حول التنوير وإخفاقات النهضة العربية
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
حول التنوير وإخفاقات النهضة العربية
لماذا نجح مشروع النهضة الغربي وفشل مشروع اليقظة العربية؟
لماذا حقق عصر الأنوار الأوروبي أهدافه وتقدم بثبات جاعلاً أوروبا مركزاً العالم وفشل التنوير العربي؟
لم يكن التنوير العربي نتاج تراكم تاريخي، بل مشروع وافد من الغرب وصدى لتحولات أوروبية كبرى وتعبير عن ضحالة الفكر وأداؤه عاجز عن المبادرة والإبداع.
مكمن الداء وضع عناصر النهضة، بمواجهة بعضها عنصر نهضوي ملحّ بمواجهة عنصر نهضوي آخر ملحّ، الحرية بمواجهة التنمية والعدالة، العدالة الاجتماعية بمواجهة الحرية.
تزامنت حركة الانبعاث العربي مع انهيار الطبقة الرأسمالية المحلية، وغياب الطبقة الوسطى بصعود الاقتصاد الأوروبي واكتساح منتجاته الرخيصة وكساد الصناعة شرق المتوسط.
كانت مواقف حركة التنوير العربي مرتبكة، تجاه عنصري النهضة: الحرية والعدالة. بدلاً من ربط الحرية والعدالة معاً في برنامج سياسي واحد، جرى تغليب أحدهما على الآخر، بل وضعا في بعض المراحل التاريخية، في حالة تشابك وتعارض مع بعضهما.
* * *
نستخدم معنى التنوير في هذا الحديث، بمفهومه التاريخي المعاصر، المرتبط بالانبعاث العربي، الذي بدأت طلائعه منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وقد بدأت جذوره، بدعوات التسامح الديني، وقبول قوانين التطور، واحترام الرأي والرأي الآخر، ومع أننا نميّزه عن عصر الأنوار الأوروبي، وأدبيات الدولة الحديثة، التي عبّرت عنها أفكار روسو ولوك ومونتيسكيو، لكن أي محاولة للفصل بين منظومة أفكارهما، تبدو تعسفية.
ارتبط عصر الأنوار الأوروبي، بالمرحلة الرومانسية التي بشرت بجملة من الأفكار، جسدتها لاحقاً الثورتان، الفرنسية والإنجليزية. وقد شملت تلك الأفكار، مختلف الأنشطة الفكرية والثقافية والفنية والإبداعية بأوروبا، وعبّرت عن ذاتها بأشكال مختلفة، رمزية وسيريالية وتجريدية وواقعية، تبعاً لطبيعة المرحلة، ولمساحات الحرية المتاحة، وأيضاً بمستوى النمو الاجتماعي والسياسي، والمناخات التي سادت في حقبة الانتقال نحو الثورة الصناعية، وما سبقها من كشوف جغرافية.
بالوطن العربي، بدأ عصر التنوير، أثناء مقارعة السيطرة العثمانية. وجاء في شكل مناداة بالوحدة وإزالة الفروق بين المذاهب الإسلامية، وتحرير العقل من الخرافات والأوهام، ودعم العقائد بالأدلة والبراهين، والتخلص من قيود التقليد وفتح أبواب الاجتهاد، ومناهضة الاستبداد.
وكان المشرق العربي، قد شهد منذ بداية القرن التاسع عشر، بروز حركة أدبية وفكرية وسياسية واسعة وجمعيات علمية. ومنذ ذلك الحين، توالت الصحف في الصدور.
كما برزت اتجاهات اجتماعية ودعوات فكرية إلى التحديث، وتغليب للمشاريع الوطنية، بديلاً عن الانتماءات الفئوية، عبرت عنها دعوة رفاعة الطهطاوي إلى أن يكون الوطن «مكان سعادتنا العامة التي تُبنى من خلال الحرية والفكر والمصنع».
اعتبر الكواكبي العرب أمة واحدة، ورأى أن الأمة قد يجمعها نسب أو وطن أو لغة أو دين وحقوق مشتركة، وأن اللغة العربية هي الرابطة الأولى بين العرب. وقد تماهت هذه الرؤية، في بعض جوانبها، مع بروز الدولة القومية، بالقارة الأوروبية، التي كانت بدايتها على الصعيد العملي، بألمانيا مع بسمارك.
وهكذا يمكن القول، إن التنوير العربي أسهم في انبعاث الوطنية الحديثة، التي تغلغلت فيها الآراء الغربية في الوطن والحرية والدولة الحديثة والعلاقات التعاقدية. وقد زاوجت حركة التنوير، بين الإعجاب بالتراث العربي الإسلامي والتأكيد على صلة العروبة بالإسلام، والافتتان بالفكر السياسي الحديث.
