تأملات في قرار منع ذبح أضحية عيد الأضحى بالمغرب
تاريخ النشر: 27th, February 2025 GMT
بقلم : محمد سيعلي / صحافي
وجدتُ في قرار الملك محمد السادس، الذي أصدره بصفته الدينية، بعدم ذبح أضحية عيد الأضحى لهذا العام عناصر تستحق التأمل، وضمنها ما تناولناهُ كطلبة في كليات الحقوق المغربية في مادتي “تاريخ الأفكار والوقائع الاجتماعية” و”تاريخ الفكر السياسي”. وهذه العناصر هي: القربان، تقسيم العمل، وإمارة المؤمنين، وسأخلص إلى التأمل النقدي لهذه العناصر.
1 – القربان:
الدين ظاهرة بشرية تراكمية صاحبت الإنسان منذ القدم، وفي نظري، لم يستطع أي دين وضع القطيعة مع الأديان التي سبقته، وبشكل عام يتأسس الدين على الإيمان بوجود قوى ميتافيزيقية جبارة وقدرتها أعلى من قدرة الإنسان، وينال هذا الأخير وِدّها بالطاعة والصلاة والقرابين، التي قد تصل إلى التضحية بالبشر.
الإسلام لم يستطع تجاوز الوثنية إلى دين روحاني خالص، وهذا الأمر يتضح في ارتباط المسلم بأماكن ومعالم وشعائر مادية، مركزية الكعبة والطواف حولها ورجم مجسم الشيطان أو قوى الشر كلها ترسبات موروثة عن معتقدات سابقة، وضمن ذلك ذبح الأضاحي وتقديم القرابين إلى القوى الميتافيزيقية. لكل قربان قصته، وفي الإسلام تمثل الأضحية حالة تذكير للانتقال من التضحية بالإنسان إلى التضحية بالحيوان.
2 – تقسيم العمل:
الإنسان البدائي كان يعيش على الالتقاط والصيد العرَضي، قبل أن يطور استراتيجيات الزراعة وتربية الحيوانات وصقل أسلحته ونسج ودباغة كسائه، ولاحقًا ظهرت المقايضة كأساس أولي للنشاط التجاري، وآنذاك كان كل فرد على حدة قادرًا على القيام بجميع المهام اللازمة للبقاء، لكن مع تزايد تعقيدات المجتمعات البشرية وبروز حاجات جديدة، صار من الصعب على الأفراد تلبيتها كلها بأنفسهم، فبدأت تظهر التخصصات المختلفة.
ومن بين التخصصات التي نشأت في إطار تقسيم العمل: حرفة الجزارة، فبينما كان يقوم المتخصصون بصقل أسلحة الصيد، كان هناك آخرون متخصصون في الصيد ومقايضة المزيد من الأسلحة بالطرائد التي يتم اصطيادها، وخلال زمن الاستقرار وتربية الحيوانات، بعد العصر الحجري، ظهرت مهنة الجزارة، ففي مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين كان هناك جزارون يذبحون الحيوانات ويقومون بتحضير اللحوم للبيع في الأسواق.
3 – إمارة المؤمنين:
الكائن البشري يعيش في جماعات، وقد لازمت السلطة المجتمع الإنساني منذ حالة الطبيعة، كما هو الحال عند غيره من الحيوانات والحشرات التي تعيش في جماعات، لكن تطورت الشرعيات التي تستند إليها السلطة لتحوز الطاعة والإعتراف، من القوة المادية مرورًا بالتفويض الغيبي (البرهان الشرعي، في الإسلام) إلى البرهان العقلي، وفي حالات معينة قد تجتمع بعض أو كل هذه الاعتبارات.
فأمير المؤمنين هو، بالنسبة للمتدينين المسلمين، ممثل الله على الأرض ووليُه على المؤمنين، وقد ساوى القرآن بين طاعة الله وطاعة الأمير (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ – الآية 59 من سورة النساء)، ويستطيع أن يستنبط الأحكام ويباشر التطبيق السليم للدين لجلب المصلحة ودرء المفسدة.
