عربي21:
2025-05-24@21:04:57 GMT

الجزائر وفرنسا: أسئلة ما بعد العاصفة

تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT

طيلة الشهور الماضية خاض الإعلام الجزائري، وتحديدا التلفزيون الحكومي ووكالة الأنباء الجزائرية، حملة تشهير كبرى على فرنسا استثمر فيها وقتا طويلا وجهدا كبيرا وموارد ثمينة. لم يمر يوم تقريبا لم يبث فيه التلفزيون في نشرات الأخبار، مواد إخبارية تهاجم فرنسا بحدّة وتتحدث عن عيوبها. ولم يمر يوم تقريبا لم يخصص التلفزيون برامج نقاشية مع ضيوف تخصصوا في انتقاد فرنسا وحكومتها وتاريخها الاستعماري.

وذهبت وكالة الأنباء الجزائرية بعيدا هي الأخرى في مهاجمة فرنسا بتقارير اتُخذت عناوين رئيسية في أغلب وسائل الإعلام الجزائرية.

ولم يُقصّر الإعلام الخاص، مرئي ومكتوب، هو الآخر في مهاجمة فرنسا في تقليد واضح للإعلام الحكومي، ثقةً منه بأن الإعلام الحكومي يتصرف بتوجيهات عليا ولا يأتي بشيء من بنات أفكاره عندما يتعلق الأمر بفرنسا (وقضايا أخرى).

كان التركيز الأكبر في تلك الحملة على الماضي الاستعماري الفرنسي في الجزائر وفظاعاته مصنّفا إياها ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. لا بأس، فجرائم فرنسا فعلا كذلك وتستحق المحاسبة والقصاص لو كنا في عالم مثالي. تسليط الضوء على الماضي الاستعماري لفرنسا ضرورة وليس ترفا سياسيا أو ثقافيا. وليس سلعة موسمية يُلوَّح بها عند الحاجة وتُسحب عندما تنتفي الحاجة. إنه حق الشعب الجزائري على قادته أن يطالبوا به مهما طال الزمن. في المقابل يحتاج هذا الماضي إلى النظر إليه بشجاعة ومسؤولية في البلدين لأنه أحد أركان العلاقات الثنائية ويُبقيها مسمومة إذا ما تُرك عالقا بلا رغبة في تسويته.

لكن هناك عيوبا تخللت حملة الإعلام الجزائري على الماضي الاستعماري الفرنسي. لقد طغى عليها الكم وغاب الكيف، ورغم كثافتها كانت فقيرة. أول هذه العيوب أنها كانت حملة موسمية تقررت كرد فعل على فعل. ثانيها غياب الدقة المهنية، وثالثها ترك الخوض في الموضوع لأناس ليسوا أهلا له فكان أن سيَّسوه أكثر من اللازم.

لذلك لا خشية من القول إن تلك الحملة أخضعت التاريخ الجزائري، بكل ما فيه من حمولة إنسانية وثقافية وأخلاقية، للحسابات السياسية والمواقف الظرفية. يذكّرني هذا بتوظيف الدين في الماضي القريب لأغراض سياسية فكانت النتائج كارثية على الجزائر دولة ومجتمعا. تسييس التاريخ لا يقل خطورة عن تسييس الدين، يضر بالتاريخ ويقود إلى النتائج الخطأ. وكذلك تركُ التاريخ لغير أهله.

في الأزمات السابقة استعملت السلطات الجزائرية وأذرعها الإعلامية الماضي الاستعماري في مهاجمة فرنسا وتهديد مصالحها. ثم سرعان ما اختفت المعايرة والتهديد حالما نجح قادة البلدين في كنس غبار الخلافات تحت السجّاد.

مثلما أملت الحسابات السياسية أن تبدأ تلك الحملة الحالية وبذلك الإيقاع، هناك احتمال أن تُملي الحسابات ذاتها نهاية الحملة أو تخفيف وتيرتها قريبا عندما ينطلق قطار المصالحة بين البلدين.

الآن وقد لاحت بوادر تهدئة إثر المكالمة الهاتفية بين الرئيسين عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون يوم العيد، وزيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر بدعوة رسمية من نظيره الجزائري، هناك أسئلة تفرض نفسها، منها على سبيل المثال: هل سيواصل الإعلام الجزائري (الجزائر بتعبير أدق) مهاجمة فرنسا وماضيها الاستعماري؟ هل يتوقف عن المطالبة بالعدالة والإنصاف للجزائريين ضحايا الاستعمار الفرنسي؟ هل يتوقف عن المطالبة بتعويضات مادية ومعنوية واعتذارات من فرنسا؟ ما مصير الكلام عن قانون يُجرّم الاستعمار الفرنسي؟ هل سنواصل مطالبة الدبلوماسية الفرنسية بإعادة العقارات الفخمة في أعالي الجزائر العاصمة التي امتلكتها أو تستأجرها بالدينار الرمزي؟ ماذا عن الجزائريين الذي تضعهم فرنسا على لائحة الطرد ورفضت الجزائر في الماضي القريب استلامهم؟ ما محل وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو في المعادلة المقبلة؟ وهو الذي يعتبره المسؤولون الجزائريون المسؤول الأول عن التأزم الحالي ويريدون رأسه (حتى وإن لم يعلنوها صراحة).

لقد ذهبت الجزائر، عبر إعلامها، بعيدا في العداء لفرنسا دون حسبان ما يخفيه المستقبل. والحال اليوم أن الاستمرار في تلك الحملة مكلف والتوقف عنها غير مريح. الاستمرار لن يعجب المؤسسة الفرنسية، التي رغم تقبلها كل أنواع الانتقادات، إلا أنها لا زالت تستحي من ماضيها الاستعماري في الجزائر وعملت على تشكيل إجماع على رفض التشكيك فيه أو تصنيفه ظلما وجرائم ضد الإنسانية. أما التوقف عن الحملة فغير مريح أمام الرأي العام الجزائري الذي جرى شحنه ضد فرنسا بلا توقف طيلة الأيام والشهور الماضية.

