السعودية تستلهم إرث الأمازون لزراعة الصحراء
تاريخ النشر: 26th, December 2024 GMT
في قلب غابات الأمازون الكثيفة، قبل آلاف السنين، نجح السكان الأصليون في تحويل التربة الفقيرة إلى أرض خصبة تعرف بـ"التربة السوداء الهندية"، وذلك بواسطة ابتكارات بسيطة، استلهمها حديثا فريق علمي بالمملكة العربية السعودية، ونجح في التوصل للمعزز الحيوي "كاربوسويال"، الذي يعد بتحويل حلم "الصحراءالخضراء" إلى واقع.
والتربة السوداء الهندية، التي تعرف أيضا بـ"تيرا بريتا"، تعد من أعظم الأمثلة على تدخل الإنسان في البيئة الطبيعية بشكل إيجابي ومستدام، ووفق دراسة نشرتها دورية "أدفانسيد إن أغرونومي"، يعتقد أن السكان الأصليين في غابات الأمازون بأميركا الجنوبية قاموا بإنشائها عن طريق إضافة الفحم النباتي ورماد النباتات وبقايا الطعام والعظام والمخلفات العضوية الأخرى إلى التربة الرملية الفقيرة في المنطقة، بهدف تحسينها بشكل مقصود لجعلها أكثر إنتاجية ودعما للمجتمعات الزراعية المستقرة في منطقة الأمازون.
واستلهمت السعودية هذا الإرث القديم من خلال تعاون علمي بين البروفيسور هيمانشو ميشرا، أستاذ الهندسة البيئية في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، والمهندس الكيميائي البرازيلي أداير غالو، وكان هذا التعاون نتيجة سنوات من البحث والتجريب، تطورت خلالها الفكرة تدريجيا من مجرد مشروع أكاديمي إلى شركة "تيراكسي" الناشئة التي تقدم حلولا مستدامة لتحسين التربة القاحلة.
ويحكي تقرير نشره موقع "وكالة الأنباء العربية البرازيلية" تطورات تلك الفكرة، التي كانت بدايتها في 2014، عندما كان غالو طالبا في برنامج "العلوم بلا حدود" البرازيلي، حيث التقى خلال فترة تدريبه في كاليفورنيا بأميركا بالبروفيسور ميشرا، لتنشأ بينهما خلال هذه الفترة، علاقة أكاديمية قائمة على الاهتمام المشترك بالمشاكل البيئية، خصوصا التربة والمياه.
وانتقل غالو في 2016 من البرازيل للعمل في (كاوست) بالمملكة العربية السعودية بناء على دعوة من ميشرا، وخلال دراساته العليا في الماجستير والدكتوراه، بدأ غالو في العمل مع ميشرا على مشروعات تتعلق بالمواد البيئية المستدامة، مثل معالجة التربة وتحسين قدرتها على مقاومة الظروف القاسية.
بدأ التعاون بينهما بتطوير "الرمل الشمعي"، وهو منتج يهدف إلى معالجة مشكلة فقدان المياه في التربة الصحراوية.
إعلانواستخدم الفريق مواد محلية مثل الرمال وشمع البارافين المنقى لإنتاج مادة قادرة على الاحتفاظ بالرطوبة ومنع التبخر، وواجه الفريق تحديات كبيرة، مثل فشل التجارب الأولى بسبب استخدام المياه المالحة، لكنهم تمكنوا لاحقا من تحسين المنتج وجعله فعالا.
وأثناء العمل على "الرمل الشمعي"، اكتشف الفريق البحثي أن التربة الصحراوية في السعودية ليست فقط فقيرة بالمياه، بل تعاني نقصا كبيرا في العناصر الغذائية الأساسية، مما يجعل الزراعة غير ممكنة، وهذا الاكتشاف دفعهم للبحث عن حلول مبتكرة لتعزيز خصوبة التربة الصحراوية.
