شرق السودان – ميدان الحرب القادمة
تاريخ النشر: 29th, December 2024 GMT
عندما فشل فلول النظام البائد في القضاء على قوات الدعم السريع، هربوا إلى شرق السودان فأقاموا ملكهم غير المشروع هناك، ونسبة لعدم وجود كيانات سياسية شرقية قويّة، طاب المقام للخاطفين لقرار الجيش من الاخوان المسلمين – المؤتمر الوطني، وساهم قائد قوات الدعم السريع بقطاع الشرق في ذلك، فخان الأمانة وسلّم العدة والعتاد لجيش الفلول، فتنفس الهاربين من ضربات الأشاوس الصعداء، ولعبوا بمكونات الشرق الاجتماعية وابتزوها بتمكين مرتزقة الحركات المسلحة، فأصبح مجلس نظارات البجا يسبح بحمدهم، وتاه المهرّج الأكبر شيبة ضرار بين تطمينات الفلول واستفزازات مرتزقة دارفور، واستمسك الرشايدة بعروبتهم وكرامتهم، وصمتت المكونات الأخرى حتى ينجلي غبار المعركة، وتأهب أسياس أفورقي (ملك أرتريا) للدخول إلى الإقليم الذي لا بواكي عليه، واستفاد مرتزقة دارفور من الحالة الضبابية في التمدد والتنقيب عن المعدن الأصفر، وأصبح شرق السودان وولايتي نهر النيل والشمالية، الوجهة الأخيرة لفساد وإفساد فلول النظام البائد، الذين مزقوا الوطن بمشروعهم الحصاري الذي عزل السودان عن محيطيه الإقليمي والعالمي، فهنالك ثلاثة عوامل تجعل من أرض البجا منطلقاً لحرب ضروس، سوف تكون نهايتها نهاية حرب السودان الشاملة، المندلعة في أبريل من العام الماضي، أول هذه العوامل التدخل الارتري الذي اصبح واقعاً ملموساً، وثانيها الغبن المحلي تجاه الحركات المسلحة التي هربت من ميدان معركتها الحقيقي (دارفور)، وثالثها هو دخول الرشايدة والزبيدية في الحرب بجرهم غصباً عنهم بواسطة استخبارات الجيش المختطف، ففسيفساء الشرق لا تختلف كثيراً عن دارفور، والعامل الأكثر تأثيراً في التعجيل باندلاع الحرب هو الميناء والمنفذ البحري الذي تصطرع حوله إيران والصين وروسيا وأمريكا وإسرائيل وتركيا.
إنّ المناصرين لقوات الدعم السريع بشرق السودان لن يجدوا متنفساً إلّا بعد اشتعال النار، وبعد أن تدخل منصورتهم في حرب الشرق، فسوف تتولد ثلاث قوى مسلحة في هذه الحرب المرتقبة، هي قوات الغزو الارتري المتخذة من لباس جيس الفلول درعاً، والحركات المسلحة القادمة من دارفور، والدعم السريع، أما المكونات الاجتماعية الأخرى فسيكون ولاؤها موزع بين جيش الفلول المحتمي بالغزو الارتري، وقوات الدعم السريع، أما مليشيات دارفور المسلحة فهي الحلقة الأضعف، لأنها في زواج متعة قصير الأجل مع فلول النظام البائد ينتهي بأجل محتوم، وفي ذات الوقت منبوذة من المجتمع الشرقاوي الذي ينظر إليها كأمر واقع تم فرضه عليه فرضاً، فحرب الشرق المرتقبة لن تكون طويلة الأمد لسبب واحد، يتمثل في الأهمية الاستراتيجية والجيوسياسية للميناء – المنفذ البحري الرئيسي للسودان، وأهمية ضمان عدم انزلاق الأوضاع إلى الفوضى، لأنه مركز تحكم مصالح قوى الشرق الأوسط، ورغم اختلاف أجندات هذه القوى الإقليمية والدولية، إلّا أنها تتفق فيما بينها على حد أدنى حول المنفذ البحري السوداني، الذي يعتبر أحد المعابر المهمة في المنطقة، تلك الأهمية التي تفرض على القوى المتصارعة الاستعجال لوضع حد للحرب، وقد يسأل سائل ويقول كيف قلّلت من الدور الارتري، هنا أقول بأن الوساطة التركية بين الصومال واثيوبيا قد سبق سيف عذلها حراك المحور الارتري المصري، فأثيوبيا قد دخلت المعادلة منذ وقت مبكر ولكن بطريقة ناعمة، في الآخر سوف تصب في مصلحة دخول قوات الدعم السريع في حرب حدودية مع ارتريا، فدكتاتور أسمرا لن يطيب عيشه مع الغضب الاثيوبي.
