ظهرت مؤلفات الفقهاء العمانيين المعروفة بكتب الجوابات والنوازل من جديد منذ القرن التاسع الهجري بعد مرحلة من التراجع في التأليف في القرنين السابع والثامن. وفي القرن العاشر الهجري برز كتاب (منهاج العدل) لعمر بن سعيد بن عبدالله ابن معدّ البهلوي (ت:1009هـ)، وهو كتاب ضخم ما يزال مخطوطًا في أربع قِطَع كبيرة لكل منها نُسَخٌ عديدة في دُور وخزائن المخطوطات.
"بسم الله الرحمن الرحيم. ليعلم من يقف على كتابي هذا من ملّة الإسلام، من ذوي الشريعة والأحكام، والأئمة وولاة الأنام، العاملين بما أنزله الملك العلّام، وما سنّه المصطفى في الإسلام، صلى الله عليه وعلى آله وعليه السلام، وبعد إنه صحّ عندي وثبت لديّ أن في المال المسمّى بستان الكبير الذي خلفه زامل بن دهمش بن أزهر الذي شرقي بيته طريقًا جايزًا يخرج من العقر، تمرّ في الطريق الذي بين بيت علي بن عبدالله القصاب، وبين بيت بن عمه موسى بن عبدالله، وتخرج من النقب الذي في تلك الطريق ثم تمرّ تحت جدار السور إلى سهيل، ثم تمرّ في المال المذكور من سهيل تحاذي الجدار الذي بين هذا المال وبين المال المسمّى ذات زياد، وتخرج إلى الرادّة تلقى الطريق الجايز، وذلك مما حكم به القاضي أحمد بن صالح في زمان الإمام محمد بن سليمان في إمامته، وعمل بحكمه وأخرج الطريق الإمام محمد بن سليمان، وعزلها من المال من كان إمامًا وصرف الأشجار عنها، وكان القائم فيها على زامل بن دهمش المشايخ درع بن جرّاح وأحمد بن محمد بن خليل، وكتب القاضي فصيلة الحكم في هذه الطريق. وبعدما ذهب أمر الإمام غيّرها زامل بن دهمش وخلطها في ماله في زمان الجبابرة، وإنه قد شهد عندي الشهود الثقات بهذه الطريق المذكورة على هذه الصفة، وهي باقية في المال لا تتغيّر عن موضعها إلى أن يغيّر الله الأرض وأهلها. وطلب مني الشهود كتمان أسمائهم خوفًا من أهل زمانهم ومن لا يتقي الله فيهم، وقد أثبتُّ هذه الوثيقة حذرًا أن تذهب الطريق وتذهب الفصيلة الأولة، ورجاءً بأن يقوم في إخراجها أحد من المسلمين رجاءً من عند الله الأجر والثواب، أو يقوم أحد من أهل الحق الذي له الحل والعقد ولا يخاف في الله لومة لائم. كتبه وصح معه ذلك سعيد بن زياد بن أحمد بيده، حامدًا لله وحده. كتبه أفقر العبيد عمر بن سعيد بن عبدالله بن سعيد بيده. كتبه راشد بن عمر بن أحمد بيده تثبيتًا لآثار المسلمين. كتبه أفقر العبيد لله عمر بن أحمد بن عمر بن أحمد".
وخلاصة الوثيقة أنه وقع تَعَدٍّ على طريق ببهلا من لدن زامل بن دهمش بن أزهر، فحكم فيه الإمام، ثم بعد انقضاء حكم الإمام واستيلاء من سُمَّوا في الوثيقة بـ "الجبابرة" رجع المتعدّي عن الحكم، فجاءت هذه الوثيقة من بعده توثيقًا للحكم السابق. وفي النص ألفاظ حضارية عديدة منهال: المال: (البستان) – سهيل (جهة الجنوب) - الطريق الجايز – الرادّة – الفصيلة (فصل الحكم)، وفيها أيضًا ذكر بعض الأعلام في زمان الإمام محمد بن سليمان، وفي آخرها عدد من الشهود منهم عمر بن سعيد مؤلف كتاب (منهاج العدل).
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بن عبدالله سعید بن بن سعید أحمد بن بن أحمد عمر بن
إقرأ أيضاً:
مفهوم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أمر الله المؤمنين بإظهار شرف نبيّه المبين، وتعظيم شأن سيّد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم أجمعين، واستغراق الوسع في ذلك بالمدح وكثرة الثناء، وتمام المتابعة والاقتداء، وذلك كلُّه مضمَّن في الأمر الإلهي بالصلاة والسلام على الجناب النبوي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]. والصَّلاةُ: هي التعظيم؛ كما قال الإمام الحليمي [ت 403هـ] في "شعب الإيمان" (2/ 133، ط. دار الفكر)، وهي: الدّعاء، والتّبريك، والتّمجيد، كما نقله الراغب [ت 502هـ] في "المفردات" (ص: 490، ط. دار القلم) عن كثير من أهل اللغة.
معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلمقال حجة الإسلام الغزالي -فيما نقله الإمام الزركشي في "تشنيف المسامع" (1/ 105، ط. مكتبة قرطبة)-: [الصلاة موضوعة للقدر المشترك؛ وهو: الاعتناء بالمصلى عليه] اهـ.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وقال الإمام البيضاوي [ت 685هـ] في "تفسيره بحاشية الشهاب" (7/ 184، ط. بولاق 1283هـ): [﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: 56] يعتنون بإظهار شرفه وتعظيم شأنه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ اعتنوا أنتم أيضًا؛ فإنكم أولى بذلك] اهـ، قال العلامة الشهاب الخفاجي [ت 1079هـ] في حاشيته عليه "عناية القاضي وكفاية الراضي": [الصلاة بمعنى الدعاء تجوّز بها عن الاعتناء بصلاح أمره وإظهار شرفه] اهـ بتصرف.
وقال الشيخ ابن القيم الحنبلي [ت 751هـ] في "جلاء الأفهام" (ص: 168، ط. مجمع الفقه): [معنى الصلاة: هو الثناء على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والعناية به، وإظهار شرفه وفضله وحرمته، كما هو المعروف من هذه اللفظة] اهـ.
وقال الإمام الحافظ ابن الجزري [ت 833هـ] في "مفتاح الحصن الحصين" (ق: 21أ، خ. الأزهرية): [الصلاة في الأصل: التعظيم، وإذا قلنا: "اللّهُمّ صَلِّ عَلَى مُحَمّد" فالمعنى: عظِّمْه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دعوته، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته، وتضعيف أجره ومثوبته] اهـ.
وقال الإمام الخطيب الشربيني [ت 977هـ] في تفسيره "السراج المنير" (3/ 268، ط. بولاق 1285هـ): [أي: حيُّوهُ بتحيّة الإسلام وأظهروا شرفه بكل ما تصل قدرتُكم إليه؛ من حسن متابعته، وكثرة الثناء الحسن عليه، والانقياد لأمره في كل ما يأمر به] اهـ
الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
والأمر بالصلاة على الجناب النبوي الشريف معناه: الاعتناء بإظهار شرفه وفضله وحرمته، والثناء عليه بكمال خِلْقته وفطرته، وجميل أخلاقه وشمائله وسيرته، وتمجيده بكريم مكانته ورفيع درجته، وتعظيم شأنه وذكره بعظيم ما أولاه مولاه، وتنزيهه عمَّا لا يليق بجنابه الشريف، والانقياد لأمره، وبذل الجهد واستفراغ الوسع في ذلك كله قولًا وفعلًا، على قدر ما تصل إليه القدرة وتستطيعه الطاقة.