الكتاب اليمني لعب دوراً كبيراً ومحورياً في الثقافة العربية قديماً وتمتلك اليمن أكبر مخزون من الكتب والمخطوطات

جمود ملحوظ يشهده المشهد الثقافي في بلادنا، مع قصور المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية، يرافق ذلك عزوف العديد من المبدعين وغيابهم عن إثراء هذا المشهد، كل ذلك يضع أمامنا الكثير من التساؤلات، فالعنصر الثقافي هو أحد مقومات الحياة وهو متنوع ومتعدد مع وصول الإنسان المعاصر إلى مستويات حضارية متقدمة، وبالتالي فلا يمكن الاستغناء عنه وفق ما يحدثنا الأديب عبدالرحمن مراد رئيس الهيئة العامة للكتاب في حوار معه حول أسباب هذا الجمود وما يمكن وضعه من برامج ومشاريع ثقافية لدعم المبدعين وإثراء الحركة الثقافية وإيصال ذلك إلى جمهور القراء.


وأشار مراد إلى أن الكتاب اليمني قد لعب دوراً كبيراً ومحورياً في الثقافة العربية قديماً، وبلادنا تمتلك أكبر مخزون للكتب والمخطوطات، متطرقاً إلى أن الثقافة تعتبر جبهة فعالة لمواجهة الحرب الكونية على بلادنا، ولكن للأسف النظرة لها قاصرة.
واستعرض المحاولات والجهود التي تقوم بها الهيئة العامة للكتاب في تنشيط المشهد الثقافي وما قدمته خلال هذا العام، وكذا مشاريعها الثقافية للعام القادم.
حوار / خليل المعلمي

جمود المشهد الثقافي يا ترى ماهي الأسباب؟ وهل هناك قصور من قبل بعض المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية أم أن هناك عزوفا من قبل المبدع بسبب الظروف التي يعيشها؟
– كل تلك الأسباب مجتمعة وراء الجمود الذي يشهده المشهد الثقافي الوطني، فاليمن تمر بمرحلة حرجة تعاني فيها حصاراً خانقاً وعدواناً أتى على مقدراتها وفي كل المستويات منذ عشرة أعوام أو تزيد، فالحصار يشمل الجانب الاقتصادي وكل مقومات الحياة، لذلك ترك أثراً على كل المستويات الثقافية.
التواصل الثقافي منقطع لذلك تعطلت الحياة الثقافية كما تعطلت كل أسباب الحياة بسبب العدوان والانقسامات في المشهد السياسي.

ما الذي حققته الهيئة العامة للكتاب هذا العام ونحن نقترب من نهايته؟
– الهيئة العامة للكتاب تحاول أن تزرع بذرة أمل وهي تعاني من انعدام الإمكانات بشكل كلي ولكنها خلال العام الحالي نفذت عدداً من الأنشطة الثقافية واطلقت موقعها الالكتروني على الشبكة العنكبوتية -ونعاني من عدم القدرة على تشغيله- وتعمل على إصدار الأعمال الكاملة لشاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني بما فيها العملين الأخيرين وقد شارفنا على الانتهاء من التصحيح والتدقيق وفق المرجعيات الصادرة في حياة البردوني وقد أخذ ذلك جهداً ووقتاً كبيرين، كما حاولت رصد التفاعل مع القضية المركزية للأمة قضية الأقصى واصدرت ديوان «لستم وحدكم» كأقل ما يمكن المساهمة به مع قضايا الأمة الكبرى، فضلاً عن صراعها الدائم في الحفاظ على بنيتها التحتية التي تتعرض بين الفينة والأخرى إلى تغيير وظائفها الثقافية بسبب بعض المجتهدين الذين لا يقدرون أهمية البنية الثقافية في واقع مضطرب وغير مستقر تسعى المؤسسة الثقافية أن تشكل فيه وحدة إنسانية مشتركة.

