كلام الطير على ألسنة الناس في الفلكلور السوداني
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
ألف الشيخ فريد الدين عطار نيشابوري كتابه "منطق الطير"، وهو منظومة رمزية ورحلة فلسفية للوصول إلى الحقيقة. وكتب جون كلود كاركاير مسرحيته "اجتماع الطيور"، ونشر ظافر جلود كتابه "الطيور في التراث والسرديات المعاصرة". وللطيور مكانتها في الثقافة السودانية في الغناء والرقص والشلوخ والزراعة والحصاد والشعر الشعبي وغير ذلك من مكونات الفلكلور السوداني، بما في ذلك كلام كثير ينسب إليها أو يُقال على لسانها.
كلام الطير في الباقير:
مقولة رائجة على ألسنة السودانيين، يقصد بها الكلام غير المفهوم أو عديم المعنى. ويعتقد البعض أن الباقير المذكورة هي بلدة الباقير على أطراف الخرطوم شمال ولاية الجزيرة، إلا أن الباقير هو مكان تجمع مياه (بركة، فولة، ميعة، تُردة، تَبْ أو خور) تحفه أشجار، تَرِدُه أسراب الطيور خاصة العصافير، فتجتمع وتصدر كل منها صوتاً واحداً متكرراً فيمتلئ الفضاء بأصوات كثيرة متداخلة لا يميز السامع بينها. ومن هنا جاءت المقولة المذكورة.
يذخر الفلكلور السوداني بالكثير من الكلام الذي ينسب لأصناف مختلفة من الطيور، ولكل من ذلك قصة ترويها. وكثيراً ما يخاطب الأطفال في ريف السودان الطيور في سعيهم لاستدراجها لمصائدهم أو أثناء رحلات هجرتها حين تطل على بيئاتهم، وللكبار رواياتهم عن الطيور يحدثون بها صغارهم في مؤانساتهم.
هذه الممارسات الفلكلورية دليل على تفاعل الإنسان مع بيئته وتنوع أحيائها التي تشكل الطيور عنصراً جميلاً في لوحتها الرائعة، وفيها دروس وحكم. وفي بعضها قصص يراد بها رسالة تربوية أو تعليمية للصغار، وفي بعضها فكاهة. نستعرض في هذا المقال القصير بعض هذه القصص والحكايات والأقوال على ألسنة الطير.
يأتي طائر السِمْبِر مهاجراً للسودان مع بدايات الخريف، ويشيد أعشاشه ويبيض ويفرخ في السودان. ويسجل حضوراً لافتاً، وهو من الطيور التي كانت المدارس تُعرّفها للتلاميذ بأنها من أصدقاء المزارع لدورها في مكافحة الحشرات الضارة بأكلها. ولهذا فقد جرى على الألسن مخاطبة السمبرية بقولهم: "السمبرية أم قدوم (أي ذات المنقار)، عيش أبوي متين بقوم (ينبت)"، فيجيء الرد على لسانها: "بقُوم باكر مع العساكر".
ومخاطبة "أم قيردون"، ذلك الطائر الصغير المهاجر، الذي جاء ذكره على لسان الحاردلو في مرافعته عن ابن عمه عمارة أمام الخليفة عبدالله التعايشي، حين اتهم بالتآمر مع الأشراف ضد الخليفة عبدالله، حيث قال الحاردلو مخاطباً الخليفة:
"أنصار كُتار تامِّين عبرة و كيل
ومِتِل نبت الرُبا وكتين ركوب الخيل
أكان ما جور زمان وناسن نظرها قليل
شرك أم قيردون كيفن بقُبْض الفيل؟"
ينادي الصغار "أم قيردون" قائلين:
"أم قيردون يا الحاجة، ولدك عريس يا الحاجة تحت الرقيص يا الحاجة".
وينادون الهدهد (قُمْبُر قُمْبٌر) قائلين: "قُمْبُر قُمْبٌر شيخ الطُمْبُر".
وتحظى القماري بحظ وافر من الكلام والنداء والخطاب والقصص.
القمرية:
ذات الطوق على العنق، ينادونها "قمرية دباسة أم حليقن مَوَاسى"، وهي African Collared Dove (القمرية الضاحكة). وقد فسر تغريدها تفسيراً متعدداً في مناطق السودان المختلفة. ففي ضفاف نهر الرهد بولاية القضارف يروون أنها امرأة مسخت قمرية لحادثة مفاجئة صدمتها، ويقال إن زوجها سافر وغاب طويلاً وانقطعت أخباره عنها. وبينما كانت جالسة بين صاحباتها منكوشة الشعر، جاءهم من يقول لها أن زوجها على أعتاب القرية وقد جاء بزوجة جميلة صغيرة السن ضرة لها. اضطربت المسكينة من هول المفاجأة ومن هيئة شعرها غير المصفف (غير ممشط)، وخشيت أن تراها الضرَّة بهذه الهيئة القبيحة. فصارت تقول لصاحباتها: "مشطوا لي قصتي، بي قعر بطتي (والبطة إناء تقليدي قديم يحفظ فيه الدهن خاصة عند البدو) النلاقى بيها ضرتي"، وتردد هذه الجملة إلى أن فقدت عقلها.
