اليوم 24:
2025-12-01@23:12:01 GMT

الديون العامة المغربية: هل هي مستدامة؟

تاريخ النشر: 23rd, January 2025 GMT

تشكل الديون العامة، نظرًا لما تنطوي عليه من رهانات، موضوعًا متكررًا يجذب انتباه المراقبين والمحللين. وهو موضوع يخضع لتأويلات متنوعة نظرًا لغياب قواعد محددة ومتفق عليها بالإجماع بشأن الاستدامة. يختلف الاقتصاديون ليس حول اللجوء إلى الديون، وخاصة الديون الخارجية، ولكن حول تحديد مستوى مقبول ومستدام لا يهدد سيادة الدول.

ويُناقش هذا الموضوع بشكل متكرر بين الخبراء دون التوصل إلى إجماع واضح بشأنه.

حتى معايير ماستريخت، المعروفة بمعايير الالتقائية التي تحدد نسبة دين تبلغ 60%، وعجزًا في الميزانية بنسبة 3%، ومعدل تضخم 1.5%، تُقابل بالرفض من قبل البعض، ونادرًا ما تمتثل الدول لها. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك بالفعل عتبة حرجة يجب عدم تجاوزها ؟ أم يمكن التصرف مثل اليابان، الذي يتعامل بشكل طبيعي مع نسبة دين تصل إلى 250%، ودول أخرى تتجاوز نسب ديونها 100% بسهولة؟

لفهم هذه القضايا بشكل أفضل، يجب طرح سلسلة من الأسئلة مسبقًا: الاقتراض من أجل ماذا؟ وبأي شروط؟ الاقتراض بالعملة الوطنية أم بالعملات الأجنبية؟ ما هو عبء خدمة الدين عند استحقاقه مقارنة بالإيرادات العادية، والصادرات، والقروض الجديدة المتعاقد عليها؟ هذه كلها أسئلة يمكن أن تعطينا مؤشرات مهمة للحكم على جدوى اللجوء إلى الاقتراض، وفي أي حدود. بمعنى آخر، يجب إجراء تحليل حالة بحالة، دون أن نمنع أنفسنا من استخلاص دروس من تجارب تاريخية معينة.
المندوبية السامية للتخطيط: استقرار الديون العامة عند 83,3% من الناتج الداخلي الخام في 2024 و2025

في الميزانية الاقتصادية التوقّعية لعام 2025 (يناير)، تتوقّع المندوبية السامية للتخطيط استقرار الدين العام الإجمالي عند نسبة 83,3% من الناتج الداخلي الخام خلال سنتي 2024 و2025، مع بقائه مع ذلك أعلى من مستواه قبل جائحة كوفيد. وكما جرت العادة، تكتفي المندوبية بعرض المعطيات دون تقديم أي تفسير أو تعليق. ولفهم الوضع بشكل أوضح، يجب الرجوع إلى التقرير المرافق لمشروع قانون المالية 2025 المتعلق بالدين العام، والذي يركز على بيانات سنة 2023.

يتمً التمييز في هذا السياق بين دين الخزينة والدين العام الإجمالي الذي يتضمن بالإضافة إلى ذلك الدين الخارجي للمؤسسات والشركات العمومية. وقد بلغ حجم دين الخزينة مع نهاية سنة 2023 ما مجموعه 1016,6 مليار درهم، أي ما يعادل 69,5% من الناتج الداخلي الخام. ويتوزّع هذا الدين إلى دين داخلي بقيمة 763,1 مليار درهم (أي 75%)، ودين خارجي بقيمة 253,6 مليار درهم (أي 25%).

