ملخص
لم تترك الصفوة السودانية جنباً من خطاب الفريق الركن عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة، في الـ17 من فبراير الجاري، “يرقد عليه” كما نقول عمن تكاثر عليه الطعان. لكنهم أضربوا عن الفقرة التي تحدث فيها عن الحاجة إلى البحث العلمي لمعرفة مشاكل السودان، البحث الذي هو الذي هو اختصاصهم دون غيرهم، إضراباً.


نعرض في الجزء الثاني من المقال لبيان المؤتمر الوطني الذي صدر في أعقاب كلمة الفريق ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة، في 17 فبراير الماضي ولمشروع الحكومة الأخرى في مناطق سيطرة الدعم السريع كحالتين دالتين على عقم الصفوة المدنية عن انتاج السياسة كما عرفناها هنا.

صدر في أعقاب بيان البرهان من جهة أخرى بيان من المؤتمر الوطني هو ممارسة سياسية عادية خلا هو أيضاً من عادة إنتاج المعرفة. فبدا مهجوساً بأمرين. أما الأمر الأول فهو تأكيد موقفه من أن تقرير مصير الشعب استحقاق للشعب “وأنه لا صلاحية لحزب واحد، أو حتى كل الأحزاب، أو أي جهة أخرى أن تقرر لوحدها في أمره”، وهذا بمثابة لفت نظر للبرهان الذي قسى على المؤتمر الوطني في خطابه لحفاوته بوثيقة “المشروع الوطني” وتمييزها كالأصل الذي سيغتني بآراء الآخرين. أما الهاجس الثاني فهو شبح الاستثناء من العملية السياسية الذي طارده طويلاً.

وبدا من بيان المؤتمر الوطني أنه يقدم رجلاً ويؤخر أخرى من دون التصالح مع حقيقة أنه ممن خلعته ثورة، أو بأي اسم كما قال البيان، عن حكم دام لثلاثة عقود طوال. فقال المؤتمر في البيان أنه قرر فتح الحوار بصورة موسعة حول خريطة طريق للوطن “داخل حزبنا ومع كل الأحزاب والرأي العام السوداني”، بل إنهم “أنجزوا مراجعات مهمة وعميقة لتجربتنا في الحكم وقفنا فيها على إيجابياتها وسلبياتها بكل موضوعية وشجاعة وجرأة وجارٍ الآن تحريرها وسيتم تداولها مع كل عضويتنا ونشارك الآخرين والرأي العام” طلباً ليهديهم الناس عيوبهم. ولكن ما عتم أن بان تمنع المؤتمر الوطني على هذا النقد الذاتي. فذكروا “حوار الوثبة” مع طوائف من القوى السياسية (2015) كسابقة ذكية لهم في إدارة الحوارات مع الآخر بشرف. وربما لم يجد الإسلاميون كثيراً من بين السودانيين من يشاركهم رأيهم الحسن في ذلك الحوار، وخلافاً لذلك سيجدون إجماعاً ربما على أنه كان الطريق القصير للخدعة السياسية.

من جهة أخرى وجد الإسلاميون في فشل الحكومة الانتقالية التي جاءت بعد الإطاحة بهم عاذرة لهم من أخذ أنفسهم بالشدة في طريق النفس اللوامة، وهي حال غراء من إنتاج المعرفة. فما طرأ لهم وجوب نقد أنفسهم ذاتياً حتى وجدوا في تهافت الحكومة الانتقالية ذريعة للقول إنهم كانوا الأفضل بالمقارنة. فقالوا إنهم قبلوا بعد إزاحتهم عن الحكم بعد الثورة بالقيام بدور “المعارضة المساندة”، ولكن كانت الانتقالية اختطافاً كاملاً للوطن بواسطة الأجانب وتشاكس بين أطرافها على “كيكة السلطة”. وعمدت إلى “فرض قوانين وتشريعات ودستور ومناهج تعليم ومنظومة قيم اجتماعية وثقافية دخيلة على موروثنا”. وجرؤت على تفكيك مؤسسات الدولة السودانية الدفاعية والأمنية والعدلية والخدمية تحت دعاوى تفكيك التمكين”، ولما حاق بها الفشل من كل جهة لجأت إلى الاتفاق الإطاري وهددت إما بالقبول به أو الحرب.
فإذا كان هذا ديدن الإسلاميين حيال ارتكابهم الحكم في غير ما موعد ولا شرعية فسيطول بهم الزمن من دون أخذ فشل تجربتهم في الحكم باستقلال عن فشل الحكومة الانتقالية. ففشل الأخيرة لا نفاد له. وهذه ممارسة للسياسة كما قال فوزي بشرى لا إنتاجاً للسياسة يجدد بها الإسلاميون الدم في عروقهم وعروق الوطن معاً.