فكر غالو حينها في استلهام فكرة "التربة السوداء الهندية" التي أنشأها السكان الأصليون للأمازون منذ آلاف السنين، حيث اكتشفت في هذه التربة عناصر عضوية ومعادن غنية تمثل مزيجا بين المخلفات النباتية والحيوانية.
وعبر الأبحاث التي أجراها غالو في البرازيل، تمكن من استيعاب الخصائص الكيميائية والبيولوجية لهذه التربة الفريدة، ليقوم بمساعدة ميشرا بتكييفها بما يناسب التربة القلوية الرملية الموجودة في المملكة العربية السعودية.
واستخدم الفريق المخلفات العضوية المحلية، مثل روث الدواجن وبقايا الطعام، كمكونات أساسية لإنتاج المعزز الحيوي الجديد " كاربوسويال"، الذي أدى استخدامه إلى إخصاب التربة الرملية القاحلة وجعلها صالحة للزراعة.
وخلال مراحل دراسة الدكتوراه لغالو عام 2021، بدأ الثنائي في رؤية الإمكانيات التجارية لمنتج "كاربوسويال"، وخصوصا توافقها مع رؤية السعودية 2030 لتحقيق الاستدامة، وأطلق الثنائي في 2022 شركتهما الناشئة "تيراكسي"، بدعم من "كاوست"، حيث توسعت الشركة بشكل سريع وزادت إنتاجية "كاربوسويال" بمقدار 20 ضعفا لتلبية الطلب المتزايد.
ووفق موقع "كاوست"، فقد تم إنتاج المعزز الحيوي "كاربوسويال"، من خلال عملية مبتكرة تعتمد على تحويل المخلفات العضوية إلى منتج غني بالعناصر الغذائية، وذلك باستخدام تقنية التحلل الحراري التي تمنع الاحتراق الكامل وتحافظ على العناصر المفيدة في المادة العضوية.
إعلانوبدأت عملية الإنتاج باختيار المواد الخام، حيث تم اختيارها بعناية لتكون طبيعية وقابلة للتجديد، وتشمل روث الدواجن، كمصدر غني بالنيتروجين، وأحد أكثر المخلفات العضوية وفرة، حيث إن تربية الدواجن تعد صناعة كبيرة في السعودية، ينتج عنها أكثر من 400 كيلو طن من الروث يتم التخلص منها في مكبات النفايات.
وبالإضافة لروث الدواجن، توجد مخلفات المحاصيل الزراعية، مثل القش وبقايا النباتات، وفضلات الطعام، مثل قشور الفواكه والخضروات، والحمأة الناتجة عن معالجة مياه الصرف الصحي التي تحتوي على معادن وعناصر مغذية.
وتجمع هذه المواد وتعالج مبدئيا لإزالة الشوائب وتحسين تجانسها، وتشمل هذه الخطوة تجفيف المواد وتقطيعها لتسهيل المعالجة الحرارية، التي يتم خلالها تسخين المواد العضوية في بيئة مغلقة خالية من الأكسجين، مما يمنع الاحتراق الكامل، ويتم التحكم في درجة الحرارة بعناية (عادة بين 400 و700 درجة مئوية)، مما يؤدي إلى تفكك المواد العضوية إلى مكوناتها الأساسية.
وينتج عن هذه العملية الأخيرة مادة غنية بالكربون تعرف بـ"الفحم الحيوي"، وهي المكون الأساسي لمنتج "كاربوسويال"، ويتم تدعيم هذه المادة بإضافة عناصر غذائية إضافية مستخلصة من المخلفات العضوية، مثل الفوسفوروالبوتاسيوم، وتضاف مركبات عضوية تساعد على تحسين قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء والعناصر الغذائية.
وأظهرت التجارب الميدانية التي أجراها الفريق البحثي مع شركاء صناعيين مثل أرامكو للطاقة الخضراء وقطاع حماية الطبيعة في نيوم، نجاحها في زراعة أكثر من 60 ألف نبته محلية.
