خبراء يحذّرون من «كارثة» اقتصادية.. المواطن وحده الخاسر الأكبر!
تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT
أكد الخبير في الشأن الاقتصادي علي المحمودي، أن “الارتفاع المستمر في سعر الدولار مقابل الدينار يعود بالدرجة الأولى إلى غياب سياسات نقدية واضحة من قبل مصرف ليبيا المركزي”، مشيرًا إلى أن “الإنفاق الحكومي غير المنضبط يُعد من أبرز العوامل التي ساهمت في تفاقم الأزمة”.
وأوضح المحمودي، لوكالة “سبوتنيك”، أن “معدل الإنفاق الحكومي الحالي لا يتناسب مع إيرادات الدولة، خاصة في ظل التراجع الحاد في عائدات النفط، ما أدى إلى عجز في توفير العملة الصعبة للسوق المحلية”.
وأضاف أن “ارتفاع عرض النقود في ليبيا وصل إلى 159 مليار دينار، بينما لا تتجاوز إيرادات النفط 25 مليار دينار، وهو ما أدى إلى زيادة كبيرة في الطلب على الدولار، وبالتالي ارتفاع قيمته أمام الدينار الليبي”.
وأشار المحمودي إلى أن “عدم وجود سياسات نقدية واضحة، بالإضافة إلى تحالف المصرف المركزي مع الحكومة، ساهم في تفاقم المشكلة”، لافتًا إلى أن “المصرف لا يزال يلعب دورًا سياسيًا أكثر من كونه مؤسسة مالية مستقلة، حيث يسعى لأن يكون سلطة نقدية وسياسية في آن واحد”.
واعتبر أن “التغييرات التي حدثت في إدارة المصرف المركزي كانت شكلية فقط، بينما لا تزال آليات العمل كما هي، وسط تعنت المحافظ في اتخاذ قرارات إصلاحية حقيقية”، مضيفًا أن “مجلس الإدارة قد يضطر إلى الخروج عن صمته لتبرير هذا الفشل الاقتصادي”.
وأوضح أن “تحالف المحافظ الجديد مع الحكومات أدى إلى فتح خزائن المصرف أمامها، مما تسبب في زيادة الإنفاق وطباعة الأموال، سواء ورقيًا أو إلكترونيا، وهو ما زاد من التضخم وأدى إلى تدهور قيمة الدينار”.
وأشار المحمودي إلى أن “المؤسسة الوطنية للنفط أخفقت في تحقيق الإيرادات المتوقعة، مما أدى إلى عجز مالي انعكس بشكل مباشر على ارتفاع سعر الدولار”، لافتًا إلى أن “الإنفاق الحكومي في شرق ليبيا، الذي يتم من خلال المصرف المركزي في بنغازي، زاد من الضغوط الاقتصادية”.
وحذّر الخبير الليبي من أن “الآثار السلبية لهذه الأزمة ستنعكس بشكل مباشر على المواطنين، حيث ستشهد الأسعار ارتفاعًا كبيرًا، خاصة في السلع والخدمات الأساسية، نظرًا لاعتماد ليبيا بنسبة 97% على الواردات الخارجية”.
وتوقع الخبير “ضعفًا في القوة الشرائية، وزيادة في معدلات التضخم، وارتفاع نسبة الفقر التي تتجاوز حاليًا 40%، ما سيؤدي إلى ركود اقتصادي يفاقم معاناة الليبيين”.
وشدد المحمودي، “على ضرورة وضع خطط اقتصادية شاملة تشمل القطاع المصرفي وقطاع النفط والتخطيط الاقتصادي، موضحًا أن “هذه الحلول تحتاج إلى استراتيجية بعيدة المدى، لكنها لن تتحقق في ظل التجاذبات السياسية الحالية”.
وأكد أن “الأزمة ستستمر ما لم يتم تحقيق استقرار سياسي حقيقي، وإصلاحات مالية واقتصادية تضمن ضبط الإنفاق الحكومي وإدارة الموارد المالية بطريقة أكثر كفاءة”.
