الأمثال الشعبية تحمل في طياتها حكمة الأجداد وتجاربهم الحياتية، وتستخدم يوميًا للتعبير عن مواقف متعددة، ومن بين تلك الأمثال الشهيرة والتي تستخدم حال الشك بوجود أمر خفي وراء الظاهر «الموضوع فيه إنّ»، ولم يعرف الكثيرون أن هذا المثل يعود إلى قصة حقيقية حدثت في مدينة حلب، وتشير إلى أن استخدم الذكاء في صياغة الكلمات لإيصال تحذير مبطن أنقذ حياة أمير شجاع.

الموضوع فيه إنّ

يعود المثل الشعبي إلي قديم الزمان بمدينة حلب العريقة، كان هناك أمير ذكي وشجاع يدعى علي بن منقذ، يتبع الملك محمود بن مرداس كان علي معروفًا بفطنته وحسن تصرفه وولائه للملك، لكن الأيام جاءت بما لا يشتهي، إذ نشب خلاف بينه وبين الملك، مما جعله يشعر بالخطر فذكائه كان ينبئه بأن الملك يضمر له شرًا ولم ينتظر الأمير طويلًا، وهرب بحذر إلى دمشق.

لكن الملك الذي لم يكن ليترك الأمور تمر دون محاولة لاستعادته، أمر كاتبه أن يرسل إليه رسالة تطمئنه وتستدعيه للعودة إلى حلب وفي ذلك الزمن، كانت وظيفة الكاتب ذات شأن عظيم وغالبًا ما يكون الكاتب أحد أكثر الرجال دهاء وذكاء، فهو ليس فقط صاحب القلم بل حارس الأسرار والقادر على إيصال الرسائل المكتوبة بطرق خفية بين السطور، وكتب الكاتب رسالة عادية جدًا ظاهرها الطمأنينة، لكن بذكائه ووفائه أراد أن يحذر الأمير دون أن يثير غضب الملك.

حكاية المثل الشعبي الموضوع فيه إنّ الأصلية

فوضع في نهاية الرسالة عبارة بسيطة، لكنها ليست عادية: «إن شاء الله تعالى» مع تشديد النون في كلمة «إنّ»؛ وعندما وصلت الرسالة إلى الأمير علي بن منقذ في دمشق قرأها بعناية وكان علي يعرف الكاتب جيدًا، ويدرك مهارته الفائقة في صياغة الرسائل فتوقف عند عبارة «إنّ» المشددة، وبدأ يفكر لم يكن هذا التشديد عشوائيًا، بل تذكر فورًا الآية الكريمة: «إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك»، وعندها أدرك أن الكاتب يحذره من العودة إلى حلب، وأن وراء دعوة الملك نية مبيتة للغدر.

الأمير علي نجح في تفادي الغدر بعد فهم الرسالة المبطنة

لم يتردد الأمير في الرد لكنه أراد أن يطمئن الكاتب بأنه فهم الرسالة الخفية، وكتب ردًا مليئًا بالشكر للملك على كرمه وثقته ثم ختم رسالته بعبارة «إنا الخادم المقر بالإنعام»، وعندما قرأ الكاتب الرد فهم أن الأمير قد التقط التحذير وأن الأمير يرد بالآية الكريمة «إنا لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها»، ليخبره بوضوح أنه لن يعود إلى حلب طالما أن الملك يخطط لشيء خبيث، ونجح الأمير علي في تفادي الغدر بفضل ذكائه وحنكة الكاتب، ومن ذلك اليوم بات الناس يرددون المثل الشعبي «الموضوع فيه إنّ» كلما شعروا أن هناك أمرًا خفيًا وراء الظاهر، أو أن الشكوك تحيط بموقف ما.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأمثال الشعبية المثل الشعبي

إقرأ أيضاً:

الأئمة حُرّاس الحرية.. دعوة الرئيس السيسي وإحياء جوهر الرسالة الإسلامية

في السنوات الأخيرة، تكررت دعوات الرئيس عبد الفتاح السيسي للأئمة والدعاة للقيام بدور أعمق في بناء وعي المجتمع وترسيخ القيم الدينية الصحيحة، وكان أحد أهم تلك التوجيهات دعوته لهم بأن يكونوا «حُرّاسًا للحرية». هذه الدعوة لم تكن مجرد خطاب سياسي، بل كانت رؤية فلسفية ودينية تتجاوز اللحظة الراهنة لتضع الحرية في مكانها الطبيعي: في قلب الرسالة الإنسانية التي أرادها الله للناس.

