الأسبوع:
2025-07-29@01:31:38 GMT

«الطفولة بناء وأمل».. نص خطبة الجمعة 20 ديسمبر 2024

تاريخ النشر: 18th, December 2024 GMT

«الطفولة بناء وأمل».. نص خطبة الجمعة 20 ديسمبر 2024

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة القادمة 18 جمادى الآخرة 1445هــ الموافق 20 ديسمبر 2024، بعنوان: «الطفولة بناء وأمل».

وقالت وزارة الأوقاف إن الهدف من هذه الخطبة هو توعية جمهور المسجد بأهمية بناء إنسان مستنير بالعلم، قادر على أن يتحدى الزمن بالإنجاز.

وفيما يلي نص خطبة الجمعة:

الطفولة بناء وأمل

الحَمْدُ للهِ العَزِيزِ الحَمِيد، القَوِيِّ المَجِيد، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لَا شَريكَ لَهُ، شَهَادَةً مَنْ نَطَقَ بِهَا فَهُوَ سَعِيد، سُبْحَانَهُ هَدَى العُقُولَ بِبَدَائِعِ حِكَمِه، وَوَسِعَ الخَلَائِقَ بِجَلَائِلِ نِعَمِه، أَقَامَ الكَوْنَ بِعَظَمَةِ تَجَلِّيه، وَأَنْزَلَ الهُدَى عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَمُرْسَلِيه، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، شَرَحَ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ، وَشَرَّفَنَا بِهِ، وَجَعَلَنَا أُمَّتَهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:

فَإِنَّ الطُّفُولَةَ أَجْمَلُ مَا فِي الوُجُودِ، وَالنَّبْعُ الحَقِيقِيُّ لِلْحُبِّ وَالحَنَانِ فِي حَيَاةِ الإِنْسَانِ، الطُّفُولَةُ أَحْلَى مَرَاحِلِ العُمْرِ، وَأَعْظَمُ فَتَرَاتِ الحَيَاةِ أهميةً، وَالأَطْفَالُ نِعْمَةٌ جَلِيلَةٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ الوَهَّابِ الَّتِي لا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا}، فَفِي ابْتِسَامَتِهِم البَسَاطَةُ، وَفِي تَعَامُلِهِم البَرَاءَةُ، أَحَادِيثُهُمْ مُشَوِّقَةٌ، وَمَشَاعِرُهُمْ صَافِيَةٌ، أَنْفَاسُهُمْ كَالزَّهْرِ فِي فَجْرِ الرَّبِيع، حَيَاتُهُمْ نَقَاء، وَصَفحَاتُهُم بَيْضَاء.

وَإِذَا كَانَ وَاجِبُ الوَقْتِ هُوَ بِنَاءُ إِنْسَانٍ مُتَسَلِّحٍ بِالعِلْمِ قَادِرٍ عَلَى الإِنْجَازِ وَتذليل التَّحَدِّيات، فَاعْلَمُوا أَيُّهَا الكِرَامُ أَنَّ نَوَاةَ بِنَاءِ الإِنْسَانِ بِنَاءُ طُفُولَتِهِ، فَبِمِقْدَارِ مَا يَتَشَكَّلُ الإِنْسَانُ فِي طُفُولَتِهِ يَصِيرُ فِي رُجُولَتِهِ، وَحَرِيٌّ بِالمجُتْمَعِ أَنْ يَحْتَشِدَ لِهَذَا البِنَاءِ الشَّرِيفِ، وَحَقِيقٌ بِكُلِّ أَبٍ وَأُمٍّ أَنْ يُسَارِعُوا فِي تَقْدِيمِ كُلِّ أَوْجُهِ الرِّعَايَةِ وَالعِنَايَةِ وَالتَّرْفِيهِ وَالمُتْعَةِ لِلطِّفْلِ، وَأَنْ يُبَادِرُوا إِلَى مِلْءِ فَرَاغِ الطِّفْلِ بِمَا يَجْعَلُهُ سَعِيدًا مُتَفَائِلًا مُقْبِلًا عَلَى الحَيَاة.

