بقلم : تيمور الشرهاني ..

في الآونة الأخيرة، تصاعدت تصريحات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، التي تنفي بشكل قاطع وجود أي حديث عن تغيير النظام السياسي في العراق، سواء على المستوى الداخلي أو من قبل أطراف خارجية. هذا الإلحاح المتكرر على النفي أثار تساؤلات في الأوساط السياسية والشعبية حول الدوافع الحقيقية وراء هذه التصريحات، وما إذا كانت تعكس واقعاً ملموساً أو مجرد محاولة لصرف الأنظار عن قضايا أخرى.


من الواضح في عالم السياسة، أن النفي المتكرر والعلني لقضية ما غالباً ما يثير الشكوك بدلاً من تبديدها، فمن المعروف أن النفي المسبق قد يكون نتيجة مخاوف فعلية لدى أصحاب القرار من وجود إشارات أو تلميحات حول القضية المثارة، حتى وإن لم تكن هذه الإشارات موثقة أو مؤكدة. فمن هذا المنطلق، قد يُفهم الإلحاح على نفي وجود أي حديث عن تغيير النظام في العراق على أنه محاولة استباقية لإخماد أي شائعات أو تكهنات، خصوصاً في ظل حساسية المشهد السياسي العراقي وتعقيداته الداخلية والإقليمية. وقد يكون القلق من أن تداول مثل هذه الشائعات قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي أو إثارة مخاوف لدى المواطنين.
وفي السياق ذاته، يطرح مراقبون احتمال أن تكون هذه التصريحات جزءاً من حملة إعلامية تهدف إلى توجيه اهتمام الرأي العام نحو قضية “افتراضية” لإشغال الناس عن أزمات أكثر إلحاحاً. فعلى سبيل المثال، العراق يواجه تحديات كبيرة، بدءاً من الأزمة الاقتصادية الخانقة ومروراً بمشاكل الخدمات وانتهاءً بقضايا الفساد التي باتت تؤرق الشارع العراقي.
هنا قد تلجأ بعض الأطراف السياسية إلى إثارة قضايا مثيرة للجدل، مثل “مؤامرات تغيير النظام”، لصرف الأنظار عن هذه الأزمات الحقيقية، وبذلك يتم توجيه الاهتمام الشعبي إلى قضايا ذات طابع جدلي بدلاً من التركيز على الأداء الحكومي أو المطالب الشعبية.
من زاوية أخرى، قد يكون الهدف من هذه التصريحات هو تعزيز صورة القيادات السياسية كمدافعين عن النظام والدولة في وجه “تهديدات خارجية” أو “مؤامرات مفترضة”. مثل هذه التصريحات يمكن أن تُستخدم لحشد الدعم الشعبي والسياسي، خصوصاً في ظل وجود انقسامات سياسية حادة. فتصوير وجود تهديد خارجي أو داخلي للنظام قد يمنح السياسيين فرصة لتقديم أنفسهم كحماة للاستقرار، وهو ما يمكن أن يعزز موقعهم في المشهد السياسي.
على الرغم من غياب أدلة واضحة على وجود حديث غربي أو أمريكي عن تغيير النظام في العراق، إلا أن السياق الجيوسياسي للبلاد يجعل هذه المخاوف حاضرة دائماً في ذهن النخبة السياسية. العراق، الذي يعد ساحة لتقاطع المصالح الإقليمية والدولية، لطالما كان عرضة لضغوط خارجية وصراعات نفوذ بين القوى الكبرى. وبالتالي، فإن تصريحات من هذا النوع قد تكون تعبيراً عن قلق داخلي حقيقي من احتمال تصاعد نفوذ قوى معارضة أو تيارات مدعومة خارجياً.
على الجانب الآخر، قد تكون هذه التصريحات جزءاً من استراتيجية إعلامية مقصودة تهدف إلى تضخيم قضية غير موجودة فعلياً، لخلق “عدو وهمي” يمكن استخدامه لتبرير سياسات معينة، مثل تشديد القبضة الأمنية أو فرض تغييرات سياسية أو حتى كسب تعاطف شعبي مع الحكومة. مثل هذه الاستراتيجيات ليست جديدة في عالم السياسة، حيث تلجأ الأنظمة أحياناً إلى افتعال أزمات لتمرير أجنداتها.