بدوره، رأى المحلل السياسي حسام الدين العبدلي، أن “أزمة ارتفاع سعر الدولار في ليبيا، لا تعود فقط إلى عوامل اقتصادية داخلية، بل ترتبط بتدخلات خارجية مباشرة، أبرزها سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية والمؤسسات المالية الدولية على القرارات النقدية الليبية”.
وأشار العبدلي، إلى أنه “عندما قرر المجلس الرئاسي الليبي إقالة المحافظ السابق لمصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، وتعيين عبد الفتاح عبد الغفار، بدلًا منه، ظهر للجميع أن تغيير المؤسسات السيادية ليس بيد الليبيين”، موضحًا أن “غياب التشاور مع القوى الدولية المتدخلة في الشأن الليبي حال دون تنفيذ هذا القرار، مما جعل عبد الغفار عاجزًا عن تغيير سعر الصرف أو إجراء أي إصلاحات نقدية”.
وأوضح أن “الولايات المتحدة دعمت استمرار الصديق الكبير، في منصبه، وعززت نفوذه داخل المصرف المركزي عبر علاقاته مع صندوق النقد الدولي، مما ساهم في فرض سياسات اقتصادية زادت من الأعباء على المواطنين، مثل فرض الضرائب على النقد الأجنبي ومحاولات رفع الدعم عن الوقود”.
وكشف العبدلي، “عن اجتماع عقد في تونس برعاية وزارة الخزانة الأمريكية، حضره ممثلون عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وكان مقدمة للاجتماع الذي رعته بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، والذي تمخض عنه تعيين المحافظ الحالي الناجي عيسى، ونائبه مرعي البرعصي، مؤكدًا أن “هذا الترتيب يعكس التدخل الأمريكي المباشر في إدارة المصرف المركزي”.
وأضاف أن “التدخلات التي كانت قائمة خلال فترة الصديق الكبير، لا تزال مستمرة حتى اليوم، حيث تفرض المؤسسات المالية الدولية توجهاتها على السياسات الاقتصادية الليبية، مما يضعف قدرة المصرف المركزي على اتخاذ قرارات مستقلة تصب في مصلحة الاقتصاد الوطني”.
وتساءل العبدلي: “ما الذي قدمه المحافظ الحالي من إصلاحات حقيقية؟”، مشيرًا إلى أن “الوعود التي أطلقها حول إنهاء أزمة السيولة وتحسين وضع الدينار الليبي لم تتحقق، بل باتت الأرقام التي ينشرها المصرف المركزي محل شك، خاصة فيما يتعلق بحجم العجز في النقد الأجنبي”.
وأوضح العبدلي أن “المصرف المركزي أعلن أن إجمالي مبيعات النقد الأجنبي بلغت 2.3 مليار دولار، في حين لم تتجاوز الإيرادات خلال الفترة نفسها 778 مليون دولار، مما يعني عجزًا بقيمة 1.52 مليار دولار، وهو ما تسبب في حالة من البلبلة في السوق وارتفاع سعر الدولار إلى أكثر من 7 دنانير”.
وأكد العبدلي لوكالة سبوتنيك، أن “المحافظ الحالي كان عليه أن يسعى إلى معالجة هذا العجز عبر التنسيق مع الحكومة ومجلس النواب ومؤسسة النفط، بدلًا من التذرع بالإنفاق الحكومي المزدوج كسبب رئيسي للأزمة”.
وأضاف أنه “بدلًا من تقديم حلول عملية، قام المحافظ بنشر أخبار العجز لإثارة المخاوف بين المواطنين، مما ساهم في ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي، وهو ما يعيد إلى الأذهان نفس السيناريو الذي حدث خلال فترة الصديق الكبير، عندما لجأ الأخير إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي فرض حينها ضريبة بنسبة 27% على الدولار”.
