تعرض تنظيم القاعدة في اليمن لضربات متتالية أدت إلى فقدانه العديد من قياداته، بمن في ذلك ثلاثة خلال أقل من شهر. وقتل، الأسبوع الماضي، القيادي في تنظيم القاعدة في اليمن المكنى أبو محمد الهذلي المكي، وهو سعودي الجنسية، بغارة نفذتها مسيّرة أميركية استهدفت معقلاً للتنظيم في منطقة المصينعة بمديرية الصعيد، جنوب مدينة عتق مركز محافظة شبوة جنوبي اليمن.

 

كما قُتل أيوب اللحجي، المعروف بلقب "أمير ولاية لحج"، والذي يعد من أخطر خبراء التنظيم في سلاح المدفعية، مع عدد من مرافقيه، في غارات يعتقد أنها أميركية استهدفت تجمعات ومخابئ تابعة للتنظيم في مديريات حطيب، والصعيد، ومرخة السفلى، بالقرب من الحدود مع محافظتي أبين والبيضاء وسط البلاد.

 

وجاءت هذه الغارات بعد أيام من مقتل أمير الحرب في التنظيم أبي علي الديسي الذي كان يشغل موقع "أمير ولاية قيفة" بغارة أميركية في محافظة شبوة.

 

وكان القيادي في تنظيم القاعدة في اليمن محمد باحميش، المكنى أبو يوسف المحمدي الحضرمي، قد قُتل مع قيادي آخر يدعى أبو عاصم الصنعاني، مطلع الشهر الحالي، إثر انفجار دراجة نارية مفخخة في منطقة الصمَّدة بمديرية الوادي شرق مدينة مأرب شمال شرقي البلاد. كما سجلت عمليات استهداف أعضاء بالتنظيم، من دون الكشف عن نتائجها حتى الآن.

 

مناطق تمركز تنظيم القاعدة في اليمن

 

وجاءت هذه الضربات التي تلقاها تنظيم القاعدة في اليمن بالتزامن مع استمرار العملية العسكرية التي أطلقها "المجلس الانتقالي الجنوبي" ضده في محافظة أبين نهاية العام 2022 تحت اسم "سهام الشرق" والتي تتمركز معظم عملياتها في وادي عومران بمديرية مودية محافظة أبين جنوبي البلاد. ويتركز تواجد التنظيم في أبين وشبوة ومأرب والبيضاء، وهي محافظات واقعة جنوبي ووسط البلاد، وتمتاز بتضاريس متنوعة، من الجبال الوعرة والصحارى الفسيحة، ووجود حاضنة شعبية توفر لأعضاء التنظيم سهولة التحرك.

 

الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية علي الذهب قال، لـ"العربي الجديد"، إن تمركز تنظيم القاعدة في جنوب ووسط البلاد يأتي نتيجة أن هذه المناطق لها طبيعة خاصة من حيث الجغرافيا والبنية الاجتماعية. وأوضح أنه "من حيث الجغرافيا، فإنها تعد مناطق شاسعة صحراوية وفيها أدغال جبلية، ومرتفعات خالية أو شحيحة السكان، يستطيع تنظيم القاعدة في اليمن الانتظام فيها في جماعات، والتخفي، وتخزين الأسلحة، وإجراء التدريبات، كما أنه يمكنه الحصول على الأسلحة بحراً جراء قربها من بحر العرب، أو براً من دول الجوار". وفي الجانب الاجتماعي، قال إنه يسود في هذه المناطق تراجع التعليم، فضلاً عن "ممارسات دينية متطرفة".

 

التنظيم يحاول إعادة بناء نفسه

 

وأشار الذهب إلى أن تنظيم القاعدة في اليمن خسر العام الماضي خالد باطرفي، الذي حل محله سعد العولقي، وخالد محمد زيدان ابن قائد التنظيم سيف العدل. ويشار إلى أن البيت الأبيض كان أعلن في 2023 عن وجود سيف العدل في إيران، الأمر الذي نفته طهران وقتها، واصفة هذه الاتهامات بـ"الكاذبة والمثيرة للسخرية".

