ووفقا لما قاله الباحث المتخصص في حركات التصوف الدكتور عمار علي حسن، في حلقة 2025/4/10 من بودكاست "وسط البلد"، فقد قيل قديما إن كل مؤمن لا بد أن يكون في قلبه شيء من التصوف.

ووفقا لحسن، فإن البعض يرى أن التصوف يعود إلى "أهل الصُفَّة" الذين كانوا يصلّون خلف الرسول صلى الله عليه وسلم، بينما يرى آخرون أنه يعود لمجموعة ظهرت بعد ذلك وأرادت أن تعتزل الدنيا من أجل العبادة.

وعرفت مصر حضورا كبيرا للحركات الصوفية على مستوى المظاهر التعبدية أو التأثير السياسي، وهو ما جعل الحكام يلتفتون مبكرا إلى هذه الحركات ويحاولون تأطيرها والاستفادة منها.

فلم يعرف الإسلام منذ ظهوره العمل الفردي كونه دينا جماعيا، كما يقول حسن الذي أوضح أن الحكام على مدار التاريخ لم يلتفتوا إلى ظاهرة فردية ولا يهتمون بها ما لم تتحول إلى مظهر من مظاهر الجماعية، وهو ما حدث من الصوفية.

الهيكل الإداري للطرق الصوفية

وقد وضع قانون لتنظيم الطرق الصوفية إداريا منذ عهد محمد علي، بحيث أصبح لها هيكل إداري يترأسه شيخ مشايخ الطرق الصوفية، ثم شيوخ الطرق ووكلاؤهم، والمجلس الأعلى للطرق الصوفية الذي نظمه القانون 118 لسنة 1976.

ويتكون هذا المجلس من 10 أشخاص يمثلون وزارات الداخلية والإعلام والثقافة والتنمية المحلية والأزهر الشريف، يتم انتخابهم من جانب مشايخ الطرق الصوفية التي تصل إلى 80 طريقة.

إعلان

ولا يمكن لأي من الأشخاص جمع الناس من حوله للتعبد أو التصوف ما لم يحصل على إجازة من هذا المجلس الذي يضع معايير محددة لمنح هذه الإجازات.

وقد يتعرض أي شخص للاعتقال إذا مارس هذا العمل دون الحصول على هذه الموافقة، غير أن حسن يقول إن هذه الموافقات تخضع لنوع من التفاهمات والقواعد وتتم بمباركة أمنية في نهاية المطاف.

واللافت في هذه الطرق هو أنها تقاوم فكرة الانشقاق بين الطرق عبر آلية خاصة للمصالحات، بحيث لا يخرج مريد عن شيخه ليشكل طريقة جديدة، وهو أمر مخالف لما جرى عليه العهد في معظم الحركات الدينية التي دأبت على التشظي، كما يقول حسن.

دور سياسي قديم

وبالعودة للتاريخ، نجد أن صلاح الدين الأيوبي حاول تمييز هؤلاء الصوفية عن الشيعة ليعيد مصر إلى سمتها السني، فجعل لهم مخصصات، وأنشأ لهم "التكية" التي كانوا يعيشون فيها في ترف من أجل الانقطاع للعبادة وإنتاج مسار ديني مختلف عن المسار الفاطمي.

وعلى ما فيه هذا السلوك من مظهر ديني، فإن صلاح الدين كان يتحرك من منطلقات يمكن اعتبارها لصيقة بالأمن القومي في ذلك الوقت، حسب وصف الدكتور عمار علي حسن.

ومع ذلك، فإن حسن يعتقد أن صلاح الدين ما كان له أن ينجح في العودة بمصر من المسار الشيعي إلى مسارها السني ما لم يجد قبولا ورضا في نفوس المصريين أنفسهم.

كما أن الدولة الفاطمية التي حاول صلاح الدين تغيير إرثها كانت تعتمد بشكل كبير على المسيحيين واليهود في إدارة الدولة والذين استبعدوا السنَّة بشكل كبير.

وحتى في العصر الحديث، فقد نص قانون تنظيم هذه الطرق على أنها "سنّية"، ولا يمكن التسامح مع أي طريقة تحاول الجنوح إلى المذهب الشيعي رغم احتفاظ هذه الجماعات بكثير من مظاهر الدولة الفاطمية كالموالد مثلا.

