الديون العامة المغربية: هل هي مستدامة؟
تاريخ النشر: 23rd, January 2025 GMT
تشكل الديون العامة، نظرًا لما تنطوي عليه من رهانات، موضوعًا متكررًا يجذب انتباه المراقبين والمحللين. وهو موضوع يخضع لتأويلات متنوعة نظرًا لغياب قواعد محددة ومتفق عليها بالإجماع بشأن الاستدامة. يختلف الاقتصاديون ليس حول اللجوء إلى الديون، وخاصة الديون الخارجية، ولكن حول تحديد مستوى مقبول ومستدام لا يهدد سيادة الدول.
حتى معايير ماستريخت، المعروفة بمعايير الالتقائية التي تحدد نسبة دين تبلغ 60%، وعجزًا في الميزانية بنسبة 3%، ومعدل تضخم 1.5%، تُقابل بالرفض من قبل البعض، ونادرًا ما تمتثل الدول لها. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك بالفعل عتبة حرجة يجب عدم تجاوزها ؟ أم يمكن التصرف مثل اليابان، الذي يتعامل بشكل طبيعي مع نسبة دين تصل إلى 250%، ودول أخرى تتجاوز نسب ديونها 100% بسهولة؟
لفهم هذه القضايا بشكل أفضل، يجب طرح سلسلة من الأسئلة مسبقًا: الاقتراض من أجل ماذا؟ وبأي شروط؟ الاقتراض بالعملة الوطنية أم بالعملات الأجنبية؟ ما هو عبء خدمة الدين عند استحقاقه مقارنة بالإيرادات العادية، والصادرات، والقروض الجديدة المتعاقد عليها؟ هذه كلها أسئلة يمكن أن تعطينا مؤشرات مهمة للحكم على جدوى اللجوء إلى الاقتراض، وفي أي حدود. بمعنى آخر، يجب إجراء تحليل حالة بحالة، دون أن نمنع أنفسنا من استخلاص دروس من تجارب تاريخية معينة.
المندوبية السامية للتخطيط: استقرار الديون العامة عند 83,3% من الناتج الداخلي الخام في 2024 و2025
في الميزانية الاقتصادية التوقّعية لعام 2025 (يناير)، تتوقّع المندوبية السامية للتخطيط استقرار الدين العام الإجمالي عند نسبة 83,3% من الناتج الداخلي الخام خلال سنتي 2024 و2025، مع بقائه مع ذلك أعلى من مستواه قبل جائحة كوفيد. وكما جرت العادة، تكتفي المندوبية بعرض المعطيات دون تقديم أي تفسير أو تعليق. ولفهم الوضع بشكل أوضح، يجب الرجوع إلى التقرير المرافق لمشروع قانون المالية 2025 المتعلق بالدين العام، والذي يركز على بيانات سنة 2023.
يتمً التمييز في هذا السياق بين دين الخزينة والدين العام الإجمالي الذي يتضمن بالإضافة إلى ذلك الدين الخارجي للمؤسسات والشركات العمومية. وقد بلغ حجم دين الخزينة مع نهاية سنة 2023 ما مجموعه 1016,6 مليار درهم، أي ما يعادل 69,5% من الناتج الداخلي الخام. ويتوزّع هذا الدين إلى دين داخلي بقيمة 763,1 مليار درهم (أي 75%)، ودين خارجي بقيمة 253,6 مليار درهم (أي 25%).
أما الدين العام الإجمالي، فقد بلغ 1201,8 مليار درهم، أي 82% من الناتج الداخلي الخام. فيما بلغ الدين الخارجي الإجمالي، الذي يشمل دين الخزينة والدين خارج الخزينة، 438,8 مليار درهم، أي ما يعادل 30% من الناتج الداخلي الخام. ومن هذا المبلغ، يعود 185,2 مليار درهم للمؤسسات والشركات العمومية. ويوزع هذا الدين الخارجي بحسب العملات كالتالي: 59,1% باليورو، 31,1% بالدولار، والنسبة المتبقية بعملات أخرى.
