شبح المجاعة يلقي بظلاله على سكان غزة مع استمرار منع الاحتلال لدخول المساعدات
تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT
◄ إسرائيل تعود لاستخدام "التجويع" سلاحا لقتل الفلسطينيين
◄ مطالبات بالضغط على إسرائيل للالتزام بالصفقة وإدخال البضائع
◄ "حماس": إغلاق المعابر خرق لاتفاق وقف إطلاق النَّار
◄ "الصليب الأحمر" يحذر من الانزلاق إلى "حالة طوارئ إنسانية حادة"
◄ "يونيسف": 90% من سكان غزة غير قادرين على الحصول على المياه
الرؤية- غرفة الأخبار
تتعمد إسرائيل تضييق الخناق على سكان قطاع غزة حتى خلال سريان اتفاق وقف إطلاق النار، إذ عاد الاحتلال مجددا لاستخدام "التجويع" سلاحا للفتك بمن تبقى من الفلسطينيين بعد حرب دامية استمرت 15 عشرا.
وخلافا لبنود الاتفاق، قررت إسرائيل مع بداية الشهر الجاري وقف إدخال المساعدات والبضائع إلى القطاع المنكوب، كما قررت، الأحد، قطع الكهرباء عن كامل القطاع، في خطوة تصعيدية للضغط على فصائل المُقاومة الفلسطينية لتسليم من تبقى من الأسرى الإسرائيليين دون الدخول إلى المرحلة الثانية من "الصفقة"، وهو ما ترفضه المقاومة وتؤكد ضرورة بدء مفاوضات المرحلة الثانية لإنهاء الحرب بشكل كامل وانسحاب قوات الاحتلال من القطاع وبدء عمليات الإعمار.
واتهم المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" إسرائيل باستخدام المساعدات الإنسانية كسلاح، من خلال حصارها للبضائع وقطع الكهرباء عن غزة. وفي كلمة له في جنيف، حذر فيليب لازاريني من تجدد أزمة الجوع إذا لم تُستأنف إمدادات المساعدات.
من جانبها، قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إن استمرار إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات لليوم العاشر ينذر بمجاعة في قطاع غزة، كما أن منع دخول الآليات الثقيلة يعرقل جهود انتشال الجثامين وأعمال الترميم والإعمار في القطاع.
وأكدت حماس أن إغلاق المعابر يشكل خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي ينص على تسهيل دخول المساعدات من دون قيود، وأدانت استخدام المساعدات "ورقة ابتزاز سياسي"، وقالت إن "هذه السياسات العدوانية لن تكسر إرادة شعبنا"، وطالبت الوسطاء بالضغط على إسرائيل للالتزام بتعهداتها وفتح المعابر وإنهاء سياسة العقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني.
بدورها، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن تعليق إدخال الدعم الإنساني، بما في ذلك وقف إمدادات الكهرباء ومنشأة تحلية المياه الوحيدة في غزة، يهدد بانزلاق غزة إلى حالة طوارئ إنسانية حادة.
وأشارت اللجنة إلى أنه بموجب القانون الدولي الإنساني، يتعين على إسرائيل ضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان المدنيين الخاضعين لسيطرتها، كما يتعين عليها السماح بمرور المساعدات الإنسانية بسرعة ومن دون عوائق وتسهيل ذلك.
وأكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن 90% من سكان قطاع غزة غير قادرين على الحصول على المياه.
وتقدر وكالات الأمم المتحدة أن 1.8 مليون شخص -أكثر من نصفهم من الأطفال- يحتاجون بشكل عاجل إلى المياه والصرف الصحي والمساعدة الصحية
وفي السياق، حذر وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط هيمش فولكنر من أن قطع الكهرباء عن غزة يهدد بعواقب وخيمة. وشدد في تغريدة عبر منصة إكس على ضرورة أن تكون محطات تحلية المياه قادرة على العمل وتوفير مياه نظيفة للشرب.
كما حثَّ إسرائيل على إعادة تشغيل إمدادات الكهرباء والمساعدات الإنسانية لضمان التزامها بالقانون الإنساني الدولي.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
غزيون يبيعون ممتلكاتهم ومقتنياتهم لمواجهة المجاعة وسوء التغذية
غزة- "ابنك يعاني من سوء تغذية حاد"، شخصت طبيبة في مجمع ناصر الطبي حالة الطفل جاد محمد حماد، ولأن اللحوم والفواكه مفقودة من الأسواق لا بد أن يأكل ما يتوفر من خضروات.