ومع ذلك، فإن ثمة بعض التماسات بين الطرق الصوفية والشيعة جعلت هذه الطرق متهمة بأنها باب من أبواب التشيع، ومن ذلك المبالغة في حب آل البيت.

ونظرية الإمامة عند الشيعة تقترب من فكرة الولاية عند الصوفية، كما أن الفلسفة الصوفية تحمل ظلالا من الثقافة الفارسية القديمة.

إعلان

وبناء على هذه التشابهات، اتهمت بعض الحركات الدينية السياسية الطرق الصوفية بأنها أحد أبواب التشيع، وهو أمر غير صحيح برأي حسن الذي يقول إن التشيع مذهب سياسي لبس رداء الدين، بينما الصوفية مشروع ديني صرف.

10/4/2025

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الطرق الصوفیة صلاح الدین

إقرأ أيضاً:

هل يعتبر موتى حوادث الطرق من الشهداء؟.. الإفتاء تجيب

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: هل يعتبر موتى حوادث الطرق من الشهداء؟

وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: الشخص الذي يموت في حوادث الطرق والسير وبسبب الإصابات الناجمة عنها معدودٌ من شهداء الآخرة، وذلك بشرط عدم التفريط في الاحتراز باتخاذ وسائل الوقاية والأمان المقررة، وعدم الزج بنفسه في الحادث بقصد التخلص من الحياة، وإلا فأمره مفوضٌ إلى مولاه عزَّ وجلَّ.

 

هل كلام الحب بين المخطوبين حرام؟.. الإفتاء تجيبفي خرق واضح للتابوهات السياسية.. شخصيات إسرائيلية بارزة تدعو لفرض عقوبات قاسية على حكومة نتنياهو بسبب تجويع غزةهل تصح الصلاة مع وجود طلاء الأظافر؟.. الإفتاء تجيبحكم إخراج الزكاة لمؤسسة رعاية مرضى أمراض معينة.. الإفتاء تجيب


فضل الشهادة في الإسلام
امتنَّ الله تعالى على الأمة المحمدية بتعدُّد أسباب الشهادة وكثرة خصالها وعلو منازلها وتفاوت درجاتها رحمةً وتفضلًا على مَن اختصهم بها وجعلهم مِن أهلها؛ فعن الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الْإِيمَانِ، وَيُزَوَّجُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ» أخرجه الإمام أحمد، وابن ماجه -واللفظ له-.

بيان أسباب الشهادة والمراد بشهيد الآخرة
قد وردت جملة كبيرة من الأحاديث والآثار في بيان أسباب الشهادة وذِكْرها، منها: ما جاء في حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأل من كان حاضرًا وقت وفاة عبد الله بن ثابت رضي الله عنه: «مَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ؟» قَالُوا: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَالَ: «الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدَةٌ» أخرجه الإمام مالك في "الموطأ"، والإمام أحمد -واللفظ له-، وأبو داود والنسائي.

واتفقت كلمة العلماء وشراح السُّنَّة النبوية المطهرة على أن المراد بـ"الشهادة" الواردة في هذا الحديث الشريف وأمثاله من الأحاديث والآثار ما أطلق على صاحبها "شهيد الآخرة"، بمعنى أن الذي مات بأحد هذه الموتات المذكورات له مثل أجر الشهيد في الآخرة فقط، فهو كالشهيد حقيقةً عند الله تعالى في وُفور الأجر وعظيم الثواب دون أن تجري عليه أحكام الشهيد حقيقةً في الدنيا، ولهذا يُغسَّل ويُكفَّن كسائر الموتى.

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (13/ 63، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال العلماء: المراد بشهادة هؤلاء كلهم غير المقتول في سبيل الله أنهم يكون لهم في الآخرة ثواب الشهداء، وأما في الدنيا فيُغَسَّلون ويُصلَّى عليهم] اهـ.

