العلاقة بين الدولة والسلطة والمنظمة في فلسطين
تاريخ النشر: 15th, March 2025 GMT
د. عبدالله الأشعل **
يجرى الخلط في الخطاب السياسي الفلسطيني والعربي بين 3 مكونات فلسطينية هي منظمة التحرير الفلسطينية التي تأسست عام 1964 لتُعبر عن الشعب الفلسطيني الذي أنكرته إسرائيل.
وفي عام 1975 اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالمنظمة كمُمثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني حتى تتعاقد على السلام في فلسطين مع إسرائيل قبل أن تعلن إسرائيل عن خططها الحقيقية ونظرتها إلى فلسطين سكانا وأرضا وبدأ ذلك صراحة من جانب نتنياهو قولا وسلوكا خلال الفترة من 2021 حتى الآن، وتقدم خطوة أخرى عندما استصدر من الكنيست قانونين أحدهما 2017 وهو القاضي بإنشاء دولة يهودية خالصة في فلسطين والهدف الأساسي التمسح في اليهودية وطرد فلسطيني 1948 من داخل الدولة المحتلة قبل أن تتحول في المرحلة القادمة إلى إسرائيل الكبرى وتضم كل فلسطين وأجزاء من دول عربية مجاورة.
أما السلطة فهي حكم محلي انتقالي وإن تمت عن طريق الانتخاب وهي في كل الأحوال نتاج إعلان أوسلو ولو طبق الإعلان بحسن نية من قبل إسرائيل لكانت مفاوضات الوضع النهائي قد تمت ولم يتضمن الإعلان إنشاء دولة فلسطينية وإنما كان يراد له أن يكون حكما ذاتياً بعد أن يتم تركيز الاتفاق على خمس قضايا حجزت لمفاوضات الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية.
وعموما اتفاق أوسلو انتهى عام 2000؛ لأنَّ أجله كان خمس سنوات من 1995 حتى 2000 والذي نقضه هو نتنياهو بعد أن كتب بيريز في مذكراته أن أوسلو كانت محطة في تنفيذ المشروع الصهيوني. وكان لأوسلو فوائد كثيرة بالنسبة لإسرائيل، بينما استمر معدل التراجع في القضية الفلسطينية ومن مزايا أوسلو لإسرائيل ثلاثة رغم أن النقد المزعوم لا يتوقف في إسرائيل.
الأولى: أنه هدأ الفلسطينيين والعالم وتفادت به إسرائيل الضغوط.
الثانية: أن إسرائيل حصلت دون تحفظ على اعتراف عرفات بما عرف خطأ وثيقة الاعتراف المُتبادل.
الثالثة: أنها صادرت حق المقاومة وجلبت عرفات إلى فلسطين من تونس بعد أن أبعدته إسرائيل من بيروت عام 1982 مما مكنها من السيطرة عليه واغتياله.
وكانت أوسلو محطة أساسية نحو تحقيق أهداف المشروع الصهيوني وشجعت الأردن على إبرام اتفاقية السلام في وادي عربة 1994. وكل ذلك ترتب على خطوات التقارب بين مصر وإسرائيل والسادات كامب دافيد والسلام. ولا عبرة بتهديد إسرائيل بإلغاء أوسلو فليست سارية، ولكن أي حقوق لفلسطين في أوسلو تظل سارية بموجب القانون الدولي وليس بموجب أوسلو.
وأما الدولة فقد حلت محل المنظمة والسلطة وكان محمود عباس قد ارتكب خطأ سياسيًا وقانونيًا عندما جمع بين رئاسة السلطة والمنظمة والدولة؛ فهو لم ينتخب لرئاسة الدولة. ومن العبث أن يجتمع الجميع في نطاق المنظمة كلما أرادت كل المشروعات الهادفة إلى المصالحة بين الفصائل المقاومة وبين السلطة. والسلطة حاليا هي حكومة الدولة، وأبو مازن رئيس واقعي للدولة الفلسطينية.
والدولة الفلسطينية لا تعتمد في قيامها على موافقة إسرائيل، ويمكن أن تكون أراضيها تلك المخصصة للفلسطينيين في قرار التقسيم ويكون الجزء 21.5% من مساحة فلسطين الإجمالية التي وافقت الدول العربية في مبادرة السلام العربية على إهدائها لإسرائيل تؤول إلى الدولة الفلسطينية. والوصف القانوني الصحيح للدولة الفلسطينية هي أنها اعلنتها الجمعية العامة 2012 وتحتلها إسرائيل وتقيد سيادتها. والأساس القانوني لاستقلال الدولة الفلسطينية عن إسرائيل هي: قرار التقسيم، الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية رأى الجدار العازل 2004 ورأى 2024 الذين حددا علاقة إسرائيل بأرض فلسطين خارج إسرائيل بأنها سلطة احتلال يجب أن تنتهي فورًا.