حمل الرجل طفله جاد (5 أعوام) بين ذراعيه وهو غارق في تفكيره "ماذا أفعل؟"، ويقول للجزيرة نت "ذهبنا للمستشفى سيرا لأنني لا أمتلك أجرة المواصلات، فكيف أشتري له البطاطا والبندورة والخيار وأسعارها خيالية؟".
قطع حماد (38 عاما) نحو كيلومتر واحد، وهي المسافة بين المجمع ومنزله المدمر جزئيا في مخيم خان يونس للاجئين جنوب قطاع غزة، حاملا طفله والكثير من الهموم فوق كتفيه، ولم يكن أمامه من خيار سوى بيع أي شيء في منزله حتى يحصل على المال.
هذا الأب ليس استثناء، وقد أجبرت المجاعة المستشرية في القطاع الغزيين نتيجة الحصار المشدد وإغلاق الاحتلال المعابر ومنع إدخال المساعدات الإنسانية منذ الثاني من مارس/آذار الماضي على خيارات صعبة للبقاء على قيد الحياة كبيع مقتنياتهم وبعض ممتلكاتهم من أجل شراء الطعام الشحيح في الأسواق، وتدبر احتياجاتهم اليومية الأساسية.
لم يجد حماد أمامه سوى أدوات حلاقة لبيعها، وهي ما تبقى له من صالون حلاقة كان يستأجره أسفل بناية غرب مدينة خان يونس دُمرت كليا إبان العملية العسكرية الإسرائيلية الواسعة بالمدينة في 5 ديسمبر/كانون الأول 2023 واستمرت حتى 6 أبريل/نيسان 2024، وخلالها عاثت قوات الاحتلال بالمدينة فسادا وتدميرا.
إعلانحصل حماد على مبلغ 250 شيكلا (نحو 69 دولارا) من بيع هذه الأدوات، ويقول إنها نفدت خلال يومين فقط، واضطر بعدها إلى بيع هاتفه المحمول بنحو 270 دولارا ومشاركة زوجته في استخدام هاتفها من أجل إجراء واستقبال مكالمات مع الأهل والأصدقاء للاطمئنان عليهم.
وبصوت يلمؤه الحزن يقول حماد وهو ينظر إلى طفله الممسك بكسرة خبز "إذا استمر الحصار وإغلاق المعابر لا أعرف ماذا سأبيع أيضا، كلنا نعاني من الجوع وسوء التغذية وليس الأطفال وحدهم".
وبحسب بيانات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فإن "مئات الآلاف في غزة يتضورون جوعا، والناس يتساقطون في الشوارع من شدة الجوع والإنهاك والأمراض".
وخلال الأيام الماضية أدخلت قوات الاحتلال كميات محدودة من شاحنات المساعدات نتيجة ضغوط دولية، لكن الأونروا تقول إنها كإبرة في كومة قش وبمثابة قطرة في بحر احتياجات سكان غزة.
وتقدر الأونروا وهيئات محلية ودولية أخرى أن زهاء مليونين و300 ألف نسمة في القطاع الساحلي الصغير بحاجة إلى 500 شاحنة يوميا من المساعدات من أجل التعافي وتجاوز مخاطر المجاعة.
وألقى الحصار بظلاله الثقيلة على أسواق غزة، حيث تشهد أسعار الخضروات والمواد الغذائية الشحيحة ارتفاعا غير مسبوق لا تقوى عليه الأغلبية من الغزيين ممن فتكت بهم الحرب المستعرة منذ اندلاعها عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأفقدتهم مصادر رزقهم وأموالهم ومدخراتهم.
ويقول حماد إنه اشترى حبتي بطاطا بـ26 شيكلا (نحو 7 دولارات)، وهذا المبلغ كان يكفي لشراء نحو 8 كيلوغرامات من البطاطا قبل اندلاع الحرب، ويضيف بسخرية ممزوجة بالقهر "وكمان أصبحنا نشتري البطيخ بالشقحة (بالقطعة) بعدما كنا نشتريه بالكمية ولا ينقطع من منازلنا ونأكله يوميا في موسمه".