حرب الشرق ستدفع باتجاه إنهاء حرب السودان الشاملة، ففلول النظام البائد لا يتمتعون بمورد بشري يدعم جيشهم المختطف هنالك، والطاغية الارتري لا يستمر في خوض حرب خاسرة خارج أرضه، وكمحارب قديم يعلم كيف اهتزت كراسي حكم الزعماء الذين تورطوا في حروب جيرانهم، هذا فضلاً عن ضمور الدور المصري في القرن الافريقي، بعد التدخل الواضح للسلطان العثماني أردوغان، فلو كانت هنالك حسنة واحدة تجنيها قوات الدعم السريع من حرب الشرق، فهي إنهاك فلول بورتسودان بانفجار جبهة قتال جديدة لا يملكون فيها قصب السبق، كما حدث في جبهتي دارفور وكردفان، فأرض الشرق لو اشتعل فيها الحريق لن يكون هنالك دور فاعل لفلول النظام البائد، فالجيوش الداخلة في الحرب ليس للفلول يد عليها، سواء كانت مليشيات دارفور أو جيش الغزو الارتري، وهذه الحرب المتوقعة بشرق السودان ستكشف ظهر فلول النظام البائد بولايتي نهر النيل والشمالية، وسيصدمون بمحدودية وقصور الدور المصري وعدم حيلة هذا الجار الشمالي، الذي لا يجازف بالوقوف مع منظومة حكم نازحة وآيلة للسقوط، ومهرولة بين بورتسودان وعطبرة، إنّ رهان فلول النظام البائد على الحرب تأكد أنه رهاناً خاسراً، بعد رهانهم على حرب الخرطوم غير محسوبة العواقب، التي أشعلوا فتيلها على أمل أن تضع وزرها بعد سويعات، فامتدت لأشهر قاربت السنتين، فلو أن المتطرفين من عضوية حزب المؤتمر الوطني آمنوا بقانون الناموس الكوني، وأيقنوا بأن ملكهم قد نزع، لجنبوا البلاد شر الحرب، لكنهم قوم يقرأون القرآن ليلا ونهارا ولا يتدبرون الآيات المفسرة لأسباب هلاك الأمم.
إسماعيل عبد الله
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فلول النظام البائد قوات الدعم السریع حرب الشرق
إقرأ أيضاً:
تأهيل إسرائيل لعضوية الشرق الأوسط
بقدر ما أظهر استمرار حرب الإبادة تصاعُد الخلاف بين إسرائيل وبين الغرب الأوروبي، بقدر ما أظهرت تداعيات وقف الحرب خلافاً متنامياً مع آخر حليف لتل أبيب أي واشنطن، وكما قدرنا سابقاً ومنذ أكثر من شهرين مرا على البدء بتنفيذ خطة ترامب بشأن غزة، فإن حكومة بنيامين نتنياهو، لم تلتزم تماماً بتلك الخطة، التي وافقت عليها على مضض، ليس من سبب إلا لأن وقف الحرب جرى دون ان تحقق هدفها بعيد المدى، وهو تهجير سكان قطاع غزة، وضم أرضه تالياً لدولة إسرائيل الكبرى، وتجلى عدم التزام إسرائيل بوقف النار من خلال قتل نحو أربعمائة مواطن، ومواصلة تدمير ما تبقى من منازل، كذلك عبر تعميق ما يسمى بالمنطقة الصفراء التي تحتلها دون ان يكون فيها سكان سبق لها وان أجبرتهم على النزوح، والأهم ان مواصلة إطلاق النار، تبقي على احتمال مواصلة الحرب قائماً في مخيلة أركان الحكومة الإسرائيلية، بما يعني بأنها منذ البادية راهنت على وقف تنفيذ الخطة عند حدود الخط الفاصل بين مرحلتيها الأولى والثانية.