 

واعتبر الذهب أن "التفسير (لنزيف القيادات) أنه قد تكون هناك تصفيات وإعدامات داخل التنظيم"، موضحاً أنه "لم يتم وصف باطرفي عند إعلان وفاته بالشهيد ما يعني أنه ربما يكون هناك تصفية بطريقة أو بأخرى". وتابع: "يبدو أن التنظيم يحاول إعادة بناء نفسه، هيكلياً وقيادياً، وبدأ يتخلص من بعض الجيوب التي يرى أنها عبء عليه استخباراتياً".

 

وأوضح الذهب أنه "حدثت هدنة وتبادل أسرى بين التنظيم والحوثيين" بخاصة بعد انخراط الجماعة في معركة إسناد غزة. ولفت الذهب إلى أنه "حصل تبادل أسلحة، لكن يبدو أنه ليس على المستوى الرسمي. ويبدو أن هناك عناصر مرتبطة بين الكيانين ليست على المستوى الأعلى، أي أن هناك قنوات اتصال منفردة هي من أدت هذا الدور في التقارب. وأعتقد أن لحركة الشباب الصومالية دوراً في ذلك، وأن هذا التعاون امتد إلى حركة الشباب".

 

وتابع: "نحن أمام ثلاثي، رأسه في الصومال وقاعدته في صعدة وفي مناطق نفوذ الحكومة الشرعية، وهذا خلق نوعاً من التوحد حول إسناد غزة، وحدث تبادل للتقنيات والمعلومات. قد تكون هناك اشتباكات بين التنظيم والحوثيين لكنها حالة استثنائية، لأننا لم نشهد خلال العام الماضي موجة عنيفة بين الطرفين على غرار العام الذي سبقه".

 

ورأى الذهب أنه "لن يكون هناك تعاون بين الحوثيين والأميركيين ضد القاعدة، ولا بين القاعدة والحوثيين ضد الأميركيين، لأنه لا توجد قواعد للتعاون في مواجهة الآخر. وفي اللحظة الراهنة هناك أمور مؤجلة وفقاً للهدنة المطروحة بينهم. فالأميركيون يعملون وفق مصادر معلومات على الأرض، سواء ضد الحوثيين أو القاعدة، ولديهم مصادر جوية عبر الأقمار الاصطناعية والطائرات المسيّرة".

 

وقال: "بالنسبة لاستهداف التنظيم فهو قادر على توليد قيادات جديدة، وبالتالي فالضربات التي تعرض لها لن تؤثر فيه بشكل كبير، والتنظيم الآن في حالة تهدئة منذ 2017 بعد تعرضه للضربة العنيفة التي حصلت في البيضاء، ويبدو أن الدعم الخارجي اللوجستي للتنظيم قد خف كثيراً، فتراجع أداء التنظيم عما كان عليه من قبل".

 

وكانت مقاتلات أميركية شنت في يناير/كانون الثاني 2017 ضربات جوية على أهداف للتنظيم في البيضاء جنوب اليمن، تضمنت عملية إنزال جوي، ما أدى إلى مقتل 14 عنصراً بالتنظيم بحسب واشنطن، وقتها، فضلاً عن مقتل جندي أميركي.

 

من جهته، قال الكاتب الصحافي خالد بقلان، لـ"العربي الجديد" إن "تنظيم القاعدة موجود في اليمن منذ مطلع الألفية الثالثة، لكنه يختار التمركز في مناطق محددة لعوامل عدة، أهمها طبيعة هذه المناطق من حيث طبوغرافيتها وكونها جبلية، ومتشعبة، ومفتوحة، فضلاً عن كونها ترتبط بمحافظات عديدة يسهل تحرك التنظيم فيها".

 

ولفت إلى أنه "فضلاً عن ذلك، فإن هناك عاملاً مهماً، وهو التنسيق الواضح بين تنظيم القاعدة في اليمن وجماعة الحوثيين.

 

فقد عملت جماعة الحوثيين على إنشاء معسكرات تدريبية لهذه الجماعات المتطرفة خلال العام الماضي، وأهم ثلاثة معسكرات خصصتها جماعة الحوثيين للتنظيم تقع في الجوف وصعدة والصمع سابقاً في صنعاء، ونقلت مؤخراً مجاميع إلى البيضاء وزجت ببعضهم باتجاه محافظتي أبين وشبوة" على حد قوله.

