د. خلود أحمد العبيدانية **
الإنسان هو نتاج مجموعة معقدة من المشاعر والأحاسيس التي تتشكل من خلال التجارب الحياتية والفطرة، وبعض المشاعر تتكون نتيجة لتجارب مُعينة، مثل الخوف الذي قد ينشأ من تجربة سلبية، بينما تكون بعض الأحاسيس فطرية، مثل الحب والرغبة في الانتماء. تعزيز هذه المشاعر والأحاسيس يمكن أن يأتي من البيئة المحيطة بنا، سواء من خلال الدعم العائلي أو الاجتماعي أو من خلال التجارب الشخصية التي نمر بها.
تجربة الطفل ألبرت، التي أجراها جون واتسون وروزاليندا راينر في عام 1920، تهدف إلى دراسة كيفية تكوين الخوف لدى الأطفال من خلال التعلم الشرطي. في البداية، لم يكن ألبرت يخاف من الفئران البيضاء أو الأرانب أو الكلاب. ولكن بعد أن بدأ الباحثان في إحداث صوت عالٍ ومزعج كلما لمس ألبرت الفأر الأبيض، بدأ ألبرت في الربط بين الفأر والصوت المزعج. نتيجة لذلك، أصبح يخاف من الفأر الأبيض وحتى من الأشياء المُشابهة له. هذه التجربة أظهرت كيف يمكن تكوين الخوف من خلال التجارب السلبية، لكنها تعرضت لانتقادات شديدة بسبب القضايا الأخلاقية المتعلقة باستخدام طفل صغير في مثل هذه التجارب دون مُوافقة واضحة من والديه، وعدم محاولة إزالة الخوف الذي تم تكوينه لدى ألبرت بعد انتهاء التجربة.
توضح لنا هذه التجربة كيف يمكن تكوين الخوف من خلال التعلم الشرطي، وهو ما يمكن رؤيته في حياتنا اليومية. على سبيل المثال، قد يتطور الخوف من الامتحانات لدى الطلاب بسبب تجارب سابقة سلبية. أو الخوف من الأماكن المرتفعة بسبب تجربة سقوط سابقة، أو الخوف من الكلاب بعد التعرض لعضة. وكذلك تعريض الأطفال لمجموعة من المخاوف بقصد تأديبهم يمكن أن يكون له آثار سلبية على صحتهم النفسية والعاطفية. بدلًا من استخدام الخوف، يُفضل اتباع أساليب تربوية إيجابية تعزز الثقة بالنفس والشعور بالأمان لدى الأطفال. استخدم التعزيز الإيجابي لمكافأة السلوك الجيِّد، وتواصل بصدق وشفافية حول السلوكيات ونتائجها، قدم التوجيه والإرشاد بدلًا من العقاب، وساعدهم على فهم الخطأ وكيفية تصحيحه بطرق بناءة. تذكر أن الأطفال يحتاجون إلى الحب والدعم ليشعروا بالأمان والثقة، واستخدام الخوف كوسيلة للتأديب يمكن أن يؤدي إلى تدني احترام الذات ومشاكل في السلوك.
وللتغلب على المخاوف يمكن تطبيق أفكار التغلب على المخاوف وتطوير الذات في الحياة اليومية من خلال عدة استراتيجيات:
أولًا: يمكن استخدام التعرض التدريجي للمواقف المخيفة، مثل مواجهة الخوف من الأماكن المرتفعة عن طريق البدء بالصعود إلى أماكن منخفضة وزيادة الارتفاع تدريجيًا.
ثانيًا: يمكن التحدث مع الآخرين حول المخاوف للحصول على الدعم والنصائح، مما يُساعد في تقليل القلق.
ثالثًا: يمكن وضع خطط قابلة للتنفيذ لتحقيق الأهداف، مثل تحديد خطوات صغيرة ومحددة لتحقيق هدف كبير، مما يعزز الثقة بالنفس. وإضافة إلى ذلك، يمكن ممارسة التأمل واليقظة لتحسين التركيز وتقليل التوتر. ومن خلال تطبيق هذه الاستراتيجيات، يمكن للأفراد تحسين حياتهم اليومية والتغلب على المخاوف بفعالية، مما يُسهم في تطوير الذات والنمو الشخصي.
في الختام.. حياة الإنسان مليئة بالتجارب الإيجابية والسلبية التي تتراكم منذ الصغر وتستمر عبر مراحل العمر المختلفة. فهم كيفية تأثير هذه التجارب على احتياجاتنا وسلوكياتنا، يُمكن أن يساعدنا في تطوير الذات والتغلب على المخاوف بطرق بناءة. من خلال تلبية احتياجاتنا الأساسية، واستخدام استراتيجيات فعَّالة للتغلب على المخاوف، والتركيز على التعزيز الإيجابي والتوجيه البنّاء، يُمكننا بناء حياة مليئة بالثقة والأمان وتحقيق أهدافنا الشخصية والمهنية بفعالية.