وأرجو أن يتعدل الموقف العربي بناء على هذا الإيضاح فتؤيد القمم العربية إزالة الاحتلال عن جسد الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس كلها استنادا إلى رفض قرار مجلس الأمن 478/1980 اعتبار القدس عاصمة إسرائيل وحظر نقل السفارات إلى القدس الشرقية وكذلك القرار 242 الذي أكد أن شرق القدس أراضي محتلة والدولة الفلسطينية التي يعترف بها الآن معظم أعضاء المجتمع الدولي عضو في الكثير من المنظمات الدولية وليست عضوا في الأمم المتحدة بسبب الفيتو الأمريكي والغربي. ولكنها عضو مراقب وبهذه الصفة عضو في محكمة العدل الدولية ورفعت أمامها دعوى ضد الولايات المتحدة لتلزم المحكمة واشنطن باحترام قرارات مجلس الأمن لأن واشنطن انتهكت هذه القرارات ونقلت سفارتها من تل أبيب إلى القدس الشرقية، خاصة وأن الكونجرس كان قد قرر عام 2002 قبيل غزو العراق الاعتراف بأن القدس عاصمة إسرائيل الأبدية ورخص للرئيس في الوقت المناسب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. ورغم أن الدعوى مرفوعة على الولايات المتحدة عام 2018 والقضية واضحة يكون قد مضى عليها سبع سنوات ويبدو أن واشنطن هددت قضاة المحكمة الدولية مثلما هدد الكونجرس بفرض عقوبات على الجنائية الدولية إذا أدانت إسرائيل وأمرت بالقبض على زعماء إسرائيل فلما تحدت الجنائية الدولية واشنطن قام الكونجرس بفرض عقوبات على المحكمة وقضائها. وهكذا تحولت الدولة العظمى إلى معول هدم للقانون والقضاء الدوليين بسبب انحيازها للظلم الصهيوني، وإفلات إسرائيل من العقاب.
المطلوب رفع دعاوى ضد أمريكا أمام قضائها والقضاء الأوروبي وحبذا لو رفعت دعوى ضد ترامب شخصيًا بسبب إسرائيل الكبرى والاستيلاء على غزة وإفراغ فلسطين من أهلها وسوف نقدم إلى المدعي العام للمحكمة مذكرة بهذا المعنى.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حكاية رسالتين تحكمان علاقة البنوك العاملة بفلسطين مع إسرائيل
رام الله – يرتبط الاقتصاد الفلسطيني ارتباطا وثيقا بنظيره الإسرائيلي، لا سيما أن الأراضي المحتلة ثاني أكبر سوق للسلع الإسرائيلية، ومن هنا نشأت علاقة مصرفية قوية وحذرة بين البنوك العاملة في فلسطين، وطنية ووافدة، ونظيرتها الإسرائيلية.
ومع تلويح وزير المالية الإسرائيل بتسلئيل سموتريتش قبل أيام بتجميد ما يسمى "كتاب الضمان" للبنوك الإسرائيلية، والذي سنأتي على ذكره، تطفو كثير من التساؤلات عن شكل وطبيعة العلاقة وصلاحية وزير المالية الإسرائيلي، وما إذا كان قراره سيؤدي إلى انهيار النظام المصرفي الفلسطيني أم لا.
في حديثهما للجزيرة نت، يحاول خبيران الإجابة عن تلك التساؤلات.
في 11 يونيو/حزيران الجاري قال سموتريتش، إنه وجه بإنهاء حصانة بنوك إسرائيلية تتعامل مع أخرى فلسطينية ردا على عقوبات أوروبية فرضت عليه.
ويوم أمس الأول الثلاثاء، أعلنت وزارة المالية الفلسطينية عدم تحويل أموال "المقاصة" عن شهر أبريل/نيسان الماضي، وهي عائدات ضرائب على البضائع الواردة إلى أراضي السلطة تجبيها إسرائيل في المنافذ التي تسيطر عيلها، ما جعلها عاجزة عن دفع رواتب موظفيها عن ذلك الشهر.
