الإصلاح: الأنساق اللغوية والدلالات السياسية.. مشاتل التغيير (6)
تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT
من مداخل الفهم في الإصلاح هو ذلك المدخل اللغوي والأنساق المرتبطة به. ويمكن تعريف "النسق اللغوي" بأنه انتظام مجموعة من الدلالات أو الإشارات اللغوية في بنية واحدة. وإذا كانت اللغة لفظ ومعنى، وكل دراسة لغوية لا بدّ أن يكون موضوعها الأول والأخير هو المعنى وارتباطه بأشكال التعبير المختلفة، وبما أنّ الارتباط بين الشكل والوظيفة هو اللغة وهو صلة المبنى بالمعنى، فإن ارتباط الدّلالة بالأنظمة اللغوية المختلفة هو ما يعكس نسقيّة اللغة، وما ينصرف إلى ماهية النسق اللغوي، وأنواعه، وتجلّياتها الدّلالية.
ويعد الاشتقاق أحد أهم مسالك أن الزيادة في المبنى زيادة في المبنى ضمن ما يمكن تسميته بالسعة الاشتقاقية وما يترتب عليه من اتساع دلالي. والاشتقاق ظاهرة لغوية في اللغة العربية، وهو مصدر من مصادر استخراج الكلمات والمفردات اللغوية في اللغة العربية. وكثيرا ما نرى أن معظم الكلمات يمكننا أن نشتق منها أكثر من كلمة، كما نكتشف أنها ذات أصل واحد، ولها معنى تشترك فيه، وهنا تأتي وظيفة الاشتقاق في اللغة، حيث إنه بواسطته نتعرّف على مفردات اللغة التي تضيف الثروة اللغوية القيمة.
الاشتقاق لغة؛ اشتق الكلمة من الكلمة: أخرجها منها؛ واصطلاحا: هو أخذ كلمة أو أكثر من كلمة أخرى. الاشتقاق: يقول صاحب التعريفات في كتابه "هو نزع لفظ من آخر بشرط مناسبتهما معنى وتركيبا ومغايرتهما في الصيغة"، وكما يقول الثعالبي "الاشتقاق من سنن العرب". مع الاشتقاق يظهر اجتماع الألفاظ أي الكلمات، فيفسره الفيروز آبادي في قاموسه بقوله: "الكلمات في اللغة العربية لا تعيش فرادى منعزلات بل مجتمعات مشتركات كما يعيش العرب في أسرٍ وقبائل. وللكلمة جسم وروح، ولها نسب تلتقي مع مثيلاتها، فتشترك هذه الكلمات في مقدار من حروفها وجزء من أصواتها".
كلمة صلح في هذا الجذر الثلاثي لا تغادر تلك السنن والقوانين اللغوية والدلالية، فهي تكون أسرة ممتدة وعائلة منتسبة وتوليدات مشتقة؛ ومن أفراد أسرتها الصلاح والإصلاح والاستصلاح؛ والصلاحية والمصلحية والمصلحة والمصالح؛ والتصالح والمصالحة وإصلاح ذات البين؛ والإصلاح والمصلح والصالح والصلوح والمصلوح؛ والإصلاحات. وهو جذر غني ليس فقط في مبانيه، ولكنه ثري في معانيه المشتركة والمفترقة والمرتبطة والمنتسبة، وكلها تشير الى مستويات عدة وأدوار منشدة الى بعضها فتتكافل رغم تمايزها وتتكامل رغم اختلافها وتأتلف رغم تنوعها.
وإذا كان المدخل اللغوي يقوم بدور تأسيسي في عملية التنسيب والتوليد اللغوي؛ فإن الدور الرحمي والتراحمي في الثنائيات المقترنة والمتزاوجة لا المتصارعة والمتنافية والمتناقضة تشكل مدخلا إضافيا لفهم الإصلاح والسياسة عندما يتزاوجا سكنا ومودة ورحمة؛ لذا ليس من المصادفات ذلك الارتباط الكيان بين مفهومي الإصلاح والسياسة، حتى أنه يمكننا القول إن مفهوم السياسة مسكون بتضميناته الإصلاحية، ومفهوم الإصلاح مصبوغ بمكنوناته ودلالاته السياسية.