أما حال صفوة الفكر التي تقاطرت على نيروبي خلال الأسبوع الماضي لتكوين حكومة في المناطق الواقعة تحت السيطرة فهي من عادة السياسة عندنا منذ عقود. وهي العادة التي يعرض المثقف، سود الصحائف، خدماته لمسلح، بيض الصفائح، بلا قيد أو شرط. وعرضهم هذه المرة “مبالغة” كما يقول السودانيون لأنهم يأتون بحكومة لحركة كـ”الدعم السريع” هي نقيض الحكومة كما رأينا منها لعامين خلال الحرب.

فتجد رموز هذه الحكومة الموعودة يلجون حول طبيعة علاقتهم مع “الدعم السريع”. فلا يفهم المرء من وزير العدل في الحكومة الانتقالية الدكتور نصر الدين عبدالباري إن كانت جماعة نيروبي بصدد تكوين حكومة تمثل قوى عسكرية تخوض حرباً ضروساً أو إنها منظمة إغاثة ملحقة بهذه القوة. فقال عبدالباري إن الفكرة من وراء تكوين الحكومة ليست خوض الحرب التي لا يملكون عدتها. فعلاقتهم مع “الدعم السريع”، في قوله، مبنية على “التعاون من منطلق المسؤولية الأخلاقية والوطنية من أجل توفير الخدمات للمواطنين (في مناطق سيطرة “الدعم السريع”) وتمثيل مصالحهم وتنظيم شؤونهم في كل جهد لإيقاف الحرب”. وزاد بقوله إنه غير مشغول بسؤال شرعية حكومتهم المقبلة لأن صون كرامة الإنسان فوق الاعتبارات السياسية.
لكن للدكتور النور حمد، مؤلف كتاب “العقل الرعوي”، خطة للحكومة المرتقبة أكثر طموحاً. فالحكومة عنده هي إرادة ما بقي من القوى المدنية التي انهارت دعائمها والتي لا تزال تحمل لواء ثورة ديسمبر عام 2018. فهي ليست حكومة “الدعم السريع” وكل ما حدث أنها قامت في أرض تحتلها “الدعم السريع” التي هي القوة الوحيدة التي وقفت بوجه الفلول، الإسلاميين، لتقتلع أراضي السودان منهم. فالحكومة المنتظرة طرف في حلف عسكري مدني لاستعادة السودان من الفلول لا بالهتاف ومن منصات المهاجر.

وصدر النور في هذا عن سوء الظن في القوى المدنية الممثلة في تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية “تقدم”. فتغير المسرح، في قول النور، فلا مجال للحديث عن سلمية الثورة بل لا بد من شق طريق آخر يخرج فيه المدني الذي بلا شوكة ليتحد مع قوة عسكرية كما يفعل الجيش والفلول بينما تضرب الفرقة الجماعات المضادة لهم. وانتهى في توصيف علاقتهم مع “الدعم السريع” بمقاربة مع “الحركة الشعبية لتحرير السودان” و”الجيش الشعبي لتحرير السودان” بقيادة العقيد جون قرنق في أوائل الثمانينيات. وهي مقاربة توثق عراهم مع ذلك بـ”الدعم السريع” بغير ما أراد النور ربما. فلم تكُن الحركة الشعبية شئياً آخر غير الجيش الشعبي إلا من ناحية الوظائف تحت قيادة سياسية واحدة، بل تحت العقيد قرنق أبداً.
ولا يتفاءل المرء بأن يكون للحكومة المرتقبة للصفوة تأثير حسن في “الدعم السريع” من جهة التزام قانون الحرب الإنساني. فالنور يعترف بارتكاب “الدعم السريع” لتجاوزات في حربه ضد القوات المسلحة وهي عنده موجبة للمساءلة. وبينما يصعب الدفاع، في قوله، عن “الدعم السريع” إلا أن من صحت مؤاخذته حقاً فالقوات المسلحة التي أشعلت الحرب. فالأولى تحميل وزر التعديات لمن أشعل الحرب بدلاً من التمسك بتفاصيل التعديات التي لا سيطرة لمرتكبها عليها. فالحرب تخلق أوضاعاً ينهار فيها القانون وتلغي دولة و”من غلب سلب”. وبدا النور كمن يقول “لا تحلموا بعالم سعيد”. فالحرب على علاتها محكومة بأعراف لا يبدو أن حكومة “الدعم السريع” تهيأت للالتزام بها في دولتها.

