سوريا بين الأمس والغد: حوار بين العقل والتاريخ والوطن
تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT
في ليلة ساهرة من ليالي التاريخ، جلس العقل مستندا إلى مصباح الزمن، يتأمل وجه الأرض الذي كان يوما مهد الحضارات، فإذا بها قد أمست خريطة مليئة بالندوب والجراح. تنهد بعمق، ثم التفت إلى التاريخ وقال:
العقل: لقد سقط الطاغية، فهل آن للأرض أن تستريح؟
التاريخ: سقوط الطاغية ليس إلا بداية الرحلة، فكم من مستبد رحل ليُبعث مستبد آخر في ثوب جديد! الحرية لا تأتي بالهتاف، بل تبنى بالحكمة والعدل.
العقل: وكيف نحفظ العدل إن كان الظلم قد صار ميراثا يتناقله الناس؟
التاريخ: لا عدل بلا ميزان، ولا ميزان بلا يد تحمله بثبات. فليُحاكم الظالمون، ولكن بميزان لا ترجحه الكراهية. إن كنتم تريدون بناء وطن، فاجعلوا العدالة شفاء لا انتقاما، كي لا تحفروا في الأرض بذور صراع لا ينتهي.
إذا جار الأمير وحاجباهُ
وقاضي الأرض أسرف في القضاءِ
فويحُ الأرضِ إن لم يرفعوا
يدا عن ظلمهم يوم الجزاءِ!
في هذه اللحظة، انضم الوطن إلى الحوار، جلس على كرسيه العتيق، يتأمل أبناءه الذين طال صراعهم حول هويته، مستمعا لصراخهم بين السياسة، الدين، والقومية.
الوطن (مخاطبا الجميع بحزم): كفى صراخا! لقد هُدم بيتي مرارا، كل منكم يزعم أنه حارس أبوابي، لكنه في النهاية يُحاصرني أكثر. أريد أن أفهم، كيف نعيد البناء؟
السياسي (مشبكا أصابعه وكأنه يزن الكلمات بدقة): الحل سهل، يجب أن نؤسس لعقد اجتماعي حديث، يحترم الحقوق والواجبات، ويضمن لكل فرد مكانه في هذه الأرض.
الديني (رافعا يده كأنما يستشهد بنص مقدس): ولكن دون أن نخلع الإيمان من قلوب الناس، فالعدل لا يتحقق إلا حين يكون للناس ركن روحي يثبّتهم في مواجهة الفوضى.
القومي (ضاربا بقبضته على الطاولة): ومن دون الهوية، سنصبح كالريشة في مهب الريح! كيف نبني وطنا لا يعرف من هو؟
العقل: لكن ماذا عن أجهزة القمع؟ لقد تحولت إلى سوطٍ يجلد الناس، فكيف نضمن أنها لن تعود؟
التاريخ: الحرس إن خُلق ليكون للسلطان لا للوطن، كان كالذئب في ثياب الحارس. لا بد أن تُعاد صياغة هذه المؤسسات، أن تكون يدا تحمي لا سيفا يضرب، عينا تراقب العدل لا تترصد الأحرار. فليُبنَ الأمن على أسس جديدة، ولتكن قلوب الناس سندا له لا ضحايا بين يديه.
العقل: وماذا عن المكونات المختلفة؟ لقد أشعل الطغاة نار الطائفية، فكيف نضمن أن تذوب الجدران بين أبناء الأرض الواحدة؟
التاريخ: الوطن لا يكون وطنا إن لم يحتضن جميع أبنائه. لا فرق بين عربي وكردي، ولا بين مسلم ومسيحي إلا في مقدار إخلاصه لهذا التراب. ليكن عقدكم الاجتماعي شاملا، لا يستثني أحدا، فالتهميش يخلق الغضب، والغضب يهدم الأوطان.