كما قامت الشركة بتنفيذ مشروع بحثي على مساحة 1.3 هكتار لزراعة الأشجار المحلية في منتزه وادي قديد الوطني، وكان هذا المشروع ثمرة تعاون بين كاوست والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر.
إعلان سر نجاح "كاربوسويال"ووفقا لغالو، فإن سر نجاح "كاربوسويال" يكمن في أنه أكثر استقرارا في التربة، حيث يبقى لفترة طويلة ويرتبط بالمغذيات، مما يتيح توفير فوائد مستدامة، وهذا لا يتوفر في معززات أخرى للتربة مثل الطحالب أو السماد العضوي، التي تتحلل خلال سنة واحدة، وتطلق الكربون إلى الغلاف الجوي، كما أن ارتفاع درجة حرارة المنطقة يسرع من عملية التحلل.
ويضيف أن "كاربوسويال"، يساعد أيضا على زيادة احتفاظ التربة الرملية بالمياه بنسبة 11% واحتباس العناصر الغذائية بنسبة 53%، ويظل 73% من المنتج فعالا بعد مرور 100 عام، مما يبرز فوائده على الأمد الطويل.
وإضافة لهذه الفوائد الزراعية المبشرة، يلتقط مجدي علام، الأمين العام لاتحاد خبراء البيئة العرب ومستشار مرفق البيئة العالمي مجموعة من المزايا البيئية، في تصريحات للجزيرة نت.
ويقول علام إن "هذا المنتج يقلل من الحاجة إلى الأسمدة التقليدية، كما يسهم في استدامة البيئة وتقليل النفايات العضوية من خلال تحويل المخلفات إلى منتج ذي قيمة، ويتم إنتاجه عن طريق عملية (التحلل الحراري)، التي تستخدم عمليات مبتكرة تضمن تقليل انبعاثات الكربون أثناء الإنتاج، مما يجعل العملية بأكملها صديقة للبيئة وتتماشى مع أهداف الاستدامة العالمية، وأخيرا، فإن هذا المنتج يحافظ على خصوبة التربة لسنوات طويلة، وهو ما يقلل من استخدام الأسمدة التقليدية على الأمد الطويل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العناصر الغذائیة المخلفات العضویة التربة الرملیة
إقرأ أيضاً:
ممثل جبهة البوليساريو يكذب ادعاءات ممثل المغرب بخصوص قضية الصحراء الغربية
فند ممثل جبهة البوليساريو بالأمم المتحدة والمنسق مع المينورسو، سيدي محمد عمار، بالأدلة الموثقة، الادعاءات الكاذبة والمضللة التي تضمنتها الرسالة الأخيرة لممثل دولة الاحتلال المغربي إلى مجلس الأمن حول الصحراء الغربية.
وجاء هذا التكذيب في رسالة بعث بها إلى الممثل الدائم لليونان لدى الأمم المتحدة والرئيس الحالي لمجلس الأمن الدولي، إيفانجيلوس سيكريس.
ونقلا عن الاذاعة الوطنية أشار سيدي محمد عمار إلى أن نفس الادعاءات التي يقدمها ممثل دولة الاحتلال بخصوص الصحراء الغربية لا أساس لها من الصحة إطلاقا ومضللة، وهي ليست سوى إهانة لعقول الدول الأعضاء.
كما شدد ممثل البوليساريو على أنه “إذا كان يعتقد أن تكرار نفس الأكاذيب سيجعل الناس يصدقونها في النهاية، فإنه لا يخدع إلا نفسه والجمهور الذي اعتاد خداعه بحركاته المسرحية”.
أما بالنسبة لللاجئين الصحراويين، أكد ممثل البوليساريو أن هؤلاء شردوا قسرا من أرضهم, بسبب احتلال المغرب غير الشرعي لوطنهم في عام 1975، وقصف المدنيين بقنابل النابالم والفوسفور الحارقة المحظورة دوليا، ما ألحق الدمار بسبل عيشهم.
وتابع في ذات السياق أن الصحراويين في الجزء المحتل من الصحراء الغربية يعيشون في أكبر سجن على وجه الأرض, حيث يتعرضون يوميا للقمع الوحشي من قبل قوات الاحتلال المغربية, بعيدا عن مراقبة المجتمع الدولي, بسبب التعتيم الإعلامي المفروض على الإقليم.
كما لفت سيدي محمد عمار إلى أن الاحتلال المغربي يستمر في منع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان من زيارة الصحراء الغربية المحتلة للسنة التاسعة على التوالي, على الرغم من دعوات مجلس الأمن المتكررة لها لتسهيل مثل هذه الزيارات.
وذكر ممثل البوليساريو بأن سلطات الاحتلال المغربي تستمر في منع دخول الصحفيين الأجانب والمراقبين المستقلين وترحيل من يتمكن منهم من دخول الصحراء الغربية المحتلة, “لأنها تخشى أن يعرف العالم الفظائع والجرائم البشعة التي ترتكبها قواتها القمعية ضد الصحراويين في الصحراء الغربية المحتلة والجحيم الحقيقي الذي يعيشون فيه تحت الاحتلال”.
وبخصوص الإطار القانوني للقضية الصحراوية, شدد الدبلوماسي الصحراوي على أن “الصحراء الغربية إقليم غير محكوم ذاتيا ويحتله المغرب بشكل غير شرعي و”اتفاقية مدريد” ليس لها أي أثر قانوني على الوضع الدولي للإقليم المحتل”.
المغرب هو من يعرقل تنظيم استفتاء تقرير مصير الشعب الصحراوي
وأوضح سيدي محمد عمار أنه إذا كان احتلال الصحراء الغربية قد “انتهى” بموجب “اتفاقية مدريد” المبرمة في 1975, كما يدعي ممثل دولة الاحتلال, فلماذا تبقي الجمعية العامة وهيئاتها الفرعية وكذلك مجلس الأمن قضية الصحراء الغربية قيد نظرهم “كمسألة إنهاء استعمار” في حالة الجمعية العامة و”كمسألة سلام وأمن” في حالة مجلس الأمن, ولماذا أنشأ مجلس الأمن الدولي بتصويت أعضائه بالإجماع وتحت سلطته, بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) في عام 1991.
كما لفت إلى أن دولة الاحتلال قبلت رسميا باستفتاء تقرير المصير في عام 1988 ثم تراجعت عنه خوفا من الخسارة, مشددا على أنه “لا يمكن لممثل دولة الاحتلال المغربي أن ينكر أن ملكه السابق ألزم بلاده بالاستفتاء وتعهد رسميا بقبول نتائجه”.
واستدل في هذا الإطار, بتصريحات وزير الخارجية الأمريكي السابق, جيمس بيكر, الذي شغل منصب المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية ما بين 1997 و2004, والتي قال فيها: “كلما اقتربنا من تنفيذ خطة التسوية .. كلما زاد قلق المغاربة, في اعتقادي من احتمال عدم فوزهم في الاستفتاء”.
وأضاف ممثل جبهة البوليساريو بالقول: “الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية لم ينظم بعد, ليس بسبب قضايا تتعلق بتسجيل الناخبين, ولكن فقط لأن دولة الاحتلال المغربي تخشى نتيجة الاستفتاء”.
كما توقف الدبلوماسي الصحراوي عند ما يسمى بـ”مبادرة الحكم الذاتي” التي يحاول من خلالها المغرب فرض سيادته المزعومة على الصحراء الغربية, معتبرا هذه المبادرة التي وصفها ب”المهزلة”, أحدث تطور في حملة مستمرة يشنها الاحتلال لتعطيل تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية وحرمان الشعب الصحراوي من حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال.
وأكد في السياق ذاته أنه “لا يمكن أبدا للدول التي تحترم نفسها والملتزمة التزاما حقيقيا بالمبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي قبول وتأييد هذه المبادرة الاستعمارية, التي يجب إدانتها بكل صراحة ووضوح”.