والحقيقة هناك كلام كثير يمكن أن يقال، لنؤكد على أن إسرائيل اليمينية المتطرفة حالياً، تعتقد بأنها وصلت إلى اللحظة التي أعدت لها أولاً أوضاعها الداخلية، وثانياً العلاقة مع الجانب الفلسطيني، وثالثاً الشرق الأوسط برمّته ليكونوا قد باتوا جاهزين لقيام دولة إسرائيل العظمى، عبر مصطلح خادع قال به بنيامين نتنياهو علناً وصراحة قبل أكثر من عام، وهو تغيير الشرق الأوسط، والأهم هو أن نتنياهو وطاقم الحكم المتطرف يعتقد بأنه إن لم يحقق ما يصبو اليه الآن، فلن ينجح في ذلك لاحقاً، أي ان هذه الحرب ليست كما كانت سابقاتها، حيث دأبت إسرائيل على شن الحروب سابقاً بمعدل مرة كل بضع سنوات، تحتل خلالها أراضي عربية إضافية، او تحقق أهدافاً أمنية_سياسية، وحين تواجه عقدة مستعصية توافق على وقف لإطلاق النار، لتقوم بالتحضير لتحقيق ما عجزت عنه فيما بعد، هذه المرة يعتقد المتطرفون الإسرائيليون أصحاب مشروع إسرائيل العظمى والكبرى، بأن العالم يتغير بسرعة في غير صالحهم، لذلك فهذه هي فرصتهم الأخيرة، لذلك يمكن القول بأنهم غامروا لدرجة ان يخسروا تأييد الغرب الأوروبي، ويغامرون اليوم بالمراهنة حتى آخر رمق من تأييد ودعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ذلك أن أميركا بعد ترامب ستكون ذات موقف مختلف.
لن نعيد في هذه المقالة، ما سبق لنا وقلناه عن دوافع وتفاصيل تلك الصورة، التي اتضحت خلال حرب العامين على فلسطين وعلى ست دول شرق أوسطية، لكن بالمجمل فإن كون إسرائيل كدولة بعد نحو عشر حروب خاضتها، بل بعد ما يقارب من ثمانين عاماً، على قيامها، أي منذ نشأتها حتى اليوم، والأهم بعد اربع معاهدات سلام وقعتها مع ست دول عربية، وعدد من اتفاقيات الهدنة ووقف إطلاق النار، ما زالت في حالة حرب، ليس فقط مع فلسطين، بل مع الشرق الأوسط برمّته، والأخطر بعد ان كانت تبدو في حالة حرب مع الدول العربية، بغض النظر عن كلها أو بعضها، باتت حالياً في حالة حرب مع الدول العربية والدول الإسلامية، وباختصار، باتت الشوفينية الإسرائيلية لا تكتفي بمواصلة مطالبة واشنطن بالحفاظ على تفوقها العسكري على مجمل دول المنطقة فرادى ومجتمعين وحسب، بل باتت تقول علناً بأنها تسعى لتغيير الشرق الأوسط، ولا تنكر ان طريقها لذلك هو إفراغ الشرق الأوسط من عوامل القوة العسكرية، بما يشمل تغيير الأنظمة، وأنها في سبيل ذلك تواصل شن الحرب، وأنها لا تثق بأحد، ولهذا فهي اليوم باتت في حالة حرب مع فلسطين ولبنان وسورية واليمن وإيران، فيما علاقتها متوترة مع الآخرين: مصر، الأردن، تركيا، قطر، السعودية، أي الجميع.
والحقيقة أن كون إسرائيل ما زالت في حالة حرب، منذ نشأتها، وهذا أمر لم يحدث في تاريخ العالم، سوى مع الدول الاستعمارية، نقصد المغول والبيزنطيين الذين أقاموا في مناطق شاسعة من العالم قروناً، كذلك الاستعمار في القرن العشرين، مثال الجزائر وفيتنام، يعني أو يؤكد بأن إسرائيل ورغم انه لاح وكأن اتفاقيات او معاهدات السلام التي عقدتها مع مصر أولاً ثم فلسطين والأردن، ولاحقاً مع الإمارات، البحرين والمغرب، قد وضعت حداً، او أنها قد فتحت الباب لإغلاق باب الحروب بينها وبين محيطها الشرق أوسطي، العربي والإسلامي، لكن ذلك لم يحدث، ولا حتى في عالم الرياضة، حيث هي حقل لجمع الدول، بما بينها من خلافات، حيث كان فريق الاتحاد السوفياتي في ظل الحرب الباردة يشارك في مباريات كرة القدم مع منتخبات الغرب الأوروبي في كؤوس العالم، بينما إسرائيل تشارك ضمن المنافسات الأوروبية، رغم أنها دولة آسيوية جغرافياً، وكثيراً ما انسحب المشاركون في مسابقات رياضية دولية، من دول عربية إفريقية ودول إسلامية تجنباً لمنافسة الرياضيين الإسرائيليين.
