هكذا أفشل صحفيو غزة خطط إسرائيل
تاريخ النشر: 16th, February 2025 GMT
لم يشهد أي مكان في العالم في أي مرحلة من مراحل التاريخ قتل عدد من الصحفيين والإعلاميين مثلما حدث في قطاع غزة خلال حرب الإبادة منذ ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
لقد قتل الاحتلال الإسرائيلي الصحفيين قصفًا ونسفًا وقنصًا، وهدم بيوتهم فوق رؤوسهم هم وعائلاتهم بوحشية لم يعرفها العالم من قبل. فارتقى 207 من الصحفيين والإعلاميين رجالًا ونساء وشبابًا وشيوخًا دون تمييز بمعدل ثلاثة أسبوعيًا، وهو أعلى بثلاث مرات من معدل قتل الصحفيين في كل دول العالم مجتمعة في أسوأ الأعوام التي شهدت استهداف الصحفيين خصوصًا في مناطق النزاعات، أو على خلفية استقصائهم في ملفات الجريمة المنظمة، أو الاتجار بالبشر، أو ملفات الفساد، وغير ذلك.
ولن يكون مفيدًا هنا أن نسأل الاحتلال عن سبب هذا الاستهداف المتعمد – في أغلب الأحيان إن لم يكن في جميعها- فقد نسج الاحتلال على الدوام روايات خيالية عن علاقة الصحفي الفلسطيني في غزة بقضيته الوطنية وبمعاناة شعبه، وكذلك بفصائل المقاومة.
ولفق الاحتلال التهم جزافًا لبعض من أثار قتلهم ردود فعل كبيرة نسبيًا، وحرك حالة من الاستنكار على المستوى العالمي، كما حدث بعدما اغتال الاحتلال الإسرائيلي الصحفي إسماعيل الغول، ذلك الشاب الواعد المتألق الذي نقل للعالم عبر قناة الجزيرة ومنصاتها أصعب مراحل العدوان على مدينة غزة وحصار واقتحام مستشفى الشفاء، وقد اعتقل من هناك لبضع ساعات، ثم أطلق سراحه لتنقض عليه صواريخ الغدر الإسرائيلية في يوم إخباري كبير كان يغطي فيه تداعيات اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، فارتقى الإسماعيلان شهيدين في نفس اليوم وبنفس الطريقة تقريبًا، الأول في طهران، والثاني في مدينة غزة.
إعلان إستراتيجية ممنهجة للتعامل مع الإعلاممنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول منع الاحتلال دخول الصحفيين الأجانب إلى قطاع غزة، وكان ذلك لسببين:
الأول: رفع الحصانة عن الصحفيين في غزة، فوجود صحفيين أجانب أو أي موظفين دوليين، خصوصًا من الغربيين، كما في كل الحروب السابقة، يعني أن على الاحتلال تحري الدقة في توجيه القصف والتدمير. وهذه المرة أراد الاحتلال التخلص من ذلك العبء. والثاني: أن يكون الاحتلال بمأمن من ملاحقة الصحفيين الأجانب الذين سيوثقون -بغض النظر عن مواقفهم السياسية- ما تقع عليه عيونهم وكاميراتهم، وسينشرون القصص والحكايات عما يرتكبه الاحتلال من فظائع وجرائم.وهذه النقطة تحديدًا نجح الصحفيون الفلسطينيون في تعويضها، فانتشروا واستعدوا ونقلوا الصورة للعالم بأقصى ما يمكن من تفاصيلها وتحملوا أعباء ذلك. إجراءات متنوعة
أمام ذلك اتخذ الاحتلال سلسلة من الإجراءات على النحو التالي:
أولًا: إخلاء صحفيي الوكالات والمؤسسات الإعلامية الأجنبية، وهم أصحاب التجربة الطويلة والخبرة العالية، فضلًا عن ارتباطهم بالعالم الخارجي وراكموا قدرًا عاليًا من المهنية والمصداقية فيما يقدمونه من أخبار وصور. ومما يدفع للاستغراب أن ذلك حدث بطلب من تلك المؤسسات تحت عنوان حمايتهم، وتم إجلاء الغالبية العظمى منهم إما لمصر أو قطر أو دول أخرى. ثانيًا: تدمير المؤسسات الإعلامية الفلسطينية والمعدات من استوديوهات وكاميرات وعربات للنقل الخارجي أو الفضائي وغير ذلك. ثالثًا: الاغتيال المباشر لعدد كبير من الصحفيين العاملين في المؤسسات الإعلامية الفلسطينية وقناة الجزيرة بقصف بيوتهم أو قنصهم أثناء عملهم بالرصاص أو بالمسيرات. رابعًا: التشكيك في رواية الصحفيين ومهنيتهم واختراع الروايات الكاذبة لإضعاف مصداقيتهم مما يسهل استهدافهم بأي وقت وبأي نوع من الاستهداف. خامسًا: الاعتقال، وقد اعتقل الاحتلال بشكل متكرر الصحفيين والإعلاميين ونكّل بهم وبأسرهم، وفي بعض الحالات أحرق بيوتهم، كما حدث مع الصحفي القدير عماد الإفرنجي أبو مصعب الذي مازال يرزح خلف القضبان. سادسًا: الإصابات ومنع الخروج للعلاج، وهو ما يثبت نظرية التعمد في الاستهداف. فلو كان ذلك مجرد حدث عارض تسببت به ظروف المعركة وطبيعة المواجهة لكان الاحتلال حريصًا على تقديم العون والمساعدة مباشرة كما يفعل لجنوده الذين يتعرضون للإصابات في ميدان المعركة، أو على الأقل لكان سمح لهم بالحصول على الرعاية الطبية في أقرب نقطة ممكنة، أو السفر للخارج لتلقي العلاج إذا لم يتوفر ذلك في غزة التي دمر الاحتلال مؤسساتها الطبية وأصبحت عاجزة عن تقديم الخدمات الكثيرة التي احتاجها أهل غزة في ظروف الحرب الهمجية. سابعًا: التهديد عبر الاتصالات الهاتفية وعبر شاشات التلفزيون ضمن برامج القنوات الإسرائيلية، وهو الشكل الذي تكرر مع عشرات الصحفيين والمصورين، وكان هدفه التخويف والترهيب لوقف التغطية بأي شكل من الأشكال. إعلان كيف واجه الصحفيون الفلسطينيون كل ذلك؟لم يستسلم الصحفيون أمام هذا الاستهداف الواسع، بل واصلوا التغطية وجعلوا ذلك شعارهم، وأبدعوا في إيجاد البدائل والوسائل لتوصيل الصوت والصورة المباشرة ما أمكن أو المسجلة والثابتة أو المعلومة والخبر، ونجحوا في فضح ممارسات وجرائم الاحتلال في كل مناطق القطاع، واستندوا إلى خبرات توارثها الصحفيون عبر ثلاثة أجيال منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى المعروفة بانتفاضة الحجارة عام سبعة وثمانين.
كما استندوا إلى ما يحملونه من إيمان بدورهم وقوة تأثيرهم وقدرتهم على حماية شعبهم من خلال هذا العمل الصحفي والإعلامي، كما فعلوا في كل الحروب التي مرت على غزة خلال العقدين الأخيرين، وإلى استعدادهم الدائم لأداء الواجب والحفاظ على التغطية مستمرة وعدم السماح بسقوط الصورة.
نتائج مذهلةانضمت أجيال جديدة من الصحفيين للعمل، وحملوا راية زملائهم ولم يسمحوا بالتعتيم. وتناقل العالم في أطرافه الأربعة المعلومة والصورة الموثوقة، وإن كانت أحيانًا مصحوبة بمشاعر وتعليقات هؤلاء الصحفيين أو النشطاء الإعلاميين، وتحول معظمهم بسرعة البرق إلى نجوم نظرًا لوجودهم الدائم في دائرة الخطر، وتشابك علاقتهم بما حولهم، فبيوتهم مستهدفة كما كل أهل غزة، وعائلاتهم أيضًا قصفت أو نزحت كما كل غزة، ورآهم العالم يصرخون خوفًا أو يهربون فزعًا أو يرتجفون بردًا أو يتضورون جوعًا أو يتألمون من الجراح والإصابات، أو يودعون أحبابهم وأقاربهم الشهداء. ولم تعد قصتهم حدثًا شخصيًا بل جزءًا أساسيًا من مشهد شعب يتعرض كل ما فيه لعدوان همجي رهيب.