وحذّر العبدلي من “إمكانية تكرار هذا السيناريو، حيث قد يسعى المحافظ الحالي إلى دفع مجلس النواب لاتخاذ قرار بفرض ضرائب جديدة على النقد الأجنبي، مما سيثير غضب الشارع الليبي”، مؤكدًا أن “تحميل المواطنين أعباءً إضافية دون معالجة الخلل الاقتصادي الحقيقي لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة”.
وأكد على أن “مصير المحافظ الحالي سيكون السقوط إذا لم يجد حلولًا حقيقية لأزمة العجز بعيدًا عن فرض ضرائب جديدة على الشعب الليبي”، مشددًا على أن “المصرف المركزي أصبح أداة ضغط على المواطنين بدلًا من أن يكون مؤسسة لحماية الاستقرار النقدي والمالي”.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: الاقتصاد الليبي الدينار الليبي المصرف المركزي ارتفاع سعر الدولار الإنفاق الحکومی المحافظ الحالی المصرف المرکزی الصدیق الکبیر النقد الأجنبی مجلس النواب بدل ا من ا إلى أن أدى إلى وهو ما
إقرأ أيضاً:
“البنك المركزي في عدن” أداة حرب بيد السفارات.. والضحية هو الشعب
يمانيون | تقرير تحليلي
لم تكن التظاهرات التي شهدتها حضرموت وسواها من مدن جنوب اليمن مؤخرًا، إلا انعكاسًا لحالة اختناق اقتصادي واجتماعي وصلت إلى ذروتها في ظل سلطة الاحتلال وحكومة المرتزقة، بفعل الانهيار المتواصل للعملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، وما نتج عن ذلك من ارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات، وفقدان أي استقرار معيشي.
فالواقع الذي تشهده هذه المناطق لم يعد يُحتمل، حيث بات الناس يصحون كل يوم على سعر صرف جديد، ويتعايشون مع غلاء متصاعد يُلقي بثقله على كاهل المواطن المنهك أصلًا… وقد دفعت هذه الأوضاع القاسية بالشارع الجنوبي إلى التعبير عن غضبه واحتقانه، ما دفع أدوات الاحتلال إلى محاولة امتصاص الغضب عبر تخفيض مفاجئ لأسعار الصرف، وتحديدًا الدولار الأمريكي، الذي جرى تداوله منذ أشهر بأكثر من ثلاثة آلاف ريال يمني، قبل أن يُخفض خلال ساعات إلى نصف هذا الرقم تقريبًا.
وسائل إعلام مقرّبة من حكومة المرتزقة حاولت تبرير هذه الخطوة المفاجئة بالإشارة إلى ضغوط أمريكية وأجنبية مباشرة، مورست على ما يسمى “البنك المركزي” في عدن، إثر تصاعد المخاوف من انفجار شعبي واسع نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية، لا سيما مع مؤشرات متزايدة بانهيار المنظومة الاقتصادية في مناطق الاحتلال.
تهريب العملة ونهب رأس المال الوطني
وبحسب مختصين اقتصاديين، فإن هذه الخطوة لم تكن سوى معالجة سطحية ومؤقتة لأزمة عميقة صنعها العدوان نفسه، من خلال تهريب رأس المال الوطني بالنقد الأجنبي إلى الخارج، وهو ما تسبب في خلق أزمة حادة في السيولة، واختلال فاضح في العرض والطلب، ما فتح المجال لتجار الأزمات للتحكم بسعر الصرف والمضاربة بالعملة.
وبينما يستمر ضخ العملة المحلية بلا غطاء، يجد المواطن نفسه أمام غلاء أسعار غير مبرر، انعكس بشكل مباشر على السلع الأساسية، إذ كشفت التقارير أن الأسعار الحالية تمثل ضعف أو ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل هذه الأزمة المفتعلة، في حين أن الانخفاض المفاجئ في سعر الصرف لم يُترجم إلى انخفاض موازٍ في الأسعار داخل الأسواق، ما يدل على أن ما جرى كان مجرد عملية شكلية لاحتواء الغضب الشعبي، وليس تغييرًا حقيقيًا في السياسات الاقتصادية.
