جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-12@05:20:36 GMT

رُب شرارة أحرقت سهلًا

تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT

رُب شرارة أحرقت سهلًا

 

 

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

ما زالت التداعيات تتوالى على إثر اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو عضو حزب الشعب الجمهوري المُعارض والمنافس القوي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ حيث تصاعدت المظاهرات والاحتجاجات حتى عمَّت مُعظم المدن، رغم حظر التجمعات، إلّا أن الجماهير تحدت تلك الإجراءات؛ مما اضطر الحكومة لإغلاق الجسور والشوارع الرئيسية المؤدية للساحات العامة واستخدام الغاز المُسيِّل للدموع، وما رافقها من حملة اعتقالات واسعة بحق الناشطين السياسيين، كما تشير التقارير الإعلامية.

ولا ريب أن ما يجري، إضافة إلى العوامل الداخلية المتراكمة، ما هو إلّا وجه من وجوه الشرق الأوسط الجديد، ولا يمكن اعتباره مجرد حدث عابر أو رد فعل طبيعي في مجتمع مُحتقِن ويتمتع بقدر من الحريات السياسية. وفي هذا السياق لا بُد من التأكيد مُجددًا أن المنطقة يُعاد ترتيب خارطتها على قواعد جديدة، ولن يشفع لبعض الجماعات السياسية الإقليمية التي تعتقد أن ما يسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد" تقتصر مفاعيله على الوطن العربي، أو على الأقل بعض دوله، التي تُعد من وجهة نظر الإمبريالية والصهيونية العالمية مارقة! وعلى ضوء هذا التقدير الخاطئ، تعاطت بخفة واستهتار مع أحداثه المؤلمة مدفوعة بأحقاد الماضي، أكثر من تطلعات المستقبل، وبما أن الملفات الإقليمية مُتداخِلة، فإنَّ ما يعنينا الآن هو محاولة الربط بين ما يجري حاليًا وبين الحدث الأهم والذي لا يمكن قراءة المشهد التركي وتحديد ملامحه المستقبلية دون التوقف أمام أبعاده الاستراتيجية.

هذا المُستجَد التاريخي عنوانه الجوهري القضية الكُردية، وليس بخافٍ أن معظم أطياف المعارضة التركية على صلة وثيقة بالنداء الأخير لزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان المُعتَقَل في جزيرة إمرالي قرب بحر مرمرة منذ سنة 1999، والذي دعا فيه- أي الإعلان- إلى وقف الكفاح المُسلَّح وحلّ الحزب، والانخراط في المؤسسات التركية.

هذا البيان بالصيغة التي قُدِّم بها يُعد تحولًا جذريًا في موقف أوجلان السياسي، وأن ردود الأفعال المُرحِّبة بهذا التوجه؛ سواءً على صعيد حزب العمال وبقية المكونات الكردية، أو على الصعيدين الإقليمي والدولي، لن تكون مفهومة أو مبررة إلّا في إطار تسوية تاريخية. بَيْد أن تسوية من هذا النوع وفي ملف ضخم ومُعقَّد بحجم الملف الكردي، تتطلب علاوة على الضمانات الدولية، شرطين رئيسين؛ الأول: توافق إقليمي بين القوى ذات الصلة بهذا الملف، والثاني، وهو الأهم، بحاجة لقوى ديمقراطية تؤمن بالتعددية القومية والدينية وتعبيراتها السياسية. وهذا يتطلب بالضرورة تغييرات هيكلية داخلية تضمن إمكانية المُصالحة والانتقال للدولة الديمقراطية التي تستوعب كافة المكونات الاجتماعية؛ بما يحقق جزءًا من العدالة التاريخية للشعب الكردي، الذي تعرَّض عبر القرون الماضية للقمع والاضطهاد وطمس شخصيته القومية وحرمانه من حقه في تقرير مصيره، وتكوين دولته المُستقلة، أسوةً بجميع شعوب المنطقة.

كُل هذا بحاجةٍ الى ظرف تاريخي استثنائي، وقد بادر المُكَوِّن الكردي لتوفير أُسسه مُخطئًا الغاية التي شكَّلت محور نضاله التاريخي، ولم يعد هناك عائق جدي يمكن أن يُعطِّل مثل هذا الهدف، سوى النهج الأيديولوجي والسياسي الذي يُمثله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي على ما يبدو استنفد كافة أدواره؛ الأمر الذي قد يؤدي للشطب من المعادلات القادمة.

هذا الاستنتاج قد يبدو بخلاف الصورة النمطية المرسومة في الأذهان، والتي تحاول الآلة الإعلامية المُؤدْلَجة تسويقها وترسيخها خلال العقدين الماضيين، استنادًا الى التصريحات المُتناقِضة التي تصل أحيانًا الى حد الهلوسة والهذيان، التي يصعب ضبطها. وبطبيعة الحال، فإنَّ هذا الدور لم يكن خارج الرؤية الأمريكية والصهيونية، وككل دور وظيفي- مهما بدا عظيمًا- فإنَّ نهايته دومًا تراجيدية. غير أن التشكيك بهذه الصورة الزاهية، وإن من قبيل التحليل السياسي، قد يُصيب الذين يُكوِّمون الحقائق والقناعات الذاتية من الإعلام الموجه بالدوار وفقدان التوازن وأحيانًا بالاكتئاب، بطبيعة الحال، فإن التغيير وفق حسابات المعارضة لن يتم إلّا عبر الآليات الديمقراطية والاحتكام للإرادة الشعبية. ومن المعروف أن المعارضة قد دعت في الفترات الماضية الى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، غير أن الرئيس أردوغان أعلن مرارًا أنه لا يرى حاجة لمثل هذا الإجراء، وهو بالطبع رأي النُظم الشرق أوسطية، التي لا ترى حاجة مُلحّة لأي نداء يصدر عن القطاعات الشعبية، مُكتفيين بالدعم الإمبريالي والصهيوني للإفلات من مُوجِبات التاريخ.

