تُواجِه مُجتمعاتنا العربيَّة حربًا شعواء على شبابها للإطاحة بأخلاقيَّاتهم والنَّأي بهم عن جادَّة الصواب والطريق المستقيم.. نرى ذلك جليًّا في أساليب الغزو الفكري لطمس الهُوِيَّة الأصيلة التي تتَّبعها وسائل الإعلام والاتِّصالات المختلفة عَبْرَ مُسمَّى العولمة والتشجيع على التطوُّر والتحضُّر والتي تهدف في النهاية لإلهاء أفراد المُجتمع، وإبعاد الشَّباب عن قِيَمهم النبيلة وأخلاقيَّاتهم الكريمة ولغُتهم الجميلة.


ومؤخرًا ناقشت جامعة السُّلطان قابوس ـ ممثَّلةً بقِسم عِلم الاجتماع في كُلِّيَّة الآداب والعلوم الاجتماعيَّة ـ رسالة ماجستير للطالبة وطفة بنت مسعود بن راشد الفارسيَّة، بعنوان «القِيَم الاجتماعيَّة المؤثِّرة في الشخصيَّة العُمانيَّة: دراسة سوسيولوجيَّة مطبّقة على سكَّان محافظة مسقط».. هدفت من خلالها الباحثة لمعرفة القِيَم الاجتماعيَّة المؤثرة في الشخصيَّة العُمانيَّة وتحديد مصادرها وفق منهج وصفي تحليلي عِلمي.. وتوصَّلت الدراسة لعدَّة نتائج أهمُّها أنَّ «أكثر القِيَم الاجتماعيَّة أهمِّية وتأثيرًا في الشخصيَّة العُمانيَّة كما يراها المشاركون الـ36 في الدراسة هي الكرم والتسامح والاحترام والسَّلام والتعاون، وأنَّ تأثير القِيَم الاجتماعيَّة في الشخصيَّة العُمانيَّة يختلف باختلاف نوع البيئة (بدويَّة، حضريَّة، قرويَّة)، إلى جانب أنَّ الأُسرة والدِّين يُمثِّلان أهمَّ مصادر القِيَم الاجتماعيَّة المؤثِّرة في الشخصيَّة العُمانيَّة».. ثم قدَّمت الدراسة مقترحات مِنْها «دعم المناهج الدراسيَّة في المراحل التعليميَّة المختلفة بالقِيَم الاجتماعيَّة في المُجتمع العُماني، إلى جانب القِيَم المراد تحقيقها في رؤية عُمان 2040؛ مِنْها: المسؤوليَّة والتفاهم والتعايش والسَّلام، بالإضافة إلى تجديد الخِطابَيْنِ الدِّيني والإعلامي المُعزِّزين للقِيَم الاجتماعيَّة بلغة تناسب اهتمامات فئة الشَّباب وتوظيف دراسات القِيَم في فهم اتِّجاهات أفراد المُجتمع نَحْوَ موضوعات متنوِّعة، وإيجاد الحلول للمشكلات الاجتماعيَّة».
إنَّ هذه الدراسة ثمينة ومهمَّة للغاية، ومن الجهود الحميدة التي يجِبُ دعمها، والعمل على الإكثار مِنْها؛ كونها تقوم بتشريح المُجتمع العُماني اجتماعيًّا وتبثُّ الوعي بقِيمة الأخلاق وأهمِّية التمسُّك بالقِيَم الأصيلة، وهو ما نحتاجه في عصرنا الحديث.. فقَدِ اشتهر أهْل عُمان الطيبون عَبْرَ العصور بدماثة الأخلاق والسَّماحة والتواضع وكرم الضيافة وحُسن الاستقبال والشجاعة، وإغاثة الملهوف، وتوارثت الأجيال هذه الصفات الكريمة حتى وصلت إلى الجيل الحالي الذي نتمنَّى أن يوصلَها للأجيال القادمة في ظلِّ الثورة التكنولوجيَّة التي يشهدها العالَم، وتعمل على طمس الهُوِيَّة المميَّزة لكُلِّ مُجتمع وأثَّرت بشكلٍ أو بآخر على المُجتمع العُماني فغيَّرت من طباعه وعاداته ولو بقدر ضئيل.