وفي تعريف استثنائي للسياسة ومعاني صناعة السياسة يؤكد أبو زيد البلخي؛ أن المادة في السياسة أمور الرعية التي يتولى الملك القيام بها، والصورة فيها إنما هي المصلحة التي ينحو بفعله نحوها وهي نظير الصحة، لأن المصلحة هي صحة ما، والصحة مصلحة ما، وكذلك المفسدة سقم ما، والسقم مفسدة، والفاعل هو عناية الملك بما يباشره من أمور الرعية، وغرضه فيما يفعله هو بقاء المصلحة ودوامها، والشيء الذي يقوم له مقام الآلة في صناعته إنما هو الترغيب والترهيب.
وفعل السائس الذي هو نظير المعالجة من الطبيب ينقسم بكليته إلى قسمين: أحدهما التعهد، والآخر الاستصلاح. أما التعهد فحفظ المستقيم وأمور الرعية على استقامة وانتظام من الهدوء والسكون حتى لا يزول عن الصورة الفاضلة، وأما الاستصلاح فرد ما عارضه منها الفساد والاختلال إلى الصلاح والالتئام. ونظير هذا التعهد والاستصلاح في صناعة السياسة من صناعة الطب -التي هي صناعة الأجساد- حفظ الصحة وإعادة الصحة، وكما أن الطب كله مدرج في هذين البابين، كذلك السياسة كلها مدرجة في نظيريهما، يعني التعهد والاستصلاح.
أما السياسة فشرعية، عادلة، وصلاح في مواجهة فساد؛ وهي من مخرجات الشريعة؛ ومن له ذوق في الشريعة واطلاع على كمالاتها وأنها لغاية مصالح العباد، في المعاش والمعاد، ومجيئها بغاية العدل الذي يفصل بين الخلائق، وأنه لا عدل فوق عدلها ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح، وعرف أن السياسة العادلة جزء من أجزائها وفرع من فروعها، وأن من له معرفة بمقاصدها، ووضعها مواضعها، وحسن فهمه فيها لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة، فإن السياسة نوعان: سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها، وسياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر بعين الشريعة علمها من علمها وجهلها من جهلها.
وقال ابن عقيل في الفنون جرى في جواز العمل في السلطنة بالسياسة الشرعية أنه هو الجزم، ولا يخلو من القول به إمام، فقال الشافعي لا سياسة إلا ما وافق الشرع، فقال ابن عقيل: السياسة ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي، فإن أردت بقولك إلا ما وافق الشرع أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح، وإن أردت لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فغلط، وتغليط للصحابة. وهذا موضع مزلة أقدام، ومضلة أفهام، وهو مقام ضنك، ومعترك صعب، فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود وضيّعوا الحقوق وجرأوا أهل الفجور على الفساد وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، محتاجة إلى غيرها، وسدوا على نفوسهم طرقا صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له، وعطلوها مع علمهم وعلم غيرهم قطعا أنه حق مطابق للواقع، ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع.
ولعمر الله إنها لم تناف ما جاء به الرسول، وإن نافت ما فهموه من شريعته باجتهادهم والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة الشريعة، وتقصير في معرفة الواقع، وتنزيل أحدهما على الآخر، فلما رأى ولاة الأمور ذلك وأن الناس لا يستقيم لهم أمرهم إلا بأمر وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة؛ أحدثوا من أوضاع سياستهم شرا طويلا وفسادا عريضا، فتفاقم الأمر وتعذر استدراكه، وعز على العالمين بحقائق الشرع تخليص النفوس من ذلك واستنقاذها من تلك المهالك.
وأفرطت طائفة أخرى قابلت هذه الطائفة فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله، وكلا الطائفتين أُتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله وأنزل به كتبه، فإن الله سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به الأرض والسماوات، فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه. والله سبحانه أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة وأبين أمارة، فلا يجعله منها ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفة له، فلا يقال إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع بل موافقة لما جاء به، بل هي جزء من أجزائه، ونحن نسميها سياسة تبعا لمصطلحكم، وإنما هي عدل الله ورسوله ظهر بهذه الأمارات والعلامات.