والسؤال الذي بواجهنا باستمرار هو لماذا حقق عصر الأنوار الأوروبي أهدافه، واستمر يتقدم بثبات، جاعلاً من القارة الأوروبية مركزاً للعالم، في حين فشل التنوير العربي. بمعنى آخر، لماذا نجح مشروع النهضة الغربي، وفشل مشروع اليقظة العربية؟
لقد تزامنت حركة الانبعاث العربي المعاصرة، مع انهيار الطبقة الرأسمالية المحلية، وغياب الطبقة المتوسطة بفعل الصعود الكاسح للاقتصاد الأوروبي، وتدمير الصناعات الحرفية في حوض المتوسط بسبب توافد المنتجات الأوروبية رخيصة السعر للأسواق المحلية، واكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، مما أدى إلى تراجع أهمية عدد من الموانئ العربية، التي كان لها دور في رفد اقتصادات مصر وبلاد الشام.
لم تتمكن حركة الانبعاث، من مواصلة مهمتها التاريخية. فمن جهة شعرت، نتيجة لارتباطها العميق، بالثقافة التقليدية بخطر التغريب كمدمر حقيقي لقيمها الحضارية، ومن جهة أخرى غمرها شعور بالحاجة للتحديث.
وهكذا حاولت المواءمة بينهما. وتمكنت من تحقيق بعض النجاحات، كبعث اللغة وتكييفها تكييفاً جديداً منسجماً مع متطلبات التجديد الثقافي والتقانة، وإيقاظ الروح النقدية، لكن بنيتها الفكرية والاجتماعية والثقافية، لم تسعفها في تحقيق ما هو أكثر من ذلك.
يضاف إلى ذلك، أن اليقظة العربية، جاءت بعد انقطاع طويل لنهضة الأمة. ذلك يعني أن التنوير العربي، لم يكن نتاج صيرورة وتراكم تاريخي، بل مشروعاً وافداً من الغرب. ولذلك بات صدى واهناً لتحولات كبرى بالمجتمعات الأوروبية. فكان أداؤه وجهاً آخر، للعجز عن المبادرة والإبداع، وتعبيراً عن ضحالة الفكر.
وكانت مواقف حركة التنوير مرتبكة، تجاه عنصري النهضة، الحرية والعدالة. فبدلاً من ربطهما معاً في برنامج سياسي واحد، جرى تغليب أحدهما على الآخر، بل ووضعا في بعض المراحل التاريخية، في حالة تشابك وتعارض مع بعضهما.
مكمن الداء إذاً، هو وضع عناصر النهضة، في مواجهة بعضها. عنصر نهضوي ملحّ في مواجهة عنصر نهضوي آخر ملحّ، الحرية في مواجهة التنمية والعدالة، والعدالة الاجتماعية في مواجهة الحرية، في متتاليات أقرب للميكانيكا، وليس لنظرية الدورة التاريخية.
*د. يوسف مكي كاتب وأكاديمي سعودي
المصدر | الخليجالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الحرية العدالة التنمية فی مواجهة
إقرأ أيضاً:
لقاءان مرتقبان في دوري الناشئين للهوكي.. غداً
متابعة - مريم البلوشية وعادل البراكة
تقام مساء الغد منافسات الجولة الرابعة من دوري الناشئين للهوكي لعام 2025، من خلال لقاءين، حيث يواجه نادي السلام نظيره نادي النهضة عند الساعة السادسة مساءً على ملعب الهوكي بمجمع صحار الرياضي، فيما يلتقي نادي السيب مع نادي صحم في الساعة الخامسة مساءً على ملعب الهوكي بنادي السيب.
نتائج الجولة الثالثة
وأسفرت نتائج الجولة الثالثة من دوري الناشئين للهوكي عن تسجيل 9 أهداف، حيث انتهت مواجهة نادي النهضة ونادي السلام بالتعادل الإيجابي 1-1، بينما حقق نادي السيب فوزًا كبيرًا على نادي صحم بخمسة أهداف دون رد، وتمكن نادي الاتحاد من التفوق على نادي صلالة بهدفين دون مقابل.
تعادل النهضة والسلام
خيم التعادل الإيجابي بنتيجة 1-1 على اللقاء الذي جمع بين نادي النهضة ونادي السلام، في المباراة التي أُقيمت على أرضية مجمع صحار الرياضي، وجاءت البداية سريعة ومثيرة، حيث لم يمهل نادي السلام خصمه سوى ثلاث دقائق حتى افتتح التسجيل عن طريق اللاعب الهمام بن نواف الريسي، مستغلًا ارتباك دفاع النهضة، ورد النهضة بمحاولات مكثفة لتعديل النتيجة، ولكن حارس مرمى السلام تصدى لها ببراعة، لينتهي الربع الأول بتقدم السلام بهدف دون مقابل.
دخل النهضة الربع الثاني بضغط هجومي واضح، وكان قريبًا من إدراك التعادل، ولكن لم ينجح في ذلك، وفي المقابل، حاول السلام تعزيز تقدمه من خلال هجمة سريعة لكنها لم تثمر عن هدفٍ ثانٍ، ليستمر تقدم السلام مع نهاية الربع الثاني بنتيجة 1-0.