وفي شندي بنهر النيل، يفسرون صوت هذه القمرية بأنها تخاطب إخواتها مبشرة لهن بخبر سار يستوجب الحمد، فهي تقول: "أبوالصِقير كِتل، أبوالصِقير كِتل، أبوالصِقير كِتل، أحمدوا ربكم". فهي تبشر أهلها أن عدوهم اللدود الذي أشبع صغارهم وكبارهم افتراساً وقتلاً قد قُتل، وأن هذا الخبر السار يستوجب الحمد.
أما في ديار الكبابيش، فهي عندهم تخبر عن مقتل نسيبها وتحدد القاتل وأداة القتل، وتقول: "نسيبي كِتل، كتلو بابكر، بي عود الكِتر".
قمرية أخرى في الأحاجي تخبر عن بنت تزوجها رجل غريب طمعاً في مالها وسافر بها وانقطعت أخبارها عن أهلها. تخاطبهم القمرية قائلة: "أهل البي بتول، أهل البي بتول (أي يا أهل البي بتول)، راجلها انقلب تمساح، أكل المال وراح". ففي هذا حكمة: تحروا قبل أن تزوجوا بناتكم.
قمرية أخرى تتحدث مع "أم دلدلو" (The African Weaver Bird)، وهي العصفور المشهور بنسج بيته من لحاء الأشجار متدلياً من أغصانها وله فتحة من الأسفل للدخول والخروج. تقول القمرية لأم دلدلو: "أم دلدلو الخريف ما جاك؟"، كأنها تقول لها لقد أدركك الخريف ولم تكملي تشييد عشك. فترد عليها أم دلدلو: "سجم أم بيتن تلات قشّات"، أي لستُ أنا من يحدثونه عن الخريف، حَرّي بك أنتِ أن تخافي، فبيتك من بضع قشات ولا يحمى من أجواء الخريف، وذلك قدح في بيت القمرية الذي لا يقِي صغارها من أمطار الخريف كما يفعل بيت أم دلدلو. ولعل في هذا القول درس للصغار لأهمية تجويد الأعمال، وأن يتفكر المرء في حاله قبل أن يتفكر في أحوال الآخرين.
تطل الطيور المهاجرة في بدايات الخريف، وهو موسم لصيد العصافير. يجهز الأطفال شراكهم وشباكهم وساحة نزول الطيور (المتلة)، ويستحثونها للنزول في المتلة لأكل العيش والدخن والوقوع في الشِّراك. وتتردد الطيور عادة متوجسة من النزول من أغصان الأشجار للمصيدة التي جهزت تحت أو بالقرب من الأشجار. فينادي الأطفال على الطيور مرددين: "تلّلة تلّة في المتلة، الشيخ عبد الله قال ليك، كان ما أدليت اللوم عليك"، إلى أن تنزل الطيور على المصيدة. ومناداة أخرى يقولون للطائر: "حمد أب سيف أبو العُلِّيف، قال ليك، كان ما أدليت اللوم عليك". ومن الذي لا يخشى اللوم، فتنزل الطيور على المصيدة، أو هكذا يظن الأطفال أنها سمعت ووعت كلامهم واستجابت لندائهم.
صغار الدجاج (السواسيو، الكتاكيت) التي تتعرض لحادث دهس أو ضرب أو عملية خطف من الصقر فاشلة، وقد شارفت الموت، توضع عليها قرعة صغيرة أو ما شابهها من الأواني، ويخاطبها الطفل في محاولة لاستحيائها قائلاً: "ود القرعة قوم أرعى، ود الكتوش قوم كٌوس"، وهذه محاولة من الكبار لبث الأمل في نفوس الصغار وألا ييأسوا حتى من الحالات التي تبدو ميؤوس منها.
أم بيّوٌض، طائر البقر الأبيض (White Cattle Egret) يناديه الأطفال وهو طائر في الجو قائلين: "إمَّا (أي أمي) أم بيّوٌض، أديني وديعة مع الجديعة، بديك جُراب ملان تُراب مع الغُراب". فالغراب نقيضها في اللون، فهي ناصعة البياض وهو حالك السواد، وربما في الأمر تفاؤل ببياض اللون.
وطائر مهاجر آخر يسمى "نعيجة البحر"، يرى الناس في قرى نهر الرهد أنه يأتي مبشراً بقدوم النهر، فيفسرون صوته وهو طائر مارٌّ بقراهم أنه يقول: "البحر (أي نهر الرهد) جا في البيضاء (منطقة جنوب الحواتة بولاية القضارف)".