في تعليقه على إعلان سموتريتش، يوضح مدير عام جمعية البنوك في فلسطين بشار ياسين، إن العلاقة بين البنوك العاملة بفلسطين والبنوك الإسرائيلية تقُوم على رسالتين أو خطابين أساسيين يوجهان من الحكومة الإسرائيلية دوريا إلى بنكين مراسلين تتعامل معهما البنوك في فلسطين، وهما "ديسكونت" و"هبوعليم".
يضيف ياسين، أن إحدى الرسالتين تصدر عن وزارة العدل الإسرائيلية، تضمنها الدفاع عن البنوك، في حال رفعت عليها قضايا تتهمها بالتعاون مع بنوك فلسطينية موسومة بدعم الإرهاب، أما الرسالة الثانية فهي رسالة "ضمان وتعويض" تصدر عن وزارة المالية الإسرائيلية، فحواها أن الوزارة على استعداد لأن تعوض البنوك الإسرائيلية التي تعمل مع البنوك العاملة بفلسطين في حال رفعت عليها قضايا خارج إسرائيل.
إعلانيشير مدير عام جمعية البنوك الفلسطينية إلى علاقة قوية بين البنوك في الجانبين، موضحا أن العادة جرت منذ عام 2016 أن تجدد الرسالتان تلقائيا لعام أو عامين، وبقي الأمر كذلك حتى جاء سموتريتش وحولهما إلى ورقة ضغط يبتز بهما السلطة الفلسطينية، وهدد مرارا وتكرارا بقطع العلاقة مع القطاع المصرفي الفلسطيني.
يقول ياسين، إن صلاحية الرسالتين حاليا مدتها عام وتنتهي آخر نوفمبر/تشرين الثاني، معتبرا أن "تصريح سموتريتش الأخير إعلامي أكثر منه إجراء نافذا" مشيرا إلى التواصل بمحامين وجهات دولية لمنع تحوله إلى خطوات عملية.
يوضح الخبير الفلسطيني أنه "ليس من صلاحيات وزير المالية الإسرائيلي قطع العلاقة مع البنوك الفلسطينية، لأن العلاقة تمر بإجراءات طويلة، منها مصادقة المجلس الوزاري المصغر "الكابينت" وإعطاء مهلة تسمى "فترة سماح" حتى تكون نافذة.
ويبدو أنه لو تمكن سموتريتش من الحصول على قرار من الكابينت بوقف إصدار الرسالتين، يشير مدير عام جمعية البنوك إلى "مخاطر مشتركة على الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي وليس على القطاع المصرفي الفلسطيني خاصة".
وأضاف "سيتضرر المجتمع الفلسطيني والقطاع التجاري في حال انقطعت العلاقة، كما أن الجانب الإسرائيلي سيتضرر أيضا".
وكمثال ذكر أن فلسطين تستورد من إسرائيل وقودا وكهرباء وماء بمليارات الدولارات سنويا، متسائلا: كيف ستدفع أثمانها إذا تم تجميد العلاقة بين البنوك؟
لكنه يوضح أن قطع العلاقة مع الجانب الإسرائيلي -إن حصل- ليس نهاية الطريق، إذ إن العلاقة المصرفية للبنوك العاملة في فلسطين مع البنوك المراسلة في الخارج لا تتأثر وتبقى كما هي سواء في مجال التجارة أم الحوالات.
من جهته، يقول الخبير الاقتصادي مؤيد عفانة، إن تلويح الوزير الإسرائيلي جاء بعد قرار دول أوروبية، ومنها فرنسا وبريطانيا بالتوجه نحو فرض عقوبات عليه.
ويرى أن إعلان سموتريتش "جاء من طرف واحد دون أن يرجع للكابينت، حيث أعلن أنه بعث برسالة للمحاسب العام للدولة، أي وزارة مالية التي هو مسؤول عنها بوقف كتاب التفويض، كما أعلن أنه لن يحوّل المقاصة ردا على مزاعم بوجود تحريض فلسطيني.
يوضح عفانة أن الإجراءين اللذين أعلن عنهما سموتريتش مختلفان، فتجميد المقاصة من صلاحياته، أما كتابي الضمان فمن صلاحيات المجلس الوزاري.
يشير عفانة إلى أن صدور كتابي الضمان، جاء بعد طلب البنكين المراسليْن الحماية من الحكومة لعلاقتهما بالمصارفة العاملة في فلسطين، خشية تعرضها لملاحقات قضائية بتهمة تمويل الإرهاب من خلال تلك العلاقة.