والمقصود أن هذا وأمثاله (من أفعال الخلفاء الراشدين) سياسة جزئية بحسب المصلحة يختلف باختلاف الأزمنة فظنها من ظنها شرائع عامة لازمة للأمة إلى يوم القيامة. ولكل عذر وأجر، ومن اجتهد في طاعة الله ورسوله فهو دائر بين الأجر والأجرين. وهذه السياسة التي ساسوا بها الأمة وإضعافها هي من تأويل القرآن والسنة، ولكن هي من الشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة من السياسات الجزئية التابعة للمصالح فيتقيد بها زمانا ومكانا. وهذا كما لو كان للناس عدة طرق إلى البيت وكان سلوكهم في تلك الطرق توقعهم في التفرق والتشتيت ويطمع فيهم العدو، فرأى الإمام جمعهم على طريق واحد فترك بقية الطرق جاز ذلك ولم يكن فيه إبطال، لكون تلك الطرق موصلة إلى المقصود وإن كان فيه نهي عن سلوكها لمصلحة الأمة. والذي اختص به إياس وشريح من مشاركتهما لأهل عصرهما في العلم الفهم في الواقع والاستدلال بالأمارات وشواهد الحال، وهذا الذي فات كثيرا من الحكام فأضاعوا كثيرا من الحقوق.
وبالنظر العميق في تعريف السياسة في الرؤية الإسلامية نلحظ أن هذا التعريف فضلا عن أنه يعيد الاعتبار لمفهوم السياسة ويجعل من اتساعه ورحابته حالة بنيانية لازمة أصلية في داخلية المفهوم غير طارئة عليه من خارجه، بحيث تستوعب المستحدث من تحيل أو ميل أو انحراف أو توظيف أو تبرير، واقع الأمر أن هذا المفهوم وجد عناصر رسوخه ضمن "صبغة" وصيغة" المقاصد. فالسياسة على قول الإمام ابن القيم فيما ينقله عن أستاذه ابن عقيل "ما كانت معه الأمور أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد"، ومناقضة السياسة بمفهومها القيمي تعني أن تكون حال ممارستها أقرب إلى الفساد وأبعد عن الصلاح بمفهوم المخالفة، إنه "السوس" الذي ينخر في الكيان فيفسده ويهدمه.
والمقاصد -وفق هذه الرؤية- تصبغ وتصوغ مفهوم السياسة على شاكلة العشرية المقاصدية؛ القيام على الأمر بما يصلحه: مقدمات ومقومات ومكونات، ومجالات، وحفظ، وأولويات، وموازين، وواقع، ومناطات ومآلات، ووسائل، قيم وسياقات. والسياسة -وفق هذا التصور- ليست فنا أو أسلوبا أو صراعا، بل هي رعاية متكاملة من قَبِل الدولة والفرد لكل شأن من شئون الجماعة.. والسياسة -وفق هذه الرؤية- تتصف بالعموم والشمول، فهو مفهوم يخاطب كلَّ فرد مكلَّف بأن يرى شئونه ويهتم بأمر المسلمين، بل يمارس عمارة الكون في سياق وظيفته الاستخلافية.
وعلى ما يؤكد "الراغب"، فإن السياسة -وفق هذا التصور- تستند في تكييفها إلى حقيقة "الاستخلاف"، ذلك أن الفعل المختص بالإنسان على ثلاثة أنحاء:
1- عمارة الأرض المذكورة في قوله تعالى: "وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا" (هود: 61)، وذلك تحصيل ما به تزجية المعاش لنفسه ولغيره.
2- وعبادته المذكورة في قوله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " (الذاريات: 56)، وذلك هو الامتثال للباري عز وجل بإطاعة أوامره ونواهيه.
3- وخلافته المذكورة في قوله تعالى: "وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ" (الأعراف: 129)، وذلك هو الاقتداء بالباري سبحانه على قدر طاقة البشر في السياسة باستعمال مكارم الشريعة.. إن الخلافة تُستحق بالسياسة، وذلك بتحري مكارم الشريعة (أصولها القيمية). والسياسة ضربان: أحدهما سياسة الإنسان نفسه وبدنه وما يختص به، والثاني سياسة غيره من رعيته وأهل بلده. ولا يصلح لسياسة غيره من لا يصلح لسياسة نفسه "لاستحالة أن يهتدي المسوس مع كون السائس ضالا..".