أما الدين العام الإجمالي، فقد بلغ 1201,8 مليار درهم، أي 82% من الناتج الداخلي الخام. فيما بلغ الدين الخارجي الإجمالي، الذي يشمل دين الخزينة والدين خارج الخزينة، 438,8 مليار درهم، أي ما يعادل 30% من الناتج الداخلي الخام. ومن هذا المبلغ، يعود 185,2 مليار درهم للمؤسسات والشركات العمومية. ويوزع هذا الدين الخارجي بحسب العملات كالتالي: 59,1% باليورو، 31,1% بالدولار، والنسبة المتبقية بعملات أخرى.
فيما يتعلق بمصدر الديون الخارجية المغربية، فإنها تتوزع كالتالي: 51,2% ديون متعددة الأطراف، 20,9% ديون ثنائية، و27,9% ديون خاصة (من السوق المالي الدولي). أما أبرز دائني المغرب، حسب الترتيب التنازلي، فهم: البنك الدولي (30,2%)، البنك الإفريقي للتنمية (16,2%)، فرنسا (11,8%)، البنك الأوروبي للاستثمار (10,2%)، ألمانيا (7,6%)، الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (4,1%)، اليابان (3,5%). وتمثل هذه الأطراف السبعة مجتمعة 83,6% من حجم الديون الخارجية. ويُعد البنك الدولي أول دائن في فئة المقترضين متعددي الأطراف، في حين تُعد فرنسا أول دائن في فئة الديون الثنائية.

بخصوص معدلات الفائدة، هناك نقطتان مهمتان:

أنواع الفوائد:

75% من القروض بفائدة ثابتة.
25% بفائدة متغيرة.
كل نوع له إيجابياته وسلبياته، وذلك حسب تطورات أسعار الفائدة في السوق المالية الدولية. هذا التوزيع يمثل نوعًا من « رهان » على المستقبل. لكن حتى الآن، يمكن القول إن المغرب كان أكثر « رابحًا » منه « خاسرًا »، خاصة أن أسعار الفائدة شهدت ارتفاعًا كبيرًا في السوق المالي الدولي.
مستوى الفوائد:

40% من القروض بفائدة تقل عن 2,5%.
11,6% بفائدة بين 2,5% و3,5%.
8,6% بفائدة بين 3,5% و4,5%.
14,5% بفائدة تزيد عن 4,5%.
هذا التوزيع يعكس أن المغرب يستفيد في الغالب من معدلات فائدة تُعتبر معقولة باستثناء بعض الحالات.

بالنظر إلى المعطيات المتوفرة، قد يبدو أن الدين العام المغربي لا يشكل مشكلة كبيرة. لكن، وكما يُقال، المظاهر خدّاعة. فالدولة التي تعتمد بشكل كبير على الاقتراض، كما هو الحال في المغرب، تبقى عرضة لخطر تقلبات اقتصادية مفاجئة.

حاليًا، بدأ عبء خدمة الدين (الأقساط والفوائد) يُثقل كاهل المالية العامة بشكل ملحوظ. فعلى سبيل المثال، بلغ حجم خدمة الدين لهذه السنة 107,15 مليار درهم، وهو ما يعادل تقريبًا الميزانية المخصصة للاستثمار. ومع أن القروض الجديدة تُقدّر بـ125 مليار درهم، فإن صافي التدفقات ينخفض إلى 18 مليار درهم فقط! بمعنى آخر، تُستخدم القروض الجديدة أساسًا لتغطية خدمة الدين، وهو ما يُعرف بـالدائرة المفرغة للديون. المغرب الآن غارق في هذه الدائرة.
ويزداد الوضع تعقيدًا مع ظهور إشكالية العدالة بين الأجيال؛ إذ لا ينبغي أن تتحمل الأجيال القادمة عبء الديون التي خلفتها الأجيال الحالية. يشبه ذلك أبًا يترك لأبنائه ديونًا ضخمة يجب عليهم تسديدها.

تُعلّمنا التجارب التاريخية أن الاقتراض ليس أمرًا ممنوعًا. بل يمكن أن يكون أداة مفيدة، شريطة استثماره بشكل جيد لضمان عائد سريع وتوفير موارد داخلية جديدة قابلة للاستثمار. لذلك، يجب التحلّي بالحذر وتجنب اللجوء إلى الحلول السهلة. صحيح أن المغرب يحظى بثقة الأوساط المالية الدولية، وهذا أمر إيجابي، لكن يجب ألا يكون مبررًا للإفراط في الاقتراض بما يتجاوز إمكانياتنا، دون تنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتعزيز سيادتنا وتوفير الوسائل لتحقيق سياساتنا الوطنية.

وفي ظل استعداد المغرب لتنظيم مونديال 2030، يبدو من المناسب تذكير الجميع بهذه الحقائق. يجب الاعتماد أولاً على إمكانياتنا الذاتية، مع تجنب الهدر والنفقات الباذخة التي تهدف فقط إلى كسب هيبة أو استعراض. كما يجب مواجهة قضايا اختلاس المال العام ومحاربة التهرب الضريبي بجميع أشكاله. .