إنَّ دِيننا الحنيف أوَّل ما دعا إليه هو التمسُّك بالأخلاق الكريمة.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّما بعثت لأُتمِّمَ مكارم الأخلاق» وقَدْ أوضح لَنَا كيفيَّة التصرف في المواقف المختلفة والتخاطب مع الآخر، ومراعاة حُسن الخُلُق في التعامل، فحثَّ على الصِّدق والأمانة وحرم الكذب والخيانة والنفاق.. وهذه المبادئ السَّامية هي ما سار عليها الآباء والأجداد، ونتمنَّى أن يسيرَ عليها الأبناء.
لا شكَّ أنَّ الحفاظ على القِيَم والعادات والتقاليد الأصيلة أصبح صعبًا في عصرنا الحالي؛ نظرًا لِمَا يشهده العالَم من تطوُّر في وسائل الاتِّصال من فضائيَّات وإنترنت وخلافه، وهو ما جعل الكون قرية صغيرة تسقط الإبرة في أقصى يساره فيسمع صدى صوتها في أقصى يمينه. فالبثُّ المباشر للأحداث ألغى المسافات، وقرَّب الأفكار والتوجُّهات، وأصبح جميع مَن يعيش على البسيطة يتواصل بعضهم مع البعض، ويتعرف كُلٌّ مِنْهم على عادات الآخر وأفكاره، وبالتَّالي التأثر بها ومحاولة تقليدها بدعوى التطوُّر والتحدُّث والذي يكُونُ متعمّدًا في أحيان كثيرة من الطرف الآخر من أجْل تفريغ الشَّباب من محتواهم الأصيل، وجعلهم صورة مسخًا من الآخر بلا هُوِيَّة أو معالم واضحة.
إنَّ الغزو الفكري الاستعماري ومخطَّطات طمس الهُوِيَّة بما تبثُّه من مضامين إباحيَّة وأفكار مُنحرفة تضرب الانتماء للوطن في مقتل، حيث تهدف إلى إلهاء الشَّباب عن مسؤوليَّاتهم تجاه أوطانهم في التنمية والتعمير والبناء والرُّقي، ساعدهم في ذلك ما يشعر به معظم الشَّباب من فراغ إلى جانب غياب القدوة وضعف السُّلطة الأبويَّة في التربية، وهو ما يتطلب تكاتف جميع قوى المُجتمع من الأب والمدرسة ووسائل الإعلام وغيرها من أجْل توعية الأبناء بما يتعرضون له من تحدِّيات كَيْ يسيروا في الطريق الصحيح.
يجِبُ على شَبابنا اتِّخاذ العِبرة من الدوَل الغربيَّة التي تعيش عصر العولمة والحضارة المادِّيَّة والتي أدَّت بها إلى الشقاء والتعاسة، وانتشار الأمراض النفْسيَّة والخوف والجريمة رغم ارتفاع مستوى المعيشة.
لا شكَّ أنَّ القِيَم الدينيَّة الأصيلة تحمل في مجملها الأمن النَّفْسي والطمأنينة الروحيَّة. من هنا فإنَّ مُجتمعنا أحوج ما يكُونُ للرجوع إلى القِيَم الأصيلة والأخلاق الكريمة، فهي صمام الأمان لأيِّ مُجتمع؛ كونها تحفظه وتضْمن له الترابط، وتعمل على بقائه قويًّا متماسكًا. لذا يجِبُ على الشَّباب التمسُّك بقِيَمهم وعاداتهم وتقاليدهم الأصيلة، وعدم الانسياق وراء مخطَّطات فصله عن مُجتمعه ووطنه، واستغلال التقنيَّات الحديثة في نشْرِ القِيَم الصحيحة والأخلاق الحميدة العظيمة وبما يعود عليهم وعلى مُجتمعهم بالنفع والخير.

