من البداية، كنت أعلم أن عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرة ثانية إلى البيت الأبيض لن تمر بخير، فالرجل رجع لتصفية حسابات حزبية وشخصية، وشنّ حروب، وابتداع تقاليد تجارية غريبة على العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
تبدو أفكار ترامب في الحكم خليطًا من أوهام القوة والغباء، ولا يُعقل أن يكون زعيمًا في مثل مكانه لا يعرف بالفعل قوة أمريكا، ويتصرف وكأنه أخذ لتوّه بلدًا من "بلاد الموز"، وأنه يحارب من أجل أن تدبّ فيها التنمية أو ينتشلها من الفقر والضياع!
وهذه الأوهام هي التي تقوده إلى اتخاذ قرارات ليست فقط سيئة، سواء كانت سياسية أو عسكرية أو اقتصادية، ولكنها كارثية، وستكون ضحيتها الأولى الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها.


وإذا كان الاقتصاد الأمريكي يمثل ربع الاقتصاد العالمي بالفعل، وإذا كان الدولار هو العملة الوحيدة المهيمنة على كافة اقتصادات العالم، وكافة احتياطات دول العالم النقدية، فإن الرسوم الجمركية التي أعلنها ترامب دون أي دراسة لها، ستكون القشة التي تقصم ظهر الإمبراطورية الأمريكية. وسيدخل ترامب التاريخ – حال اكتمال فترة ولايته – باعتباره أول رئيس أمريكي يدق المسمار الأول في نعش الإمبراطورية الأمريكية.
صحيح أن أكثر من 180 دولة أعلن ترامب عليها حربًا تجارية، وفرض عليها رسومًا جمركية تتراوح من 10% إلى 41%، منها الصين والاتحاد الأوروبي وكندا وكبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة. قد تتأثر في البداية بفرض هذه الرسوم، وسيهتز الاقتصاد العالمي بشدة، وقد يدخل الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود، ما سيكون له تداعيات كارثية على العالم، نظرًا لحجم أمريكا وتعاملاتها التجارية والاقتصادية. لكن يُعتقد أنه في خلال عام 2025 وحتى منتصف 2026، قد يفيق العالم من صدمة هذه الرسوم، بعد ثمن فادح تدفعه واشنطن وركود سيؤثر على الجميع.
يتوهم ترامب، أن فرض رسوم جمركية عالية على واردات الولايات المتحدة من الصين والاتحاد الأوروبي وكندا وغيرهم، سينهض بالاقتصاد الأمريكي وبالصناعة الأمريكية – التي هي أصلًا في مقدمة صناعات العالم، والاقتصاد الأول في العالم – سواء كره هو بايدن أو احتقر فترة حكمه أو ساق ضلالات كثيرة ومعلومات مغلوطة عنه.
ولعل الصحفي الأمريكي الشهير بوب وودورد كان محقًا حين قال: إنه مهما ردد ترامب من أكاذيب، فالواقع أن الاقتصاد الأمريكي اليوم، عقب نهاية حكم بايدن، يعيش انتعاشة حقيقية، وانخفض معدل البطالة في عهد بايدن إلى 3.4%، وهو الأدنى منذ 50 عامًا في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد خلق 16 مليون وظيفة ورفع الأجور. كما أن معدل التضخم ما بين 2.8% - 3%، وهي نسبة ضئيلة للغاية وسط اقتصاد عملاق يهيمن على العالم. لكن ترامب لا يفهم ذلك، ويبتدع رسومًا جمركية يتصور أنها ستكون رادعة لكبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة وتقلل من صادراتهم إلى واشنطن.
وجاءت أول القصيدة كفرًا كما يقولون، فقد أثار إعلان ترامب فرض رسوم جمركية ضخمة على العشرات من الدول، دون تدرج أو حتى اختبار آثارها بشكل مرحلي، حالة من الاضطراب والتوتر، وهي أشبه ما تكون بإلقاء قنبلة نووية أمريكية على الاقتصاد العالمي، واقتصاد واشنطن ذاتها. ولذلك، أسفرت عن خسائر فادحة للشركات الأمريكية، وقالت وكالة "أسوشيتد برس" إن جميع القطاعات عانت من تداعيات رسوم ترامب، وانخفاض حاد في الأسواق المالية الأمريكية، واختفت أكثر من 2 تريليون دولار من القيمة السوقية للشركات.
المثير أن الصين، العملاق الآسيوي الأصفر، لم تكتفِ بالمشاهدة كما هو حال الاتحاد الأوروبي الذي لم يرد بعد على رسوم ترامب، بل أعلنت فرض رسوم جمركية مضادة على بعض المنتجات الأمريكية كرد فعل مباشر على الرسوم التي فرضها ترامب، بنسبة 34%، ما يرفع من مستوى التوتر والحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، وما سيكون من أثر ذلك على مستوى العالم.
وإذا كانت الرسوم الجمركية التي أعلنها ترامب هي أكبر تصعيد في الرسوم الجمركية الأمريكية منذ قرن، فإنها لن تكون أبدًا بمثابة يوم التحرير أو الاستقلال الاقتصادي، بل ستكون، على العكس تمامًا، بداية إعلان الوفاة للاقتصاد الأمريكي، وتراجع الاستثمارات الضخمة داخله، وإحجام شركات أوروبية وفرنسية وصينية ضخمة عن الاستثمار فيه.
إن ترامب – ورغم أنه رجل أعمال وملك الصفقات قبل خوض مضمار السياسة – إلا أنه تصرّف كطالب إعدادية في مجال الرسوم الجمركية، ولم يُعطِ لإدارته، ولا لأعضاء حزبه، فرصة لاختبار أثر هذه الرسوم الجمركية على بلده نفسها وبشكل مرحلي ومتدرج.
الحقيقة أن ترامب، وبهذه الخطوة الاقتصادية الغبية وغير المدروسة، إنما يحارب الولايات المتحدة ذاتها. إنه يتصرف – كما قلت – سياسيًا واقتصاديًا كأنه يحكم إحدى دول أفريقيا التي تقبع في التخلف، ولا يعرف حقيقة أن الولايات المتحدة مهيمنة بالفعل عسكريًا واقتصاديًا على العالم، وهذا الوضع مستمر منذ الحرب العالمية الثانية في أربعينيات القرن الماضي. لكنه، وبوسواسه أنه "المخلّص" والمنقذ، سيدفع بالإمبراطورية الأمريكية نحو الغروب.
كما أن تحفز كل من الصين واليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي لهذه الحرب، والرد عليها غالبًا برسوم مضادة، سيشعل حربًا تجارية عالمية هائلة.
الاقتصادات الآسيوية الكبرى، مثل الهند واليابان، ستتأثر من رسوم ترامب الجمركية، وكذلك كل دول العالم. ويبدو أن الولايات المتحدة ستعاني من الفوضى السياسية والاقتصادية خلال ولاية ترامب هذه، لكن الاختبار والأثر الحقيقي لها – رغم خسارة مئات المليارات من الدولارات – سيكون خلال الشهور القليلة القادمة، بعد بدء التطبيق يومي 5 أبريل و9 أبريل الحالي.
الخلاصة: الاقتصاد العالمي على موعد مع الفوضى والحرب التجارية، وعلى العقلاء داخل إدارة ترامب أن يدفعوه لتجميدها أو سحبها.
إن أكاذيب ترامب الاقتصادية عن زيادة الاستثمارات بنحو 5 تريليونات دولار، ومثل هذه الأقوال، بحاجة لاختبار فعلي. وكما قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول: ففي غضون عام، ستتلاشى حالة عدم اليقين، وسيرى الجميع أثر قرارات ترامب الجمركية الكارثية، لكن الواضح أنها تهدد النمو والوظائف وسترفع نسبة التضخم.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب البيت الأبيض المزيد الاقتصاد الأمریکی الولایات المتحدة الاقتصاد العالمی الرسوم الجمرکیة على العالم رسوم ا