فيما يتعلق بمصدر الديون الخارجية المغربية، فإنها تتوزع كالتالي: 51,2% ديون متعددة الأطراف، 20,9% ديون ثنائية، و27,9% ديون خاصة (من السوق المالي الدولي). أما أبرز دائني المغرب، حسب الترتيب التنازلي، فهم: البنك الدولي (30,2%)، البنك الإفريقي للتنمية (16,2%)، فرنسا (11,8%)، البنك الأوروبي للاستثمار (10,2%)، ألمانيا (7,6%)، الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (4,1%)، اليابان (3,5%). وتمثل هذه الأطراف السبعة مجتمعة 83,6% من حجم الديون الخارجية. ويُعد البنك الدولي أول دائن في فئة المقترضين متعددي الأطراف، في حين تُعد فرنسا أول دائن في فئة الديون الثنائية.
بخصوص معدلات الفائدة، هناك نقطتان مهمتان:
أنواع الفوائد:
75% من القروض بفائدة ثابتة.
25% بفائدة متغيرة.
كل نوع له إيجابياته وسلبياته، وذلك حسب تطورات أسعار الفائدة في السوق المالية الدولية. هذا التوزيع يمثل نوعًا من « رهان » على المستقبل. لكن حتى الآن، يمكن القول إن المغرب كان أكثر « رابحًا » منه « خاسرًا »، خاصة أن أسعار الفائدة شهدت ارتفاعًا كبيرًا في السوق المالي الدولي.
مستوى الفوائد:
40% من القروض بفائدة تقل عن 2,5%.
11,6% بفائدة بين 2,5% و3,5%.
8,6% بفائدة بين 3,5% و4,5%.
14,5% بفائدة تزيد عن 4,5%.
هذا التوزيع يعكس أن المغرب يستفيد في الغالب من معدلات فائدة تُعتبر معقولة باستثناء بعض الحالات.
بالنظر إلى المعطيات المتوفرة، قد يبدو أن الدين العام المغربي لا يشكل مشكلة كبيرة. لكن، وكما يُقال، المظاهر خدّاعة. فالدولة التي تعتمد بشكل كبير على الاقتراض، كما هو الحال في المغرب، تبقى عرضة لخطر تقلبات اقتصادية مفاجئة.
حاليًا، بدأ عبء خدمة الدين (الأقساط والفوائد) يُثقل كاهل المالية العامة بشكل ملحوظ. فعلى سبيل المثال، بلغ حجم خدمة الدين لهذه السنة 107,15 مليار درهم، وهو ما يعادل تقريبًا الميزانية المخصصة للاستثمار. ومع أن القروض الجديدة تُقدّر بـ125 مليار درهم، فإن صافي التدفقات ينخفض إلى 18 مليار درهم فقط! بمعنى آخر، تُستخدم القروض الجديدة أساسًا لتغطية خدمة الدين، وهو ما يُعرف بـالدائرة المفرغة للديون. المغرب الآن غارق في هذه الدائرة.
ويزداد الوضع تعقيدًا مع ظهور إشكالية العدالة بين الأجيال؛ إذ لا ينبغي أن تتحمل الأجيال القادمة عبء الديون التي خلفتها الأجيال الحالية. يشبه ذلك أبًا يترك لأبنائه ديونًا ضخمة يجب عليهم تسديدها.
تُعلّمنا التجارب التاريخية أن الاقتراض ليس أمرًا ممنوعًا. بل يمكن أن يكون أداة مفيدة، شريطة استثماره بشكل جيد لضمان عائد سريع وتوفير موارد داخلية جديدة قابلة للاستثمار. لذلك، يجب التحلّي بالحذر وتجنب اللجوء إلى الحلول السهلة. صحيح أن المغرب يحظى بثقة الأوساط المالية الدولية، وهذا أمر إيجابي، لكن يجب ألا يكون مبررًا للإفراط في الاقتراض بما يتجاوز إمكانياتنا، دون تنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتعزيز سيادتنا وتوفير الوسائل لتحقيق سياساتنا الوطنية.