وفي جولة للجزيرة نت داخل مدرسة تعج بالنازحين غرب مدينة خان يونس استوقفنا النازح أحمد أبو إسحاق وهو يضع غطاء داخل كيس بلاستيكي مهترئ ويهم للخروج من المدرسة "أين ذاهب به؟ سألناه، فأجاب بلا تردد "سأبيعه وأشتري الطحين لأسرتي وأطفالي".
إعلانقبل نحو أسبوع اضطر أبو إسحاق (32 عاما) للنزوح بأسرته (5 أفراد) من بلدة بني سهيلا شرق خان يونس، وهي المرة العاشرة التي يخوض فيها تجربة النزوح القاسية منذ اندلاع الحرب.
ليس لهذا الشاب دخل يعتاش منه، وهذه ليست المرة الأولى التي يضطر فيها لبيع بعض مقتنياته وممتلكاته من أجل إطعام أطفاله، وأصغرهم رضيع في شهره الثاني، ويقول إنه باع دراجته الهوائية التي حمل عليها القليل من الأغطية وملابس الاطفال وقت نزوحهم الأخير من أجل شراء الطحين لإعداد الخبز، والحليب لرضيعه.
ويتراوح سعر كيلو الطحين بين 60 و100 شيكل (بمتوسط 22 دولارا)، وأغلبية المعروض منه في الأسواق حاليا هي كميات استولى عليها لصوص اعترضوا طريق شاحنات المساعدات وسرقوها من مناطق أجبر الاحتلال الشاحنات على المرور منها ضمن "مسار غير آمن".
ويقول أبو إسحاق إن سعر كيس الدقيق زنة 25 كيلوغراما لا يزيد على 30 شيكلا (نحو 8 دولارات) في الوقت الطبيعي، وهو أساسا منحة مجانية مقدمة من أونروا للاجئين، وخلال الحرب استفاد منها كل السكان، في حين وصل سعره إلى نحو ألف دولار في السوق السوداء.
وتسببت عمليات السطو على هذه الشاحنات في إغلاق المخابز المدعومة من برنامج الأغذية العالمي بعد أيام قليلة من استئناف عملها جراء نفاد الطحين من مخازنه، ويضيف أبو إسحاق "المخابز اشتغلت وأغلقت ولم نشعر بها ولم نحصل على الخبز".
وفي صف مجاور داخل هذه المدرسة تقيم آمنة الصبيحي (62 عاما) مع عائلتها (9 أفراد)، وهي آخر محطات نزوحهم المتكرر منذ أن غادروا مدينة رفح جنوب القطاع على وقع الاجتياح الإسرائيلي للمدينة في 6 مايو/أيار من العام الماضي.
وتعاني هذه النازحة الستينية من أمراض مزمنة، وخسرت أكثر من 20 كيلوغراما من وزنها خلال شهور قليلة، وتقول للجزيرة نت "الاحتلال يقتلنا بالقصف والتجويع ومنع الطعام والدواء عنا، والحرامية يساعدونه بسرقة المساعدات".
إعلانوتشكو الصبيحي مما تصفها بالأسعار المجنونة للخضروات، وقد اضطرت لبيع أسطوانة غاز منزلية فارغة بمبلغ 300 شيكل (نحو 83 دولارا) تقول إنها بالكاد أوفت بثمن دوائها، والقليل من الخضروات تناولتها وعائلتها في وجبة واحدة.
وهذا المبلغ كان كافيا قبل اندلاع الحرب لشراء مثل هذه الأسطوانة وفيها نحو 12 كيلوغراما من غاز الطهي المفقود تماما منذ إغلاق المعابر، وانعكس ذلك على أسعار الحطب والأخشاب التي ارتفعت على نحو غير مسبوق، لزيادة الطلب عليها كبديل للغاز المنزلي.
وبحزن شديد، تتحدث هذه المسنة المريضة عن اضطرارها أيضا لبيع عباءتين من ملابسها القليلة التي نزحت بها من مدينة رفح، وتقول والدموع تحتبس في عينيها "لم يعد لدي ما أبيعه، لمتى ستستمر هذه المذبحة والمجاعة؟".