هل لدى الهيئة خطة لتنشيط المشهد الثقافي خلال العام الجديد وبحيث يسهم في تنشيط المشهد الثقافي؟
– الحقيقة هناك خطط لكن تفتقر للإمكانات وقد أعيانا البحث عن الإمكانات، منها استراتيجية وطنية لمحتوى رقمي يمني فاعل، ومنها مشاريع جوائز وإصدارات وغيرها من الأعمال لكن الظرف قاهر ودون مستوى الطموح الذي نتطلع إليه، لكن لم نفقد الأمل في صناعة واقع ثقافي فاعل وطموح، وكنا قد أعددنا مشروعاً طموحاً تنفيذا لتوجيهات رئيس المجلس السياسي الأعلى في خطابه عشية الاحتفاء بثورة الـ٢١سبتمبر يتضمن كتابات متنوعة عن ثورة 21سبتمبر، وحددنا الأطر والمجالات وكل ما يتعلق بتنفيذ التوجيه وبما يثري المشهد ويحفظ للأجيال التضحيات والنضال في مختلف المجالات وبحيث تتوازن الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية استشعارا للمسؤولية وتنفيذا للتوجيهات العليا، وتم اقرار الخطة في اجتماع رأسه نائب وزير الثقافة والسياحة وتم رفعها لنائب الوزير ونحن في انتظار التوجيهات لبدء التنفيذ، إذ أن العائق الوحيد هو عدم توفر الإمكانات، ونقدر اهتمام القيادة بشريحة الأدباء والكتاب وتوجيهاتها المتكررة للحكومة بضرورة الاهتمام بهذه الشريحة، أحدها ما سمعناه في خطاب رئيس المجلس السياسي في ذكرى الثورة التي نأمل أن تنعكس إلى خطوات عملية في قابل الأيام كوننا ندرك أهمية التنفيذ من باب المسؤولية التي نتحملها في هذا الظرف الذي نفتقر فيه إلى كل مقومات العمل.
رغم أهمية البعد الثقافي في حياة الأمم في كل مراحل التاريخ، إلا أنه في اليمن في آخر سلم الاهتمامات والسياسات سواء اليوم أو في الماضي.. من وجهة نظرك ماهي أسباب ذلك؟
– الحقيقة العنصر الثقافي من مقومات الحياة ومن أسبابها وهو متعدد ومتنوع وفق ما وصل إليه الإنسان المعاصر من مستويات حضارية وهناك علاقة جدلية بين السياسي والثقافي، فالعلاقة بينهما علاقة ضرورة وعلاقة احتياج وعدم استيعاب هذه العلاقة كان سبباً في وصول اليمن إلى مرحلة الانقسامات والتشظي الذي نحن عليها اليوم، ولعل التباس مفهوم المصطلحات مثل مفهوم الحرية والاستقلال ومفهوم الوطنية والعمالة وغيرها من المفاهيم دال على اختلال اللغة واحتلال ممنهج لمفرداتها ومعانيها ومثل ذلك بسبب سوء العلاقة بين المثقف والسياسي، فالثقافة مفهوم واسع ومتعدد وهي عنصر مهم من عناصر التطور والتفاعل وهي لا تعني أيديولوجيا بعينها يؤمن بها مكون دون آخر بل نشاط متكامل يسعى عن طريق الفن والأسلوب إلى تكوين وحدة إنسانية مشتركة بين أفراد المجتمع وصولاً إلى حالة التناغم والتعايش بين مكونات المجتمع وهي قضية وطنية شاملة والاهتمام بها يشكل عنصراً مهما من عناصر التكوين والاستقرار في المجتمعات.
نحن في اليمن ننظر إلى الثقافة نظرة قاصرة وهنا تكمن المشكلة بالرغم أنها اليوم في ظل العدوان والحرب الكونية تشكل جبهة لوحدها لا تقل شأناً عن الجبهة العسكرية من حيث الأهمية، ولكننا نتعامل معها كترف غير لازم وغير مجد بالرغم أن العالم من حولنا يطلق مشاريع كبرى للأمن القومي الثقافي في مواجهة هذه الحرب التي يشنها النظام الرأسمالي على العالم في بقاع متعددة من الكرة الأرضية.

من باب المسؤولية الوطنية والقومية وبعيداً عن التنظير.. ماهي خطواتكم الإجرائية.. هل لديكم مشروع مثلاً في هذه المرحلة في سياق الأمن القومي الثقافي الذي تشير إليه؟
– مبلغ اجتهادنا في هذه المرحلة أن نقترح المشاريع لكنها تصطدم بعدم توفر الإمكانات وتحال في الكثير من الأوقات للحفظ لذات السبب، حتى مقومات العمل غير متوفرة لنا إلا بما يبقي الرمق فقط، فأنا كرئيس هيئة عامة لا أحصل على مقومات الحياة سوى على جزء بسيط أدفعه كإيجار ولم أحصل على وسيلة مواصلات تحفظ لي التوازن النفسي والاجتماعي في المشهد العام، في حين النظراء يحصلون على مثل ذلك لكننا نستشعر المسؤولية الوطنية في هذا الظرف ونعمل بكل جد واجتهاد وبما يرضي الضمير الوطني والأخلاقي ويسهم بدور فاعل في معركتنا الوجودية.