أَيُّهَا السَّادَةُ، إِنَّ مِمَّا تَعَلَّمْنَاهُ مِنْ عُلَمَائِنَا الأَجِلَّاءِ أَنَّ الطُّفُولَةَ تَتَوَقَّفُ عِنْدَهَا الأَحْكَامُ، وَقَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَالِ الجَنَابِ المُعَظَّمِ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَهَا هُوَ يَنْزِلِ مِنْ مِنْبَرِهِ الشَّرِيفِ، وَيَقْطَعُ خُطْبَتَهُ السَّامِيَةَ، تَلَطُّفًا وَتَحَنُّنًا لِتَعَثُّرِ حَفِيدَيْهِ سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمَا، وَتَصَوَّرْ مَعِي أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي هِيَ رَاحَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسَكِينَتُهُ وَطُمَأْنِينَتُهُ، كَانَ حَضْرَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّفُهَا لِأَجْلِ بُكَاءِ طِفْلٍ صَغِيرٍ، فَهَا هُوَ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ يُوقِفُ حُكْمَ التَّأَنِّي وَالتَّمَهُّلِ، وَيَتْرَكُهُ إِلَى مَا هُوَ أَحَبُّ مِنْهُ فِي هَذَا المَقَامِ مِنَ التَّحَنُّنِ وَالتَّرَفُّقِ وَالشَّفَقَةِ وَالتَّلَطُّفِ بِالطِّفْلِ، وَإِشْبَاعِ نُهْمَتِهِ فِي المُتْعَةِ وَالتَّرْفِيهِ وَالتَّعْلِيمِ، فِي تَطْبِيقٍ نَبَوِيٍّ فَرِيدٍ وَحَالٍ شَرِيفٍ لِتِلْكَ القَاعِدَةِ القُرْآنِيَّةِ {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ}.

أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا يَسْتَحِقُّ أَطْفَالُنَا لُغَةَ الاحْتِرَامِ وَالرُّقِيِّ وَالرَّحْمَةِ المُوَجَّهَةِ مِنَ اللِّسَانِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ وَهُوَ يُوَاسِي طِفْلًا فِي مَوْتِ عُصْفُورِهِ، جَابِرًا خَاطِرَهُ، مُتَرَفِّقًا بِهِ، رَافِعًا الحُزْنَ عَنْ قَلْبِهِ: «يَا أَبَا عُمَيْر، مَا فَعَلَ النُّغَيْر؟» أَلَمْ يَحِنِ الوَقْتُ لِلْجُلُوسِ مَعَ أَبْنَائِنَا لِنَسْتَمِعَ إِلَى تَطَلُّعَاتِهِمْ وَآمَالِهِم، وَنَعِيشَ آلَامَهُمْ، وَنُوَاسِيَهُمْ كَمَا وَاسَتِ الأَحْضَانُ النَّبَوِيَّةُ هَذَا الطِّفْلَ الصَّغِيرَ، وَالطِّفلُ وَفِيٌّ ذَكِيٌّ حَصِيفٌ، يَحْفَظُ الجَمِيلَ، وَيَتَذَكَّرُ كُلَّ لَحْظَةِ طَيِّبَةٍ وَيَدٍ حَانِيَةٍ.

أَيُّهَا الكِرَامُ، أَفْسِحُوا المَجَالَ لِلطِّفْلِ، أَشْبِعُوا مَعْنَوِيَّاتِهِ حَتَّى يَخْرُجَ إِنْسَانًا سَوِيًّا قَوِيًّا مُفَكِّرًا مُبْدِعًا، امْنَحُوا الأَطْفَالَ قُبْلَةَ الحَيَاةِ بِأَنْ تُفِيضُوا عَلَيْهِم جَمِيلَ المَشَاعرِ وَالأَحَاسِيسِ وَجَرْعَاتِ الحُبِّ وَالحَنَانِ. اغِرُسُوا فِي أَطْفَالِكُمْ قِيَمَ استشعار رقابة الله عليه، وَالشَّجَاعَةِ، وَالتَّحَدِّي الَّتِي غَرَسَهَا نَبِيُّنَا الكَرِيمُ صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فِي وِجْدَانِ الصَّبِيِّ الأَمِينِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، إذ قال له: «يا غُلامُ، إنِّي أعلِّمُكَ كلِماتٍ، احفَظِ اللهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ، إذا سأَلتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللهِ، واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت علَى أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلَّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ».