✱✱✱
عندما قامت النهضة المباركة لَمْ تَكُن تهدف إلى بناء نهضة شاملة بالبلاد فقط، بل عملت على بناء العُماني بناءً سليمًا فكرًا وتعليمًا وتدريبًا وتأهيلًا والنهوض به على كافَّة المستويات باعتباره صانع هذه النهضة.. لذلك سَعَتْ بلادنا لسدِّ احتياجاتها الفعليَّة الحاليَّة والمستقبليَّة من الكوادر الفنيَّة عالية التأهيل عن طريق تحسين كفاءة الخرِّيجين العلميَّة والعمليَّة، وإيمانًا من قيادتنا الحكيمة بأنَّ الثروة الحقيقيَّة للأُمم هي المواطن المؤهَّل المتعلِّم. لذا سارت العمليَّة التعليميَّة في سلطنة عُمان في طريقها بهدف تحقيق «درجة أكبر من التنسيق بَيْنَ مخرجات العمليَّة التعليميَّة وبَيْنَ احتياجات التنمية الوطنيَّة في مجالاتها ومستوياتها المختلفة».
ومنذ أن ظهرت نتيجة الدبلوم العامِّ، ووقع الاختيار على المبتعثين، لَمْ تألُ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار جهدًا من أجْل توعيتهم بما سيواجهونه خلال مدَّة ابتعاثهم؛ كونهم بمثابة سفراء للسَّلطنة في الخارج.. فنظَّمت الوزارة لقاءً تعريفيًّا ضمَّ الطلبة المقبولين في المِنح والبعثات الخارجيَّة للعام الجامعي 2023/2024م.. كذلك قامت وزارة الأوقاف والشؤون الدينيَّة ـ ممثَّلةً بدائرة التعليم والإرشاد النسوي بتنظيم لقاء تعريفي بعنوان «مسارات آمنة» يستهدف الطالبات الحاصلات على مقاعد دراسية في البعثات الخارجيَّة والداخليَّة لهذا العام.
إنَّ المبتعثين هم صورة الدولة المضيئة وعليهم أن يلتزموا بالإرشادات التي توضِّحها لهم الحكومة وبالقوانين والعادات والتقاليد في الدوَل الأخرى التي سيذهبون إليها حتى يكونوا خير سفراء لوطنهم الحبيب، ويكونوا صورة مُشرِّفة للعُماني الأصيل.

كُلُّ التوفيق لطلَّابنا في الخارج، ونتمنَّى لهم النَّجاح الباهر، وأن يعودوا للبلاد وهم متسلِّحون بالعِلم والخبرة التي تعود على الوطن بالخير العميم.

ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ة فی الشخصی ة الع مانی الم جتمع ة التی م جتمع فی الم

إقرأ أيضاً:

التواصل الاجتماعي

تؤثر برامج التواصل الاجتماعي عبر جميع المنصات تأثيرا مضاعفا وسريع المفعول على جميع أفراد المجتمع وعلى جميع الفئات العمرية وهذا التأثير لا يقتصر فقط على كل فرد وكل طفل وكل مراهق وكل زوج وكل زوجة وكل ابن وكل ابنة وكل أخ وأخت، إنه يؤثر على العلاقات بين أفراد الأسرة وأفراد المجتمع ككل وتشخيص كل ميزة أو عيب بدون دراسة حالة بمسميات مراضية والقناعة بأن هذا الفرد يعاني من مرض بناء على تشخيصات خاطئة سميت وتم ترسيخها في عقل المشاهد عبر منصات التواصل الاجتماعي على تشابه بعض الصفات الموجودة بالفعل في تشخيص وسمات الشخصية المراضية وبناء عليه يتم بكل سهولة ويسر تشخيص الزوجة لزوجها والزوج لزوجته تشخيصات وهمية تحت مسمى تأثيرات سلبية من خلال برامج التواصل الاجتماعي وتتسبب في هدم أسر بسبب عدم الفهم والتشخيص وأخذ ما يصوره العقل لما يعيشه الفرد من مشكلة في حياته لكي يريح ضميره ونفسه بأن التشخيص للشخص الآخر يعاني من مشكله نفسيه وأنه المذنب مثل تشخيص الأمراض وسمات الشخصية بناء على مثل الأمراض النرجسية والغرور والكبر وهذا ما يدور الآن في جميع منصات التواصل الاجتماعي كنوع سهل ووسيلة لإبرار الذمة من التخلي عن الواجبات والمسؤوليات المنسوبة للزوجة من خلال مسؤوليتها والزوج تجاه أسرته ومسؤولياته والأبناء تجاه الوالدين بفهم وتوصيل عقوق الوالدين مثل عقوق الآباء وبعض المسميات الأخرى التي لا حصر لها التي لا تمس الدين ولا الشرع ولا التربية كعلاقات للتخلي عن المسؤوليات والهروب من الانضباط السلوكي والمعرفي لكل فرد بالقيام بالمسؤوليات والواجبات المنسوبة إليه وهنا يلزم الأمر التنبيه والتوعية الإلزامية من قبل جميع الجهات المختصة المعنية بخطورة سلاح التواصل الاجتماعي والبرامج التي تلعب أدوار الأطباء النفسيين بتحليل الشخصيات تحليلا خاطئا غير مبني على أسس ودراسة حالة بجميع التفاصيل على الحد وأنها تعتبر سلاحا لتخريب وتفكك المجتمعات بما ينتج عنه الاستغناء عن الرجل ومفاتيح مباشرة للانحلال للفطرة ومخالفتها وهي تعتبر مما ينتج عنه ارتفاعا بنسبة الشذوذ ومخالفة الفطرة مع توصيل شعور الأفراد بطرق غير مباشرة بأنهم في دور الضحية من قبل المسؤولين عنهم لو كان رب أسرة أو قوانين وتشريعات دولة وهنا دور البرامج في التواصل الاجتماعي دور قوي وفعال في توصيل المعلومة بأنه ضحية مما يسمح ويتيح لمن يعاني من أي ضبط أو رعاية بالتمرد وعدم قبول التشريعات والقوانين لإنجاحهم بتفعيل دور الضحية للفرد وهذا التأثير ينتج عنه مخالفة الفطرة لكل شخص والتخلي عن المسؤوليات والواجبات المنسوبة إليه والشعور بعدم العدالة الاجتماعية والحرية الاجتماعية مما ينتج ويوصل الفرد إلى انحلال الفطرة والاجتهاد لكل فرد بدوره الحقيقي داخل المجتمع والتركيز على السلبيات وعدم تحفيز الإيجابيات بهدف عدم التقدم الاجتماعي ويهدم الوصول إلى الارتقاء بالمجتمع وعدم الارتقاء للحصول على التنمية الاجتماعية الشاملة المستدامة من خلال الاستقطاب والانقسام والإنتاجية والتركيز فى الأرتقاء والتقدم وتشويه الصورة الذاتية ونشر الأخبار والتحليلات الكاذبة والتأثيرات السلبية على الصحة النفسية يجب الاستخدام الأمثل لهذه البرامج بحذر ووعي شديد لتجنب المخاطر السلبية المباشرة وغير المباشرة لبرامج التواصل الاجتماعي.

قطر د. رحاب سليمان التواصل الاجتماعي

مقالات مشابهة

  • افتتاح سد وادي أنعار في صلالة بتكلفة 23 مليون ريال عُماني
  • تحقيق: البصل العُماني لا يجد من يشتريه!
  • طبيب عُماني يُجري عملية جراحية نادرة
  • استثمار رأس المال البشري.. البنك المركزي العُماني أنموذجًا
  • محمد صلاح يكشف طبيعة علاقته بـ ساديو ماني:«علاقتنا كانت متوترة.. لم نكن قريبين خارج الملعب»
  • خبير استراتيجي: الضربات اليمنية دفعت ترامب لطلب الوساطة العمانية
  • سعي حثيث لصون التراث العُماني وتعزيز الثقافة المتحفية
  • محمد صلاح يكشف كواليس علاقته المتوترة مع ساديو ماني
  • التواصل الاجتماعي
  • صافي أرباح أوكيو للاستكشاف والإنتاج يتجاوز 74 مليون ريال عُماني