وكيف ترى الحل في مثل هكذا واقع؟
– الحل يكمن في إعادة تقييم الواقع والمرحلة وضرورات المعركة وأهمية البعد الثقافي في التصدي للحرب الباردة التي تدار الآن وفق سيناريوهات تم الاشتغال عليها في مراكز الدراسات الغربية ومراكز صنع القرار، وتعتمد الحرب الباردة كوسيلة لحقيق أهداف السيطرة وفرض الهيمنة على الشعوب ومقدراتها وهي معلنة وفي تجارب الحرب بين الشرق والغرب بيان واضح لمن اراد الاستبصار والوعي، وقد كتبت مقالات متعددة في صحيفة الثورة وصحيفة المسيرة حول هذا الموضوع، لكن يبدو أنه لا أحد يرى خطورة ما نرى، قد أكون على خطأ وقد يكون غيري على صواب لكننا اجتهدنا والتاريخ هو الفيصل لبيان الخطأ والصواب في الرؤية.

للكتاب دور تنويري في المجتمع وفي نشر الثقافة الوطنية، ما هو دور الكتاب اليمني في ذلك قديماً؟
– الكتاب اليمني لعب دوراً كبيراً ومحورياً في الثقافة العربية قديما وأعتقد أن اليمن تمتلك أكبر مخزون للكتب والمخطوطات سواء كانت لمؤلفين يمنيين أو غير يمنيين وقد عملت حكومة الإمام يحي حميد الدين على حفظ الكثير من ذلك المخزون من خلال تأسيس مكتبة عامة في الجامع الكبير بصنعاء عام 1936م، حوت الكثير من الكتب النادرة والكثيرة وقد خرج الكثير من الكتب إلى مكتبات عالمية بسبب الحروب والصراعات في اليمن، وبالرغم من ذلك ما زلنا نحتفظ بثروة كبيرة جلها لم يطبع ولم يُحقق حتى الآن.
الكتاب شكّل الهوية الثقافية والسياسية والتاريخية للمجتمع وهو جوهري في حياة الأمم والشعوب واهتمام الإنسان اليمني به اهتمام كبير يصل إلى حد العشق والتماهي ولعل نشاط اليمن الثقافي يحاول خدمة الكتاب اليمني وعلى صناعته ويحرص على وصوله إلى القارئ في كل مكان من خلال معارض الكتب في العواصم العربية ومن خلال الانتشار الواسع للمكتبات العامة في عواصم المحافظات والمدن الثانوية على المستوى المحلي ومن خلال التشجيع على الطباعة والشراء من المؤلفين بقيمة تشجيعية.

وماذا قدمت الهيئة العامة للمكتبات الوطنية المنتشرة في المحافظات والتي تعمل حالياً بجهود ذاتية؟
– الحقيقة لدينا فروع في كل المحافظات لكن بسبب الأوضاع الحالية يؤسفني القول أننا لم نقدم شيئا للمكتبات وهي تعاني بسبب عدم توفر الإمكانات والبعض بعدم القدرة على دفع الإيجارات لكننا نبذل جهوداً كبيرة في الحفاظ على المقدرات والبنية المتوفرة ونأمل أن تتعافى الدولة وتعود الأمور إلى طبيعتها.

تم تدشين مشروع المكتبة الوطنية في عام 2012م.. إلى أين وصل هذا المشروع الوطني العملاق؟ وهل سيتم افتتاحه قريباً؟
– المكتبة الوطنية الكبرى مشروع كبير وهو من المشاريع الثقافية العملاقة في اليمن تكفلت بتمويله وتنفيذه دولة الصين الصديقة، وقد توقف العمل به بسبب العدوان وهو في مراحل التنفيذ الأخيرة، وحال أن يتوقف العدوان وتستقر اليمن ستعود الشركة الصينية المنفذة للعمل لاستكماله.
والمشروع متعدد الأغراض والوظائف ويعتبر الأول على مستوى المنطقة والإقليم لم تسبقنا لمثله سوى مصر ونأمل أن يرى النور قريباً.