باختصار، يجب أن يواصل المغرب سياسة اقتراض محدودة وموجهة، مع ضمان أقصى استفادة من الاستثمارات، وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية، وتعبئة الموارد الداخلية. إضافة إلى ذلك، فإن الإدارة الحكيمة للديون الخارجية وتبني استراتيجية واضحة لتنوع الاقتصاد سيعززان استدامة المغرب الاقتصادية على المدى الطويل.

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: الدین العام خدمة الدین ملیار درهم دیون ا

إقرأ أيضاً:

نقابة المهندسين تحتضن فعاليات مؤتمر "مدن مستدامة بهوية عربية" 

احتضنت نقابة المهندسين فعاليات مؤتمر "مدن مستدامة بهوية عربية" والذي تنظمه بالتعاون مع اتحاد المهندسين العرب، وهيئة المعماريين العرب.

"المهندسين" تنظم تدريبًا توعويًّا لمجابهة الابتزاز الإلكتروني والمخاطر السيبرانية قرارات جلسة اجتماع مجلس نقابة المهندسين 

جاء ذلك بحضور المهندس طارق النبراوي- نقيب مهندسي مصر نائب رئيس اتحاد المهندسين العرب، والدكتور عادل الحديثي- أمين عام اتحاد المهندسين العرب، وعبد الكريم الزبيدي- رئيس اتحاد بلديات فلسطين، والدكتور عمار موسى كاظم- أمين العاصمة العراقية بغداد، ووليد العربي- ممثل جامعة الدول العربية، والسيدة جيا فينج لينج- كبير المهندسين المعماريين في شركة الصين الحكومية لهندسة الإنشاءات- فرع مصر.

في كلمته أكد المهندس طارق النبراوي، على أهمية موضوع المؤتمر، إذ لا يقتصر دورنا على الإنشاءات، لكن يمتد إلى تخطيط مدن مستدامة تعبر عن هويتنا العربية بشكل يجمع بين الأصالة والمعاصرة، متمنيًا أن يخرج بتوصيات لتقديمها إلى كافة الجهات، منبهًا إلى أهمية أن تكون نتائج هذا المؤتمر متاحة لكل المعماريين العرب. 

كما أشار إلى أن هناك جهودًا كبيرة تنتظر المعماريين العرب الفترة القادمة في إعادة إعمار غزة.

واستهل الدكتور المهندس عادل الحديثي، كلمته بأن المؤتمر يهدف إلى ترسيخ مفهوم المدن المستدامة التي تحافظ على الهوية الحضارية وتعزز مستقبل الأجيال القادمة، مشيرًا إلى أن الحكومة العراقية وأمانة بغداد تشارك الملتقى القناعة بأن التنمية الحضارية ضرورة لضمان مدن قادرة على النمو، ومتوازنة بين متطلبات الحداثة وعمق الهوية العربية الأصيلة، موضحًا أنه تم تحقيق المصادقة على المخطط الإنمائي الشامل لمدينة بغداد، وهو أكبر وثيقة تخطيط حضري تعتمد لأول مرة منذ عقود، ويتضمن إنشاء سبع مدن جديدة مرنة ومستدامة في أطراف العاصمة.

في كلمته أكد الدكتور عادل المشري-رئيس هيئة مكاتب ومؤسسات الهندسة العربية باتحاد المهندسين العرب، على أهمية التباحث في كيفية بناء مدن تعيش مع الإنسان والطبيعة بتوازن، محافظةً على الهوية العربية الأصيلة، وقال: "علَّمتنا حضارتنا أن المدينة ليست فقط مبانٍ وجدرانًا، بل منظومة قيم، وعدالة، وتنمية متوازنة"، مشيرًا إلى أن لجنة البيوت الاستشارية العربية تؤمن بأن التخطيط العمراني المستدام لا ينفصل عن القيم، وأن العمران بلا إنسان أو طبيعة هو جسد بلا روح، آملًا تقديم رؤية عربية مشتركة تعزز التنمية المستدامة، وتحافظ على الهوية وتضمن رفاهية الإنسان والطبيعة معًا.