 

وأشار إلى أن "هذا التنسيق بين تنظيم القاعدة في اليمن والحوثيين يأتي بناء على توجيهات من سيف العدل الذي يقيم في طهران، وفي سياق التوجه العقائدي الذي يتبناه الحوثيون والقاعدة في عدائهم الواضح لأميركا".

 

وأوضح بقلان أن "تزايد عمليات استهداف قيادات في تنظيم القاعدة في اليمن يأتي لكونهم هدفاً للولايات المتحدة، وكذا نتيجة تركيزهم على الوجود والانتقال إلى اليمن، بمساعدة حركة الشباب الصومالية وبتنسيق مع الحوثيين، ويتم نقلهم على متن قوارب صيد إلى موانئ الحديدة، فضلاً عن التهريب براً عبر المهرة وصولاً إلى محافظة الجوف التي يسيطر الحوثيون عليها".


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن تنظيم القاعدة غارات جوية أمريكا تنظیم القاعدة فی الیمن إلى أن

إقرأ أيضاً:

تصعيد إقليمي غير مسبوق: ضربات إسرائيلية وأمريكية تستهدف إيران وتهديدات متبادلة بإغلاق مضيق هرمز


يشهد الشرق الأوسط تطورًا خطيرًا في التصعيد العسكري بعد سلسلة من الهجمات الجوية التي نفذتها القوات الإسرائيلية والأمريكية على منشآت نووية وعسكرية في إيران، ما أدى إلى حالة من الاستنفار الإقليمي والدولي وسط تحذيرات من اندلاع حرب شاملة قد تُهدد أمن الطاقة العالمي.

ضربات جوية مركزة على منشآت إيرانية

أعلن الجيش الإسرائيلي أنه شنّ، بالتعاون مع الولايات المتحدة، هجمات جوية واسعة على أهداف عسكرية داخل إيران، بمشاركة نحو 30 طائرة حربية استخدمت أكثر من 60 قذيفة موجهة. وأكد الجيش أن "البرنامج النووي الإيراني تعرض لضربة عميقة"، بينما أكدت مصادر أمريكية لقناة الجزيرة مشاركة مقاتلات من طراز "إف-35" و"إف-22" في الضربات.

صحيفة يديعوت أحرونوت أفادت بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيعقد مشاورات أمنية طارئة، بينما رجّحت القناة 14 العبرية أن "المنظومة الأمنية في إسرائيل تعتبر أننا قد نكون بالفعل على أعتاب اليوم التالي للحرب بنهاية هذا العام".

واشنطن: لا نية للتصعيد.. ولكن!

نائب الرئيس الأمريكي أكد أن أي إغلاق لمضيق هرمز من جانب إيران "سيُعد انتحارًا اقتصاديًا لطهران"، مشددًا على أن الضربات التي نُفذت تستهدف منع إيران من امتلاك سلاح نووي، فيما أكد وزير الخارجية الأمريكي أن "رد إيران سيكون أسوأ خطأ ترتكبه".

إيران ترد.. وتفعّل الدفاعات الجوية

وسائل إعلام إيرانية أفادت بتفعيل أنظمة الدفاع الجوي في عدة مدن، بينها يزد وفارس، كما تم إسقاط 4 طائرات مسيّرة إسرائيلية. ونقلت وكالة "فارس" دوي انفجارات عنيفة في سماء تبريز، إلى جانب انفجار كبير قرب حقل نفطي في كرمانشاه.

الرئيس الإيراني علّق على التصعيد بالقول: "الدبلوماسية لا معنى لها مع الولايات المتحدة"، في حين توعّدت طهران بالرد في الوقت والمكان المناسبين، لكنها نفت وجود تلوث إشعاعي في المواقع المستهدفة حتى الآن.