برأيكم ماذا يمثل المشروع للثقافة اليمنية والمثقفين وللأجيال القادمة؟
– المشروع معلم ثقافي وحضاري كبير وهو سوف يشكل منعطفاً مهما في تاريخ الثقافة اليمنية والعربية من خلال تعدده وتنوع وظائفه ومن خلال البنية الثقافية والتقنية الحديثة التي يهيئها للمشهد الثقافي الوطني وسيكون معلماً بارزاً في تاريخ اليمن نفخر بإنجازه للأجيال المستقبلية.

شهدنا تنظيم معرضين للكتاب قبل أعوام هل يمكن تكرار التجربة هذا العام ولكن بشكل أوسع وعلى نطاق أكبر؟
– تنظيم المعارض التي قامت الهيئة بها خلال الأعوام الماضية من باب تأكيد الوجود ليس أكثر وبحيث نجدد حضور الكتاب في حياة المجتمع وقد كانت معارض محلية إذ يتعذر إقامة معارض دولية للكتاب بسبب العدوان والحصار ولكننا نحاول البقاء على هذا النشاط وفق معطيات الواقع الذي نعيش.
وخلال العام القادم نفكر في إقامة معرض محلي والفكرة مطروحة على طاولة النقاش مع اتحاد الناشرين اليمنيين وربما ننفذها مطلع العام الجديد.

بالرغم من الأزمة التي يمر بها الوطن إلا أن هناك إصدارات خرجت إلى النور بجهودكم الذاتية.. ماهي الرسالة التي يحملها الكتاب والمبدع اليمني للعالم؟
– الرسالة التي نحاول تقديمها في مثل هذا الظرف الذي يمر به اليمن هو توثيق تضحيات الجيل الحالي الذي يخوض صراعا مريراً مع قوى الاستكبار العالمية التي استهدفت كل شيء في اليمن حتى آثارنا وبنيتنا الثقافية، فخلال سنوات العدوان تم تدمير عدد من المتاحف والمواقع الأثرية والمدن والمراكز الثقافية والمكتبات العامة في الكثير من البقاع في اليمن.

كيف تعمل الهيئة على تغطية أنشطتها وهل تقدم الحكومة الدعم لهذه الأنشطة؟
– الهيئة تحاول أن تعمل بطاقة مضاعفة في ظل الظروف الاقتصادية القاهرة وعدم توفر الإمكانات بسبب الحصار وانقطاع المرتبات وغالب نشاطها يتم بدعم مباشر من القيادة الثورية والقيادة السياسية في السنوات السالفات وترعى أحيانا أنشطتها الثقافية بعض الشركات المهتمة بالجانب الثقافي لكن في الفترة الأخيرة تعذر علينا إقامة الأنشطة مثل إحياء ذكرى المقالح وكانت مهمة لما يمثله من رمزية ومثل احياء يوم اللغة العربية الذي اعتدنا التفاعل معه بسبب عدم الإمكانات واعتقد أننا سوف نتجاوز هذا الظرف في قابل الأيام، نتفاءل بحكومة التغيير والبناء في الاهتمام بالجانب الثقافي الذي أصبح جزءا من المعركة الباردة التي تستهدف المجتمعات كجزء مفصلي وجوهري من الاستراتيجيات الدولية في الحرب وتهجين الهويات في بوتقة هوية كونية غالبة وتستهدف اليمن على وجه الخصوص كون اليمن تخوض معركة مع قوى الاستكبار منذ عشرة أعوام أو تزيد.

أين موقع صندوق التراث والتنمية الثقافية من دعم ورعاية أنشطة وبرامج الهيئة؟
– صندوق التراث يحتاج إلى تجديد بنيته التشريعية وتوسيع دائرة أوعيته الإيرادية وتجديد أهدافه حتى يتمكن من القيام بوظيفة التنمية الثقافية وفي ظني أن التطورات التقنية قد فرضت تداخلا مع كل ما هو ثقافي ومازال الوعاء الايرادي التقني غائبا ويحتاج إلى تعديل من المجلس التشريعي حتى تتحسن موارد الصندوق ليتمكن من القيام بوظائفه.
وبالنسبة لدعم الكتاب وطباعته من قبل الصندوق هي وظيفة اقتصرت على شراء المطبوعات بأسعار تشجيعية وقد توقفت بسبب ظروف الصندوق.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

في خطاب عيد الاستقلال .. الرئيس المشاط : اليمن الذي طرد الاحتلال البريطاني بالأمس قادرٌ بأن يحميَ سيادته ويصونَ كرامته وأن يصمدَ في وجه كل غازٍ

يمانيون |
جدد رئيس المجلس السياسي الأعلى المشير الركن مهدي المشاط العهدَ والوفاءَ لشهداء ثورة التحرير والاستقلال بتحرير كل شبرٍ من أرض اليمن الطاهرة وجزره ومياهه الإقليمية، وصيانة أجوائه من دنس المحتلين والغزاة.