وقال الحافظ بدر الدين العَينِي في "شرح سنن أبي داود" (6/ 29، ط. مكتبة الرشد): [هؤلاء كالشهداء حقيقةً عند الله تعالى في وُفور الأجر، ولهذا يُغسَّلون ويُكفَّنون كسائر الموتى، بخلاف الشهيد الحقيقي، وهو الذي قُتل ظلمًا، ولم تجب بقتله دية، أو وُجد في المعركة قتيلًا] اهـ.

هل يعتبر من يموت بحوادث الطريق من الشهداء؟
تدور أسباب الشهادة الواردة في الأحاديث على تنوعها حول معنى واحد، وهو المرض مع شدة فيه أو كثرة ألم، مع ظهور تحرُّز الأشخاص المصابين بها قبل موتهم من خلال اتباع أساليب الأمان وعدم الإهمال في أسباب وأدوات الوقاية من خطر الإصابة قبل حدوثها، وخصوصًا في حالات الغرق أو الحرق أو الهدم، وإلا لحقهم إثم التقصير في التحرز.

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (13/ 63، ط. دار إحياء التراث العربي): [وقد قال العلماء: وإنما كانت هذه الموتات شهادة بتفَضُّل الله تعالى بسبب شِدَّتها وكثرة ألَمِهَا] اهـ.

ويتحقق هذا المعنى في حالات وفيات حوادث الطرق والسير سواء كانت الوفاة على الفور من وقوع الحادث أو حال تطور الإصابة الناجمة عن الحادث؛ وذلك لأن المُشاهدة تقضي بأن المتوفَّين بسبب ذلك أن الحادث أصابهم بقضاء الله وقدره ولم يلقوا بأنفسهم فيه على سبيل القصد والتخلص من الحياة، ولم يُفَرطوا في التحرز باتخاذ وسائل الأمان، وهذا بحسب الغالب، ومن ثَمَّ فلا تخلو -في الجملة- حالة من حالاتها من وجود سبب من أسباب الشهادة الواردة في السُّنَّة النبوية المطهرة؛ بل قد تجتمع في بعض الأحوال، فيُزاد في الأجر والثواب على تعدد الأسباب وتنوع الخصال؛ فـ"كلُّ مَن كثر أسباب شهادته زِيدَ له في فتح أبواب سعادته" كما قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (3/ 1132، ط. دار الفكر).

وهذا كله مشروط بكون هذا الشخص المتوفَّى قد أصابه الحادث بقضاء الله وقدره ولم يُلقِ بنفسه فيه على سبيل التخلص من الحياة، ولم يُفَرط في التحرز عنه باتخاذ وسائل الوقاية والأمان ومعايير السلامة المقررة في هذا الشأن.وأكدت بناءً على ذلك: ان الشخص الذي يموت في حوادث الطرق والسير وبسبب الإصابات الناجمة عنها معدودٌ من شهداء الآخرة، وذلك بشرط عدم التفريط في الاحتراز باتخاذ وسائل الوقاية والأمان المقررة، وعدم الزج بنفسه في الحادث بقصد التخلص من الحياة، وإلا فأمره مفوضٌ إلى مولاه عزَّ وجلَّ.

طباعة شارك موتى حوادث الشهداء الإفتاء الشهادة المراد بشهيد الآخرة

مقالات مشابهة

  • ألوية الناصر صلاح الدين: قصفنا تجمعا لجنود الاحتلال بقذائف الهاون
  • الديهي: مصر الجائزة الكبرى في صراع المنطقة.. وهذه رسالتي للمثقفين
  • نشأت الديهي يكشف خرائط ومخططات تاريخية لتقسيم المنطقة خدمةً للمصالح الإسرائيلية
  • أمن الطرق بمكة المكرمة تقبض على شخص لترويجه الإمفيتامين و34 ألف قرص مخدر
  • وفاة امرأة وإصابة مواطنين وانقلاب شاحنة في نقيل بني سلامة بذمار
  • السوداني يصل إلى محافظة صلاح الدين
  • اللصوص وقطاع الطرق في غزة
  • أحفاد صلاح الدين.. حملة كردية غير مسبوقة لإغاثة غزة
  • هل يعتبر موتى حوادث الطرق من الشهداء؟.. الإفتاء تجيب
  • محكمة كينية تأمر بنبش قبور في قضية يُشتبه علاقتها بطائفة دينية متطرفة