إذا افتخر الأنامُ بفرقةٍ
ففخرُ المرءِ أن يُؤوي الجميعا
الوطن (متنهّدا وهو يحدق في الأفق): أيها السادة، أريدكم أن تفهموا أنني لا أطلب منكم أن تهدموا جدرانكم، بل أن تفتحوا نوافذها. السياسي، لن ينجح عقدك الاجتماعي ما لم تؤمن بأن الحرية مسؤولية وليست فوضى. والديني، لن يُحترم إيمانك ما لم تفصل بين قداسته وبين أداة القمع. أما أنت أيها القومي، فحبك لي لا يعني أن تسجنني داخل جدران الماضي، بل أن تعيد تعريف الانتماء ليكون جسرا بين الأجيال، لا سلاسل تكبلهم.
العقل: لكن ماذا عن القوى الأجنبية؟ إنهم ينتشرون في البلاد كالأشواك في الحقول، لكل واحد مصلحته، فكيف نعيد الوطن إلى أهله؟
التاريخ: لا حرية مع احتلال، ولا سيادة مع وصاية. لكن القوة وحدها لا تكفي، فالتفاوض أحيانا أمضى من السيف. لا تكونوا جسرا لأحد، لا تبيعوا الأرض تحت شعارات واهية، ولا تدخلوا في حرب تستهلككم أكثر مما تحرركم. السياسة فن، فأتقنوا لعبتها.
العقل: وماذا عن الذين هُجِّروا؟ الملايين في المنافي، ينتظرون ساعة العودة، فكيف نعيدهم دون أن نلقي بهم إلى الضياع؟
التاريخ: الوطن ليس حنينا فقط، بل حياة كريمة. لا تُعيدوهم ليجدوا بيوتهم تحت الأنقاض، وفرص العمل سرابا، والأمن حلما بعيدا. لا تكونوا كمن يبني سورا بلا أساس، بل اجعلوا الأرض مهيأة لاستقبال أبنائها، حتى لا يغدو الرجوع ندما.
بلادي وإن جارت عليّ عزيزةٌ
وأهلي وإن ضنوا عليّ كرامُ!
العقل: والاقتصاد؟ كيف نبني وطنا والجوع ينهش أهله، والأمل صار عملة نادرة؟
التاريخ: الخراب ليس في الأبنية وحدها، بل في العقول التي اعتادت التسول بدل الإنتاج. لا تنتظروا المعجزات، بل اصنعوها. ليكن العمل ثقافة، والشفافية قاعدة، ولا تسمحوا للفاسدين أن يكونوا أسياد المرحلة القادمة، فقد كان الفساد شريكا في سقوط من سبقكم.
لا تَسقني ماءَ الحياةِ بذلَّةٍ
بل فاسقني بالعزِّ كأس الحنظلِ!
العقل: ولكن، ماذا عن الفوضى؟ هل نثق بأن الناس لن يُعيدوا إشعال الحرائق بأنفسهم؟
التاريخ: الناس تُقاد بالفكر كما تُقاد بالجوع والخوف. فإن لم يكن لهم وعي، صنعوا لأنفسهم جلادا جديدا. لا تتركوا التعليم آخر همكم، ولا تُهملوا بناء الثقافة السياسية، فالجهل أبو الاستبداد.
الوطن (مبتسما لأول مرة): أحسنتم، الآن يمكننا البدء بالبناء. لكن قبل ذلك، قولوا لي: من منكم مستعد لوضع حجر الأساس؟
ساد الصمت، ثم مد الجميع أيديهم معا، ووضعوا أول حجر..
إذا الشعبُ يوما أراد الحياةَ
فلا بُدَّ أن يستجيبَ القدرْ!
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات العقل الحوار الدين الهوية سوريا قومية حوار عقل دين سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات اقتصاد سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
قريباً.. آبل تتيح التحكم في أجهزتها عبر العقل دون اللمس
تستعد شركة آبل لإطلاق تقنيات جديدة تُتيح التحكم في أجهزتها عبر الإشارات الدماغية، في خطوة قد تُحدث تحولاً جذرياً في عالم تكنولوجيا المساعدة لذوي الإعاقة، وتفتح الباب أمام مستقبل تتحكم فيه الأفكار بالأجهزة مباشرة.