وأكد في خطابٍ له بهذه المناسبة أنه وتقديراً لصمودِ الشعب اليمني العظيم خلال سنوات العدوان الماضية، أننا إلى النصر أقرب، ونعده بالعمل على إنهاءِ معاناته وتحقيق الاستقرار والازدهار الذي يستحقه.

وتقدم الرئيس المشاط بعظيمِ التهاني وأجلّ التبريكات للسيد القائد ولكافة أبناء شعبنا اليمني في الداخل والخارج بمناسبة الذكرى الـ 58 لعيد الاستقلال المجيد.

وأكد الرئيس المشاط في خطابٍ له بهذه المناسبة أن الثلاثين من نوفمبر ليس تاريخاً يُتلى في صفحات الماضي فحسب، بل هو نبضٌ خالدٌ في قلب الوطن؛ ففيه ارتفعت راية اليمن حرةً شامخة، ونال الوطن استقلاله، وتحرر من قيود الغزاة.

وأشار إلى أن يوم الاستقلال صنعه الرجال الأشداء من ثوار الرابع عشر من أكتوبر، يوم صدحوا بصيحات الحرية من جبال ردفان الشماء، ومن عدن الباسمة والضالع وشبوة وحضرموت والمهرة، فهتف الوجدان اليمني ملبياً دعوة الثوار من السهل إلى كل جبلٍ ووادٍ يواجهون الاحتلال البريطاني البغيض بصدورٍ مؤمنةٍ وعزمٍ لا يعرف الانكسار.

وأكد أن اندحار آخر جندي بريطاني من اليمن لم يكن اندحاراً اختيارياً، بل حالةَ هروبٍ إجبارية فرضها أبطال اليمن على إمبراطورية الاستعمار البريطانية التي تصاغرت أمام شموخ أبناء اليمن، ليولد فجرُ اليمن المستقل في الثلاثين من نوفمبر، لافتاً إلى أن ما حدث في ذلك اليوم هو عيدٌ وطنيٌّ خالد، وذكرى عزيزة تنبض في قلب كل يمني ويمنية.

وأشار الرئيس المشاط إلى أن ذكرى الثلاثين من نوفمبر الخالدة ليست حدثاً عابراً في سجل التاريخ اليمني، بل هي قيمةٌ حية تتجدد في وجدان اليمنيين جيلاً بعد جيل، وهي تذكرنا بأن الاستقلال لا يُمنح صدفةً ولا يُوهب منةً، بل يُنتزع انتزاعاً؛ حيث تقرر الشعوب أن تكون سيدةَ قرارها حين تصون حريتها بدمائها ومواقفها الثابتة الراسخة رسوخ الجبال.

وأضاف: “لقد أثبت أجدادنا أن الشعوب إذا اجتمعت كلمتها وعزمت إرادتها، فإنها تستطيع أن تهزم أعتى الإمبراطوريات، وأن تستعيد كرامتها، وتكتب بدماء أبنائها أمجادها الخالدة”، لافتاً إلى أن ما يجعل الثلاثين من نوفمبر اليوم ذكرى متجددة هو أن حاضرنا كشف عن صورة جديدة للاحتلال، وهو احتلالٌ يغير وجوهه ومسمياته، لكنه لا يغير جوهره ولا أطماعه، مؤكداً أنه احتلال يجمع بين أذرع الهيمنة المباشرة وغير المباشرة، وتتقدم صفوفَه أمريكا وبريطانيا، ومن ورائهما الصهيونية العالمية، وتنفذه الأدوات الإقليمية والدولية.