إِنَّ القَلْبَ يَعْتَصِرُهُ الأَلَمُ مِنْ حُزْنِ طِفْلٍ وَغُصَّةِ حَلْقِهِ جَرَّاءَ فَقْدِ حَنَانِ أُسْرَتِهِ وَسْطَ مَشَاغِلِ الحَيَاةِ المُتَسَارِعَةِ. أَيُّهَا النَّاسُ، هَلْ أَصْبَحَ حَالُنَا مَعَ أَطْفَالِنَا حَالَ هَذَا الأَعْرَابِيِّ الَّذِي قَسَا قَلْبُهُ عَلَى أَوْلَادِهِ، فَتَرَاهُ يَسْتَغْرِبُ تَقْبِيلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَحْفَادِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمُ وَحُنُوَّهُ عَلَيْهِمْ وَاحْتِوَاءَهُ لَهُمْ وَإِفَاضَتَهُ الرِّفْقَ وَالأُنْسَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، حَتَّى اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الأَعْرَابِيُّ هَذَا اللَّوْمَ المُحَمَّدِيَّ «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ».

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:

فَيَا أَيُّهَا الكِرَامُ، إِنَّ التَّعَامُلَ مَعَ الأَطْفَالِ مِنْ مُنْطَلَقِ الحُبِّ وَاللِّينِ وَإِحْيَاءِ الطُّفُولَةِ مِنْ أَجَلِّ اهْتِمَامَاتِ الأَدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ وَالحَضَارَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ، فَكَمْ مِنْ طِفْلٍ أَحْيَا اللهُ بِهِ مَجْدَ أُمَّةٍ؟ وَاسْأَلُوا التَّارِيخَ عَنْ تَجْرِبَةِ الطُّفُولَةِ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمَالِكٍ، لِنُدْرِكَ أَنَّ الأَطْفَالَ هُمْ أَمَلُ الوَطَنِ وَمُسْتَقْبَلُ الأُمَّةِ.

فَلْنَبْنِ الإِنْسَانَ بِبِنَاءِ الطُّفُولَةِ المُفَكِّرَةِ المُبْدِعَةِ، القَادِرَةِ عَلَى التَّحَدِّي وَالنُّبُوغِ وَالتَّفَوُّقِ، وَلْنُوقِفْ نَزِيفَ الطُّفُولَةِ وَسْطَ هَذَا الرُّكَامِ مِنَ الأَلْعَابِ الإِلِكْتِرُونِيَّةِ، وَالمَوَاقِعِ المَشْبُوهَةِ، وَالأَفْكَارِ الهَدَّامَةِ، أَلَا تُقَدِّرُ أَيُّهَا النَّبِيلُ حَجْمَ الدَّمَارِ الَّذِي يُعَانِي مِنْهُ طِفْلُكَ جَرَّاءَ الجُلُوسِ بِالسَّاعَاتِ وَبِيَدِهِ جِهَازٌ مَحْمُولٌ، فَيَتَشَتَّتُ عَقْلُهُ، وَيَفْقِدُ مَلَكَاتِهِ، وَتَضِيعُ مَوَاهِبُهُ؟!

أَيُّهَا السَّادَةُ، إِنَّ التَّعَامُلَ السِّيِّئَ مَعَ الأَبْنَاءِ يُؤَدِّي إِلَى تَرْكِ أَثَرٍ قَبِيحٍ دَاخِلَ نُفُوسِهِمْ، وَيَزْرَعُ مَشَاعِرَ غِلٍّ وَكَرَاهِيةٍ قَابِلَةً لِلتَّحَوُّلِ إِلَى مَوْجَةِ غَضَبٍ عَارِمَةٍ، وَلَكَ أَنْ تتَخَيَّلَ مَاذَا يَكُونُ فِي ذَاكِرَةِ شَابٍّ طُرِدَ مِنَ مَسْجِدِ الحَيِّ وَهُوَ صَغِيرٌ، أَوْ مَا انْطَبَعَ فِي قَلْبِ تِلْمِيذٍ لَمْ يَجِدْ مِنْ مُعَلِّمِهِ إِلَّا القَسْوَةَ وَالغِلْظَةَ؟!

أَيُّهَا النَّاسُ، هَذِهِ دَعْوَةٌ لِإِكْرَامِ وَجَبْرِ خَاطِرِ كُلِّ طَفْلٍ، أَحِيطُوا الطِّفْلَ بِكُلِّ صُوَرِ الحُبِّ وَالوُدِّ وَالتَّرْفِيهِ المُفْضِي إِلَى التَّعْلِيمِ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ غَدًا المَرْمُوقَ فِي الأَنْظَارِ، المُبْتَكِرَ المُخْتَرِعَ الشَّاعِرَ الأَدِيبَ الكَبِيرَ.

اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي أَطْفَالِنَا وَشَبَابِنَا وَوَطَنِنَا العَزِيزِ

اقرأ أيضاً«صناعة العقول وأثرها في بناء الإنسان».. نص خطبة الجمعة غدا 13 ديسمبر 2024

"الحياء زينة المرأة" خطبة الجمعة بأحد مساجد كفر الشيخ

«لغة القرآن والحفاظ علي الهوية».. موضوع خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: خطبة الجمعة القادمة موضوع خطبة الجمعة موضوع خطبة الجمعة القادمة وزارة الأوقاف خطبة الجمعة الإ ن س ان الأ ط ف ال الک ر ام أ ط ف ال إ ن س ان ا الک ر ه ا الن ى الله

إقرأ أيضاً:

بين قتل الطفولة في غزة… وتفكيك مخيمات الضفة

منذ اللحظة الأولى لحرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، بدا واضحًا أن الهدف يتجاوز “الردع العسكري” أو “تصفية المقاومة” كما يحاول الترويج له. فالعدوان، بكل ما فيه من عنف مفرط وقصف عشوائي ومجازر جماعية، سرعان ما كشف عن نوايا أبعد من ذلك: إنهاء القضية الفلسطينية من جذورها، عبر تدمير مرتكزاتها الإنسانية والديمغرافية والاجتماعية.

الطفولة هدف مباشر في استراتيجية الإبادة
من المثير للذهول – لا للدهشة – أن الأطفال الفلسطينيين باتوا الهدف الأبرز في حرب الاحتلال على غزة. لم يعد الأمر “أضرارًا جانبية” كما تدّعي الرواية الإسرائيلية، بل سياسة ممنهجة لإبادة جيل كامل.

فبحسب منظمات حقوقية، قُتل آلاف الأطفال منذ بداية الحرب، ودُمّرت مئات المدارس ورياض الأطفال والمرافق الصحية المخصصة للصغار. وأمام هذا الواقع، يصبح من المشروع التساؤل: ما الذي يدفع قوة نووية إلى استهداف مَن لم يتجاوزوا العاشرة من أعمارهم؟

الإجابة تُشير إلى بُعد استراتيجي خطير: الاحتلال يسعى إلى تدمير الوعي الفلسطيني منذ الطفولة، وإبادة أي فرصة لولادة جيل جديد قادر على حمل الراية والمطالبة بالحق.

الضفة الغربية: تهجير قسري بصمت دولي
بينما تتجه أنظار العالم إلى الدمار الهائل في غزة، تعمل إسرائيل في الضفة الغربية بخطة صامتة لكن شديدة الخطورة. هناك، لا يُستخدم القصف الجوي، بل أدوات أكثر هدوء لكنها لا تقل دموية: التهجير القسري، تفكيك المخيمات، مصادرة الأراضي، خلع الأشجار، وبناء الطرق الالتفافية التي تُقسّم الضفة وتحوّلها إلى كانتونات متناثرة.

في الأسابيع الماضية فقط، تم تهجير مئات العائلات الفلسطينية من تجمّعاتها البدوية والزراعية، خاصة في مناطق الأغوار وجنوب الخليل، بذريعة التدريبات العسكرية أو البناء دون ترخيص. وفي الوقت ذاته، تواصل السلطات الإسرائيلية سياسة تفكيك مخيمات اللاجئين – كرمز تاريخي للنكبة – لتحويلها إلى أحياء بلا ذاكرة وطنية، في محاولة لمسح رمزية اللجوء والتهجير.

غزة تحترق والضفة تنزف… ماذا بعد؟
الجريمة الكبرى التي ترتكب اليوم في فلسطين ليست فقط في عدد الضحايا، بل في سعي الاحتلال إلى تغيير الواقع الجغرافي والسكاني بشكل نهائي. إسرائيل لا تكتفي بقتل البشر، بل تسعى لمحو معالم الوجود الفلسطيني: من شطب المخيمات في الضفة، إلى تدمير العائلات في غزة، مرورًا بسياسات التجويع والحصار والإرهاب النفسي والجسدي.

ما يجري ليس صراعًا عسكريًا، بل محاولة هندسة ديمغرافية شاملة تهدف إلى تفريغ فلسطين من أهلها، أو – على الأقل – من قدرة أهلها على الحياة والاستمرار.