لطلاق الفكر عن السياسة تاريخ طويل ينظر في ظرف آخر. ولكن دعوة البرهان إلى “احتواء الأزمة بالبحث” في عبارة سديدة للدكتور آدم الزين لافتة بوجهين، صدورها أولاً من عسكري في خضم حرب ضروس وتجاهل الصفوة لها كأنها لا تعنيهم.

عبد الله علي إبراهيم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الحکومة الانتقالیة المؤتمر الوطنی الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

الحكومة تصدر حزمة من القرارات الجديدة خلال جلستها الأسبوعية

أصدرت الحكومة الفلسطينية، اليوم الثلاثاء 17 يونيو 2025، حزمة من القرارات الجديدة خلال جلستها الأسبوعية في مقر رئاسة الوزراء بمدينة رام الله .

وقال رئيس الوزراء محمد مصطفى إنه "في ظل الظروف الاستثنائية والتحديات المتصاعدة التي تمر بها منطقتنا، فقد أعدت الحكومة خطط طوارئ، وشكلت خلية عمل وزارية مركزية لدعم لجان الطوارئ في المحافظات، من أجل ضمان التحرك العاجل والاستجابة السريعة للتعامل مع الأزمة الحالية، مع التأكيد على ضمان وجود مخزون احتياطي من السلع الأساسية يكفي من 3-6 أشهر حسب السلعة".

وشدد رئيس الوزراء في مستهل الجلسة، على أن الاهتمام الأول ينصبّ على الحفاظ على سلامة أبناء شعبنا ودعم صمودهم وتوفير احتياجاتهم، وعليه تستمر المؤسسات الحكومية في العمل على ضمان توفير الخدمات الأساسية للمواطنين في محافظات الضفة الغربية في ضوء الإغلاقات وعدم تحويل أموال المقاصة وتراكم عملة الشيقل.

وأضاف رئيس الوزراء: "عقولنا وقلوبنا مشدودة أيضا لما يجري في قطاع غزة من جوع ونقص في المأوى والخدمات، لقد أفزعتنا التقارير التي كشفت الدمار الشامل في مناطق معينة من القطاع خصوصا (رفح، جباليا، بيت لاهيا، بيت حانون، شرق مدينة غزة، ضواحي خان يونس) وغيرها".

وتابع مصطفى: لقد أصبح جليا لكل من يريد أن يرى ويسمع، أنه لا حل لمشاكل المنطقة إلا بإحقاق الحق الفلسطيني، وقد مثل المؤتمر الدولي للسلام والذي كان من المخطط له أن ينعقد في نيويورك هذا اليوم بالنسبة لنا، المدخل المناسب لإحقاق السلام وتجسيد الدولة الفلسطينية.

وأشار رئيس الوزراء إلى أنه وبتوجيهات من الرئيس، فإن الجهود والاتصالات مستمرة مع الشركاء الدوليين لضمان استئناف أعمال المؤتمر في أقرب وقت ممكن، والتصميم على أن لا يصبح المؤتمر الدولي ضحية من ضحايا هذه الحرب كما يريد له البعض.

وأكد مصطفى على المضي قدما بتنفيذ توجيهات الرئيس لتعزيز التحركات السياسية والدبلوماسية، للضغط باتجاه وقف العدوان، واسترداد حقوق شعبنا السياسية والمالية.

وبحث مجلس الوزراء تطورات الأوضاع الميدانية، ومن بينها معالجة ملف الإيواء للعائلات النازحة في مخيمات شمال الضفة، في ضوء توفير مخصص 2 مليون دولار لاستكمال تنفيذ مشاريع إنشاء مراكز الإيواء المؤقت في محافظتي طولكرم وجنين.