أكد عبد الكريم زبيدي- رئيس اتحاد بلديات فلسطين، إلى أن بناء مدن مستدامة بهوية عربية ليس فقط هدف معماري بل هو مشروع حضاري يحافظ على التراث ويعزز جودة الحياة والبيئة، وأن دمج الأصالة مع الاستدامة يخلق مدنًا قادرة على المنافسة عالميًا وفي الوقت نفسه تكون وفية لروح المكان وثقافة مجتمعها.

وتطرق إلى كيفية صمود المدن الفلسطينية أمام ما يجري من أحداث والعمل على أهداف التنمية المستدامة، مشددًا على أن الشعب الفلسطيني معروف عنه التحدي والاستبسال في الدفاع عن ممتلكاته، وهو في ظل كل هذه الأحداث يعمل على أهداف التنمية المستدامة.

وأكد الدكتور عمار موسى كاظم، إلى أن المؤتمر يحمل في طياته رؤية طموحة ورسالة حضارية، تجمع بين أصالة الماضي وتطلعات المستقبل، مشددًا على إعادة التفكير في المدن العربية التي تواجه ضغوطًا متزايدة من النمو السكاني السريع الذي يشهده الوطن العربي.

وقال: "إن التحدي الذي تواجهه المدن العربية اليوم هو كيفية بناء مدنًا حديثة تستجيب لمتطلبات العصر من كفاءة في استهلاك الطاقة، وإدارة ذكية للموارد، ونقل مستدام، وجودة حياة عالية، دون أن تفقد روح المكان وهويته العربية"، مؤكدًا على أن محاور المؤتمر تستهدف كل ذلك، وكذلك استعراض أحدث التقنيات والحلول الهندسية المبتكرة، بالإضافة إلى بناء شراكات استراتيجية بين المهندسين والمعماريين والباحثين الأكاديميين وصُناع القرار والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وكذلك وضع إطار عربي مشترك لمدن المستقبل.

وفي كلمته أكد وليد العربي، أن جامعة الدول العربية أولت خلال السنوات الماضية اهتمامًا متزايدًا لقضايا التنمية المستدامة من خلال مجالسها الوزارية ولجانها الفنية ومنظماتها المتخصصة، وقد شمل هذا الاهتمام وضع استراتيجيات عربية مشتركة في مجالات الإسكان والتنمية الحضرية والبيئة والطاقة فضلًا عن إطلاق مبادرات تعزز بناء القدرات وتشجع تبادل الخبرات بين الدول العربية".

وفي مداخلتها أشارت السيدة جيا فِنج لينج- كبير المهندسين المعماريين في شركة الصين الحكومية لهندسة الإنشاءات- فرع مصر، إلى أن الشركة تحتل مراكز ريادية في القطاع عبر هندسة البناء الإنشائي، وبناء البُنى التحتية واستثماراتها، وتطوير الاستثمار العقاري، وأعمال المسح والتصميم، وتشمل أعمالها (البناء، والتصنيع، والطاقة، والنقل، ومشروعات الريّ وحفظ المياه، والصناعات البتروكيماوية، وإدارة النفايات الخطرة، والاتصالات، ومعالجة النفايات).

مقالات مشابهة

  • المغربية ليلى العلمي.. أميركية أخرى تمزج الإنجليزية بالعربية
  • نقابة المهندسين تحتضن فعاليات مؤتمر "مدن مستدامة بهوية عربية" 
  • أسعار الوقود لشهر ديسمبر في الإمارات
  • عناية لإيجاز النشر))))3.30)))تبريد الإماراتية تستحوذ على «بال القابضة» بقيمة 4.1 مليار درهم
  • الحكومة ترفع مستهدفات الاستثمارات غير المباشرة لـ20 مليار جنيه.. تفاصيل
  • البرلمان العربي يدعو لشراكات مستدامة بين ضفتي المتوسط
  • دبي: صفقة قياسية في نخلة جميرا: بيع أرض بـ1.86 مليار درهم
  • مع تصاعد أسعار السلع والفائدة.. أسر أمريكا تغرق في الديون
  • دعاء سورة الواقعة للرزق والغنى وسداد الديون.. ردده وسترى العجب
  • الأحرش: ألمانيا تُخرد طائرة ليبية بسبب الديون وسويسرا تُعلق منح التأشيرة للدبلوماسيين الجدد