فرنسا هي الأخرى أمام أسئلة جدية أبرزها: في أيّ ماكرون على الجزائر أن تثق الآن.. الذي زارها مرشحا للرئاسة في 2017 وصرّح في عاصمتها بأن الاستعمار الفرنسي جريمة ضد الإنسانية؟ أم الذي زارها مبتهجا في صيف 2022 ومرفوقا بوفد أمني ضخم؟ أم الذي تشعر بأنه طعنها في الظهر باعترافه بسيادة المغرب على الصحراء الغربية؟ أم الذي اتهمها بالتخلي عن شرفها لأنها سجنت بوعلام صنصال؟ أم الذي بعد ذلك دعا إلى التهدئة وتجاوز ما يعكر صفو علاقات البلدين؟

رغم كل شيء، هناك جانب مضيء في التطورات الأخيرة هو أن تستغل الجزائر وفرنسا الانفتاح الذي يحدث لطرح كل الملفات العالقة على الطاولة وتسوية ما أمكن منها. لكن المشكلة أن أغلب الملفات ثقيلة وملغومة بشكل يشجع العاصمتين على وضعها على الرف لأن طرقها يعني، ببساطة، فتح الباب لأزمة جديدة.

(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الجزائري فرنسا العلاقات فرنسا الجزائر علاقات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة مقالات صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإعلام الجزائری تلک الحملة أم الذی

إقرأ أيضاً:

طارق الشناوي ناعيا المخرج الجزائري محمد الأخضر عن عمر 90 عاما: «رحل يوم عرسه»

نعى الناقد الفني طارق الشناوي، عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، وفاة المخرج الجزائري محمد الأخضر عن عمر يناهز الـ 90 عاما، أمس الجمعة، وذلك بعد الإعلان عن حصوله عن السعفة الذهبية ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي في دورته الـ 78.

وكتب طارق الشناوي، عبر حسابه على «فيسبوك» ناعيا وفاة محمد الأخضر، قائلا: «رحل يوم عرسه، ودعنا اليوم محمد الأخضر حامينا، المخرج الجزائري الكبير، بينما كانت إدارة مهرجان (كان) تحتفل باليوبيل الذهبي 50 عامًا على حصوله على السعفة الذهبية عن فيلمه (وقائع سنوات الجمر)، حامينا هو المخرج العربي الوحيد الذي حصل على السعفة، وكأننا نشاهد مشهدًا دراميًا، فنان استثنائي يغادر الحياة يوم عرس تكريمه».

المخرج محمد الأخضر آبرز المعلومات عن المخرج محمد الأخضر

- ولد المخرج محمد الأخضر في مدينة المسلية عام 1934.

- بدأ مسيرته في السينما بعدما ترك كلية القانون والزراعة في فرنسا، ليزداد شغفه بالسينما.

- أرسلته الحكومة الجزائرية إلى العاصمة التشيكية براج لتعلم الإخراج، وهو ما كان بداية لتحول كبير في مسيرته.

المخرج محمد الأخضر

- وتعد اللحظة المفصلية في مشواره التي نقلت اسمه إلى المحافل السينمائية العربية جاءت عام 1975، عندما حاز على جائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائي عن فيلمه التاريخي "وقائع سنين الجمر"

وقف دعوى هاني شاكر ضد الناقد الفني طارق الشناوي

وفي وقت سابق، قضت محكمة القاهرة الاقتصادية، اليوم السبت، بوقف الدعوى المقامة من الفنان هاني شاكر ضد الناقد الفني طارق الشناوي على خلفية اتهامه تعمد الإزعاج وسوء استعمال وسائل التواصل الاجتماعي.

أحالت النيابة العامة، البلاغ المقدم من الفنان هاني شاكر ضد الناقد الفني طارق الشناوي إلى محكمة الجنح الاقتصادية، بتهمة تعمد الإزعاج وسوء استعمال وسائل التواصل.

اقرأ أيضاً«جريمة أدبية».. طارق الشناوي يهاجم أسرة عبد الحليم حافظ بعد كشف خطاب السندريلا لـ العندليب

طارق الشناوي عن أزمة مسلسل معاوية: تجسيد الصحابة أمر مباح «فيديو»

طارق الشناوي يعلق على منع محمد رمضان من ممارسة المهنة بعد «مش فاضي»

مقالات مشابهة

  • طارق الشناوي ناعيا المخرج الجزائري محمد الأخضر عن عمر 90 عاما: «رحل يوم عرسه»
  • وفاة المخرج الجزائري لخضر حمينة
  • الجزائر تطيح بالجنرال الذي أغضب فرنسا… تفاصيل
  • الجزائر تطيح بالجنرال الذي أغضب فرنسا.. نهاية حقبة أم مناورة تكتيكية؟
  • نواكشوط: افتتاح فعاليات المنتدى الاقتصادي الجزائري الموريتاني
  • الجزائر ترد بتعليق الإعفاء من التأشيرة للدبلوماسيين الفرنسيين!
  • الجزائري عمورة على أعتاب فريق جديد بالبوندسليغا
  • وزير الخارجية الفرنسي: غزة تحولت إلى "فخ للموت" وفرنسا مصممة على الاعتراف بدولة فلسطين
  • أطفال يحرجون حسناء البيت الأبيض .. أسئلة غير متوقعة عن ترامب
  • الحكومة الإسبانية اليسارية في عين العاصفة