كما حث المجلس أبناء شعبنا على الالتزام بتعليمات جهات الاختصاص للحذر وتجنب التجمهر وإقامة التجمعات الكبيرة، ومنع الاكتظاظ في الأسواق ومحطات الوقود، والتعامل بمسؤولية مع المخاطر القائمة.

وناقش مجلس الوزراء تحضيرات وزارة التربية والتعليم العالي لعقد امتحان الثانوية العامة في موعده السبت المقبل، لحوالي 52 ألف طالب وطالبة موزعين على حوالي 512 قاعة، وبما يشمل حوالي ألفي طالب خارج الوطن موزعين على 37 دولة، بالتزامن مع العمل على معالجة الوضع الخاص لطلبة القدس وقطاع غزة.

كما اعتمد المجلس توصيات اللجنة الإدارية الوزارية الدائمة والخاصة بالمصادقة على الهيكل التنظيمي وبطاقات الوصف الوظيفي لوزارة العدل، والمصادقة على عدد من بطاقات الوصف الوظيفي للدوائر الحكومية في وزارة الزراعة، وسلطة جودة البيئة والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.

إلى ذلك، ناقش مجلس الوزراء بالعرض الأول، الخطة الوطنية لكفاءة الطاقة في فلسطين للفترة (2025-2030) بما تتضمنه من استبدال إنارة بعض المواقع بأنظمة موفرة، والعزل الحراري في المباني العامة، وغيرها من الإجراءات التي من شأنها تخفيض استهلاك الطاقة بحوالي 8%، وتوفير 120 مليون دولار سنويًا. وفي السياق ذاته، وجه المجلس سلطة الطاقة بالتشاور مع مختلف المؤسسات ذات العلاقة والقطاع الخاص لتعزيز التشاركية في إخراج الخطة والتعاون المشترك في تنفيذها.

ووافق المجلس على تحديث وتطوير الأنظمة والبرامج المحوسبة القائمة الخاصة بدائرة مياه الضفة الغربية، وكَلف سلطة المياه بالإشراف على تنفيذ مشروع الحل الطارئ للتخلص من مشكلة ربو المنشآت الصناعية في الخليل وسرعة تنفيذه.

كما ناقش بالقراءة الأولى مشروع تعديل نظام ترخيص حفر وتأهيل الآبار واستخراج المياه الجوفية.

وفي سياق آخر، اطلع المجلس على إحاطة وزارة الزراعة الخاصة بشراء سلالات أغنام محسنة بهدف تحسين وتطوير السلالات المحلية، وذلك انسجاما مع مبادرة تعزيز الزراعة المستدامة في فلسطين والتي تتضمن محورا مركزيا مرتبطا بتعزيز الثروة الحيوانية.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين لا حل إلا الدخول غير المشروط للمساعدات - قطر تتحدث بشأن مفاوضات غزة الصحة تنشر أحدث حصيلة لعدد شهداء غزة هكذا عقبت الفصائل على المجزرة الإسرائيلية في خان يونس اليوم الأكثر قراءة نتنياهو: هناك تقدّم في مفاوضات الأسرى 5 دول تقرر فرض عقوبات على بن غفير وسموتريتش خروج مستشفى الأمل في خانيونس عن الخدمة استشهاد شقيقان برصاص الجيش الإسرائيلي في نابلس عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • الحكومة اليمنية توجه بالبدء في مسح ميداني لبرنامج “مساندة” النقدي
  • السودان يطالب بتصنيف «الدعم السريع» كمنظمة إرهابية ويعلن إفشال هجوم كبير في كردفان
  • الحكومة السودانية تدعو المجتمع الدولي إلى تصنيف "الدعم السريع" ميليشيا إرهابية
  • وسط مخاوف واحتياطات.. عمال الأقاليم يشرعون في تنزيل التوجيهات الملكية لإعادة تكوين القطيع الوطني
  • وصول دفعة جديدة تضم 678 من الفارين من قوات الدعم السريع بمنطقة المثلث
  • الحكومة تصدر حزمة من القرارات الجديدة خلال جلستها الأسبوعية
  • حكومة أخنوش تعلن استفادة 3.9 مليون أسرة من الدعم الإجتماعي
  • الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم
  • قتلى وجرحى في غارة بمسيّرة للدعم السريع على الفاشر
  • الحكومة الكينية تنفي تورطها في تسليح الدعم السريع