وفي ظل استعداد المغرب لتنظيم مونديال 2030، يبدو من المناسب تذكير الجميع بهذه الحقائق. يجب الاعتماد أولاً على إمكانياتنا الذاتية، مع تجنب الهدر والنفقات الباذخة التي تهدف فقط إلى كسب هيبة أو استعراض. كما يجب مواجهة قضايا اختلاس المال العام ومحاربة التهرب الضريبي بجميع أشكاله. .
باختصار، يجب أن يواصل المغرب سياسة اقتراض محدودة وموجهة، مع ضمان أقصى استفادة من الاستثمارات، وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية، وتعبئة الموارد الداخلية. إضافة إلى ذلك، فإن الإدارة الحكيمة للديون الخارجية وتبني استراتيجية واضحة لتنوع الاقتصاد سيعززان استدامة المغرب الاقتصادية على المدى الطويل.
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: الدین العام خدمة الدین ملیار درهم دیون ا
إقرأ أيضاً:
المغرب.. توقيف طالبة "داعشية" خططت لاستهداف منشأة دينية
تمكنت السلطات الأمنية في المغرب من توقيف متطرفة موالية لتنظيم "داعش" تبلغ من العمر 21 سنة وتتابع دراستها في أحد المعاهد التقنية العليا.
وقالت وكالة المغرب العربي للأنباء إن المكتب المركزي للأبحاث القضائية تمكن على ضوء معلومات استخباراتية دقيقة وفرتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، الجمعة، من توقيف موالية لتنظيم "داعش" الإرهابي، تبلغ من العمر 21 سنة وتتابع دراستها في أحد المعاهد التقنية العليا، وذلك للاشتباه في تورطها في الإعداد والتحضير لتنفيذ مخطط إرهابي بالغ الخطورة يستهدف المساس الخطير بالنظام العام.
وذكر بلاغ للمكتب المركزي للأبحاث القضائية، أنه قد جرى توقيف المشتبه فيها بمدينة الرباط، في سياق تعاون عملياتي وتنسيق معلوماتي بين المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والأجهزة الاستخباراتية الفرنسية، وهو ما مكن من تشخيص هوية المعنية بالأمر ورصد مخططاتها المتطرفة، وإجهاض مشروعها الإرهابي قبل انتقالها للتنفيذ المادي.
وأضاف المصدر ذاته أن المعلومات الأولية المتوصل بها إلى غاية هذه المرحلة من البحث، تشير إلى أن المشتبه فيها انخرطت فعليا في التحضير لمشاريع إرهابية من خلال اكتساب خبرات في مجال المتفجرات وإعداد السموم، وتوفير بعض المعدات اللازمة لذلك، في أفق القيام بعملية إرهابية حددت كهدف آني لها استهداف إحدى المنشآت الدينية الموجودة بالرباط.
وقد مكنت عملية التفتيش المنجزة في هذه القضية من العثور بحوزة الطالبة المشتبه فيها على مواد قابلة للاشتعال، ومخطوطات تتضمن تحريضا على التطرف، فضلا عن كتب تروج للتعصب والغلو والتطرف.
وأضاف البلاغ أنه قد تم الاحتفاظ بالمشتبه فيها تحت تدبير الحراسة النظرية رهن إشارة البحث القضائي الذي يجريه المكتب المركزي للأبحاث القضائية تحت إشراف النيابة العامة المكلفة بقضايا الإرهاب، وذلك للكشف عن الجهة المتورطة في استقطابها وبلوغها هذه المرحلة المتقدمة من التطرف، وكذا رصد ارتباطاتها المحتملة مع مختلف التنظيمات الإرهابية.