سياسة واحدة بوجهين… الرصاصة والجرافة
يظن الاحتلال أن بإمكانه ترويض الفلسطيني عبر نوعين من العنف: في غزة، الرصاصة والقصف والموت الجماعي؛ وفي الضفة، الجرافة التي تهدم المنازل، وتحفر الطرق الالتفافية، وتقتلع الأشجار من جذورها. لكنه يتجاهل أن الفلسطيني قد تربى على التمسك بالأرض أكثر مما تربى على أي شيء آخر.
يبقى صوت الشعب الفلسطيني هو الأعلى. من بين الركام يخرج الأطفال في غزة
ارتدادات محتومة على الكيان الإسرائيلي
ليست المقاومة وحدها ما يهدد الكيان، بل ارتداد أفعاله عليه. إذ تشير تقارير أمنية إسرائيلية إلى أن الوضع في الضفة الغربية وصل إلى درجة “الغليان غير القابل للاحتواء”، وأن هناك “فتيلًا مشتعلاً تحت الرماد”، قد ينفجر في أي لحظة بانتفاضة واسعة أو انهيار أمني شامل. فمحاولة إخضاع الضفة وتجويع غزة لم تعد مجدية، بل تؤسس لحالة عنف مضاد قد لا تكون المقاومة قادرة على ضبطها أو السيطرة عليها.

فلسطين باقية مهما حاولوا
في خضم كل هذا الدمار، يبقى صوت الشعب الفلسطيني هو الأعلى. من بين الركام يخرج الأطفال في غزة يحملون كتبهم المحترقة، ومن بين بيوت الطين المهدمة في الأغوار يرفع الأطفال علم فلسطين. لا تكسرهم المجازر، ولا تقتلهم السياسات. لأن فلسطين، ببساطة، ليست جغرافيا فقط، بل روح ضاربة في جذور التاريخ.

المجتمع الدولي… صمتٌ مخجل وتواطؤ مقنّع
أمام كل هذا، يكتفي المجتمع الدولي بإصدار بيانات “القلق العميق” و”الدعوة لضبط النفس”، متغاضيًا عن جرائم حرب ترتكب بشكل يومي. بل إن بعض الدول الغربية لا تزال تمد الاحتلال بالسلاح والدعم السياسي، في مشهد يُظهر نفاقًا غير مسبوق في العلاقات الدولية.

فهل يحتاج العالم إلى مجزرة جديدة تُبث على الهواء مباشرة ليُدرك أن ما يجري هو تطهير عرقي؟ وهل يمكن لمجلس الأمن أن يتحرك قبل أن يُمحى جيل كامل من الوجود؟ الأسئلة كثيرة، لكن الإجابات تتأخر كما أرواح الضحايا.

خلاصة
إن الاحتلال الإسرائيلي، في حربه المتزامنة على غزة والضفة، لا يواجه “تهديدًا أمنيًا” كما يدعي، بل يواجه الحقيقة الأبديّة: أن الشعب الفلسطيني لا يُهزم، وأن محاولات الإبادة والتهجير والمحو لن تُجدي. قد تُقتل الطفولة اليوم، وقد تُهدم البيوت وتُحرَق المدارس، لكن جذوة الحياة في فلسطين لا تنطفئ.

وسيأتي يوم، يكون فيه الأطفال الذين استهدفتهم الطائرات هم من يكتبون تاريخًا جديدًا، بلا احتلال، ولا قصف، ولا نكبات.

الشروق الجزائرية

مقالات مشابهة

  • موسم إجازات في الدولة.. ماذا بعد عطلة المولد النبوي 2025
  • عبد الله: بدأت بيع العسل منذ الطفولة والمحل عمره يزيد عن 55 عامًا..فيديو
  • وزارة الأوقاف تعقد 27 ندوة علمية للأطفال عن صلة الأرحام .. صور
  • مدة أسبوع قابلة للتجديد..العدو الإسرائيلي يقرر إبعاد مُفتي القدس عن الأقصى
  • الاحتلال يُسلم مفتي القدس قرارًا بالإبعاد عن الأقصى أسبوعًا
  • بين قتل الطفولة في غزة… وتفكيك مخيمات الضفة
  • استشهاد شاب بغارة إسرائيلية قرب صور جنوب لبنان
  • قتيل في غارة إسرائيلية على سيارة جنوب لبنان
  • الأوقاف: نعمة المياه مقوم أساسي للحياة موضوع خطبة الجمعة المقبلة
  • أحلام: غيرت فستاني في خطبة لتشابهه مع فستان العروس.. فيديو