غير أنَّ الشعب التركي الذي قطع أشواطًا مُتقدِّمة في تطوره السياسي والديمقراطي، سيفرض خيار الانتخابات المُبكرة، بحيث تفتح نتائجها المتوقعة الطريق أمام مُعالجة جدية لمجمل الملفات الإقليمية الساخنة، وفي مقدمتها القضية الكردية، وذلك على أساس توفير مناخات إيجابية للتعايش السلمي الديمقراطي، الذي يحفظ الهويات الثقافية لجميع المكونات، ويفتح أفق الاستقرار السياسي.

ويبدو أنَّ الشرارة التي أحرقت سهل الشرق الأوسط، بدأت نيرانها تلتهم البُستان التركي الوارف الظلال.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

التحركات الميدانية في الحوز: بين مقاربة التنمية المستدامة واتهامات الاستغلال السياسي

بقلم: شعيب متوكل

بعد مرور عامين على الزلزال الذي هزّ منطقة الحوز وخلف خسائر بشرية ومادية جسيمة، عادت الأضواء مجددًا إلى المنطقة، ليس بسبب كارثة جديدة، وإنما بفعل زيارات ميدانية مفاجئة قامت بها أحزاب سياسية، جمعيات مدنية، وشخصيات معروفة في المشهد العام. هذه التحركات، التي جاءت بعد فترة من الاحتجاجات والمطالب الاجتماعية من طرف السكان المتضررين، تثير تساؤلات حول دوافعها وتوقيتها.

خلال العامين الماضيين، شهدت عدة مناطق متضررة من الزلزال وقفات احتجاجية متكررة، طالب فيها السكان بالإسراع في إعادة الإعمار وتوفير الخدمات الأساسية، دون أن تلقى تفاعلاً ملموسًا من أغلب الجهات السياسية، باستثناء بعض المداخلات المحدودة تحت قبة البرلمان. هذا الغياب فسّره البعض بالتقصير، فيما رأى آخرون أن طبيعة المرحلة فرضت أولويات وإكراهات حالت دون استجابة شاملة.

ومع عودة الوفود إلى المنطقة في الأيام الأخيرة، تتباين الآراء بين من يرى فيها تفاعلًا إيجابيًا حتى وإن جاء متأخرًا، وبين من يخشى أن يكون مرتبطًا بتحضيرات انتخابية أو حسابات ظرفية. ورغم أن بعض المبادرات تحمل طابعًا تنمويًا أو إنسانيًا، إلا أن توقيتها يظل محل نقاش في أوساط المتتبعين وتفوح منه رائحة العنبر السياسي.

كما أن السكان المحليون، الذين ذاقوا مرارة الزلزال وتبعاته، وذاقو مرارة الصدود عنهم في وقت الحاجة. لم يخفوا شكوكهم إزاء هذه التحركات المفاجئة، متسائلين عن سبب الغياب الطويل للمسؤولين.

من جانبهم، يؤكد عدد من الفاعلين المحليين على أهمية أي تدخل يساهم في تحسين أوضاع المتضررين، مشددين في الوقت ذاته على ضرورة اعتماد مقاربة مستدامة، تتجاوز منطق المناسبات أو التحركات الموسمية. كما يشددون على ضرورة التنسيق بين مختلف الجهات المعنية لضمان عدالة الإنصاف وفعالية الإنجاز.

في النهاية، تظل هذه الزيارات، مهما كانت خلفياتها، فرصة لإعادة تسليط الضوء على معاناة استمرت طويلاً، وربما تشكل بداية لتصحيح مسار التفاعل مع الأزمات. غير أن نجاح أي تدخل يظل رهينًا بمدى استمراريته، وابتعاده عن منطق التوظيف السياسي، لصالح مصلحة المواطن أولاً وأخيرًا.

ما يحدث اليوم بالحوز يعكس أزمة ثقة بين المواطن والمؤسسات، ويؤكد الحاجة إلى مقاربة تنموية عادلة تتجاوز منطق الاستغلال الظرفي وتضع مصلحة الساكنة فوق الحسابات السياسية.

 

مقالات مشابهة

  • شرارة الاحتجاجات تصل إلى مدن أمريكية كبرى
  • أحاديث نبوية أهملها الفقه السياسي الإسلامي (1)
  • التحركات الميدانية في الحوز: بين مقاربة التنمية المستدامة واتهامات الاستغلال السياسي
  • السياسي الحقيقي والسياسي الوهمي.. مشاتل التغيير (22)
  • صوفان: وجود شخصيات على غرار فادي صقر ضمن هذا المسار له دور في تفكيك العقد وحل المشكلات ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها البلاد.. نحن نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا في مرحلة السلم الأهلي مضطرون لاتخاذ قرارات لتأمين استقرار نسبي للمرحلة
  • شرارة لوس أنجلوس تشتعل في تكساس.. دالاس وأوستن تنتفضان ضد حملات الترحيل | تقرير
  • في مواجهة التنمر السياسي ضد المرأة اليمنية
  • "شرارة" لوس أنجلوس تصيب مدينة أخرى.. واعتقال 60 شخصا
  • استطلاع لمعاريف: المعارضة تتقدم ونتنياهو يفقد توازنه السياسي
  • سامسون سبور التركي يُبدي اهتمامه بضم نكودو جناح ضمك