** باحثة تربوية في مجال علم النفس والإرشاد، عضو المجلس الاستشاري الأسري العُماني
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مشروع "لها ومعها" من الخوف للقوة قصة تلخص رحلة آلاف النساء في مواجهة العنف
اختتمت "نهوض وتنمية المرأة" مشروع "لها ومعها" وسط إشادة واسعة من الشخصيات العامة والشركاء
السفارة البريطانية بالقاهرة تعلن استمرار شراكتها مع جمعية نهوض وتنمية المرأة في مواجهة العنف ضد المرأة
"أنا شخصيتي اتغيرت بعد جلسات مشروع لها ومعها… بقى عندي جرأة وكرامة. بيتي بقى هادي بعد ما جوزي بطل يضربني… ولادي بقوا يحترموا بعض واتعلمت إن البنت زي الولد… حميت بنتي من أضرار الختان… حافظت على صحتها ومجوزتهاش بدري… بقيت أمشي في الشارع من غير خوف… اتعلمت أقول لأ وأواجه اللي يتحرش بيا… بقيت قيادية في بيتي وجيراني… وخدت قرار الشغل بعد ما كان جوزي رافضه".
بهذه الكلمات المؤثرة افتتحت نور الهدى، إحدى المستفيدات من مشروع لها ومعها، المؤتمر الختامي للمشروع الذي نظمته جمعية نهوض وتنمية المرأة بالشراكة مع السفارة البريطانية بالقاهرة، بحضور ممثلين من المؤسسات الدولية والسفارات والمجالس القومية والجمعيات الأهلية ولفيف من الشخصيات العامة والإعلاميين.
و أشاد الحضور بتجارب المستفيدات، مؤكدين أن ما تحقق يعكس أثرًا حقيقيًا وملموسًا في حياة الأسر والمجتمعات، ويبرهن على أهمية استمرار هذه البرامج في دعم النساء والفتيات الأكثر احتياجًا.
ما الذي حاول «لها ومعها» تغييره؟
وقالت الدكتورة إيمان بيبرس، رئيسة مجلس إدارة جمعية نهوض وتنمية المرأة، إن مشروع «لها ومعها» ركز على توعية السيدات والفتيات بحقوقهن، وتقديم دعم نفسي لهنّ، وإشراك الرجال، مشيرة إلى أن كثيرًا من مستفيدات المشروع أصبحن قيادات طبيعية ينقلن ما تعلمنه لغيرهن داخل مجتمعاتهن، بما يضمن استمرار أثر المشروع.
الأرقام… ترجمة حقيقية للأثر
وخلال المؤتمر، أعلنت "بيبرس" نجاح المشروع في الوصول إلى 2،538 مستفيد/ة بشكل مباشر، و17،766 مستفيد/ة بشكل غير مباشر، من خلال العمل مع 21 جمعية أهلية شريكة في 46 منطقة بثلاث محافظات: القاهرة والفيوم والأقصر.
وأكدت اعتزاز الجمعية بالشراكة مع السفارة البريطانية بالقاهرة، مشيرة إلى أن المشروع يُعد من التجارب المهمة، خاصة كونه أول تعاون للجمعية في محافظة الأقصر، بما ساهم في توسيع نطاق العمل في المناطق المهمشة.
"شراكة تتجاوز الإنجاز لاستمرار الدعم"
من جهتها، أكدت ريتشل جيل، السكرتيرة الأولى للتنمية بالسفارة البريطانية بالقاهرة، أن الجهود المبذولة في مشروع «لها ومعها» والوصول إلى عدد كبير من المستفيدات تخطى العدد المستهدف يمثل إنجازًا كبيرًا يستحق الدعم والاستمرار والتوسع، مشددةً على أن مناهضة العنف ضد المرأة تعد أولوية أساسية للسفارة البريطانية.
كما أوضحت حنين شاهين، مستشارة العنف القائم على النوع الاجتماعي ومديرة برنامج ISF بالسفارة البريطانية بالقاهرة، أن هذا ليس ختام لمشروع، بل هو انتهاء المرحلة الأولية منه، مشيرةً إلى أنه سيتم الاعتماد على جمعية نهوض وتنمية المرأة لاستكمال العمل في مواجهة العنف ضد المرأة.
ومن حانب آخر، أكد المؤتمر على أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية، بل أداة فاعلة لحماية المرأة، حيث تحدث الدكتور/ رؤوف رشدي، استشاري الصحة الإنجابية وباحث في مجال الذكاء الاصطناعي، عن أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تعزيز الأمان للسيدات والفتيات، مشيرًا إلى اطلاقه لمبادرة تهدف إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في منع حوادث التحرش المرتبطة بوسائل النقل الذكي.
شهادات حية ومعرض في ختام مؤتمر «لها ومعها»
وشهد المؤتمر عدد من الشهادات الحية للمستفيدات، عكست التغيير الحقيقي الذي أحدثه المشروع في حياتهنّ وعلاقتهنّ مع أبنائهنّ وأزواجهنّ، إلى جانب تنظيم معرض لمنتجات المستفيدات، اللاتي تدربنّ عليها ضمن خدمات المشروع لتكون نواه لتمكينهنّ اقتصاديًا من خلال عمل مشروعات تدر عليهنّ وعلى أسرهن دخلًا.
وفي ختام المؤتمر، قدمت الدكتورة إيمان بيبرس درع جمعية نهوض وتنمية المرأة إلى السفارة البريطانية بالقاهرة، تقديرًا لشراكتها الفاعلة في مشروع "لها ومعها".
"نهوض وتنمية المرأة" IMG_4274 IMG_4276 IMG_4275 IMG_4277