أما الربع الثالث، فقد تميز بتوازن نسبي بين الطرفين، حيث تبادل الفريقان السيطرة في وسط الملعب، مع أفضلية نسبية للنهضة في نسبة الاستحواذ، رغم ذلك، لم يتمكن لاعبو النهضة من اختراق دفاع السلام المنظّم، في حين لجأ الأخير إلى اللعب على الهجمات المرتدة السريعة التي شكلت بعض الخطورة، إلا أن يقظة دفاع النهضة حالت دون تسجيل أهداف جديدة، لينتهي الربع كما بدأ، بتقدم السلام 1-0.
وفي الربع الأخير، نجح النهضة أخيرًا في تعديل الكفة عبر اللاعب ياسين العلوي، الذي أحرز هدف التعادل في الدقيقة 49، ليشعل الدقائق المتبقية من عمر اللقاء، واندفع الفريقان في محاولة لخطف هدف الفوز، إلا أن التسرع وغياب التركيز حال دون ذلك، لتنتهي المواجهة بالتعادل الإيجابي 1-1، في مباراة حفلت بالندية والإثارة حتى صافرة النهاية.
السيب يكتسح صحم بخماسية
حقق نادي السيب فوزًا عريضًا على نظيره صحم بنتيجة 5-0، في المباراة التي جمعتهما على ملعب مجمع صحار الرياضي، وانطلقت المواجهة بندية واضحة بين الفريقين، وشهد الربع الأول تبادلًا للفرص دون أي تهديد حقيقي على المرمى، لتنتهي بنتيجة سلبية 0-0.
ولم يشهد الربع الثاني تغييرات تُذكر في الأداء، إذ حافظ الفريقان على التوازن ذاته دون أهداف، ليستمر التعادل السلبي حتى نهاية الربع الثاني.
ومع بداية الربع الثالث، ظهر السيب بصورة مغايرة، وفرض ضغطًا عاليًا على دفاعات صحم، ليفتتح حسن بن درويش البلوشي التسجيل في الدقيقة 33، ولم تمر سوى دقيقة واحدة حتى أضاف عبدالكريم بن محمد البلوشي الهدف الثاني، قبل أن يعزز محمد الشبلي النتيجة بالهدف الثالث في الدقيقة نفسها، مستغلًا حالة التراجع في صفوف صحم، وواصل السيب هيمنته المطلقة في هذا الربع، ليعود حسن بن درويش البلوشي مجددًا ويوقع على هدفه الثاني والرابع لفريقه في الدقيقة 40، منهياً الربع الثالث بتقدّم مريح 4-0.
وفي الربع الأخير، حاول مدرب صحم إعادة ترتيب الصفوف وتعديل النهج التكتيكي، ودخل لاعبوه بأمل تقليص الفارق، إلا أن السيب واصل تفوقه، وتمكن عاصم بن جاسم البلوشي من تسجيل الهدف الخامس في الدقيقة 49، ليختتم مهرجان الأهداف ويؤكد فوز فريقه الكبير.
فوز ثمين للاتحاد
تمكن فريق الناشئين للهوكي بنادي الاتحاد من التغلب على منافسه صلالة بهدفين دون رد خلال المواجهة التي جمعتهما مساء أمس على ملعب الهوكي بمجمع السلطان قابوس للثقافة والترفيه بصلالة، ضمن الأدوار التمهيدية للمجموعة الثالثة من دوري الناشئين للهوكي تحت 18 سنة.
أحرز هدف الاتحاد الأول اللاعب عوض سامح برزحن في الدقيقة 24، والهدف الثاني سجله اللاعب سالم بن رايد الرواحي في الدقيقة 50 من ضربة جزاء، وقد شهدت المباراة تنافسية كبيرة بين الفريقين، التي أدارها طاقم تحكيمي مكوّن من سامي عوض، وإسماعيل جمعان، والحكم الثالث محمود عاشور، وقاضي التسجيل عادل جمعان، وقاضي الوقت نايل عماد، والمشرف الفني للمباراة عبدالله بن جمعان المستهيل.
وكان الفريقان قد افتتحا تصفيات المجموعة بمواجهة شهدت الإثارة والندية، قدم من خلالها مستوى إيجابي بحكم التنافسية بين اللاعبين المجيدين في صفوفهما، حيث انتهى الربع الأول بالتعادل السلبي، ومع انطلاقة الربع الثاني تمكن فريق صلالة من التقدم بهدف السبق في الدقيقة 16 عن طريق اللاعب نشوان حمدي.
الربع الثالث شهد تنافسية بين الفريقين، خاصة من قبل فريق الاتحاد، الذي حاول تعديل النتيجة حتى الدقيقة 51، التي تمكن من خلالها اللاعب سالم زايد من تسجيل هدف التعادل من ضربة جزاء، لتنتهي المباراة بالتعادل الإيجابي بهدف لهدف.
أدار المباراة طاقم تحكيمي مكوّن من سامي عوض، ومحمود عاشور، والحكم الثالث أسرار سالم، وقاضي التسجيل عادل جمعان، وقاضي الوقت نايل عماد، والمشرف الفني للمباراة عبدالله بن جمعان المستهيل.