لاشك أن غزة استطاعت أن تحكي قصتها بكل جرأة ووضوح من خلالهم، وفشل الاحتلال فشلًا ذريعًا في كتم الحقيقة، وفشلت معه مؤسسات إعلامية دولية كانت تبدو عملاقة حتى رآها العالم متقزمة وفاشلة وربما متآمرة، فلا هي قاتلت من أجل الصحفيين في غزة ولا من أجل الدخول إلى غزة والمشاركة في تغطية حرب عظيمة ومدمرة جعلتنا نسميها "حرب الإبادة"، ولا قامت بواجبها في نقل الصورة الصحيحة أو الدفاع عن حق الصحفيين الفلسطينيين بأن يتمتعوا بما تنص عليه مواثيق العالم من حصانة وحرية .
إعلانأما صحفيو غزة فاستحقوا أن يحصدوا كل جوائز الشجاعة في كل المهرجانات أو المحافل العالمية، فقد ثبتوا وصمدوا وتحملوا وكابدوا والتصقوا بشعبهم وقضيته، ونقلوا كل صور المعاناة التي لم تغب آثارها عن تعبيرات وجوههم أو حدقات عيونهم أو نبرات أصواتهم أو على أجسامهم وممتلكاتهم.
الأجيال الثلاثةربما يكون ذلك نوعًا من التأريخ الشخصي لمهنة الصحافة في غزة، وليس تأريخًا علميًا دقيقًا، فالمهنة لم تبدأ عندما بدأت، بل سبقني وجيلي صحفيون على مدى سنوات طويلة، لكنني لاحظت أن جيلنا كان طبقة كاملة من الصحفيين في تخصصات مختلفة، وغالبيتهم واكبوا الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الكبرى المعروفة بانتفاضة الحجارة التي انطلقت عام 1987.
ثم واكبوا ما تبعها من تطورات سياسية خصوصًا "عملية السلام" واتفاقيات أوسلو وإقامة السلطة بعد عودة ياسر عرفات ومنظمة التحرير. وقد نشأت علاقتي بالصحافة مع هذا الجيل الذي استهدفه الاحتلال أيضًا في حرب الإبادة، كما كان في استهداف الصحفي الكبير مصطفى الصواف فارتقى شهيدًا هو وعدد من أفراد أسرته.
أما الزميل الآخر الذي ينتمي لهذه المرحلة أيضًا فكان الزميل وائل الدحدوح، مدير مكتب الجزيرة الذي استهدف هو وعائلته وبيته وأصيب هو، بينما استشهد عدد من أفراد أسرته.
والصحفي القدير عماد الإفرنجي وهو من رموز صحفيي غزة أيضًا، فقد نكل به الاحتلال بعد اعتقاله، كما أحرق بيته وهجر أسرته إلى جنوب القطاع بطريقة شديدة الوطأة تدل على سادية ووحشية منقطعة النظير.
ولا أبالغ إن قلت إن معظم أبناء الجيلَين: الأول والثاني، هم الذين خرجوا من رحم انتفاضة الأقصى عام 2000، وعاشوا حروبًا متتالية منذ 2008، وهؤلاء من أمثال الصحفي القدير تامر المسحال ومؤمن الشرافي وهشام زقوت وغيرهم ممن يعملون بالمؤسسات الإعلامية المتنوعة، قد تمرسوا على تغطية الحروب منذ 2008 وحتى 2021. وتعرضوا أيضًا للاستهداف بالقتل أو الإصابة أو التهديد أو الاعتقال واستهداف أسرهم وبيوتهم.
أما الجيل الثالث، فهم ربما ظهروا بعد حرب 2021 أو قبلها، ولكنهم تميزوا وبرزوا بعدما حملوا الراية باقتدار خلال أصعب المعارك الفلسطينية على الإطلاق منذ انطلاق طوفان الأقصى نهاية العام 2023، وقدموا صورة مشرفة عن بطولتهم وشجاعتهم ومهنيتهم وانتمائهم الوطني وحمْل قضية شعبهم، وحق لنا أن نفخر ونحتفي بهم، وأن نترحم على 207 من الزملاء الشهداء، ونتمنى الشفاء التام للجرحى، والحرية للأسرى والمعتقلين منهم، وأن يعوض الله كل المتضررين خيرًا.