نتنياهو: اقتربنا من تحقيق أهداف الحرب

من جهته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن "إسرائيل باتت قريبة من القضاء على القدرات النووية والصاروخية لإيران"، موجها الشكر للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب على ما وصفه بـ "العمل المشترك والمشرّف للجيش الأمريكي في ضرب منشأة فوردو". وأضاف: "لن ننهي عمليتنا مبكرًا ولن نواصلها أكثر مما هو مطلوب".

وفي رد على سؤال من شبكة "CNN" بشأن صفقة بين نتنياهو وترمب تقضي بإنهاء الحرب على غزة مقابل ضرب إيران، رفض نتنياهو الإجابة، مؤكدًا أن وقف الحرب في غزة مرتبط باستسلام حركة حماس.

ردود دولية وتحركات دبلوماسية

الأمم المتحدة حذّرت على لسان أمينها العام المساعد من أن "الشرق الأوسط لا يمكنه تحمّل نزاع إضافي يدفع المدنيون ثمنه". كما طالبت إيران بالسماح لمفتشي وكالة الطاقة الذرية بتقييم الأضرار.

في موسكو، وصل وزير الخارجية الإيراني لعقد مباحثات مع القيادة الروسية، بينما دانت الصين الهجوم الأمريكي على إيران، ووصفت الخارجية الروسية الضربات بأنها تجاهل متعمد لمبادرات إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط.

حراك سياسي وتحذيرات من اتساع دائرة التصعيد

في ظل هذه التطورات، كشفت مصادر إسرائيلية عن دراسة نتنياهو لمقترح صفقة أسرى جديدة قُدمت من وسيط دولي، في وقت حذرت فيه القناة 12 العبرية من تعرض إسرائيل لهجوم سيبراني إيراني اخترق حسابات صحفيين وشخصيات عامة.

بموازاة ذلك، حذّر مراقبون فلسطينيون من أن الاحتلال الإسرائيلي يستغل انشغال الإقليم بالحرب على إيران لفرض وقائع جديدة في المسجد الأقصى، بما في ذلك التلميح بإغلاقه وتقليل عدد الحراس.

القوات الغربية في حالة تأهب

التلغراف البريطانية أكدت أن القواعد البريطانية في الشرق الأوسط وضعت في حالة تأهب قصوى، كما طلبت واشنطن من موظفي سفارتها في لبنان وعائلاتهم مغادرة البلاد فورًا، في ظل مخاوف من توسع رقعة الصراع.

خلاصة المشهد

تبدو المنطقة اليوم على شفا تصعيد غير مسبوق، تتداخل فيه الحسابات النووية بالرهانات السياسية، وتختلط فيه خطوط الصراع بين إيران وإسرائيل بالتحركات الأمريكية والدولية، في مشهد يُعيد التوتر إلى الواجهة ويضع أمن الشرق الأوسط أمام اختبارات بالغة الخطورة.

 

 

مقالات مشابهة

  • مجلس الأمن القومي الإيراني: عملياتنا رد دفاعي على العدوان ولا تستهدف دولة قطر
  • قضايا قيمتها 22 مليون جنيه.. ضربات متتالية ضد تجار العملات الأجنبية
  • فيديو: إسرائيل تعترض صاروخا.. وإيران تؤكد: أُطلق من اليمن
  • تصعيد إقليمي غير مسبوق: ضربات إسرائيلية وأمريكية تستهدف إيران وتهديدات متبادلة بإغلاق مضيق هرمز
  • المتحدث باسم الداخلية: تنظيم داعش سيفشل في ضرب السلم الأهلي، ونعول على دور الإعلام الوطني في التوعية من مخططات التنظيم.
  • ثروت الخرباوي: إيران استقبلت قيادات تنظيم القاعدة بعد الغزو الأمريكي
  • تأجيل أولي جلسات محاكمة 78 متهم بالإنضمام لـ " خلايا تنظيم القاعدة العنقودية "
  • 7 قضايا مخدرات.. ضربات متتالية ضد الخارجين على القانون بأسوان ودمياط
  • قضايا قيمتها 6 ملايين جنيه.. ضربات متتالية ضد تجار العملات الأجنبية
  • عبر علاقة تعاونيه مع الحوثيين.. تنظيم القاعدة يسعى إلى تعزيز حضوره مستغلاً الغضب الإقليمي