غيداء شمسان
لم تكن تل أبيب يوماً ما حصناً منيعاً، لكنها لطالما تَباهت بصورةٍ مزيفةٍ عن الأمن، مدينةً تُخفي خلف واجهاتها الراقية وحياةِ الترف قلقًا باطنيًا عميقًا لكن الهدوءَ الخدّاع انتهى ؛فمن جنوبِ الجنوب، من أرضِ اليمن، تحلّق المسيّرات وتصلُ الصواريخُ الفرط صوتية، مخترقةً سراب الأمن الذي بُني على رُكام الظلم والاحتلال.
كانت تل أبيب، لوقتٍ طويل، تمثلُ في مخيّلة الكثيرين واحةً من الأمن والهدوء وسط عاصفةِ الصراع في الشرق الأوسط مدينة تُضيءُ أنوارُها ليلاً، وتُزخر شوارعها بالحياة والنشاط، مدينة يُفترض أنها بعيدة عن مخالب الحرب لكن هذا السراب بدأَ يتلاشى، مُكشفاً عن واقعٍ مُرّ يهدد كيان العدو فلم تعد تل أبيب آمنةً، وليس هذا مجرد إحساس، بل هو واقع يؤكد نفسه يومًا بعد يوم.
لم تعد الأسوار الخرسانية والحواجز الأمنيةُ كافيةً لتوفيرِ الغطاء الآمن فالصواريخ تخترق الخطوط الدفاعيةَ، والطائراتُ المُسيّرة تحلق في سماء المدينة، مسجلةً خروقاتٍ للسّكينة التي كانت تُميّزها والقلق يتسلّل إلى القلوب، يحل محل الطمأنينة، ويحولُ الشعور بالأمان إلى سرابٍ يتلاشى معَ كل صافرة إنذار، لم تعد قوتهم العسكرية قادرة على حمايتهم من شبح المسيّرات اليمنية، فالصور الضبابية التي تصلُنا من المدينة، تظهر مدينةً تتخبطُ بين الواقع والخيال، مدينة تتذكر أول مرة يخترق فيها حصنُها المنيع والقلق يتسلل إلى القلوب، مستبدلاً الراحة بالخوف، ويحول الأحلام إلى كوابيس.
ولكنْ، ما يثير الذهول ليس مجرد وصولِ المسيّرات، بل هو القدرة على التحدّي، القدرةُ على اختراق مايدعونة بالأسطورة الآمنة، فالصواريخُ الفرط صوتية اليمنية، بِسرعتها ودقتها، تُمثل رمزا لعزيمةٍ لا تُقهر، و إرادةٍ تصر على كسر الحواجز إنها تشكل تحولاً استراتيجياً قوياً وتُحطم صورةَ الكيان الذي لطالما تباهى بقدراته العسكرية.
إن وصول المسيرات والصواريخ إلى تل أبيب ليس مجرد حدثٍ عسكري، بل هو رمزٌ لانتصار روحي انتصار يجسد معنى المُقاومة و التحدّي في وجه الظلم ؛إنّها تمثل انتصارًا لإرادة الشعوب المحتلة، إرادةٍ تصر على بناءِ مستقبل بلا خوف ولااستسلام.
تُشكل العمليات العسكرية، التي شهدتها تل أبيب في الأونة الأخيرة، دليلًا قويًا على انهيار الأمن، فلم تعد الجدران العالية والجيش الضخم كافيين لتوفير الحماية للسكان فالصواريخ والطائرات المسيرةُ تخترق الخطوط الدفاعية، وتخترق حدودَ الراحة و الاستقرار، مسجلةً خروقًا خطيرةً في أسوار ما كان يعتبرحصنًا منيعًا.
الخلاصة.. لم تعد تل أبيب ملاذًا آمناً، فَسَراب الأمنِ تَلاشى لكن هذا التّغيير ليس مجرد معادلةٍ عسكريةٍ، بل هو انعكاسٌ لحالة إقليمية أعمق، وَبرهانٌ على أنّ الظلمَ والاحتلال لا يُمكن أن يُحافظا على أمنهما، في حين تصر إرادة الشعوب على بناء مستقبلها بنفسها وهمسةُ المسيّرات والصواريخ اليمنية، تمثل بداية نهاية هذا السراب.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: المسی رات تل أبیب لم تعد
إقرأ أيضاً:
كتر أفراحنا
«كتر أفراحنا».. ليس مجرد تعبير عابر، بل هو لسان حال مجتمع سوق المال هذه الأيام، بعد القفزة التاريخية التى حققتها مؤشرات البورصة المصرية، وصعود مؤشرها الرئيسى إلى قمة تاريخية غير مسبوقة.
أجواء من البهجة والارتياح سادت أوساط المستثمرين، بعد تصريحات محمد صبرى، نائب رئيس البورصة، التى شكّلت نقطة تحول فى المشهد الاستثمارى، وحملت سبع رسائل جوهرية أعادت الثقة وأطلقت طاقات التفاؤل داخل السوق.
رسائل صبرى لم تكن مجرد كلمات دبلوماسية، بل جاءت محملة برؤية مؤسسية عميقة، أكدت أن الإجراءات الرقابية ليست سوطًا يُرفع على المستثمرين، بل مظلة أمان لحماية أموالهم وضمان استقرار بيئة الاستثمار. كما شدد على أن البورصة ليست ناديًا للأثرياء أو ساحة مضاربة مؤقتة، بل هى شريان تمويلى حيوى للاقتصاد الوطنى، وأن الرقابة الفاعلة لا تقوم على المظاهر، بل على جوهر العدالة والشفافية والمصداقية.
هذه الكلمات التى لمست وجدان مجتمع المال، تحولت إلى وقود دفع قوى لحركة المؤشرات، التى بدت وكأنها تعزف لحنًا صاعدًا يروى قصة ثقة متجددة فى السوق المصرى. ارتفعت السيولة، تسارعت التداولات، وبدأت الأسهم تنبض بالحياة من جديد، ليعكس ذلك إصرار إدارة البورصة بقيادة الدكتور إسلام عزام ونائبه محمد صبرى على إعادة رسم خريطة السوق وتطوير المنظومة من الداخل بروح جديدة.
ولم يكن ذلك المشهد منفصلًا عن التحولات الإقليمية، فالتطورات الإيجابية الأخيرة على صعيد وقف إطلاق النار وعودة الاستقرار لقطاع غزة، بجهود دبلوماسية مصرية خالصة، أسهمت فى تهدئة التوترات، وأعادت الثقة فى المنطقة كوجهة استثمارية آمنة، وهو ما انعكس على شهية المستثمرين الأجانب ودخول سيولة جديدة إلى السوق المحلى.
لعبت الصفقات والاستحواذات الكبرى دورًا إضافيًا فى ضخ الزخم داخل السوق، لتتشابك العوامل الداخلية والخارجية فى مشهد واحد، خاصة فى ظل الموجة المتصاعدة من هذه الصفقات التى اجتاحت السوق خلال الفترة الأخيرة، لتضخ مزيدًا من الحيوية فى شرايين التداول، عكست القيمة الحقيقية للشركات المصرية وأنها ما زالت كامنة، وأسعار الأسهم الحالية لا تعبّر بعد عن ثقل أصولها ولا عن إمكاناتها التى تُقدّر بالمليارات.