لا شك أن تعريفا يأخذ بحسبانه كل تلك المعايير والأصول القيمية يمكن أن يحرك عناصر جدول أعمال بحثي يختلف -إلى حد كبير- في موضوعاته وصياغته وقضاياه، وأن إخراج "السياسي" و"الدولي" من دائرة القيم أسهم -بدوره- في تبسيط المعقد واختزال الفعل الحضاري المرتبط بهذا الحقل، فإن عمق الفعل السياسي يكمن في القيم الكامنة فيه والمحركة له، وهو ما يحرك أصولا داعمة للفعل الحضاري العمراني، ضمن علاقات يمكن أن تشكل أصولا تقويمية لحركة النظام داخليا كان أم دوليا؛ مركزيا كان أم غير مركزي؛ في مساراته ونمط تفاعلاته وعلاقاته.
وليس ذلك من عيوب تأسيس العلم أو تكوينه، ولكن هو -في حقيقة الأمر- يضمن عملية الوصل بين العلم ووظائفه، وبين العلم وغاياته ومقاصده؛ فيكون الإصلاح في جوهره سياسة وتدبيرا؛ والسياسة في مكنونها ومقاصدها إصلاحا وتغييرا وتأثيرا، إنه المشتل اللغوي الذي يضيف إلينا المعاني الناهضة في مشاتل الإصلاح والتغيير؛ فتكون السياسة تعريفا ومقاما؛ قياما على الأمر بما يصلحه.
x.com/Saif_abdelfatah
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإصلاح السياسة المصلحة مصالح سياسة إصلاح مصالح تغيير مفاهيم مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی اللغة
إقرأ أيضاً:
قصر العيني يؤكد قدرة مصر على ريادة التغيير الطبي
شهد الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية وزير الصحة والسكان، والدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والدكتور محمد سامي عبدالصادق رئيس جامعة القاهرة، افتتاح المؤتمر العلمي السنوي لكلية الطب جامعة القاهرة، والذي يُقام بعنوان "نحو مجتمع طبي مبتكر"، بحضور عدد من رؤساء الجامعات وقيادات وزارتي التعليم العالي والصحة والسكان وقيادات الجامعة وكلية الطب، وأعضاء هيئة التدريس والطلاب.
وخلال كلمته، قال الدكتور خالد عبدالغفار، إن كلية طب قصر العيني تمثل صرحًا طبيًا وتعليميًا عريقًا يمتد تاريخه لأكثر من 190 عامًا، منذ تأسيسها عام 1827 كأول مدرسة طبية في مصر والشرق الأوسط، وقد ظلت على مدار عقود طويلة منارة للعلم ومهدًا لتخريج أجيال من الأطباء والعلماء الذين أسهموا في تطوير القطاع الصحي في مصر والعالم العربي، مؤكدًا استمرار الكلية في أداء رسالتها التعليمية والبحثية وخدمة المجتمع، واستقبال مستشفياتها لأكثر من 2.5 مليون مريض سنويًا، وهو ما يعكس الدور الكبير الذي تقوم به وإمكاناتها المتميزة.
وأضاف نائب رئيس مجلس الوزراء، أن هذا العصر يشهد تطورات متسارعة في كل مجالات الحياة، وعلى رأسها القطاع الصحي، وهنا يأتي أهمية مؤتمر كلية طب القصر العيني هذا العام، ليواكب هذه التطورات من خلال رؤيته الحيوية التي تلامس جوهر التحديات والفرص في القطاع الطبي، مشيرًا إلى أن العالم يتحول للاعتماد بشكل أساسي على التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات الضخمة، فقد أصبح مواكبة تلك التطورات ركيزة أساسية لا مفر منها في مجال الطب وكافة خدمات الرعاية الصحية، لما لتلك الأدوات من آثار إيجابية لتحسين أداء الخدمات المُقدمة وتحقيق الوصول العادل لخدمات الرعاية الصحية.