وليست حكاية الصحفيين في غزة سوى نموذج مصغر من كل شرائح الشعب الفلسطيني في غزة، فقد عركتهم التجارب وصقلتهم الحروب وألهمتهم تجارب الأجيال السابقة ورموزها، وأجبروا على تحمُّل أعباء ثقال، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الصحفیین فی من الصحفیین فی غزة
إقرأ أيضاً:
رسائل تهديد للأكاديميين في إسرائيل والموساد توصي بالتخفي
تتعرض دولة الاحتلال الإسرائيلي للمقاطعة الثقافية والأكاديمية بشكل واضح منذ نهاية انتفاضة الأقصى، وذلك بسبب الجرائم والمجازر والاغتيالات التي ارتكبتها منذ ذلك الحين وأدت إلى موجات استياء في أنحاء كثيرة من العالم، لكن بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول هناك حالة من العزل الأكبر لدولة الاحتلال، والذي ينحو بشكل أكبر نحو المؤسسية لمقاطعة المؤسسات الأكاديمية في إسرائيل.
أنماط عزلة جديدةتتجه أشكال العزل والمقاطعة في المستوى الأكاديمي إلى أنماط غير كلاسيكية، تشير إلى أن استمرار هذه الأنماط وتوسعها يمكن أن يخدم أهداف العزلة الإستراتيجية للكيان الصهيوني، ويمكن الإشارة إلى بعدين مهمين جدا، علاوة على الزيادة الكمية في المقاطعة الأكاديمية؛ أولهما توسعها من مقاطعة باحثين إلى مقاطعة المؤسسات الأكاديمية بأكملها، ومقاطعة برامج دولية تشارك فيها مؤسسات إسرائيلية.
أما البعد الثاني فهو مقاطعة أكاديميين ومتحدثين "يهود" فعاليات أكاديمية داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي وخارجها، فعلى سبيل المثال تفاجأت الأوساط الإسرائيلية في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 باعتذار الكاتب اليهودي وأستاذ الصحافة في جامعة نيويورك بيتر باينارت، عن عدم إلقاء خطاب في جامعة تل أبيب مع يوآف فرومر عضو هيئة التدريس في قسم اللغة الإنجليزية بجامعة تل أبيب منذ عدة أيام، في أعقاب ردود فعل قوية من نشطاء كثر، وقد استجاب باينارت لدعوات النشطاء بإلغاء زيارته، مما أدى لجنون صهيوني وردود أفعال أذكر منها على سبيل المثال رسالة ماتان جيرافي رئيس مجموعة "إم ترتسو" اليمينية الناشطة، إلى رئيس جامعة تل أبيب يدعوه لفرض عقوبات على باينارت، قائلا: "هذه ليست جامعة كولومبيا".
أما النمط غير المألوف الذي لم أدرجه في البعدين الماضيين؛ لأنه يختلف تماما عنهما، فهو ما حصل من تلقي عشرات الأكاديميين الإسرائيليين تهديدات وتحذيرات من موقع إلكتروني مجهول الهوية تدعوهم للتخلي عن النشاط الإجرامي، وإلا يتم اعتبارهم أهدافا مشروعة.
إعلانومن المعلوم أن العديد من الجامعات الإسرائيلية تدعم برامج عسكرية إسرائيلية مثل ما تقوم به جامعة بن غوريون في برامج تخريج طياري سلاح الجو، وقد أرسل الموساد والشاباك رسائل للأكاديميين الذين تم تهديدهم بتوخي الحذر، وتجنب نشر تفاصيل الرحلات الخارجية.
تدرك دولة الاحتلال الإسرائيلي خطورة هذه المقاطعة، وتدعو الأوساط المعنية فيها لتطوير أدوات أفضل للتعامل مع التهديد، مثل تعزيز الشبكات مع الجاليات والجامعات اليهودية المحلية، وتشكيل فرق لمكافحة المقاطعة
تقارير مؤسسية ترصد المقاطعةقبل أيام قليلة نشر مجلس رؤساء الجامعات في إسرائيل تقريرا ذكر فيه بعض المعطيات التي تقلق دولة الاحتلال، حيث إن وقف إطلاق النار لم يؤدِ إلى كبح مسار المقاطعة المتصاعد في المجال الأكاديمي، وتحديدا في القارة الأوروبية، ولم تنخفض حدة المقاطعة، كما كانت تتوقع الأوساط الأكاديمية في الكيان الإسرائيلي، بمجرد إعلان وقف إطلاق النار.