تيمور الشرهاني

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات هذه التصریحات تغییر النظام

إقرأ أيضاً:

خبير: "واشنطن تدعم تغيير النظام".. هل يُخطئ وادفول في قراءة المشهد الإيراني؟

أثار وادفول جدلًا جديدًا بتصريحاته حول الصراع الإيراني الإسرائيلي، حيث أبدى ثقته بعدم تدخل أمريكا عسكريًا، ثم أكد أن واشنطن لا تريد تغيير النظام في إيران. يرى الخبير لانج أن أوروبا تخلق خطرًا بمحاولتها فرض دور دبلوماسي دون نفوذ حقيقي. اعلان

يواجه وزير الخارجية الألماني يوهان وادفول انتقادات واسعة تتعلق بمساره السياسي تجاه منطقة الشرق الأوسط. فقبل يوم واحد فقط من قيام الولايات المتحدة، تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، بتنفيذ ضربات عسكرية استهدفت منشآت نووية إيرانية، أكد وادفول أن واشنطن لن تتدخل عسكريًا في التوترات بين إسرائيل وإيران.

وفي إطار مبادرة دبلوماسية أوروبية لاحقة، قاد وادفول جهودًا للتوصل إلى محادثات مع إيران حول برنامجها النووي، حيث التقى يوم الجمعة الماضي بوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على هامش مؤتمر في جنيف. لم تشارك كل من الولايات المتحدة وإسرائيل في هذه المباحثات.

اتهم خبراء الوزير الألماني بعدم الواقعية في التعامل مع طهران، مشيرين إلى أن إيران تمارس لعبة دبلوماسية مع الجانب الأوروبي دون التزام حقيقي. كما لا تزال هناك انقسامات حادة حول فعالية الاتفاقات النووية الحالية في منع النظام من تطوير أسلحة نووية. وقد انتهت المحادثات في جنيف دون التوصل إلى أي تفاهم، وأعلنت إيران لاحقًا تعليق مشاركتها في المفاوضات.

وأثار وادفول غضبًا جديدًا يوم الاثنين خلال تصريحاته في بروكسل، قبل بدء اجتماع مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، الذي يبحث اليوم الوضع المتوتر في الشرق الأوسط على مستوى الوزراء.

ظهر يوهان واديفول أمام الكاميرات بعد اجتماع إيران غير الحاسم في جنيف يوم الجمعة.Martial Trezzini/' KEYSTONE / MARTIAL TREZZINI

وقال وادفول إن تغيير النظام في إيران ليس هدفًا للولايات المتحدة، مؤكدًا تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، التي أوضح فيها أن واشنطن لا تسعى لتغيير النظام في طهران. وأضاف وادفول: "رسميًا، صرّح نائب الرئيس الأمريكي بذلك، وقد أعربت إسرائيل أيضًا عن نفس الموقف".

وتأتي هذه التصريحات متناقضة مع ما تناقلته الصحف والمواقع الإخبارية حول العالم يوم الاثنين، والتي أكدت أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعرب خلال مقابلة الأحد عن رغبته الصريحة في تغيير النظام الإيراني، مما أثار استغرابًا واسعًا وامتعاضًا لدى العديد من الجهات المحللة والسياسية.

قبل ساعات: تحدث ترامب عن "تغيير النظام" للمرة الأولى

وأوضح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تدوينات نشرها على حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي يوم الأحد، أنه رغم عدم صواب استخدام مصطلح "تغيير النظام" من الناحية السياسية، إلا أنه أبدى تساؤلًا استفزازيًا بالقول: "إذا كان النظام الإيراني الحالي غير قادر على إعادة عظمة إيران، فلماذا لا يكون هناك تغيير للنظام؟!!!"

لديهم القدرة على التفاوض على السلام مع إيران: بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب.AP/AP

وهنا يكمن التناقض: فلأول مرة، تحدث ترامب بوضوح عن "تغيير النظام" في إيران، بل وتبنى شعار "إجعلوا إيران عظيمة مرة أخرى"، وهو خطاب يحمل دلالات أيديولوجية وسياسية عميقة.

وقد فسرت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية، بما في ذلك صحيفة "وول ستريت جورنال"، ذلك على أنه إشارة واضحة إلى رغبة ترامب في تغيير الوضع القائم في طهران.

ولفتت الصحيفة إلى أن الرئيس الأمريكي لم يستبعد تقديم دعم لجهود تغيير السلطة في إيران، ما يُعد تصعيدًا ملحوظًا في لهجة الإدارة الأمريكية تجاه النظام الإيراني.

هل يمكن أن يكون وادفول مخطئًا مرة أخرى؟

في مقابلة مع "يورونيوز"، أكد الخبير الأمني نيكو لانغ بشكل واضح: "نعم، الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد تغيير النظام في إيران".

