرابة ثلث البلدة- إلى ما يسمى "منتزه السامرة القومي"، استنادا إلى مزاعم توراتية تزعم أن سبسطية هي عاصمة "مملكة إسرائيل القديمة" وموطن ملوكها مثل عمري وآخاب.

(صور تتضمن القرار الإسرائيلي نُشرت في سبسطية) "بلدية سبسطية"

 

وحسب رئيس سبسطية محمد عازم، فإن القرار لم يكن مفاجئا تماما، بل تتويجا لحملة إسرائيلية ممتدة منذ سنوات، شملت حفريات علنية وسرية، وتمويل أبحاث أكاديمية، واستقدام بعثات تنقيب محلية ودولية، بهدف تكريس هذه الرواية أمام الرأي العام العالمي.

 

ورغم إدراج سبسطية على قائمة التراث العالمي الإسلامي لدى منظمة الإيسيسكو عام 2024، ووجودها على القائمة المؤقتة لليونسكو، فإن الاحتلال يواصل المضي بخططه، متجاهلا القوانين الدولية التي تحظر تغيير الوضع القائم في الأراضي المحتلة أو التصرف بموروثها الثقافي.

مشروع استيطاني بغطاء أثري

لا يقتصر المشروع الإسرائيلي على "حماية" الآثار، بل يهدف -كما يوضح أهالي البلدة ومسؤولوها- إلى عزل المنطقة الأثرية عن باقي أراضي سبسطية، وفتحها أمام المستوطنين ودوائر الاحتلال المختلفة، في إطار سياسة "الضم الناعم"، التي تترجم على الأرض بتوسيع المستوطنات وإقامة بؤر جديدة.

إعلان

رئيس البلدية محمد عازم قال لـ"الجزيرة" إن قرار الاحتلال بالاستيلاء على ما يقارب ثلث مساحة البلدة جاء امتدادا لإعلان الحكومة الإسرائيلية ضم الضفة الغربية، مستغلا حقيقة أن المواقع الأثرية في سبسطية تقع ضمن مناطق "ج" الخاضعة لسيطرته الكاملة.

وأشار عازم إلى أن ما يجري هو "تتويج فعلي" لقرارات الضم عبر ما وصفه بـ"الضم الناعم"، من خلال خطوات ملتوية تشمل توسيع المستوطنات القائمة وإقامة بؤر استيطانية جديدة، بما يكرس السيطرة الإسرائيلية على الأرض ويعزلها عن محيطها الفلسطيني.

وأضاف عازم أن ما تمت مصادرته يتجاوز بكثير احتياجات أي حديقة عامة، مشيرا إلى أن الأراضي المصادرة تقدر بـ1800 دونم، وأن الهدف الحقيقي هو فرض السيادة الإسرائيلية على الموقع وقطع صلته بأصحابه الفلسطينيين.

أدوات سياسية وقانونية

المسعى الإسرائيلي تدعمه أدوات سياسية وتشريعية، أبرزها مشروع قانون قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود عميت هاليفي في يوليو/تموز 2024، يقضي بضم الآثار في الضفة الغربية إلى سلطة الآثار الإسرائيلية، ومعاملتها معاملة المواقع الأثرية داخل إسرائيل. تصريحات هاليفي في الكنيست كانت واضحة "لا توجد هنا أي حقوق قومية لشعب آخر".

תמצית הדיון בעניין חוק רשות העתיקות אתמול. לא עתיקות מעניינות אותם אלא סיפוח pic.twitter.com/aieUma9eVT

— עמק שווה (@EmekShavehHeb) July 11, 2024

 

وفي مايو/أيار الماضي، خصصت الحكومة الإسرائيلية 32 مليون شيكل لترميم "مكتشفات أثرية" في سبسطية وتحويلها إلى وجهة سياحية، في خطوة يصفها باحثون فلسطينيون بأنها جزء من خطة ممنهجة لإنكار أي أحقية فلسطينية في تاريخ المنطقة.

הממשלה אישרה: 32 מיליון שקלים לשיקום שומרון העתיקה

https://t.co/aork862VMw pic.twitter.com/U1yAVK3D9f

— ערוץ 7 (@arutz7heb) May 7, 2023

 

 

خطاب في خدمة الاستيطان

وزيرة حماية البيئة الإسرائيلية عيديت سليمان، خلال اقتحامها الموقع الأثري في يونيو/حزيران الماضي، صرحت بأن "السامرة القديمة هي عاصمة مملكة إسرائيل وأحد أهم مواقع التراث لشعبنا.. لا وجود للشعب الفلسطيني، وبالتالي لا وجود لمواقع تراثية فلسطينية". كلماتها تعكس بوضوح الرؤية الإسرائيلية: التاريخ الفلسطيني غير معترف به، والموقع جزء من "الهوية القومية اليهودية".

View this post on Instagram

A post shared by עידית סילמן – Idit Silman (@iditsilman)

 

 

رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة الغربية يوسي دغان ذهب أبعد من ذلك حين قال من داخل سبسطية "النصر يعني أخذ الأرض، النصر هو السيادة، والسيادة هي الأمن".

רשמים מהעיר העתיקה שומרון עם ראש המועצה יוסי דגן pic.twitter.com/nSmIj5lVnd

— ינון מגל (@YinonMagal) March 31, 2025

 

وفي يونيو/حزيران الماضي، أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية عن ما وصفته بـ"نتائج جديدة" لأعمال تطوير الحديقة الوطنية المسماة "السامرة" في الموقع الأثري بسبسطية.

ووفق هذه التقارير، فقد تم الكشف عن أرضية حجرية وأعمدة مزخرفة، إضافة إلى قاعدة حجرية منقوشة كانت تستخدم كأساس لنصب تذكاري خاص يقع بجوار بوابة المدينة.

ورغم الطابع الأثري لهذا الاكتشاف المزعوم، يراه باحثون ومسؤولون فلسطينيون جزءا من إستراتيجية الاحتلال لفرض سيطرته الميدانية على الموقع وتغذية روايته التوراتية، التي تسعى لربط كل مكتشف أثري في سبسطية بإرث يهودي حصري.

التاريخ الحقيقي لسبسطية

حسب المؤرخين، يعود تاريخ سبسطية إلى العصر البرونزي (3200 قبل الميلاد)، وخضعت لحكم الآشوريين والفارسيين والرومان، وفي عام 30 قبل الميلاد، أطلق عليها الملك هيرود اسم "سبسطي" (المبجلة)، وشهدت في عهده نهضة عمرانية شملت المسرح الروماني وشارع الأعمدة وساحة البازيليكا.

 

 

 

هذه الحقائق، كما يؤكد الباحث في تاريخ وآثار فلسطين، ومدير عام مديرية السياحة والآثار في نابلس، ضرغام فارس، تثبت أن الفلسطينيين -بمختلف أديانهم- هم الوريث الطبيعي لكل الحضارات التي مرت على هذه الأرض، وأن أي معالم يهودية قديمة هي جزء من هذا الموروث المشترك، وليست دليلا على أحقية الاحتلال في الأرض.

إعلان

وقال فارس للجزيرة "حين نرى معبدا أثريا أو كنيسا قديما، ندرك أن هذا المعلم جزء من موروثنا الثقافي، ونعلم أن أجدادنا هم من صلّوا فيه، لا أجداد اليهودي المحتل القادم من خارج فلسطين".

وأضاف فارس معلقا على نتائج الحفريات الإسرائيلية في سبسطية "جميع ما كشفت عنه أعمال التنقيب في سبسطية وفي فلسطين عموما يثبت أن الشعب الفلسطيني -بمختلف أديانه- هو الوريث الشرعي والطبيعي لتاريخ وحضارات هذه الأرض على مر العصور، وامتداد للسكان الأصليين، وأن كل ما تحتويه فلسطين من موروث ثقافي، مادي أو غير مادي، هو ملك للفلسطينيين".

وتابع أن ما يروّج عن وجود ديانة يهودية في سبسطية خلال العصر الحديدي "مجرد سردية دينية توراتية، دحضها المؤرخون بالاستناد إلى اللقى والشواهد الأثرية".

وأردف "اليهود الذين جلبتهم الحركة الصهيونية من مختلف أنحاء العالم هم غرباء احتلوا فلسطين، لا تربطهم بها أي صلة تاريخية أو عرقية، وكل ما يملكونه هو رابط ديني يمنحهم حق السياحة الدينية، لا حق الاحتلال والسيادة".

 تزييف منهجي

وتحاول إسرائيل، في إطار فرض شرعيتها المزعومة على سبسطية، ترويج رواية تزعم أن الفلسطينيين -سلطة وشعبا- لا يحافظون على التراث والآثار، بل يتعمدون تخريبها لطمس ما تسميه "الإرث اليهودي" والحضارة التي كانت قائمة في الماضي.