وبالتزامن مع اليوم العالمي للتوعية بإمكانية الوصول الرقمي، الذي يُصادف 15 مايو (أيار) من كل عام، كشفت شركة “آبل” عن تقدم كبير في تطوير تقنيات جديدة تُمكن الأشخاص من التحكم بأجهزتها مثل الآيفون والآيباد باستخدام الإشارات الدماغية، وذلك عبر شراكة تجمعها بشركة “Synchron”، الرائدة في تطوير الواجهات العصبية.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”، تعتزم آبل إصدار معيار خاص بهذه التقنية في وقت لاحق من هذا العام لتوفيره للمطورين.
وتأتي هذه المبادرة ضمن جهود آبل لجعل منتجاتها أكثر شمولًا، وقد تعاونت مع Synchron التي سبق أن تعاونت أيضاً مع شركات كبرى مثل أمازون، لتطوير أدوات تكنولوجيا مساعدة لذوي الإعاقة الحركية.
وتنتج Synchron جهازاً يُسمى “Stentrode”، يُزرع داخل وريد في قشرة الدماغ الحركية، ويعمل على قراءة الإشارات العصبية وترجمتها إلى أوامر تتحكم في أجهزة مثل الآيفون والآيباد ونظارات الواقع الافتراضي Vision Pro.
وكان أحد مرضى التصلب الجانبي الضموري (ALS) قد استخدم هذه التقنية خلال تجربة سابقة عام 2023، حيث تمكّن من التنقل داخل قوائم Vision Pro واستكشاف جبال الألب السويسرية عبر الواقع الافتراضي، ما يُظهر الإمكانات الهائلة التي قد توفرها هذه التقنية في المستقبل لذوي الإعاقات الحركية.
كما تعمل Synchron على تكامل هذه الواجهة الدماغية مع منصات ذكاء اصطناعي مثل ChatGPT، في إطار توسيع نطاق استخدامها.
التأثير على تكنولوجيا الوصولورغم أن آبل تخطط لإتاحة هذه المعايير للمطورين، إلا أن وصول هذه التكنولوجيا إلى عامة المستخدمين، وخاصة ذوي الإعاقات الشديدة، قد يستغرق وقتاً طويلًا.
وأشار “بوب فاريل”، نائب رئيس شركة Applause المتخصصة في اختبار التقنيات، إلى أن مثل هذه الابتكارات الطبية الواعدة تتطلب سنوات من العمل لتصبح متاحة على نطاق واسع.
وأضاف فاريل إن آبل لعبت دوراً محورياً في دفع قطاع التكنولوجيا نحو مزيد من الشمول الرقمي، مضيفاً أن “الشركة أدركت منذ وقت مبكر أن بناء منتجات شاملة له فوائد اجتماعية وتجارية، وقد شهدنا مؤخراً توجه شركات ألعاب الفيديو للمنافسة على جوائز الشمول الرقمي بعد أن كانت تعتبر نفسها خارج إطار الالتزامات القانونية في هذا المجال”.
لكن فاريل أشار إلى أن الجهود لجعل المنتجات شاملة بالفعل تتطلب التزاماً عميقاً وتعاوناً مستمراً مع أصحاب الإعاقات أنفسهم في جميع مراحل تطوير المنتج، بدءاً من البحث الأولي وحتى اختبارات الاستخدام.
ودعا الشركات الرائدة إلى العمل جنباً إلى جنب مع خبراء الوصول والمجتمعات المتأثرة مباشرة، للحصول على ملاحظات حقيقية تساعد على تحسين التصميم وتفادي المشكلات التي قد لا تلاحظها الفرق الداخلية أو أدوات الاختبار الآلية.
ميزات جديدة من آبلوفي إطار جهودها المستمرة لدعم الوصول الرقمي، أعلنت آبل عن مجموعة من الميزات الجديدة التي سيتم طرحها لاحقاً هذا العام، من بينها:
– ملصقات تقييم الوصول في متجر التطبيقات، لتوضيح ميزات الوصول في الألعاب والتطبيقات.
– أداة التكبير لأجهزة Mac، على غرار الموجودة في iOS.
– دعم برايل موسع عبر الأجهزة المتوافقة، مما يُتيح تدوين الملاحظات وقراءة الكتب وتفعيل الترجمة الفورية.
– وضع القارئ للأشخاص ذوي الاحتياجات البصرية في iOS وMac وVision Pro.
– الترجمة الفورية على ساعة Apple Watch.
– تحسينات عرض المحتوى على Vision Pro.