وتابع وزير الصحة والسكان، أن ثورة التحول في القطاع الصحي من خلال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أصبحت واقع في مجالات التشخيص المبكر، والتشخيص عن بعد، والجراحات الذكية، وتحليل البيانات الصحية وهو ما يتطلب وضع سياسات واضحة للاستفادة من هذه الأدوات في تحسين مستوي الخدمات الطبية وضمان كفاءتها، مضيفًا أن الابتكار في الطب يُعد أحد أدوات الصحة العامة، حيث أن الابتكار في الطب، ركيزة أساسية يجب دعمها من خلال تعزيز قدرات البحث العلمي، والارتقاء بإمكانيات المراكز البحثية المتعددة؛ لتطوير علاجات وتقنيات محلية الصنع تتماشى مع احتياجات المواطن المصري.
وأشار الدكتور خالد عبدالغفار إلى أن الابتكار الطبي فتح آفاقًا واعدة لعلاجات متقدمة تُسهم في تحسين جودة الحياة، مثل استخدام الخلايا الجذعية المُعدلة جينيًا لعلاج فقر الدم المنجلي، والأطراف الصناعية الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، إلى جانب التوسع في تطبيقات الطب الشخصي (Precision Medicine)، والرقابة الصحية الذاتية عبر الأجهزة القابلة للارتداء (wearables) المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، وكذلك تطوير المستشفيات الذكية التي تعزز كفاءة الخدمات الصحية.
وتابع نائب رئيس مجلس الوزراء، أن التكنولوجيا في المجال الطبي ليست قاصرة فقط على الكشف والتشخيص، ولكنها تشمل كل النواحي مثل الابتكار في التعليم الطبي والذي يتطلب الآن توفير مناهج تعليمية تفاعلية قائمة على التكنولوجيا الحديثة، والتفكير النقدي، والتعليم القائم على الكفاءات، بما يؤهل الطبيب المصري للمنافسة إقليميًا وعالميًا، كما أن تطوير التدريب الطبي المستمر ضرورة لتمكين مختلف أعضاء الفرق الصحية من تقديم رعاية صحية قائمة على الأدلة والبراهين.
واختتم نائب رئيس مجلس الوزراء كلمته، بأن انعقاد هذا المؤتمر تحت مظلة طب القصر العيني هو تأكيد جديد على أن مصر تمتلك مؤسسات تعليمية وطبية قادرة على قيادة التغيير وصناعة المستقبل، معربًا عن أمله في أن تسفر مناقشات هذا الحدث العلمي الكبير عن رؤى وتوصيات عملية تسهم في دعم خطط الدولة الطموحة لتطوير القطاع الصحي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030.
وفي كلمته، ثمن الدكتور أيمن عاشور الرؤية الطموحة للمؤتمر، لمستقبل طبي يرتكز على الابتكار والاعتماد على القدرات الذاتية، مؤكدًا التزام الوزارة بدورها المحوري في تطوير التعليم الطبي، وتعزيز البحث العلمي، وتطوير التدريب الإكلينيكي، بما يتماشى مع رؤية الدولة المصرية نحو بناء منظومة صحية مبتكرة ومستقلة، مؤكدًا أن التحول نحو التصنيع الطبي المحلي لم يعد مجرد خيار، بل ضرورة حتمية؛ لضمان الأمن الصحي والاقتصادي.
وأشار الوزير إلى أهمية هذا المؤتمر باعتباره منصة علمية تفتح آفاق التعاون بين مؤسسات التعليم والبحث من جهة، وقطاع الصناعة من جهة أخرى، للعمل على تسريع توطين الصناعات الطبية وتقليل الاعتماد على الاستيراد، بما يسهم في تعزيز الاكتفاء الذاتي ودعم الاقتصاد الوطني، مؤكدًا استمرار تقديم الدعم لمستشفيات قصر العيني، باعتبارها صرحًا تعليميًا وعلاجيًا رائدًا، يسهم بفعالية في خدمة المجتمع خاصة في قطاع الصحة.
وأشاد الدكتور أيمن عاشور بإطلاق البرنامج التدريبي بقصر العيني، والذي يُعد نموذجًا ناجحًا للتكامل الأكاديمي الدولي، ورافدًا مهمًا لتطوير منظومة التعليم الطبي، موضحًا أن هذه المساعي تهدف إلى تعزيز الرؤية الوطنية لتحديث التعليم العالي والبحث العلمي، من خلال دعم الجامعات للتحول نحو الجيل الخامس، وتعزيز قدراتها في الابتكار والتنافسية.