ولتدعيم هذا الادعاء، اعتمدت تل أبيب على مقطع فيديو يوثق احتراق أجزاء من المنطقة الأثرية في سبسطية، أعادت حسابات إسرائيلية نشره عام 2022، بينما زعمت وسائل الإعلام العبرية حينها أن الحريق مفتعل وأن من يقف وراءه هم "مخربون فلسطينيون".

وذهبت وسائل الإعلام الإسرائيلية أبعد من ذلك، فأشارت إلى أن "المخربين العرب" لم يكتفوا بإضرام النار، بل شوهوا بعض المكتشفات الأثرية، وكتبوا شعارات باللغة العربية على جدران الموقع، في محاولة لإسناد رواية تقول إن الفلسطينيين يسعون لمحو أي دليل على "التاريخ اليهودي" المزعوم.

وفي خضم الترويج لهذه الرواية، شاركت المحامية الإسرائيلية نيتسانا دارشان لايتنر الفيديو ذاته عام 2022، وكتبت معلقة "لا يُصدق، مخربون فلسطينيون أضرموا النار وتسببوا بأضرار في موقع التراث اليهودي بالحديقة الوطنية السامرة القديمة. هذه المدينة التاريخية كانت عاصمة مملكة إسرائيل في عهد الملوك، ولا يُعقل أن يُحرق في قلب البلاد تاريخنا وآثارنا التي تعود لنا، بأيدي الفلسطينيين، بينما الحكومة لا تفعل شيئا".

פשוט לא להאמין! פורעים פלסטינים הציתו והסבו נזק לאתר המורשת היהודי בגן לאומי שומרון העתיקה.

שומרון העתיקה היא עיר קדומה בארץ ישראל אשר שימשה כבירת ממלכת ישראל בתקופת המלכים.

לא ייתכן שבלב המדינה, ההיסטוריה והעתיקות השייכות לנו יישרפו בידי הפלסטינים בשעה שהממשלה לא עושה דבר. pic.twitter.com/xTuZbam6GB

— Nitsana Darshan-Leitner ניצנה דרשן-לייטנר (@AttorneyNitsana) July 31, 2022

 

وفي السياق نفسه، قال إيتان ميليت، المنسق الميداني لمنطقة يهودا والسامرة في منظمة "ريجافيم" الاستيطانية، "ما يحدث في سبسطية هو حرب على السردية. السامرة -أهم موقع تاريخي لشعب إسرائيل، وعاصمة مملكة إسرائيل لمئات السنين- تُنهب وتُدمر ببساطة على يد السلطة الفلسطينية، في محاولة لخلق سردية تاريخية فلسطينية. يجب أن نعود إلى السامرة" .

מלחמה על הנרטיב!
מה שקורה בסבסטיה בשבועות האחרונים זה בושה לעם ישראל לדורותיו.
שומרון האתר ההסטורי הכי חשוב של עם ישראל, עיר הבירה של ממלכת ישראל במשך מאות שנים, פשוט נשדד ונהרס תחת הידים של הרשות הפלסטינית,
מתוך מגמה לייצר סיפור הסטורי פלסטיני.
חייבים לחזור לשומרון!!! pic.twitter.com/PWH2th7BKH

— Eitan Melet (@EitanMelet) July 26, 2022

 

لكن رئيس بلدية سبسطية محمد عازم استعاد تفاصيل تلك الحادثة قائلا إن الحريق كان "مفتعلا" من قبل الاحتلال، موضحا "كان عدد من عمال البلدية ووزارة السياحة والآثار الفلسطينية ينجزون أعمال تنظيف للأعشاب التي تغطي الحجارة الرومانية والأبنية الأثرية. وبعد انتهاء عملهم، فوجئنا بوجود قوات الاحتلال في الموقع، لتشتعل النيران بعدها مباشرة، ويمنع دخول أي فلسطيني إلى المنطقة".

إعلان

ويضيف عازم أن الحريق استُخدم حينها ذريعة لمنع الفلسطينيين من استكمال أعمال الترميم والصيانة، ووسيلة للهجوم على البلدية وأهالي سبسطية، مؤكدا أن "هذا ادعاء كاذب، فأبناء سبسطية حافظوا على هذا الإرث لأكثر من 5 آلاف عام".

 سرقة وتزييف للتاريخ

وسلّط رئيس بلدية سبسطية، محمد عازم، والباحث في تاريخ وآثار فلسطين، ضرغام فارس، الضوء على ما وصفاه بـ"السرقات الممنهجة" ومحاولات تزييف التاريخ التي ينفذها الاحتلال في المنطقة، بهدف إثبات روايته المزعومة وطمس الحق الفلسطيني في الأرض.

ويؤكد عازم أن بحوزة البلدية توثيقات لسرقة أتربة غنية بالقطع المعدنية والأثرية ونقلها إلى وجهات مجهولة، إضافة إلى استيلاء "الإدارة المدنية" الإسرائيلية على مدفن أثري يقع في منطقة "ب" الخاضعة للسيطرة الفلسطينية، متسائلا "أين يذهب الاحتلال بهذه الأتربة؟ وأين اختفت القطع الأثرية التي صودرت؟".

ويضيف أن أعمال الحفر التي تنفذها "دائرة الآثار" الإسرائيلية ووزارة التراث في قلب المنطقة الأثرية تهدف إلى تزييف التاريخ، مشيرا إلى أن الاحتلال أدخل خلال السنوات الماضية حجارة لا علاقة لها بالحقبة التاريخية للمدرج الروماني، وبنى جدرانا داخله لا تمت للتسلسل الزمني للحضارات التي مرت على سبسطية بصلة.

وفي تفنيده لادعاء الاحتلال بأن قراراته تستهدف "حماية" المواقع الأثرية، قال عازم "ممن سيحمي الاحتلال هذه الآثار؟ من لصوص الظلام الذين يعملون ليلا ويسرقون ناتج الحفريات؟ هؤلاء هم تجار الآثار في دولة الاحتلال. في المقابل، لا يوجد أي تاجر في الضفة يمكنه اقتناء قطعة أثرية، لأن القانون الفلسطيني يجرّم ذلك، والسلطة الفلسطينية عبر شرطة السياحة والآثار تلاحق كل من يقوم بأعمال التنقيب، لكننا نصطدم دائما بمنع الاحتلال لهذه الملاحقة بحجة وجود نشاطاته في المنطقة، ما يقيد تحركات الأجهزة الأمنية الفلسطينية".

من جهته، قدم الباحث ضرغام فارس نماذج لهذه السرقات، منها حادثة 19 يناير/كانون الثاني 2023 حين استولى الاحتلال على تابوت حجري أثري أثناء قيام طواقم الوزارة بأعمال تنقيب إنقاذي في سبسطية، واحتجز الموظفين لساعات. وآخر هذه الحوادث التنقيب الجاري حاليا في البلدة ونقل مواد أثرية إلى جهات مجهولة.

ويصف فارس هذه الأعمال بأنها انتهاك خطير للتراث الفلسطيني ومخالفة صريحة للاتفاقيات الدولية، منها اتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية الملكية الثقافية في حالة النزاع المسلح وبروتوكولاها (1954 و1999)، واتفاقية 1970 الخاصة بحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية.

وفي رد على مزاعم الاحتلال حول "إهمال" الفلسطينيين للمواقع الأثرية، قال فارس "هذه آثار أجدادنا، ونحن أحرص الناس على الحفاظ عليها. منذ تأسيس وزارة السياحة والآثار عام 1995، ركزت الوزارة جهودها على برامج حماية التراث في سبسطية، بدءا من المسح والتوثيق الأثري والمعماري، مرورا بأعمال الصيانة الطارئة والحفريات الإنقاذية والمنظمة، وصولا إلى ترميم المباني الأثرية وتأهيل البنية التحتية لتوفير بيئة سياحية ملائمة".

 

سبسطية نموذج يتكرر

ما يجري في سبسطية ليس معزولا، فالقدس كانت ولا تزال النموذج الأبرز لمحاولات الاحتلال فرض سيطرته على المواقع الأثرية عبر مزاعم "الهيكل الأول والثاني".

وتحدث رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي لـ"الجزيرة" عن مساعي الاحتلال لفرض سيطرته على مدينة القدس، عبر الترويج لوجود "الهيكل الأول والثاني" فيها.

وقال الهدمي إن بعثات وعلماء آثار أجروا حفريات في محاولة لإثبات إرث يهودي بالقدس، لكن النتائج جاءت "مخيبة لآمال الاحتلال والعلماء على حد سواء"، إذ زادت الأدلة على إثبات الوجود الإسلامي في المدينة، خلافا للرواية الإسرائيلية.