صراعات فساد وتنافس خفي بين مراكز النفوذ
ما جرى أيضًا أعاد إلى الواجهة الحديث عن صراعات الفساد في منظومة المرتزقة، لا سيما بين المتنفذين والمستوردين الكبار الذين يُهيمنون على السوق.. فبحسب مصادر اقتصادية، فإن هؤلاء لم يُبدوا أي ثقة بما يسمى بـ”السياسة النقدية” التي يديرها البنك المركزي في عدن، بل إن غالبيتهم يعتقدون أن ما حدث كان مجرد إجراء مؤقت هدفه تهدئة الشارع، وأن سعر الصرف سيعود قريبًا إلى الارتفاع، في ظل استمرار نفس السياسات الكارثية.
أما المواطن في مناطق الاحتلال، فهو الخاسر الأكبر في هذه المعادلة المختلة، إذ تبخرت مدخراته خلال السنوات الماضية، وتآكلت قدرته الشرائية بفعل التضخم وارتفاع الأسعار، دون وجود أي حماية أو رقابة أو ضوابط من الجهات التي يُفترض أنها مسؤولة عن إدارة الاقتصاد، لكنها في الواقع خاضعة بالكامل لتوجيهات سفارات دول العدوان.
سوق مختل.. وعملة وطنية بلا قيمة حقيقية
الواقع في الجنوب يُظهر مفارقة قاتلة: عملة محلية تغرق السوق دون قيمة حقيقية، وعملة أجنبية محدودة تُحتكر من قبل شبكات مالية وتجارية مرتبطة بمراكز النفوذ، ما يُعيد تشكيل السوق وفق مصالح المحتكرين، وليس وفق قواعد العرض والطلب.
ويُشير خبراء إلى أن البنك المركزي في عدن لم يعد سوى أداة تنفيذ لسياسات مرسومة خارجيًا، وهو ما أفقده أي استقلال أو سيادة، بل وحوّله إلى جزء من منظومة النهب والفساد التي تستنزف ما تبقى من الاقتصاد الوطني في الجنوب المحتل.
اللعب بالنار.. ومخاطر الانفجار القادم
منذ سيطر الاحتلال على مفاصل الاقتصاد في الجنوب، بات المواطن رهينة تقلبات يومية لا يمكن التنبؤ بها، حيث ينام على سعر ويصحو على آخر، دون أن يجد تفسيرًا لما يجري، سوى أن هناك أيادي خفية تعبث بمعيشته وتستنزف مدخراته.
واليوم، بعد أن فشل الاحتلال في تعليق فشله على صنعاء، بدأت أدواته ترتبك أمام واقع لم تعد تستطيع التستر عليه، وتجد نفسها في مواجهة مباشرة مع الشارع الجنوبي الغاضب.
الخطوة الأخيرة في تخفيض سعر الصرف قد تبدو للبعض أنها محاولة لامتصاص الغضب، لكنها في الواقع فتحت معركة الأسعار على مصراعيها، وربما تكون بداية تصدع حقيقي في منظومة الاحتلال الاقتصادية، خاصة إذا ما فشلت أدواته في السيطرة على السوق، أو استمرت في اعتماد نفس السياسات الخاطئة التي أوصلت الجنوب إلى هذا الوضع الكارثي.
خلاصة
إن ما جرى خلال الأيام الماضية في الجنوب اليمني يُمثل نموذجًا واضحًا لفشل الاحتلال في إدارة الملفات الاقتصادية والمعيشية، ومحاولة مكشوفة لشراء الوقت عبر إجراءات شكلية لا تمس جوهر الأزمة.
ووسط كل ذلك، يبقى المواطن هو الضحية الأولى، والغضب المتصاعد مؤشر خطير على أن الانفجار الشعبي لم يعد مسألة احتمال، بل مسألة وقت، ما لم تحدث تغييرات جذرية تعيد للناس كرامتهم، وتحمي أموالهم من عبث المحتكرين والفاسدين.