وقد ذكر تقرير مجلس رؤساء الجامعات الإسرائيلية- وفقا لما نشرته وكالة الأناضول- أن عدد حالات المقاطعة الأكاديمية في أوروبا، ارتفع إلى 1000 حالة بحلول نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، وهو ما يشير إلى تضاعفه مقارنة ببداية العام.
كما أن عام 2025 شهد انخفاضا في المنح البحثية الممنوحة للأكاديميين الإسرائيليين من صندوق هورايزون أوروبا التابع للاتحاد الأوروبي، والذي يعتبر المصدر الرئيس لتمويل البحث العلمي في دولة الاحتلال الإسرائيلي. وتتزايد مؤخرا الحالات التي تسجل رفض أكاديميين أوروبيين التعاون مع أكاديميين وجامعات إسرائيلية.
وبحسب التقرير فإن 57% من حالات المقاطعة تؤثر على الباحثين الأفراد، وخاصة الاستبعاد من مجموعات البحث الدولية، بينما تتعلق 22% من حالات المقاطعة بمقاطعات مؤسسية بين الجامعات الأوروبية والإسرائيلية، و7% من الحالات تفرضها جمعيات مهنية.
بينما أشار التقرير إلى أن 14% من حالات المقاطعة ترتبط بتعليق البرامج الدولية، مثل التبادل الطلابي وشراكات برامج ما بعد الدكتوراه. وهو ما يؤكد ما ذكرناه أعلاه حول تطور المقاطعة من مقاطعة الأفراد إلى مقاطعات المؤسسات.
وفي الحقيقة يمكن الوقوف على جملة من الأسباب التي تؤدي إلى استمرار المقاطعة الأكاديمية؛ أولها أن العاملين في المجال الأكاديمي لديهم مستوى من الإدراك أن وقف إطلاق النار لم يعالج المشكلة، ولم يعالج الظلم التاريخي الذي وقع ولا يزال يقع على الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو الضفة الغربية أو القدس.
من ناحية أخرى يبدو أن الضرر في المجال الأكاديمي أو في غيره، والذي وقع على دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ بسبب سلوكها بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، هو ضرر عميق يتجاوز فكرة توقف الأعمال القتالية.
وقد ذكر التقرير الذي أعده "فريق مراقبة المقاطعة الأكاديمية" لدولة الاحتلال الإسرائيلي، أن الصورة السلبية لإسرائيل في أوروبا تبدو راسخة بعمق، لدرجة أن التحركات السياسية وحدها لا تكفي لتغيير التصور العام"، بل إن أشكال المقاطعة الأكاديمية المتوسعة، قد تدفع التعليم العالي الإسرائيلي إلى "عزلة خطيرة تشكل تهديدا إستراتيجيا حقيقيا لمكانته الدولية".
ولعل الأخطر من وجهة نظر التقرير، هو ترجيح استمرار اتجاه المقاطعة بهذا المسار ولفترة طويلة، ومرة أخرى يعول معدو التقرير على حدوث تغييرات إقليمية وجيوسياسية كبيرة، قد تؤدي إلى لفت الانتباه وعودة الأمور إلى الهدوء في مجال مقاطعة إسرائيل أكاديميا.
إعلانوفي هذا السياق، إذا نظرنا إلى النصف الثاني من عام 2024، فقد سجلت حوالي 500 حالة مقاطعة أكاديمية، وهي تزيد بنسبة 66% على حالات المقاطعة التي تمت في الأشهر الستة الأولى التي أعقبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وكانت بلجيكا، وإسبانيا، وإنجلترا، ثم هولندا، وإيطاليا، وكندا في هذه الفترة من الدول التي سُجل فيها أكبر عدد من حالات المقاطعة، وبعد ذلك حصل تزايد كبير في الفترة الأخيرة في إيطاليا على وجه التحديد.
ومن أصل 61 جامعة حكومية في إيطاليا، أعلنت 11 جامعة حتى سبتمبر/ أيلول 2025 عن إجراءات ملموسة ضد التعاون الأكاديمي مع إسرائيل، ومن بين هذه الجامعات جامعة فلورنسا، حيث أعلنت 5 أقسام فيها إنهاء أو تعليق التعاون مع مؤسسات إسرائيلية.
وجاءت هذه القرارات بعد عرائض وقعها أكثر من 500 عضو هيئة تدريس وباحثين وطلبة، تطالب بقطع العلاقات. وفي الحقيقة تحولت المقاطعة في إيطاليا إلى أجندة وطنية تدعو لمساءلة أخلاقية للروابط مع المؤسسات الإسرائيلية التي تدعم الجيش الإسرائيلي.