وأضاف أن علماء الآثار فندوا ادعاءات الاحتلال بوجود فترة "الهيكل الأول والثاني" في القدس، معتبرا أن ذلك يخالف المنهج العلمي في التاريخ والآثار، حيث لا يجوز تسمية حقبة زمنية كاملة باسم معلم يُزعم وجوده في مكان ما.

وأوضح أنه حتى لو ثبت وجود الهيكل -وهو ما لا يوجد عليه أي دليل حتى الآن- فإن تضخيم تلك الفترة لا يقارن بعصور أخرى، مثل الفترة البرونزية، مشيرا إلى أن تاريخ القدس يمتد لنحو 7 آلاف عام، أي قبل الميلاد بـ5 آلاف سنة، بينما لم تتجاوز فترة الهيكلين المزعومة 140 عاما، وهي قصيرة وهامشية مقارنة بعمر المدينة.

إعلان

وأكد الهدمي أنه لا توجد أي رواية تاريخية موثوقة تدعم هذا الادعاء، وأن الاحتلال يعتمد في ذلك على نصوص التوراة والتلمود فقط، كما هو الحال في قضية سبسطية.

وعن مزاعم الاحتلال في سبسطية، قال الهدمي إن "سرقة الآثار وتزويرها ديدن الاحتلال، الذي لا يملك شيئا في فلسطين ويحاول الاستيلاء على كل شيء".

وأشار إلى أن الاحتلال لم ينجح حتى الآن في تقديم دليل علمي معتمد من علماء الآثار والتاريخ المعتبرين يثبت الوجود اليهودي بالشكل الذي يروج له، معتبرا أن "الوجود اليهودي على أرض فلسطين كان طارئا في الفترات السابقة، وسيبقى كذلك، في حين أن الوجود العربي الفلسطيني والإسلامي هو وجود طويل وثابت، سبق اليهود ورافقهم وسيستمر بعد زوال دولة الاحتلال".

مطالبات فلسطينية ودولية

وزارة السياحة والآثار الفلسطينية دعت مرارا منظمة اليونسكو لإرسال بعثة تقصي حقائق إلى سبسطية، وتوثيق الانتهاكات، والضغط على الاحتلال لوقف إجراءاته الأحادية.

اليونسكو بدورها طالبت إسرائيل في مايو/أيار الماضي بالامتناع عن أي أعمال قد تضر بالموقع، وبالالتزام بالقانون الدولي.

لكن على الأرض، تواصل الجرافات الإسرائيلية وأطقم التنقيب عملها، فيما يقاوم الأهالي -بدعم باحثين ومؤرخين- للحفاظ على إرث يعتبرونه شاهدا على هويتهم وحقهم التاريخي في هذه الأرض.

 

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات دراسات تحليلات السیاحة والآثار المواقع الأثریة مملکة إسرائیل الاحتلال فی هذه الأرض فی سبسطیة pic twitter com جزء من إلى أن

إقرأ أيضاً:

عاجل | الخارجية الأردنية: ندين تصريحات نتنياهو التي قال فيها إنه متعلق بما تسمى رؤية إسرائيل الكبرى

التفاصيل بعد قليل..

مقالات مشابهة

  • “الشعبية” تؤكد أن “رؤية إسرائيل الكبرى” تكشف النوايا التوسعية الخبيثة للكيان
  • "الشعبية": "رؤية إسرائيل الكبرى" مشروع توسعي يمثل تهديدًا للأمن القومي العربي
  • قنبلة إسرائيل الكبرى التي ألقاها نتنياهو
  • عاجل | الخارجية الأردنية: ندين تصريحات نتنياهو التي قال فيها إنه متعلق بما تسمى رؤية إسرائيل الكبرى
  • الاحتلال يهدم منشأة زراعية وكوخًا وسورًا بالقدس
  • نتنياهو: أسعى لتحقيق إسرائيل الكبرى التي تضم أراضي فلسطينية وأجزاء من الأردن ولبنان وسوريا ومصر
  • توقيع رواية غوديا سليل النهرين للروائية السورية نورا محمد علي في مقهى الروضة
  • وزير الخارجية الأسبق: إسرائيل تسعى لتحويل غزة إلى أرض محروقة وتفكيك القضية الفلسطينية
  • «غزة من فكّ الارتباط إلى فكّ الذاكرة».. كيف أعادت إسرائيل رسم الجغرافيا والديموغرافيا؟