وأوضح لانغ أن واشنطن تفضل في المقام الأول أن تعود إيران إلى طاولة المفاوضات وتتفق على تسوية جديدة. لكنه أشار إلى تصريحات الرئيس ترامب التي أظهرت بوضوح أنه "إذا لم تنجح الأمور مع الحكومة الحالية، فحينها يجب أن تكون هناك حكومة أخرى".

وأضاف الخبير أن الاستراتيجية المشتركة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة لا ترتكز على خيار التحرك العسكري المباشر لتغيير النظام، "لكن كلا البلدين يؤيدان تغيير النظام في إيران من خلال أدوات سياسية واقتصادية وربما دعم معارضة داخلية".

الخبير العسكري نيكو لانجNico Lange كيف تستغل إيران الأوروبيين؟

ُيشير الخبير العسكري نيكو لانغ إلى وجود مشكلة أعمق في المقاربة الحالية التي تتبناها الدول الأوروبية، وخاصةً ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ككل.

ويقول لانغ: "بغض النظر عن شخصية وزير الخارجية الألماني يوهان وادفول، فإن السؤال الجوهري هو إلى أي مدى قد تشكل السياسات الأوروبية الحالية خطرًا عكسياً على مصالح كل من الولايات المتحدة وإسرائيل".

ويستطرد الخبير موضحًا أن "الأوروبيين يتصرفون وكأنهم يمارسون دبلوماسية التفاوض بالوكالة عن الأمريكيين، في حين أن الرئيس ترامب يؤكد باستمرار أنه الوحيد القادر على إبرام صفقة حقيقية مع إيران".

كما يلفت لانغ الانتباه إلى أن "الاجتماع الذي عقد في جنيف يُصوَّر من قبل الأوروبيين بطريقة مختلفة تمامًا عمّا كانت عليه مخرجاته الواقعية"، مشددًا على أن "الدول الأوروبية لا يمكنها بأي حال التحدث باسم الولايات المتحدة أو إسرائيل، وهو ما يثير التساؤلات حول جدوى وفعالية هذه الجهود المنفصلة".

وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، ووزير الخارجية الألماني يوهان وادفول، ووزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، والممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس.Fabrice Coffrini/AP

وحذر نيكو لانج من أن اللاعبين الإيرانيين يتعاملون بذكاء استراتيجي مع الموقف الأوروبي، ويصف سلوك طهران بأنه "ماكر للغاية"، وشددعلى ضرورة أن يكون الأوروبيون حذرين، موضحًا: "لو كنت مكان إيران، لدرست بجدية إمكانية التلاعب بالأوروبيين ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. هناك خطر حقيقي لأن تنجح إيران في استغلال هذا الانقسام".

وأشار الخبير إلى أن الأوروبيين يمثلون شريكًا أكثر ليونة ولطفًا في الحوار مع إيران، ولفترة طويلة اعتمدوا سياسة ناعمة لم تحقق أي نتائج ملموسة. ويضيف: "إيران تستغل تمامًا رغبة الأوروبيين في الاعتراف بهم كقوة دبلوماسية مؤثرة، بينما في الحقيقة، لا تمتلك هذه الدول الوسائل اللازمة لتحقيق أي تأثير حقيقي على الأرض".

وأكد لانغ أن "الضغط الحقيقي والتأثير الفعلي يقعان على عاتق الولايات المتحدة وإسرائيل، وليس لدى ألمانيا أو فرنسا أو الاتحاد الأوروبي عمومًا أدوات للعب دور فاعل في هذا الملف".

وحذر في الوقت نفسه من أن "استمرار الأوروبيين في السماح باستغلالهم من قبل إيران قد يتحول إلى خطر مشترك يهدد الجميع".

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • تغيير النظام لن يوقف مساعي إيران النووية
  • خبير: "واشنطن تدعم تغيير النظام".. هل يُخطئ وادفول في قراءة المشهد الإيراني؟
  • ترامب يتحدث عن تغيير النظام في إيران .. هل يكون ابن بهلوي هو البديل؟
  • ترامب يطرح فكرة تغيير النظام الإيراني
  • ترامب: لماذا لا يكون هناك تغيير للنظام في إيران؟
  • في مناورة سخيفة…النظام الجزائري يروج وثيقة مزورة تزعم مقتل ضباط مغاربة في إسرائيل
  • العراق في مهب الريح… مخاوف عالمية من غلق مضيق هرمز!
  • واشنطن تبلغ طهران بعدم نيتها تغيير النظام في إيران: الضربة انتهت
  • أستاذ علوم سياسية: الضربات الإسرائيلية على إيران لن تؤدي إلى تغيير النظام
  • اجتماع برلين يؤكد دعم عملية سياسية في ليبيا ويحذر من تعثر المسار السياسي