إقرأ أيضاً:

مدبولي يؤكد اتفاق مصر وصربيا على إلغاء الرسوم الجمركية وتعزيز بيئة الأعمال

أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن العلاقات بين مصر وجمهورية صربيا علاقات تاريخية ممتدة لعقود، شهدت تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خاصة بعد افتتاح منتدى الأعمال المصري-الصربي المشترك في يوليو الماضي، والذي اعتبره نقطة تحول في تعزيز التعاون الثنائي على مختلف المستويات.

مدبولي: زيارة رئيس وزراء صربيا لمصر تمثل انطلاقة في العلاقات الثنائية بين البلدينمدبولي: اتفاقية التجارة الحرة مع صربيا تفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي التجارة والزراعة في مقدمة ملفات التعاون

أوضح مدبولي خلال مؤتمر صحفي أن البلدين يرتبطان بتعاون وثيق في مجالات الزراعة والتجارة، مؤكدًا أن هناك توافقًا على إلغاء الرسوم الجمركية بين الجانبين، بما يسهم في تعزيز حركة الصادرات والواردات، ويخلق مناخًا أكثر مرونة أمام المستثمرين.

شراكة تجارية دون حواجز

وأضاف رئيس الوزراء أن "مصر تمتلك بنية لوجستية متقدمة تمكّنها من الوصول إلى الأسواق الإقليمية والعالمية، وأن الهدف من التعاون مع صربيا هو التصنيع والتصدير بدون حواجز جمركية، بما ينعكس بالإيجاب على معدلات النمو في كلا البلدين".

 فض النزاعات وتحسين بيئة الأعمال

كما لفت إلى الاتفاق بين الطرفين على تعزيز آليات حل النزاعات التجارية وتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين، مشيرًا إلى أن هذه الخطوات تأتي ضمن خطة مصر لبناء شراكات استراتيجية حقيقية تسهم في الاستقرار والنمو المشترك.

طباعة شارك الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء صربيا

مقالات مشابهة

  • "مدبولي": اتفاقية التجارة الحرة مع صربيا ستلغي الرسوم الجمركية
  • مدبولي: اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وصربيا سيتم بموجبها إلغاء الرسوم الجمركية
  • مدبولي يؤكد اتفاق مصر وصربيا على إلغاء الرسوم الجمركية وتعزيز بيئة الأعمال
  • تصعيد خطير بين إيران وإسرائيل.. والضربات تهز الاقتصاد العالمي.. بالأرقام
  • وزير الدفاع الأمريكي: ملتزمون بالدفاع عن الأصول الأمريكية في الشرق الأوسط
  • خبير نووي: إيران تمتلك القدرة على تصنيع قنبلة نووية (فيديو)
  • الصين تتجه لإلغاء الرسوم الجمركية على صادرات 53 دولة إفريقية بينها المغرب
  • مجموعة السبع: أستراليا تعتزم طرح مسألة الرسوم الجمركية ومستقبل تحالف أوكوس مع واشنطن
  • التوترات بين إيران وإسرائيل.. ما هي المخاطر التي تهدّد الاقتصاد العالمي؟
  • 10 % جمارك | الألماس بين المطرقة والسندان: رسوم ترامب وابتكارات المختبرات تهدّد عرش الرفاهية