هذه بعض أحاديث الناس عن الطير، ولا شك أن الذاكرة الجمعية في ربوع السودان المختلفة ذاخرة بأكثر من هذا، فعل ما كتبته هنا يشجع آخرين على كتابة ما تختزنه ذاكرتهم والتعمق أكثر في هذه السياحة العابرة
yousifidris@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
محافظ المنيا يهنئ الأقباط بموسم السيدة العذراء بدير جبل الطير ويؤكد أهمية التراث الديني
تفقد اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، دير السيدة العذراء بجبل الطير بمركز سمالوط، حيث قدم التهنئة للأخوة المسيحيين بمناسبة الاحتفال بموسم السيدة العذراء، وكان في استقباله الأنبا بفنتيوس، مطران سمالوط.
وأكد المحافظ أن هذه الاحتفالات تمثل نموذجًا حيًا لتكاتف المواطنين ومحبتهم ومشاركتهم بعضهم البعض، مشيرًا إلى أن جميع الأديان السماوية نادت بالرحمة والمحبة والسلام، لافتًا إلى أن روح الوحدة الوطنية والمحبة والإخاء التي تسري في جسد الوطن ستظل دائمًا مصدر قوة وتماسك لمصر في مواجهة التحديات تحت قيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية.
وخلال زيارته، أعرب المحافظ عن تقديره لتاريخ الدير العريق والمعالم الأثرية الموجودة به وأهميته الروحية في تعزيز قيم التسامح والتعايش بين الأديان وتشجيع الحوار بين الثقافات، مؤكدا أهمية الحفاظ على التراث الديني والثقافي لمصر لما له من قيمة تاريخية واقتصادية عظيمة، وبما يضمن نقل القيم والتقاليد للأجيال القادمة ويساعد في الحفاظ على الاستمرارية الثقافية، ويدعم خطط التنمية المستدامة.
وشدد المحافظ على المتابعة المستمرة والمكثفة للتأكد من تقديم كافة الخدمات بالمنطقة على أكمل وجه، موجهًا باستمرار تأمين الزوار وتوفير الحماية المدنية لضمان سلامتهم، كما شدد على مراقبة جودة وصلاحية السلع المعروضة وتوفير منتجات آمنة وصحية للزوار، وتكثيف أعمال النظافة بموقع الاحتفال، وكذلك الحملات المرورية لضبط حركة المرور وتوفير خطوط مواصلات لنقل الزوار إلى الدير.
وأوضح المحافظ أن هناك متابعة فورية للاحتفالات التي تشهد إقبالًا كبيرًا من المواطنين، لافتًا إلى أنه تم إلغاء كافة الإجازات والراحات لكافة المنوطين بالاحتفال، والواقع بنطاق مراكزهم. وأشار إلى أنه تم تشكيل غرفة عمليات فرعية بكافة الجهات المعنية لتعمل على مدار الساعة وتكون على اتصال دائم ومستمر مع غرفة العمليات الرئيسية بالمحافظة للإبلاغ عن أي حدث واتخاذ ما يلزم بشأنه من إجراءات فورية.
محافظ المنيا يزور دير السيده العذراء بجبل الطيرمن جانبه، أشار الدكتور ثروت الأزهري، مدير إدارة السياحة، إلى أن دير جبل الطير يُعد من أهم الأديرة القبطية في مصر، ويشهد العديد من الزيارات من مختلف أنحاء العالم، موضحا أن الدير يعود تاريخه للقرن الرابع الميلادي، وهو أحد المحطات الهامة ضمن مسار رحلة العائلة المقدسة،حيث تم رفع كفاءة المنطقة بالكامل، وشملت الأعمال تطوير المدخل الرئيسي لمنطقة كنيسة السيدة العذراء بجبل الطير، أعمال رصف بمدخل الدير، تطوير الطريق السياحي، تركيب لوحات إرشادية، تمهيد الطرق المؤدية للكنيسة الأثرية بالبازلت، وأعمال التشجير والإنارة.
وأعرب الأنبا بفنتيوس، مطران سمالوط، عن ترحيبه بزيارة محافظ المنيا، مشيرًا إلى أن هذه الزيارة تعكس عمق الترابط والانتماء لوطننا العزيز مصر، متمنيًا له دوام التوفيق والسداد، ومزيدًا من الجهد والعطاء.
وفي ختام الزيارة، أهدى الأنبا بفنتيوس محافظ المنيا “مفتاح الحياة”، وهو رمز هيروغليفي مصري قديم كان الأكثر استخدامًا في الكتابة والفن المصري لتمثيل كلمة “الحياة"، كما حرص الوفد الزائر على التقاط الصور التذكارية مع رجال الدين داخل الدير تعبيرًا عن الروابط الأخوية والاحترام المتبادل بين الطرفين.
رافق المحافظ خلال الزيارة عويس قاسم، رئيس مركز ومدينة سمالوط، والدكتور ثروت الأزهري، مدير إدارة السياحة بديوان عام المحافظة، وعدد من القيادات التنفيذية والأمنية بالمحافظة.