وبينما يطلق على كتاب وزارة العدل "حماية ودعم" قضائيا، يطلق على كتاب وزارة المالية "كتاب تفويض" وبموجبه تفوض وزارة المالية الإسرائيلية البنكين بالتعامل مع البنوك الفلسطينية وتتكفل بتعويضها لو تعرضت لضرر أو خسائر نتيجة هذه العلاقة" يضيف الخبير الاقتصادي.
وأضاف أن الكتابين ظلا يجددان تلقائيا حتى وصول سموتريتش إلى الحكومة أواخر 2023 حيث بدأ يتوقّف عندها، وبدل أن يصدرهما كل عام أو عامين، أصبح يصدرهما بشكل ربع سنوي ثم شهري بعد أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن ضغوطات سياسية ومفاوضات خلال أكتوبر 2024 أعادتها سنوية لتنتهي هذا العام مع نهاية نوفمبر.
إعلان قفزة في الهواءيرى عفانة أن قرار سموتريتش بإلغاء كتاب التفويض الصادر عن وزارته "قفزة في الهواء، لا قيمة عالية له إجرائيا، إنما يلوّح بورقة ليست بيده من باب الضغط، لأن الإلغاء بحاجة لقرار الكابينت، يلغي القرار الصادر عنه العام الماضي بتمديد التفويض حتى نهاية نوفمبر".
وبما أنه لا شيء مستغرب، يقول الخبير الاقتصادي الفلسطيني، إن سموتريتش يستطيع ابتزاز نتنياهو واستصدار قرار من الكابينت وعدم تمديد التفويض الحالي، وفي هذه الحالة، يمكن الحديث في الأضرار على الجانبين، خاصة وأن الأراضي المحتلة ثاني أكبر سوق لإسرائيل.
وأوضح أن فلسطين ومن خلال سلطة النقد والبنوك في فلسطين تتعامل مع 400 بنك مراسل في العالم، لكنّ البنكين الإسرائيليين لهما أهمية قصوى لأن جل التعامل المالي في القطاع التجاري خاصة الكهرباء والبترول والسلع يتم فيهما.
مع ذلك يشير الخبير الفلسطيني إلى بدائل منها استخدام بنك من خارج فلسطين لإتمام التعاملات المالية بما فيها تحويل المقاصة، لكن هذا الخيار يحمل في طياته مزيدا من التكلفة والوقت الذي سيدفع ثمنه المستهلك الفلسطيني.
بعد قرار إسرائيلي بقطع العلاقات مع البنوك الفلسطينية.. سلطة النقد الفلسطينية تقول إن القرار سيؤدي إلى انهيار كامل للاقتصاد الفلسطيني | تقرير: جيفارا البديري#حرب_غزة #الأخبار pic.twitter.com/laiaDGsu9h
— قناة الجزيرة (@AJArabic) June 13, 2025
لا انهيار للمصارفوفي بيان -بعد مزاعم إعلام عبري عن احتمال انهيار القطاع المصرفي بعد قرار سموتريتش- نفت سلطة النقد الفلسطينية (بمثابة البنك المركزي) "صحة الادعاءات بانهيار المصارف الفلسطينية عقب قرار إنهاء رسائل الضمان".
وأضافت أنها تتابع "ردود الأفعال على التهديدات الإسرائيلية بقطع العلاقة المصرفية المراسلة مع البنوك الفلسطينية" محذرة من أن "قطع العلاقة ينذر بوقف توريد السلع الأساسية إلى السوق الفلسطينية".
وقالت إنها تعمل منذ فترة مع المستوى السياسي وأطراف دولية عديدة للحفاظ على العلاقة المصرفية المراسلة لضمان عمليات التبادل التجاري وتسديد أثمان السلع والخدمات، وعلى رأسها المواد الغذائية والكهرباء والماء والمحروقات، موضحة أن المصارف الفلسطينية تعمل وسيطا ماليا في تنفيذ عملية شراء تلك السلع والخدمات.
وأكدت سلطة النقد، أن أموال المودعين لدى الجهاز المصرفي الفلسطيني محفوظة بأمان، وبأن المصارف تتمتع بملاءة مالية عالية وفقاً للمعايير الدولية ذات العلاقة. وأن الجهاز المصرفي الفلسطيني سيبقى متصلاً بالعالم الخارجي من خلال شبكة واسعة من البنوك في العالم ويقدم الخدمات للمواطنين محليا وعالمياً.
ووفق معطيات سلطة النقد الفلسطينية نهاية 2023، بلغ إجمالي الودائع في القطاع المصرفي نحو 12.7 مليار دولار، مشيرة إلى أن 13 مصرفا مرخصا، منها خمسة مصارف وافدة.