أي أن معاهدات واتفاقيات السلام والتطبيع، خاصة المصرية والأردنية منها، بقيت حبراً على الورق الرسمي، بينما كان توقيعها مناسبات لرفع وتيرة مواجهة التطبيع على الصعيد الشعبي. باختصار نريد القول، بأن إسرائيل لا قبل ولا خلال ولا بعد توقيع أربع اتفاقيات ومعاهدات سلام، صارت دولة طبيعية في الشرق الأوسط، وهي ما زالت دولة لم تحظ بشرف عضوية ذلك النادي الدولي، وربما كانت هذه الحقيقة التي لا شك بأنها تنغص حياة الإسرائيليين، أحد الدوافع التي تجعل منها شعاراً لمن يطمح في الحكم، وقد كان شعار السلام منذ ما بعد إعلان قيامها عام 48 طريقاً للأحزاب التي تنافست على الحكم خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات حتى توقيع معاهدة كامب ديفيد مع مصر، أما شعار الشرق الأوسط الجديد، فقد تلا انتهاء الحرب الباردة، ورافق مفاوضات مدريد التي أجبر عليها اليمين الليكودي الحاكم عام 1991، وإعلان اتفاق أوسلو من قبل آخر حكومات اليسار، وبالتحديد من عراب أوسلو الإسرائيلي شمعون بيريس، الذي حرص على ان تشمل مفاوضات الحل النهائي مع (م ت ف) مفاوصات متعددة الأطراف، إقليمية بالطبع، لتقديم ما يغري الجانب الإسرائيلي بقيام شرق أوسط جديد، كنادٍ اقتصادي تكون لها فيه عضوية فاعلة، بالتوازي مع المفاوضات الثنائية مع الجانب الفلسطيني التي ستفضي الى الانسحاب الجغرافي.
أي أن الشرق الأوسط الجديد بمفهوم بيريس الذي بشّر به قبل أكثر من ثلاثة عقود، آخذاً بعين الاعتبار المتغير الكوني بعد انتهاء الحرب الباردة، ونشوء العلاقات بين الدول على أساس الشراكة الاقتصادية، اعتمد على أن نفوذ الدول بات مرهوناً باقتصادها وليس بتوسعها الجغرافي أو قوتها العسكرية، بينما شرق أوسط بنيامين نتنياهو، هو نقيض ذلك تماماً، حتى أن السلام عند بيريس كان يستند لمبدأ الأرض مقابل السلام، بينما عند نتنياهو يعني فرض الأمن بالقوة العسكرية، وقد كان يمكن أن يتحقق شرق أوسط جديد على أساس شراكة دوله وشعوبه في الأمن والسلام والرخاء الاقتصادي، ضمن نظام عالمي قائم على هذا المفهوم أساساً، ومثل هذا الشرق الأوسط ليس بعيداً، مع ملاحظة العلاقات البينية بين دوله، العربية والإسلامية، اي دول الخليج ومصر وكل من تركيا وايران، لكن ما حال دون ذلك هو إسرائيل بحكوماتها اليمينية التي تقول بتغيير الشرق الأوسط كله ليتوافق مع طبيعتها الاستعمارية، بينما المنطقي هو ان تتغير هي لتتوافق مع شرق أوسط طبيعي متوافق مع النظام العالمي.
هذه الوجهة هي التي ستفرض على إسرائيل التغيير الداخلي، وأهم سماته لفظ اليمين المتطرف، وإعادة التأكيد على دولة المؤسسات الديموقراطية، وذلك بالشروع فوراً في تحقيق جملة من الشروط هي: الانسحاب من ارض دولة فلسطين ومن الأراضي العربية المحتلة، وتصفية كل المناطق الأمنية، وإن كان لا بد من مناطق أمنية فعلى الجانبين، ثم تطبيق حق العودة والتعويض، مع تقديم ضمانات أمنية لدول الجوار، لأن إسرائيل هي الأقوى عسكرياً وهي التي تعتدي وتحتل، كذلك نزع الصفة الدينية عنها وبث رسالة سلام وتعايش للجوار.
وأهم أمر على إسرائيل أن تُقْدم عليه او إعلان الحدود الجغرافية النهائية للدولة، وكذلك دستورها الذي يثبت بأنها دولة طبيعية مدنية تعيش مع جيرانها وفق منطق حسن الجوار، كل ذلك يتطلب أولاً إحالة نتنياهو، عراب إسرائيل الكبرى الى المعاش السياسي، ثم إسقاط اليمين المتطرف، حتى يمكن التوصل لحل الدولتين.
الأيام الفلسطينية