ولفت الوزير إلى أن ما نشهده اليوم يعكس بوضوح حجم التطور الذي تشهده مستشفيات قصر العيني، سواء على مستوى البنية التحتية الحديثة، أو إدخال التقنيات الذكية، وعلى رأسها الروبوت الجراحي الذي يمثل نقلة في الخدمات العلاجية ويجسد تقدم مصر في تطبيقات الطب الحديث، بالإضافة إلى ابتكار حلقات مطاطية استخدمت لعلاج السمنة، وهو تطور واعد في مجال الجراحة، مشيرًا إلى أن كلية الطب بجامعة القاهرة، تخرج منها العديد من الأطباء الأكفاء الذين حملوا لواء رسالة الطب في مصر وخارجها، كما تقدم مستشفياتها الخدمات الطبية والعلاجية لملايين المرضى سنويًا.
وسلط الوزير الضوء على عدد من الإنجازات البارزة التي يحققها القطاع الطبي في الجامعات المصرية، وتسهم في ترسيخ مكانة مصر على خريطة التعليم العالي عالميًا، ففي تصنيف "شنغهاي" الدولي، تم إدراج 13 جامعة مصرية في مجال علوم الصيدلة، وجاءت في مقدمتها جامعة القاهرة ضمن الفئة من 151 إلى 200 عالميًا، وفي تصنيف التايمز البريطاني لعام 2025، تم إدراج 23 جامعة مصرية في مجالي الطب والصحة العامة، وجاءت جامعة القاهرة ضمن الفئة من 201 إلى 400 عالميًا، كما تم تصنيف 6 جامعات مصرية ضمن أفضل 500 جامعة على مستوى العالم في القطاع الطبي وفقًا لتصنيف QS لعام 2024، وقد تصدرت جامعة القاهرة هذا الإنجاز بحصولها على المرتبة 179 عالميا، وهو ما يعكس ريادتها التاريخية ودورها المحوري في دعم منظومة التعليم والبحث الطبي في مصر والمنطقة.
كما سلط الوزير الضوء على أحد أبرز إنجازات البحث العلمي في مصر، وهو ما تحقق في القطاع الطبي، الذي يعد من أكثر القطاعات الحيوية تأثيرًا على المستوى العالمي، فبحسب قاعدة بيانات "سيفال"، بلغ إسهام القطاع الطبي في مصر نسبة 23.4% من إجمالي النشر العلمي خلال الفترة من 2021 إلى 2024، ليحتل بذلك الصدارة بين مختلف التخصصات العلمية، وهو ما يعكس التقدم الكبير في البحث الطبي، والتعليم الصحي، وخدمة المجتمع، وقد كان لكلية الطب بجامعة القاهرة دورًا بارزًا في هذا الإنجاز، حيث ساهمت الكلية بنحو 9000 بحثًا علميًا خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وفي ختام كلمته، أعرب الدكتور أيمن عاشور عن تمنياته بنجاح المؤتمر، وأن يحظى بمشاركة فاعلة في جلساته العلمية، وتبادل المعارف والخبرات والانخراط في حوار بناء يؤدي إلى حلول طبية مبتكرة تعزّز من قدراتنا الوطنية، وتسهم في تحقيق السيادة الصحية وبناء منظومة طبية أكثر تقدمًا.
ومن جانبه، أشار الدكتور محمد سامي عبدالصادق رئيس جامعة القاهرة، إلى تاريخ كلية طب قصر العيني كأعرق مستشفى جامعي ودوره منذ نشأته، وأكد أن الجامعة تراعي في خطتها تحقيق أهداف الدولة المصرية في التنمية المستدامة ودعم الابتكار والبحث العلمي، ومواكبة ما يشهده العالم من تطورات، مثمنًا دعم الدولة والرئيس عبدالفتاح السيسي، واستثمارها في بناء الإنسان المصري، لافتًا إلى أن هذا المؤتمر يعكس إيمان الجامعة بدور الابتكار في تطوير القطاع الطبي، ونراهن على شباب وعقول قصر العيني وإرادتهم وقدرتهم على ربط العلم بالتطبيق، انطلاقًا من إرث جامعة القاهرة الكبير كجسر بين الماضي العريق والمستقبل، مشيرًا لتطلعه لأن تخدم توصيات المؤتمر أهداف التنمية المستدامة للدولة المصرية.