الحرية.. أصل الخلق وغاية الاستخلاف

خلق الله الإنسان حرًّا، ومنحه العقل والاختيار، وجعل التكليف قائمًا على الإرادة الواعية، لا على الإكراه أو الإذعان، فالحرية ليست قيمة مضافة للحياة، بل هي شرط الحياة نفسها، ولهذا قال تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾، مشيرًا إلى أن الإيمان الحقيقي لا ينشأ إلا في بيئة تسمح للإنسان بأن يفكّر ويختار.

ومن هنا تصبح الحرية قاعدة أصيلة في البناء الحضاري، فالإنسان المقهور لا يبدع، والمجتمع المكمّم لا يتقدم، والرسالة الدينية لا تؤتي ثمرتها إذا حُرِم الناس من مساحة التفكير ومن حقهم في البحث عن الحقيقة.

دور الأئمة والدعاة كحماة للحرية

حين دعا الرئيس السيسي العلماء والدعاة لأن يكونوا حُرّاسًا للحرية، فإنه وضعهم في دورهم الطبيعي الذي لعبه العلماء عبر التاريخ:

- حماية العقل من الغلو.

- حماية المجتمع من التطرف.

- حماية الدين من الاستغلال.

-حماية الإنسان من أن يُسلب حقه في التفكير والحياة الكريمة.

وهذا الدور لا يقوم على الخطاب الوعظي التقليدي فحسب، بل يتطلب من الداعية أن يكون نموذجًا في الوعي، وأن يستخدم المنبر لبناء إنسان قادر على التمييز بين الحق والباطل، لا تابعًا أعمى لمن يزايد عليه في الدين أو يستخدم مشاعره لتحقيق أهداف شخصية أو سياسية.

الحرية كجوهر لبناء مجتمع مستنير

إن المجتمعات التي تُصان فيها الحرية تتحرر من التطرف، لأن التطرف لا يولد إلا في بيئة مغلقة تخنق السؤال وتحارب العقل، ومن هنا تأتي أهمية دور الأئمة في نشر ثقافة الحوار، واحترام الاختلاف، وتأكيد أن الإسلام جاء رسالة رحمة وارتقاء، لا أداة قمع أو حجر على العقول.

ومتى نجح الداعية في أن يصبح صوتًا للرحمة والعقل، أصبحت منابره منارات للوعي، وانخفضت مساحة التطرف، واتسعت دوائر الفهم الصحيح للدين، وعندها تتحقق الغاية الأسمى: إنسان حر… ومسؤول… ومؤمن.

ولأن التيار المعادي اتخذ منهجا تشكيكيا في أن دعوة السيد الرئيس هي انحراف عن الدين الذي أصله هو العقيدة أحببنا أن نعرفه معنى وقيمة الحرية في الإسلام وأنها أهم الأسس التي دعا إليها.

الحرية في الإسلام

تُعدُّ الحرية من المبادئ الجوهرية التي قامت عليها الرسالة الإسلامية، فقد جاء الإسلام لتحرير الإنسان من كل أنواع القيود التي تسلبه كرامته، سواء كانت قيود العبودية للبشر أو للهوى أو للسلطة.

إن مبدأ الحرية في الإسلام ليس مجرد مفهوم نظري بل هو أصل أصيل في التشريع والسلوك، يُمارس ضمن ضوابط تحفظ الحقوق وتحقق التوازن بين الفرد والمجتمع.

أولًا: مفهوم الحرية في الإسلام

الحرية في المفهوم الإسلامي هي قدرة الإنسان على اتخاذ القرار واختيار طريقه في الحياة عن وعي وإرادة، في إطار منظومة أخلاقية وتشريعية تحفظ له حقوقه وحقوق غيره. قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" (الإسراء: 70)، وذلك تكريم شامل يشمل منحه حرية التفكير، والمعتقد، والحياة الكريمة.

ثانيًا: أنواع الحريات في الإسلام

1. حرية العقيدة:

الإسلام أقر حرية الإنسان في اختيار معتقده، ورفض الإكراه على الدخول في الدين، قال الله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)" (البقرة: 256).

كما دعا إلى الحوار مع أهل الديانات الأخرى على أساس الاحترام المتبادل: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ) (آل عمران: 64).

2. حرية الفكر والتعبير:

شجع الإسلام العقل على البحث والتأمل والنقاش، فقال تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة: 111)،

كما حث على التفكر في آيات الكون: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.. .لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ) (آل عمران: 190).

3. الحرية السياسية:

يُعتبر مبدأ الشورى أحد أهم مبادئ الحكم في الإسلام: (وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ) (الشورى: 38).