4 – التأمل النقدي:
لا تتطور المجتمعات البشرية وأنساقها الثقافية بنفس الوتيرة، ولا يتطور التمثُل البشري للوجود بالقطائع بل بالتراكم، ولم يقطع الإنسان بعد مع ذكرياته الميتافيزيقية البدائية، إذ أن مؤسسة القربان، مثلاً، بقيت حية قادرة على تعطيل التطور الذي حصل في مجال تقسيم العمل، ولو لمرة واحدة في السنة، كما لم يتم كذلك استكمال فك السلطة الزمنية عن السلطة الدينية. ربما من زاوية السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو يظهر مجتمعنا المغربي كمسرحية كبرى، تجمع بين شخصيات تلبس جلد الحيوانات و أُخرى تتسربل بالمخيط و بالحليّ الأكثر إبداعاً، شخصيات تقف على عتبة مذبح حجري للقذف بالأكباش قرابين إلى جبابرة الغيب بحثا عن الخلود والثواب الأبدي، وأخرى مقبلة على مباهج الدنيا في حياة محدودة بلا أزل، بينما شخصيات أخرى تتأمل المشهد من داخل المسرحية وليس من خارجها، وتتسائل: كيف يمكن حُكم هذه التناقضات التي تتعايش في مكان واحد، لكنها ممتدة في انتماءاتها في الزمن من العصر الحجري إلى 2025.
لقد فرِح مُعظم المغاربة لإلغَاء ذبْح أُضحية عيد الأضحى، و ذلك بنفسِ درجة فرحهم بالعيد، حيث سيكتفون لمرّة نادرةٍ بالاحتفال الإجتماعي و تعطيل الأساس الطقوسي البِدائي المتمثل في القُربان، و ينبع هذا الفرح، عكس اعتبارات الدولة المُعلنة المرتبطة بتراجع القطيع، من انتفاء الحرج النفسي و الديني و الاجتماعي الذي أعفاهم من إنفاقٍ يهزّ كل سنةٍ توازناتهم المالية، و في هذه الحالة، يبدو أنّ الشرط الاقتصادي، مدعومًا بالاجتهاد الفقهي، قادرٌ على كسر المشقّة التي تفرضها الثقافة، و صار المجالُ مفتوحًا لإلغاء شعيرة الذبح بشكل دائم في المغرب لِما لذلك من منافع اقتصادية و بيئية و صحيّة.
المصدر: زنقة 20
كلمات دلالية: تقسیم العمل
إقرأ أيضاً:
حالات حددها القانون تجيز التحفظ على الحيوانات الخطرة في أماكن الإيواء
حدد قانون تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة واقتناء الكلاب، عدداً من الحالات التي تلتزم فيها الجهات المختصة بالتحفظ على الحيوان داخل أماكن الإيواء المخصصة له، حمايةً للأرواح والممتلكات وضماناً للسلامة العامة.
في هذا الصدد، نص القانون على أنه مع عدم الإخلال بحكم المادة 18 من هذا القانون وفى الأحوال التى يضبط فيها مأمور الضبط القضائى أى من الحيوانات الخطرة أو الكلاب بالمخالفة لأحكام هذا القانون يتم التحفظ عليها لدى السلطة المختصة.
وتودع بقرار من النيابة العامة فى أماكن الإيواء والعزل المعدة لذلك وتتخذ التدابير المناسبة بشأنها على نفقة المخالف ولا يجوز تسليمها لأصحابها إلا بقرار من النيابة.
إذا هذه الحالات تشمل:
. حيازة حيوان خطِر دون الحصول على الترخيص أو بالمخالفة لشروطه.
. استخدام الحيوانات في الاعتداء أو التهديد أو ترويع المواطنين
ويجوز التصالح في الجرائم المنصوص عليها في المادتين 15، 16 من هذا القانون في أي حالة كانت عليها الدعوى، ما لم ينتج عنها حالات موت أو إصابة أو إضرار بالممتلكات، شرط إزالة أسباب المخالفة، وذلك على النحو التالى:
- إحالة الدعوى الجنائية إلى المحكمة المختصة مقابل أداء مبلغ لا يقل عن الحد الأدنى ولا يزيد على ربع الحد الأقصى للغرامة المقررة.
- بعد إحالة الدعوى الجنائية إلى المحكمة المختصة وحتى صدور حكم نهائي فيها مقابل أداء مبلغ لا يقل عن مثلى الحد الأدنى ولا يزيد على نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة
وبعد صدور حكم نهائي في الدعوى مقابل أداء مبلغ لا يقل عن خمسة أمثال الحد الأدنى للغرامة ولا يزيد على ثلاثة أرباع الحد الأقصى للغرامة المقررة.
ويترتب على التصالح انقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة للجريمة التي تم التصالح بشأنها، وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا حصل الصلح أثناء تنفيذها ولو بعد صيرورة الحكم باتًا.