واستعرض رئيس الجامعة خطوات الجامعة لدعم الابتكار، بتأسيس شركة لدعم الابتكار كأول شركة من هذا النوع، وقد تقدم لها 135 فكرة متميزة تقدمت لها بما في ذلك كلية الطب، وكذلك التعاون مع قطاع الصناعة والأعمال لتحويلها لابتكارات تطبيقية، إيمانًا بدعم البحث التطبيقي، وكذلك إصدار سياسة جامعة القاهرة للملكية الفكرية، وإنشاء مكتب حماية حقوق الملكية الفكرية، وإطلاق استراتيجية جامعة القاهرة للذكاء الاصطناعي، لتحفيز الابتكار وريادة الأعمال في مجال الذكاء الاصطناعي، فضلًا عن دعم تدريب أعضاء هيئة التدريس على الذكاء الاصطناعي، والمجالات البحثية التطبيقية، وتوسيع مشاركة الجامعة في خدمة المجتمع من خلال العديد من المشروعات عبر مبادرة "تحالف وتنمية".
وأوضح الدكتور حسام صلاح عميد كلية الطب ورئيس مجلس إدارة المستشفيات ورئيس المؤتمر، أن قصر العيني ليس مجرد بناءً بل مؤسسة طبية عريقة تقدم خدماتها العلاجية على مر الزمان، مشيرًا إلى أن الجامعة تدعم مجالات البحث العلمي والمشروعات الابتكارية التي تعتمد على التكنولوجيات الحديثة، لتمكين الطلاب من امتلاك مجموعة من المهارات والمعارف والخبرات الأكثر ارتباطًا بالابتكار، مستعرضًا التحديات التي تواجه حوكمة التعليم الطبي، كما استعرض أبرز الشراكات مع الجامعات الدولية المرموقة وتقديم برامج دراسية حديثة وإنشاء مسار طبي باللغة الفرنسية يبدأ بداية من العام الدراسي القادم 2025/2026، لتعزيز دور مصر الريادي في القارة الإفريقية، كما استعرض التجهيزات ورفع كفاءة مستشفيات جامعة القاهرة لتحسين الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين، وكذلك استعرض الإنجازات العلمية التي حققتها الكلية خلال الفترة الماضية، وأبرز الأنشطة التدريبية للطلاب والباحثين لرفع مهاراتهم، وتعديل اللوائح الدراسية لمواكبة التطورات الحديثة في مجال الطب.
تجدر الإشارة إلى أن المؤتمر العلمي السنوي لكلية طب قصر العيني، يمثل منصة تفاعلية لبحث التحديات واستكشاف الفرص في بناء منظومة طبية حديثة قائمة على البحث العلمي والتطوير، ويشارك في المؤتمر نخبة من الأساتذة والأطباء والخبراء المحليين والدوليين، بهدف تبادل الرؤى والمقترحات حول مستقبل الطب وتطوراته، واستعراض أحدث الاتجاهات العلمية والتقنية.
ويهدف المؤتمر إلى تعزيز البحث التطبيقي، وتسليط الضوء على التكامل بين المعرفة الأكاديمية والابتكار التقني، بما يسهم في دعم إنتاج الأدوية والأجهزة الطبية محليًا وتحقيق الاكتفاء الذاتي في القطاع الصحي، ومناقشة الابتكار في التعليم والتدريب الطبي، وتطوير الرعاية الصحية من خلال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وتعزيز ريادة الأعمال والابتكار في الطب، والصحة العامة والمشاركة المجتمعية في عصر الابتكار.
كما شهد المؤتمر عقد عدة ورش تحضيرية على هامش فعالياته، تناولت أحدث تقنيات التصوير الطبي، والابتكار في جراحات المناظير والروبوت، والممارسات الحديثة في إدارة العدوى، والتعليم الطبي، ودعم البحث العلمي، إضافة إلى التدخلات الدقيقة في تخصصات طب الأعصاب، والأطفال، والطوارئ، والصحة العامة.
وعلى هامش المؤتمر، تم تكريم نخبة من الأساتذة والخبراء بكلية الطب جامعة القاهرة، لإسهاماتهم العلمية البارزة.