محاولات التكيف الإسرائيليتدرك دولة الاحتلال الإسرائيلي خطورة هذه المقاطعة، وتدعو الأوساط المعنية فيها لتطوير أدوات أفضل للتعامل مع التهديد، مثل تعزيز الشبكات مع الجاليات والجامعات اليهودية المحلية، وتشكيل فرق لمكافحة المقاطعة، ومراقبة نشاط وسائل التواصل الاجتماعي للجهات المؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي؛ لجمع المعلومات والتحضير لأحداث المقاطعة القادمة، إضافة للتعاون مع شركات محاماة كبرى.
وقد نجحت دولة الاحتلال في منع طرد الجمعية الإسرائيلية من الاتحاد الدولي لجمعيات طلاب الطب، بعد طلب تقدمت به جمعية طلاب التمريض الأيرلندية إلى الاتحاد الأوروبي، كما ضغطت الجالية اليهودية في فرنسا لإحباط مبادرات طلابية لمقاطعة إسرائيل في جامعة السوربون.
وكان من أمثلة عمليات المقاطعة التي تمت في منتصف 2024 تعليق الاتحاد الدولي لجمعيات طلبة الطب علاقته بالجمعية الإسرائيلية مما أضر بتبادل الطلاب وبرامج البحث وقد بُذلت جهود كبيرة لإلغاء هذا القرار.
وخارج أوروبا، قام السفير الإسرائيلي في الهند بالتعاون مع رجل أعمال هندي كبير؛ لإعاقة مسار مقاطعة إسرائيل في جامعة هندية خاصة، بعد أن منع الطلاب مشاركة أحد المتحدثين الإسرائيليين في مؤتمر في الجامعة.
مؤتمرات مضادةومع ذلك واضح أن محاولات المواجهة الإسرائيلية للمقاطعة الأكاديمية فاشلة في منع تصاعد عمليات المقاطعة. فعلى سبيل المثال حاولت دولة الاحتلال جمع أكاديميين من الهند، والبرازيل، وفنلندا في لندن في أبريل/نيسان 2025 في مؤتمر تم اعتباره "مساحة آمنة"؛ لمناقشة معاداة السامية، وقد عقد المؤتمر في المركز الثقافي اليهودي، واستضاف الحدث مركز لندن لدراسة معاداة السامية المعاصرة، ومركز كومبر لدراسة معاداة السامية في جامعة حيفا، وقد أكد الأكاديميون المشاركون في المؤتمر أنهم يواجهون ضغوطا، وذكروا قصصا حول طردهم من فعاليات، أو إلغاء فعالياتهم، أو منعهم من النشر، أو تعرضهم للتشهير على مواقع التواصل.
وكمقترحات للمواجهة دعوا لعقد مؤتمرات في حيفا وفيلادلفيا العامين المقبلين للتشجيع على الكتابة عن معاداة السامية. وفي هذا السياق، كان أحد أهداف المؤتمر هو تبادل التجارب الشخصية للأكاديميين الصهاينة في التعرض للنبذ، وإنشاء شبكة لتبادل هذه التجارب؛ لتوفير مساحات للتعاون، وإيجاد آليات لمواجهة المقاطعة والنبذ، ولكن يبدو أن هذه الملتقيات والمؤتمرات هي تكريس للعزلة، وكأنها غرف صدى، يتحدث فيها الصهاينة إلى بعضهم.
يرتبط المجتمع الأكاديمي بالأخلاق من الناحية النظرية بشكل كبير، وبالتالي فإن العزلة الأكاديمية المتصاعدة هي مؤشر هزيمة أخلاقية كبيرة لإسرائيل ودليل انسجام الوسط الأكاديمي مع نفسه، ولا ينبغي التقليل من أهمية المقاطعة الأكاديمية أو حصرها في البعد الرمزي، فالجامعات في إسرائيل هي مكون إستراتيجي، وقد سبق تأسيس بعضها تأسيس دولة الاحتلال، وهي تساهم مساهمة جوهرية في التفوق العسكري، لذلك هي جزء من منظومة الأمن القومي الإسرائيلي، وتضررها يعني تضرر الأمن القومي الإسرائيلي.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline