ضروة الإيمان بقضاء الله وقدره في الشريعة الإسلامية
تاريخ النشر: 1st, December 2024 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية إن الشريعة الإسلامية أرست في نفوس المسلمين مبدأ الإيمان بقضاء الله تعالى وقَدَره، وجعلته ركنًا من الإيمان لا يكتمل إيمان العبد إلا به، كما في حديث جبريل عليه السلام المروي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ حينما سأل جبريل عليه السلام النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الإيمان، قال: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وأوضحت الإفتاء أن البلاء والوباء من قضاء الله تعالى وقدره، وأول ما يجب على المسلم فعله إذا ما نزل به بلاءٌ أو أصابه وباءٌ هو الرضا به والصبر عليه دون جزع أو نفور؛ لما تقرر أن قضاء الله تعالى كله خير؛ فعن صهيب بن سنان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وورد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا؛ إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» متفق عليه.
من الآداب التي يجب أن يتحلى بها المسلم الرجوع إلى الله تعالى والتذلل إليه بالدعاء بكشف الضر ورفع البلاء، امتثالًا لما أمرنا به من وجوب التضرع إليه عند وقوع الشدائد والبلايا؛ قال تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ [الأنعام: 43].
من الآداب التي يجب أن يتحلى بها المسلم الاعتقاد بأن الله وحده قادر على رفع البلاء، من غير حول منا ولا قوة؛ قال تعالى: ﴿قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْب﴾ [الأنعام: 64]، وقال تعالى: ﴿لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ﴾ [النجم: 58].
قال الإمام الطبري في "تفسيره" (11/ 415): [الله القادرُ على فَرَجكم عند حلول الكرب بكم، ينجيكم من عظيم النازل بكم في البر والبحر من همِّ الضلال وخوف الهلاك، ومن كرب كل سِوَى ذلك وهمٍّ] اهـ.
كما يجب أن يتحلى أيضًا بوجوب الأخذ بجميع أسباب الوقاية وأساليب النجاة؛ حيث جرت العادة أن يخلق الله الفعل عند وجود سببه، ولأن في الأخذ بأسباب الوقاية والسلامة امتثالًا لما أمر به الشرع الشريف من اجتناب مواطن التهلكة وحفظ النفس من الضرر، قال تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة﴾ [البقرة: 195]، وكما أمرت السنة النبوية بالفرار من المجذوم وذوي الأمراض المعدية.
كما يجب على المسلم الإكثار من فعل الخيرات كالتصدق والإنفاق في سبيل الله، فقد حثنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نجعل الصدقة سبيلًا لشفاء المرضى، فلَأَن تكون وقايةً من المرض أَولَى، كما حثنا على أن نتخذ الدعاء وسيلةً لمواجهة البلاء، ولَأَن يكون لعموم الخير أَوْلَى؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: «دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَأَعِدُّوا لِلْبَلَاءِ الدُّعَاءَ» أخرجه الطبراني في "الكبير"، وأبو نعيم في "الحلية"، والبيهقي في "السنن الكبرى" و"شعب الإيمان".
كما يجب عليه الحرص على تقوى الله تعالى وتجنب معصيته، ولزوم الاستغفار والتوبة عما قد سبق من الآثام؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: 2]، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: 33].
كما يجب أيصًا أن يُحسِن المسلم الظن بالله تعالى، ويدرك أن رحمة الله تعالى وسِعَت كل شيء، فإن كان ممن قد ابتُلي بالمرض فيكون ظنه أن الله ما ابتلاه به إلا لأنه يحبه، وأنه قادر على رفع البلاء عنه، وإن لم يكن قد أصيب به، فيكون ظنه بالله أنه لن يصاب به طالمًا كان ملتزمًا بأسباب الوقاية، وبأن الله دافِعُه عنه ورافِعُه عن كل مَن أصيب به؛ قال تعالى: ﴿قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر: 56]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ﴾ [يوسف: 87]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَ» متفق عليه.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإفتاء دار الإفتاء صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه الله تعالى قال تعالى کما یجب الله ت
إقرأ أيضاً:
مصطلحات إسلامية: الولاء والبراء
#مصطلحات_إسلامية: #الولاء_والبراء
مقال الإثنين: 23 / 6 / 2025
بقلم : د. #هاشم_غرايبه
الولاء والبراء هما مصطلحان إسلاميان بامتياز، وهما أمران متلازمان يأتيان معا.
في أبسط معانيهما، تأتي كلمة (وَلِيٌّ) في السياق اللغوي بمعنى الناصر والصديق، والتابع المُحب، وهو ضد العدو، وتأتي كلمة (البَرَاء) بمعنى البُعد والتَرفُّع عن الشيء وقطع العلاقة معه، وتجنبه، ويشير مفهوم (الولاء) بين العلماء إلى الحب، والنصرة لله تعالى، ولرسوله (ﷺ) وللمسلمين من خلال تقوية أواصر الأخوة، وتعميق مفاهيم التعاون، والدعم المتبادل في سبيل الدين، ودعم الدولة، في حين يشير مفهوم (البراء) إلى الرفض القلبي لعبادة غير الله، وما يتصل بها من مظاهرَ، وممارساتٍ، ولِمَن يعادون الإسلام والمسلمين، ولا يعني ذلك أن نكره أتباع العقائد الأخرى عمومًا، أو أن نعاديهم، أو نسيء معاملتهم.
الإلتزام بهذين المبدأين يشكل سمة عامة للمجتمعات المسلمة، كما يشكل دليلا مرشدا لنظام الحكم، تحدد السياسة الخارجية له، ومبدءًا يلزم باتباعه في عقد المعاهدات والأحلاف.
الولاء والبراء ليسا آدابا يحسن بالمسلم اتباعهما اختياريا، بل هما أوامر إلهية ملزمة للعامة وللسلطة الحاكمة، وقد ورد الأمر بهما في عدة مواضع في كتاب الله، منها قوله تعالى: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” [التوبة:71].
كما يبين تعالى ان من يلتزمون بهذين المبدأين هم حزب الله الذين يرضى عنهم الله وسيدخلهم جناته: “لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” [المجادلة:22].
لكن الله تعالى لا يكتفي بالحض على ذلك، بل يحذر من عدم الالتزام بهما، فيقول: “لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ” [آل عمران:28].
وفي موضع آخر ينهى عن موالاة غير المسلمين بأمر مباشر وصريح، فيقول تعالى: “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” [المائدة51].
نتوصل مما سبق الى أن الولاء والبراء ليسا محل مناقشة، ولا هما خاضعان للقناعة الشخصية، بل هما أمر واجب التنفيذ، وعلى جميع الآصعدة، ابتداء من العلاقات الفردية بين المؤمن والمحيطين به، وبين المجتمع المؤمن، والمجتمعات الأخرى، وبين السلطة الحاكمة والأنظمة السياسية غير المؤمنة.
هنا يجب ملاحظة أن منهج الله لا يذكر العلاقة بين مجتمع اسلامي ومجتمع اسلامي آخر، لأنه يعتبر المسلمين جميعا مهما تباعدت أمصارهم واختلفت قومياتهم أمة واحدة، كما أنه لا يجيز قيام انظمة حكم متعددة للمسلمين بل يجب أن تحكمهم دولة واحدة موحدة.
من المهم أن نفهم أن ميزة المسلم بالحب في الله والبغض في الله لا يعني انعزالية المجتمع المسلم، ولا كراهية غير المسلمين، فالله تعالى خلق البشر وفق سنة الإختلاف والتعددية: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ” [هود:118]، فليس المراد من البراء هو عدم الإحسان لغير المسلم، أو إعلان العداء له مطلقًا، فالمسلم عليه أن يتعامل مع غيره معاملة طيبة تنم عن فهم التشريعات الإلهية: “إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” [الممتحنة:9].
كما انه يحرم على المسلمين المبادرة بالعداء، بل الرد على العدوان بالمثل: “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” [البقرة:190]، وبلا بغي ولا زيادة: “وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ” [النحل:126]
وعموما فإن المكلف باتباع كل ما سبق هو السلطة الحاكمة لأنها صاحبة القرار، وعليه فإن استحقاقها الحكم وطاعتها منوط بامتثالها لأوامر الله.
مقالات ذات صلة للنقاش الهادئ 2025/06/22