ولفت إلى أن الحقيقة أنها مشاريع استعمارية تريد السيطرة على مقدرات اليمن وثرواته وموقعه الإستراتيجي، وهي امتدادٌ لنهجٍ لم يكتفِ باغتصاب فلسطين، بل مدّ يده إلى أوطانٍ أخرى، من فنزويلا إلى نيجيريا، ومن إيران إلى مالي وغيرها، في سباقٍ محمومٍ لنهب الثروات وانتهاك السيادات تحت شعاراتٍ خادعة وزائفة.

وأوضح أننا نستحضر في هذه المناسبة درسها العظيم بأن الشعوب التي تنتصر مرةً قادرةٌ على أن تنتصر ألفَ مرة، وأن اليمن الذي طرد الاحتلال البريطاني بالأمس قادرٌ اليوم أن يحميَ سيادته ويصونَ كرامته، وأن يصمد في وجه كل غازٍ مهما تبدلت أسماؤه وتغيرت شعاراته.

وواصل قائلاً: “إننا نستعرض اليوم هذا الدرس لنقف جميعاً وقفةَ وعيٍ وبصيرة، نستحضر فيها تضحيات الأبطال، ونستلهم منها العزمَ والإصرار، ونمضي على ذات الطريق حتى يتحقق لبلادنا استقلالُه الكامل، ويطهر كل شبرٍ من أرض اليمن من دنس المحتلين والغزاة الجدد، ويشرق فجرٌ جديد تُستعاد فيه السيادة بإرادةٍ مليئة بالعزة والبسالة والإباء”.

الخونة خنجرٌ في خاصرة الوطن

ونوه الرئيس المشاط إلى أننا اليوم ونحن نحتفل بعيد الاستقلال العظيم بكل ما حمله من آمالٍ وتضحيات، انتهى بكل أسفٍ في نهاية المطاف إلى أيدٍ غير أمينة فرطت بإنجازه، وعبثت بمنجزاته، وأقصت صانعيه؛ فلم تُقم له جيشاً وطنياً قوياً يحمي سيادته، ولا اقتصاداً مستقلاً يصون قراره من التبعية للقوى الاستعمارية، فانحرفت عمّا أنجزه الثلاثون من نوفمبر، وقصّرت في أداء المسؤولية، حتى صار التدخل الخارجي في شؤون اليمن يصل إلى حدودٍ تكاد تشبه حال البلاد إبان الاحتلال نفسه.

وأوضح أن من يتأمل تاريخ الاستعمار البريطاني قديماً يدرك بجلاءٍ أنه قام على تمزيق وحدة الشعب اليمني، وقسّم جنوب الوطن إلى كانتوناتٍ وسلطناتٍ متناحرة، يغذي بينها الأحقاد والصراعات، ليحكم قبضته ويمد نفوذه، وتلك السياسة الخبيثة كانت سرَّ بقائه طويلاً.

وأضاف: “ولئن خرج المحتل من أبواب اليمن ظاهراً، فإنه عاد عبر الظل، متخفياً بأسماء جديدة وشعارات براقة، يتسللون من الدعم الأمني والسياسي والاقتصادي، فيما جوهره هو عينُ الاستعمار القديم بسياساته ومخططاته الخبيثة، لكنه بثوبه الحديث حتى بلغ الحال أن جندت بعضُ القيادات الخائنة لتكون خنجراً في خاصرة هذا الوطن، وتقدّم له الثروات، وتبيع السيادة، وتفتح له الطريق ليعود مستعمراً، ولكن بأيادٍ داخلية، وللأسف الشديد، فجعلت مكاسبه أرخصَ ثمناً وأيسرَ نيلاً”.

ولفت إلى أننا نرى اليوم بأم أعيننا طوابير الخونة والمرتزقة يتزاحمون ويحلمون بالعودة إلى واجهة المشهد فوق دباباتٍ أمريكية وإسرائيلية، في مشهدٍ يجمع بين السخرية والأسى، إذ يحتفل هؤلاء العملاء بذكرى الاستقلال من داخل عواصم الغزاة الجدد الذين يحتلون جزءاً عزيزاً من أرضنا، معتبراً أنه “ولولا ذلك الاختراق من قبل أولئك الخونة، لما استطاع العدو أن يتسلل إلى جسد هذا الوطن الغالي، ويعمّق فيه هذا الشرخ الموجع”.