وقد مارس الصحابة رضوان الله عليهم حرية الرأي والمشورة في عهد النبي صلى الله عليه وآله والخلفاء من بعده، وكان يُؤخذ برأيهم أحيانًا.

4. الحرية الاجتماعية والشخصية:

أعطى الإسلام الإنسان حرية التصرف في شؤونه الخاصة، ضمن حدود الشريعة، وجعل التفاضل بين الناس على أساس التقوى، لا الجنس أو اللون أو العرق، كما في الحديث: «يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد.. .لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى» (رواه أحمد).

ثالثًا: ضوابط الحرية في الإسلام:

الإسلام لا يُطلق الحرية بلا قيد، بل يُقيّدها بعدة ضوابط منها:

- عدم الاعتداء على حقوق الآخرين: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» (رواه ابن ماجه).

- عدم مخالفة الشريعة: فالحرية لا تبرر مخالفة الأوامر الإلهية أو انتهاك المقدسات.

- احترام القيم الأخلاقية: كالعفة، والصدق، والأمانة.

رابعًا: الحرية والتحرر من العبودية:

من أبرز أهداف الإسلام تحرير الإنسان من العبودية للبشر، إذ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهلية وتعاظمها بالآباء» (رواه مسلم)، وجعل من أعمال التقرب إلى الله عتق الرقاب، كما في قوله تعالى:

(فَكُّ رَقَبَةٍ) (البلد: 13)، وشجع على تحرير العبيد بوسائل مختلفة مثل الكفارات أو الإحسان إليهم.

خامسًا: نماذج من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

مارس النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الحرية كأساس في التعامل مع الناس. فكان يستمع إلى مختلف الآراء، ويتعامل بعدل مع غير المسلمين، حتى أن ثمامة بن أثال، بعد أن أُسر وأُطلق سراحه، قال: «والله ما كان وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي» (رواه ابن إسحاق وأخرجه ابن هشام).

وبهذا يؤكد الإسلام على أن الحرية حق من حقوق الإنسان الأساسية، وهي جزء لا يتجزأ من نظامه التشريعي والأخلاقي، لكنها حرية مسؤولة، توازن بين مصلحة الفرد والمجتمع، وبين الحقوق والواجبات، وتُسهم في بناء مجتمع متماسك وعادل، ولا يمكن أن تنهض الأمة الإسلامية إلا بإعادة إحياء هذه المفاهيم في واقعها السياسي والاجتماعي والفكري.

خاتمة

إن دعوة الرئيس السيسي للأئمة بأن يكونوا حراسًا للحرية ليست مجرد توجيه إداري، بل هي رؤية لبناء إنسان عصري، قويّ الوعي، راسخ القيم، يعيش دينه بفهم، ووطنه بولاء، وإنسانيته بحرية، فالحرية التي أرادها الله للناس ليست ترفًا فكريًا، بل هي أساس الإنسانية، وواجب على الجميع خصوصًا العلماء والدعاة أن يصونوها ويحموها ويجعلوها ثقافة راسخة في المجتمع.

اقرأ أيضاًعاجل| الرئيس السيسي في أقوى تصريحات لطلاب الأكاديمية العسكرية «تفاصيل»

علاء عابد: كلمة الرئيس السيسي أكدت قوة الدولة في مواجهة التحديات وحرص القيادة على حماية الطفل

الرئيس السيسي: الأوضاع في مصر مطمئنة.. وتماسك الشعب توفيق من الله

مقالات مشابهة

  • يوأنس لحظي: زيارة البابا ليو الرابع عشر إلى لبنان تحمل رسالة سلام ووقف للتصعيد
  • الأئمة حُرّاس الحرية.. دعوة الرئيس السيسي وإحياء جوهر الرسالة الإسلامية
  • هل يقلق الملك؟ نعم يقلق… لكنه لا يخاف إلا الله
  • سويسرا.. رفض شعبي للواجب المدني والضريبة البيئية
  • القبض على 5 وافدين لممارستهم الدعارة بمنزل شعبي في تبوك
  • حاز جائزة الأوسكار عن شكسبير عاشقا.. الملك تشارلز ينعى الكاتب المسرحي البريطاني توم ستوبارد
  • حاص على أوسكار.. وفاة الكاتب العالمي توم ستوبارد عن عمر 88 عامًا
  • لماذا يلهث الكاتب العربي خلف القارئ؟
  • الكاتب الصحفي والأكاديمي د. محمد كامل القرعان يتقدم بالشكر والامتنان لجلالة الملك وسمو ولي العهد على تعازيهم الكريمة
  • مركز ظفار للثقافة والتراث والإبداع.. بين الرسالة والممارسة