الشعب سدٌّ منيعٌ في وجه الغزاة

وتابع الرئيس المشاط بقوله: “إننا نشهد اليوم واقعاً أليماً في المناطق المحتلة، واقعاً صنعته أيادٍ خارجية وأخرى خائنة، حيث أُنشئت ميليشياتٌ متصارعة وفرقٌ متناحرة على ذات النهج الاستعماري القديم: فرقٌ تَسُد، الذي أتقنه الاحتلال البريطاني البغيض؛ فأصبحت تلك المناطق مسرحاً للفوضى وانعدام الدولة، تُمحى فيها الخدمات الأساسية، وتنهار فيها العملة، وتُنهب فيها الثروات، وينعدم فيها الأمن، وتُهان فيها الكرامة، ويُرفع فوقها علمُ المحتل بدل علم اليمن، وتخرج منها أصواتُ النشاز تدعو بجرأةٍ ووقاحة إلى التطبيع مع كيان العدو الصهيوني الغاصب، في تحدٍّ سافرٍ لعقيدة هذا الشعب وإيمانه وهويته”.

وواصل: “لقد عاد المستعمرون الجدد اليوم بوجوهٍ أشد خبثاً، وبأدواتٍ أشد خطراً ورخصاً، يستخدمون الخونةَ لوطنهم، وينشئون شبكات التجسس ليمرروا عبرها مشاريع التفتيت والتمزيق، تماماً كما فعل المستعمر البريطاني يوم قسم جنوب اليمن إلى سلطناتٍ متناحرة ومشيخاتٍ متحاربة، ليبقى هو المتحكم بها”.

وأكد الرئيس المشاط أن أولئك الخونة الذين فرطوا بإرث أكتوبر ونوفمبر ليسوا أمناء على هذا الشعب ولا على حقوقه التاريخية والحضارية، ولا يملكون ذرةً من شرف الدفاع عن وطنٍ أثبت في كل مراحل تاريخه أنه لا يركع للمحتل، ولا يساوم على سيادته، ولا يسمح للغزاة أن يطؤوا أرضه إلا ليدفنوا فيها”، مشيراً إلى أنه ورغم هذا الواقع الأليم، إلا أن الشعب الذي هزم الإمبراطورية البريطانية يوم كانت في ذروة قوتها قادرٌ اليوم على أن يقطع الطريق على كل محاولات الغزاة للعودة، وسيبقى اليمن برجاله ونسائه وأحراره وأبطاله سداً منيعاً في وجه كل معتدٍ يحمي تضحيات الشهداء ويصون إرث الرابع عشر من أكتوبر والثلاثين من نوفمبر، ويواصل طريق التحرير حتى آخر شبرٍ من ترابه العزيز والغالي.

واستكمل الرئيس المشاط خطابه بالقول: “وها نحن في ذكرى الثلاثين من نوفمبر المجيدة، لا نقف عند حدود الاحتفال، بل نقف لنقرأ الماضي بعيونٍ يقظة، ونستخلص منه الدروس، لنحميَ حاضرنا من التكرار، ونبني مستقبلاً راسخاً على أسسِ الوعي المستنير والعزيمة التي لا تعرف الوهن ولا التراجع، وهذا هو الطريق الذي اخترناه وسنسير فيه بثبات حتى يكتمل استقلال اليمن”.

مقالات مشابهة

  • مشهد الولادة سبب هستيريا ضحك.. أسرار بمسلسل كارثة طبيعية
  • ما الذي كان يقلق الشرع وإدارة العمليات العسكرية قبل بدء عملية ردع العدوان؟
  • فريد زهران: المشهد الانتخابي نتيجة الفراغ السياسي والعزوف عن المشاركة
  • محافظ طوباس يوجه ببدء إصلاح الدمار الذي أحدثه الاحتلال
  • في خطاب عيد الاستقلال .. الرئيس المشاط : اليمن الذي طرد الاحتلال البريطاني بالأمس قادرٌ بأن يحميَ سيادته ويصونَ كرامته وأن يصمدَ في وجه كل غازٍ
  • إعلامي جزائري لـعربي21: الخطة الأمريكية واعتقال بوعقبة تهز المشهد السياسي
  • الكِتاب السوري بين زمنين.. كيف تغيّر المشهد الثقافي وواقع النشر؟
  • القضاء يحسم ملف التآمر.. كيف سيتفاعل المشهد السياسي التونسي؟
  • وزير العدل: الشعب السوداني لن يقبل بوجود المليشيا في المشهد السياسي والعسكري
  • أسعار الأجهزة الكهربائية تأثرت بعد تحرك المواد البترولية.. رئيس الشعبة يوضح